الشيروفوبيا: لماذا يخاف البعض السعادة؟ وكيف يمكنه التغلب على هذا الشعور؟

الشيروفوبيا
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تُعد السعادة أحد الأهداف الأكثر قيمة التي يجب تحقيقها، ومع ذلك، يعتقد بعض الأشخاص أن السعادة يمكن أن تؤدي إلى المعاناة أو حدوث الكوارث؛ هؤلاء الأشخاص مصابون بالشيروفوبيا أو رهاب السعادة، فما قصة هذا الرهاب؟ تعرَّف إلى الإجابة في هذا المقال.

لماذا يخاف بعض الأشخاص السعادة؟ الحقيقة أن الفكرة قد تبدو صعبة التصديق، وأنا لم أكن أبداً لأصدقها لولا أن أغلبنا عاشها بطريقة أو بأخرى. على سبيل المثال؛ حين كنا نجتمع ونحن صغار في بيت جدتي ونضحك ويغمرنا الإحساس العميق بالسعادة، كانت جدتي تتمتم قائلة: “خير، اللهم اجعله خيراً” في إشارة إلى خوفها من أمر سيئ سيحدث لنا لأننا شعرنا بالسعادة!

وعلى الرغم من أن الكثير منا يبحث عن السعادة طوال حياته، سواء كان ذلك من خلال علاقات الحب، أو الرضا الوظيفي، أو المنزل الآمن والمريح، ففي الواقع هناك أشخاص يتجنبون أي شعور بالسعادة تماماً، ويخافون بالفعل عواقبَ الشعور بالبهجة، وتُعرف هذه الظاهرة باسم “الشيروفوبيا”، أو “الخوف من السعادة”. فما سر هذا الخوف؟ الإجابة في هذا المقال.

ما هي الشيروفوبيا أو الخوف من السعادة؟

يتكون مصطلح الشيروفوبيا من مقطعين؛ الأول “شيرو” (Chiaro) وهذه كلمة يونانية تعني “السعادة” أو “الابتهاج”، والمقطع الثاني “فوبيا” (Phobia) وهذه تعني “الرهاب” أو “الخوف الشديد”، وحين يعاني شخص ما الشيروفوبيا فإنه غالباً ما يخشى المشاركة في الأنشطة الممتعة، أو يخاف الشعور بالسعادة خوفاً شديداً.

وفي بعض الأحيان، لا يخاف الأشخاص المصابون بالشيروفوبيا المشاعر السارة التي يمكن أن تجلبها السعادة؛ لكنهم في الواقع يشعرون بالقلق الشديد بشأن الآثار السلبية المحتملة التي يمكن أن تحدث عندما تتوقف مسببات السعادة؛ مثل خيبة الأمل، والحزن، والوحدة، وفي حين أن رهاب الشيروفوبيا غير معترف به حالياً بوصفه اضطراباً نفسياً بموجب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، فإن ثمة دراسات قد بدأت تتحقق من وجوده على نحو عملي.

4 علامات لرهاب السعادة أو الشيروفوبيا

بموجب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)؛ يُصنف الرهاب تحت مظلة “اضطرابات القلق”، والرهاب هو خوف أو قلق ساحق ومنهك بشأن شيء ما أو مكان أو موقف أو شعور أو حيوان. وفي حالة رهاب الشيروفوبيا، يرتبط القلق بالمشاركة في الأنشطة التي تجعلك سعيداً، والشخص الذي يعاني رهاب الشيروفوبيا ليس بالضرورة شخصاً حزيناً؛ لكنه شخص يتجنب الأنشطة التي قد تؤدي إلى السعادة أو الفرح. ومن العلامات المرتبطة برهاب الشيروفوبيا ما يلي:

  1. الشعور بالقلق عند التفكير في الذهاب إلى أي تجمع اجتماعي مبهج؛ مثل حفلة موسيقية أو عشاء بصحبة الأصدقاء.
  2. رفض الفرص التي يمكن أن تؤدي إلى تغييرات إيجابية في الحياة بسبب الخوف من حدوث شيء سيئ.
  3. رفض المشاركة في أنشطة الحياة الممتعة.
  4. التفكير في أن محاولة العيش بسعادة هي مجرد مضيعة للوقت والجهد.

اقرأ أيضاً: لماذا يعجز بعض الأشخاص عن الشعور بالسعادة؟

لماذا يشعر بعض الأفراد بالخوف الشديد من السعادة؟

الخوف من السعادة هو عدم الرغبة في تجربة مشاعر السعادة والتعبير عنها. ومثل هذا النفور يعني أن الشخص يتجنب المواقف المبهجة، أو يكبت مشاعر الفرح، أو يشعر بالذنب أو القلق بشأن السعادة، فلماذا يحدث هذا الخوف؟

  1. الاعتقاد بأن السعادة تزيد احتمالية حدوث الأشياء السيئة لك: عندما تسير الأمور على ما يرام، هل تشعر من داخلك أن شيئاً سيئاً على وشك الحدوث؟ في بعض الأحيان، يمكن أن ينبع رهاب الشيروفوبيا من الاعتقاد بأنه إذا حدث شيء جيد لشخص ما، أو إذا كانت حياته تسير على ما يرام، فإن هناك حدثاً سيئاً من المقدَّر له أن يحدث، ونتيجة لذلك؛ قد يخشى البعض الأنشطة المرتبطة بالسعادة.
  2. السعادة يمكن أن تجعل الشخص أسوأ: يعتقد بعض الأفراد عبر مختلف الثقافات، أن السعادة يمكن أن تجعل الأشخاص أسوأ من الناحية الأخلاقية؛ حيث من الممكن أن يكونوا أنانيين أو غير مسؤولين؛ ولهذا يشعرون بالذنب، وبخاصة إذا كان من حولهم يعانون في الحياة ويواجهون المصاعب.
  3. التعبير عن السعادة قد يجلب المصائب: بالإضافة إلى الشعور الفعلي بالسعادة، هناك اعتقاد بين بعض الأفراد والثقافات بأنه يجب أيضاً تجنب التعبير عن السعادة لأن قد يجلب المصائب. في ثقافات شرق آسيا على سبيل المثال، إظهار السعادة والنجاح قد يسبب الحسد، وفي روسيا أيضاً يمكن للتعبير عن السعادة أن يؤدي إلى العين الشريرة ومن ثَمّ سيشعر الفرد في نهاية المطاف بالتعاسة وسوء الحظ.
  4. الشيروفوبيا وارتباط الذاكرة: إن حقيقة أن دماغنا مبرمج على التركيز على السلبيات بدلاً من الإيجابيات، يلعب دوراً أيضاً عند استكشاف الخوف من السعادة؛ وذلك لأن الأشخاص الذين يعانون رهاب الشيروفوبيا ربما مروا من قبل بأحداث حياتية كانت فيها الأوقات السعيدة يتبعها بسرعة حدث سلبي أو مزعج.

مَن الأشخاص الأكثر عرضة إلى الإصابة بالشيروفوبيا؟

تؤدي الشخصية دوراً كبيراً في الإحساس بالسعادة، وعلى نحو أكثر تحديداً، هناك بعض الأشخاص الذين يملكون صفات أساسية تجعلهم أكثر عرضة إلى هذا الرهاب؛ مثل:

  1. الشخص الانطوائي: وهو الشخص الذي يفضل عادةً القيام بالأنشطة بمفرده أو مع شخص أو شخصين في الوقت نفسه، ويؤكد الاستشاري النفسي ناصر الهندي إن الشخص الانطوائي قد يكون أكثر عرضة إلى الإصابة برهاب الشيروفوبيا لأنه يشعر بالخوف أو عدم الراحة في الأماكن الجماعية ويميل إلى قضاء الوقت بمفرده؛ ما يعزز خوفه من السعادة.
  2. الشخص المثالي الذي يسعى إلى الكمال: أولئك الذين يسعون إلى الكمال قد يشعرون أن السعادة هي سمة فقط للأشخاص الكسالى أو غير المنتجين، ونتيجة لذلك؛ قد يتجنبون الأنشطة التي يمكن أن تجلب لهم السعادة لأن هذه الأنشطة تُعتبر غير منتجة!
  3. الشخص الانسحابي: يدعم الانسحاب اجتماعياً الفكرة السائدة في ذهن الشخص بأن كونك اجتماعياً لن يؤدي إلا إلى خيبة الأمل أو الوحدة في النهاية؛ ما يسبب المزيد من العزلة أو الخوف من السعادة.
  4. الشخص الذي يضع احتياجات الآخرين أولاً: الشخص الذي يضع احتياجات الآخرين قبل احتياجاته الخاصة يواجه صعوبة في أن يكون سعيداً لأنه يركز دائماً على سعادة الآخرين.

اقرأ أيضاً: 7 إرشادات عملية لتكتشف سعادتك بعد فقدانها

ما هو مقياس الخوف من السعادة؟

طوّر أستاذ علم النفس في جامعة كيميونغ (Keimyung University)، محسن جوشانلو (Mohsen Joshanloo)، مقياس الخوف من السعادة؛ وذلك من أجل التحقيق في الاعتقاد العام بأن تجربة السعادة قد يُنظر إليها على أنها تؤدي إلى عواقب سلبية، وبموجب هذا المقياس يُطلب من المشاركين تقييم مدى موافقتهم على العبارات التالية:

  1. أفضّل ألا أكون سعيداً جداً لأن السعادة عادةً ما يتبعها الحزن.
  2. أعتقد أنني كلما كنت مبتهجاً وسعيداً، توقعت حدوث أشياء سيئة في حياتي.
  3. الفرح المفرط له بعض العواقب السيئة.
  4. الكوارث غالباً ما تتبع السعادة.
  5. الحصول على الكثير من الفرح سوف يؤدي إلى الكثير من الحزن.

هذا وقد وضع أستاذ علم النفس السريري، بول غيلبرت (Paul Gilbert)، مقياساً آخرَ للخوف من السعادة وذلك من أجل استكشاف تصورات الناس وقلقهم حول الشعور بالسعادة والمشاعر الإيجابية بصفة عامة، ويُطلب من المشاركين تقييم مدى موافقتهم على العبارات التالية:

  1. أنا خائف من السماح لنفسي بأن أصبح سعيداً.
  2. أجد صعوبة في الوثوق بالمشاعر الإيجابية.
  3. مشاعر السعادة لا تدوم أبداً.
  4. أشعر أنني لا أستحق أن أكون سعيداً.
  5. الشعور الجيد يجعلني غير مرتاح.
  6. لا أسمح لنفسي بالتحمس كثيراً للأشياء أو الإنجازات الإيجابية.
  7. عندما تكون سعيداً، لا يمكنك أبداً التأكد من أن شيئاً ما لن يصيبك فجأة.
  8. أشعر بالقلق من أنني إذا شعرت أنني بحالة جيدة، فقد يحدث شيء سيئ.

كيف يمكن التغلب على الشيروفوبيا؟

نظراً إلى أن الشيروفوبيا تُصنَّف على أنها اضطراب قلق، وأن تجارب الأفراد مع اضطرابات القلق عادة ما تكون منهكة؛ ثمة عدة علاجات قد تكون مناسبة؛ مثل:

  1. العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يساعد العلاج المعرفي السلوكي الأفراد على تحديد أنماط التفكير السلبية التي قد تؤثر في سلوكياتهم وأمزجتهم ومن ثم العمل على تغييرها.
  2. العلاج بالتعرض: يساعد العلاج بالتعرض الفرد على مواجهة مخاوفه عمداً بدلاً من تجنبها، وذلك من خلال التعرض المباشر والمتكرر. وتعمل هذه الطريقة على  إزالة الموقف الذي يسبب الخوف، فعندما يواجه الفرد خوفه بصفة متكررة، من المرجح أن يقل قلقه تجاه هذا الخوف. على سبيل المثال؛ في حالة رهاب السعادة، قد يساعد التعرض التدريجي إلى المواقف المثيرة للبهجة على تقليل القلق تجاه السعادة.
  3. ممارسة اليقظة الذهنية: تهدف اليقظة الذهنية إلى بناء وعي مستمر باللحظة الحالية في الأحداث اليومية، فالأشياء الصغيرة اليومية هي التي تغذينا نفسياً مثل أشعة الشمس الدافئة في يوم شتوي طويل ورائحة القهوة في الصباح.

وفي سياق متصل، توضح الطبيبة النفسية كاري بارون (Carrie Barron) إن ثمة خطوات يمكنك اتخاذها إذا كنت تعاني رهاب الشيروفوبيا؛ وهي:

  1. انظر كيف بدأت المشكلة.
  2. تحدَّث إلى شخص ما.
  3. حدّد الملذات أو الأشياء السعيدة التي تتجنبها.
  4. ادخل منطقة الانزعاج عن طريق الانغماس.
  5. تحمّل القلق.
  6. أخبر نفسك بأن الشيء “الصحيح” هو أن تكون سعيداً الآن.
  7. اعلم أن أولئك الذين يسعون إلى تحقيق السعادة يكونون أكثر إنتاجية.

في النهاية، ربما شعر الكثير منا في مرحلة ما بالشيروفوبيا خوفاً من أن السعادة قد لا تدوم، أو أننا قد نواجه خيبة الأمل في نهاية المطاف؛ ولكن كيفما تنظر إلى الأمر، وبغض النظر عن خلفيتك الثقافية، فنحن جميعاً نستحق أن نعيش حياة سعيدة ومبهجة. ولهذا؛ دعونا لا نسمح للمخاوف بالاستيلاء على فرص الحياة الرائعة والسعادات اليومية الصغيرة.

error: المحتوى محمي !!