ملخص: تريد أمراً ما بشدة؛ لكن الحياة تريد لك شيئاً آخر. فما العمل عندما لا تحصل على ما تريد؟ كيف تتعامل مع مشاعر الخيبة التي تعتريك؟ هذا المقال يجيبك.
محتويات المقال
نريد جميعنا الحصول على أمر ما، ونظن أننا لن نكون سعداء ما لم نحصل عليه؛ ذلك الشخص الذي تحبه بشدة، الزواج، وظيفة الأحلام، أو حتى جائزة مالية ضخمة. البشر يعتادون، فأياً يكن مرادك، ستصبح سعيداً عندما تحصل عليه بالطبع؛ لكنك سرعان ما ستتأقلم مع هذه الظروف الجديدة؛ أي ستتكيّف مع علاقتك الجديدة أو ثروتك أو وظيفة أحلامك، ثم تعود إلى المستوى السابق من السعادة، وتبدأ البحث عن الهدف الجديد الذي سيجعلك سعيداً. لذلك؛ أبقِ هذه الفكرة في رأسك، ودعنا نوضح لماذا ترغب فيما لا يمكنك الحصول عليه، وما الذي يمكنك فعله عندما لا تحصل على ما تريد.
الممنوع مرغوب! لماذا نرغب جداً بما لا يمكننا الحصول عليه؟
من وجهة نظر نفسية، فالإنسان غالباً ما تعتريه رغبة شديدة في الحصول على ما لا يمكنه الحصول عليه نتيجة أسباب مختلفة؛ مثل:
- رد الفعل النفسي: عندما يشعر الناس بأن اختياراتهم أو حرياتهم مقيدة بشدة، قد يُبدون ردود أفعال تتمثل برغبة شديدة في الحصول على تلك الخيارات المحدودة أو الصعبة المنال. يُعرف هذا برد الفعل النفسي؛ فتصبح الرغبة في الحصول على ما لا يمكن الحصول عليه حافزاً لاستعادة حرية الشخص، أو عملاً من أعمال التحدي والاستقلالية. بالإضافة إلى ذلك، تقول الطبيبة النفسية بولين ويلان (Pauline Willan) إن الناس، وعندما يصعب عليهم الحصول على أمر ما، فإنهم يولونه الكثير من الاهتمام في الحال. لاحظ أنك عندما تتبع حمية غذائية مقيدة، فغالباً ما ينصب تركيزك على ما لا يمكنك أكله، وقد يتحول هذا الاهتمام المتزايد إلى هوس، ويجعل الطعام المحظور يبدو في غاية الأهمية.
- مبدأ الندرة: يميل الناس إلى تقدير الأشياء الأقل توفراً، أو التي يصعب الحصول عليها؛ وذلك لأن الندرة تزيد القيمة المتصورة لعنصر أو تجربة. فطالما أن أمراً ما بعيد المنال، فمن الطبيعي أن نرغب فيه أكثر.
- تكيّف المتعة (التأقلم مع المُتع): يميل البشر إلى التكيف مع التجارب الإيجابية بسرعة؛ ما قد يؤدي إلى الشعور بعدم الرضا عما يمتلكونه حالياً، أو على الأقل تنخفض موجة السعادة التي يختبرونها إلى مستوىً شخصي وثابت مع مرور الوقت؛ ما يجعلهم يرغبون في شيء جديد أو بعيد المنال لأنه يَعِد بالسعادة مرة أخرى والإثارة. وجدير بالذكر أن هذه الحالة لا تنطبق فقط على المواقف الممتعة بل على الأوقات الصعبة أيضاً؛ فعندما يتعرض شخص إلى خسارة أو انتكاسة ما، فإن حدة المشاعر القوية المصاحبة لهذا الحدث السلبي ستقل مع مرور الوقت.
- المقارنة الاجتماعية: غالباً ما نقارن أنفسنا بالآخرين، وبخاصة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. عندما نرى الآخرين يمتلكون شيئاً نرغب فيه ولكن لا يمكننا الحصول عليه، فإن ذلك يغذي رغبتنا على نحو أكبر؛ حيث نرغب في الحفاظ على وضعنا الاجتماعي واحترامنا لذواتنا أو تحسينهما. يمكن أن يساعد استكشاف هذه العوامل النفسية الأفرادَ على فهم رغباتهم وتطوير آليات تكيف صحية لإدارة رغباتهم وإيجاد الرضا عما لديهم.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع مشاعرك المزعجة بعد خسارة كل شيء؟
ما العمل عندما تريد شيئاً لا يمكنك الحصول عليه؟
سيبدو أن أي شيء يُكتب في هذه الحالة عديم الجدوى، فالقلب يريد ما يريد، وخيبة الأمل التي تنشأ عن عدم الحصول على المراد لن تكون صغيرة وكذلك هما الألم والإحباط؛ لكن قد يكون من المستحيل في كثير من الأحيان أن نحقق ما نتمناه. لذلك؛ لا بدّ من تعلم كيفية المضي قدماً، وإليك بعض النصائح العملية:
احترم مشاعرك
الخطوة الأولى عند المرور بأوقات عصيبة في الحياة وخيبة الأمل الناتجة من عدم تحقيق الأماني هي الاعتراف بالمشاعر الصعبة وتقبلها. فسواء أكان الغضب أم الحزن أم الإحباط، لا بد من الاعتراف بهذا الشعور والسماح لنفسك بتجربته دون قمعها. تذكّر أنّ التعبير عن شعورك والتعامل معه وفق طرائق صحية يطور مرونتك النفسية، وهو أمر مهم جداً من أجل التعامل الجيد مع خيبة الأمل حسب توصيات المختصة النفسية، بلقيس السراجي. لذلك؛ ابكِ إن أردت أو اصرخ أو افعل ما يهوِّن عليك. علاوة على ذلك، كن عطوفاً مع نفسك وتحدث إليها بلطف وخُذ وقتك للتعافي.
وقد يكون من المفيد تعلم كيفية التعامل مع عدم اليقين في الحياة، عبر تنمية الوعي بالذات، وعدم المبالغة في التفكير، والتصالح مع الأمور التي تسير على نحو خاطئ. ومن الضروري أن تتجنب الانخراط في العادات والسلوكيات السلبية بغية الهروب وصرف انتباهك عن عواطفك.
اقرأ أيضاً: هل تأخذ الأمور على محمل شخصي باستمرار؟ إليك الأسباب المحتملة
ركِّز على أمر آخر
كما ذكرنا سابقاً، من الطبيعي أن تركز على غايتك عندما تُحرم منها؛ سواء أكانت عنصراً أم نشاطاً أم حتى شخصاً، وحتى لا يستنزفك التفكير فيما ترغب فيه، فقد يكون الأفضل أن تحوِّل انتباهك إلى شيء مختلف. ضع أهدافاً عملية قابلة للتحقيق حتى تستطيع المضي قدماً في الحياة، وكلما فاتتك فرصة من نوع ما، فكر في التركيز على الاستفادة من الفرص الأخرى المتاحة.
امتن لما لديك
ستشعر بخيبة أمل كبيرة إذا قضيت جلّ وقتك تفكر فيما ينقصك بدلاً من الاستمتاع بما لديك. وهذه نقطة لا بد من أنك قرأتها آلاف المرات؛ لكن هل طبقتها فعلاً؟ اكتب قائمة بالأمنيات والتجارب والأحداث والظروف الإيجابية التي حققتها أو عشتها في الماضي وقدِّرها وامتن لها، فقد وجد الباحثون في جامعة كاليفورنيا في دراسة منشورة في دورية المشاعر (Emotions) عام 2011، أن التعبير عمداً عن الامتنان تجاه تجربة إيجابية عاشها الشخص يرتبط بزيادة قدرته على السعادة. في الواقع، الامتنان يزيد المشاعر الإيجابية والسعادة، ويحسّن الرضا عن الحياة.
اقرأ أيضاً: الشيروفوبيا: لماذا يخاف البعض السعادة؟ وكيف يمكنه التغلب على هذا الشعور؟
استثمر في علاقاتك الاجتماعية
ربما تنسى الناس كلهم حولك عندما تحلم في ذلك الشخص الذي لا يمكنك الوصول إليه، على الرغم من أن العديد من الدراسات من حول العالم قد أثبتت أن علاقاتك الاجتماعية مفتاح سعادتك الطويلة الأمد. فوفقاً لما ذكرته دراسة منشورة في دورية بلوس ون (PLOS ONE)؛ يوفر وجود علاقات إيجابية وداعمة مع الأشخاص والأصدقاء الذين تحبهم وتهتم لأمرهم حاجزاً ضد التوتر، ويحسّن الصحة، ويساعدك على أن تصبح أكثر سعادة.
مارس اليقظة الذهنية
لا تفكر كثيراً فيما مضى ولا تشغل نفسك في محاولة السيطرة على المستقبل، فالسعادة يمكن تحقيقها من خلال التركيز على الحاضر عبر اليقظة الذهنية؛ وهي نوع من أنواع التأمل الذي تركز فيه انتباهك ووعيك على ما تحس به في اللحظة الراهنة؛ أي الإحساس الواعي بمحيطك وحالتك الداخلية في الوقت الحالي. وتسهم اليقظة في تقليل التوتر والقلق، وتحسِّن الانتباه والذاكرة، وتعزز تنظيم المشاعر، بالإضافة إلى أنها تعزز مشاعر الرفاهية والإيجابية.
اقرأ أيضاً: كيف تستثمر حاضرك، ولا تنشغل بماضيك أو مستقبلك؟
تجنّب المقارنة
توقف عن مقارنة نفسك بالآخرين، وتذكّر أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تنقل صورة حقيقية كاملة عن حياة الناس، إلى جانب أن المقارنة قد لا تسبب لك سوى التعاسة. وتذكّر أيضاً أنّ نزعة المجتمع اليوم هي نحو الاستهلاك وخلق الرغبة المستمرة في الحصول على المزيد، سواء أكان المزيد من المال أم المنتجات أم الثياب أم الأصدقاء. لذلك؛ من المهم أن تتراجع قليلاً، وتسأل نفسك لماذا تريد المزيد، وتحدد ما يجعلك سعيداً بالفعل، وتركز طاقتك عليه.
جِد منفذاً لتفريغ مشاعرك على نحو مثمر
يرتبط إحساسك بالرفاهية والسعادة العميقة بتطورك الشخصي. لذلك؛ حدد أهدافاً شخصية واقعية وقابلة للتحقيق، والتزم بالعادات الصحيحة اللازمة لتحقيقها، ومارس الأنشطة التي تحفز الحالة الذهنية الإيجابية بانتظام؛ مثل كتابة اليوميات والرقص والرياضة والموسيقا والرسم وما شابهها. فالقيام بنشاط إيجابي يسمح بتطوير عقلية صحية، ويساعد على التغلب على خيبة الأمل والمشاعر السلبية على نحو أسرع، بالإضافة إلى أن التمرينات الرياضية والهوايات عموماً تُعد وسيلة إلهاء جيدة عندما تحتاج إلى صرف انتباهك عن موضوع ما.
اقرأ أيضاً: كيف تتخلص من شعورك بانعدام الأمان؟
حاول الاستمتاع بالملذات البسيطة
قد تتساءل ما فائدة قطعة من الشوكولا أو المثلجات بينما لا يمكنك الحصول على ما تريد؛ لكن وعلى ما يبدو، فإن ما يحقق السعادة العابرة هو جزء مهم من رفاهيتك العامة. وزِد على ذلك أن ثمة تفاعلاً معقداً بين سعادة المتعة الآنية والإشباع الذي تحصل عليه من الأنشطة الهادفة مثل الأعمال الخيرية والنمو الشخصي ووجود هدف عميق للحياة. لذلك؛ لا تتردد في الانخراط الأنشطة الممتعة البسيطة والاستمتاع بها؛ لأنها عنصر أساسي في صحتك العاطفية والنفسية.
افعل أعمال خيرية وتطوعية
حتى لو لم تحصل على ما تريد، فيمكنك أن تزيد قدرتك على تحقيق السعادة على المدى الطويل من خلال الانخراط في الأعمال الخيرية، فالقيام بعمل خيري أو تطوعي دون أهداف أنانية أو شخصية قد يحقق فعلاً "السعادة الحقيقية والدائمة" على حد تعبير الباحثين في دراسة منشورة في مجلة فرونتيرز إن سايكولوجي (Frontiers in Psychology)؛ ما يؤدي في النهاية إلى الرضا والسلام الداخلي.
ختاماً، إن شعرت بخيبة أمل كبيرة أو مشاعر سلبية تفوق قدرتك على التحمل، أو تؤثر في مزاجك وسلوكك، أو لا تستطيع المضي قدماً في الحياة، ففكر في استشارة مختص في الصحة النفسية، فقد يساعدك على إيجاد طرائق جديدة لإدارة تلك الرغبات القوية.