ملخص: يُعد العلاج بالصوت نهجاً شاملاً يشمل الحكمة القديمة والحقائق العلمية المعاصرة. من خلال تسخير الإمكانات العلاجية للصوت، يمكن للأفراد الشروع في رحلةٍ للاسترخاء، واكتشاف الذات وإمكانيات الشفاء المحتمل، واستقبال التفاعل العميق بين الصوت والعقل والجسد.
محتويات المقال
يمكن أن نجد أنفسنا أحياناً مُحاطين بالضوضاء وعوامل التشتت من كل جهة؛ بين شاشات الهواتف، ونشرات الأخبار على مدار اليوم، وضغوط العمل، والالتزامات العائلية، قد نفقد اتصالنا بأنفسنا وباللحظة الحالية. ومن هنا تبرز أهمية بعض العلاجات البديلة مثل العلاج بالصوت الذي حاز شعبية واهتماماً كبيرَين مؤخراً. يمكن للحمام الصوتي (Sound Bath) كما يُطلق عليه أن يمنحك بعض السكينة والهدوء، ويساعدك على إعادة ضبط إعدادات الحياة اليومية استعداداً لمواجهة التوتر والضغوط. لكن الاسترخاء العميق والهدوء ليسا كل شيء؛ إذ يشير الخبراء إلى فوائد نفسية أخرى تشمل تخفيف مستويات الاكتئاب والقلق، وحتى الألم المزمن. تعرف إلى أسرار هذا النوع من العلاجات، واطلع على تفاصيل فوائده ومزاياه من خلال هذا المقال.
ما هو العلاج بالصوت؟ وهل هو مبني على أسسٍ علمية؟
استُخدم العلاج بالصوت (Sound Healing)، وهو ممارسة استشفائية قديمة تدخل في العلاج بالموسيقا تعود إلى عدة قرونٍ مضت، لتعزيز الشفاء، والحث على الاسترخاء، وتعزيز ممارسات الرعاية الذاتية. يستلزم الانخراط في جلسة الشفاء الصوتية الاستلقاء في بيئة دافئة ومُريحة، وإغلاق العينين، والانغماس في الأصوات الساحرة التي تنتجها مجموعة متنوعة من الآلات الموسيقية؛ مثل الصنوج، وأوعية الغناء التبتية.
يُعتقد أن الذبذبات الصوتية لها تأثير عميق في الصحة النفسية والعاطفية، من خلال العمل على إبطاء موجات الدماغ؛ ما يؤدي بالأفراد إلى حالةٍ من الهدوء العميق والاسترخاء. وبالإضافة إلى آثارها المُهدئة، قد تحمل هذه الممارسة العلاجية أيضاً إمكانية معالجة حالات صحية بدنية ونفسية محددة.
ما زال هذا النوع من العلاجات البديلة يحتاج إلى مزيدٍ من الأبحاث المُعمقة لفهم فوائده، لكن بعضاً من المراجعات العلمية القليلة قد تمكنت بالفعل من إظهار أهميته. لقد أشارت مراجعة نُشرت في عام 2020، من جامعة كاليفورنيا (University of California) الأميركية، إلى أن العلاج بالصوت يمكن أن يغير موجات الدماغ المُتهَيجة على نحوٍ كبير، فيُحولها إلى موجاتٍ هادئة.
ومن ثَمَّ؛ يتمكن الشخص الذي يخضع إلى الجلسة من التحول من الحالة النشطة إلى حالةٍ أكثر استرخاءً وشبيهةٍ بالحلم. وتوضح المُعالجة بالصوت والكاتبة، سارة أوستر (Sara Auster)، إن معدلات التنفس، وضربات القلب وضغط الدم تنخفض في تلك الحالة؛ ما يساعد جهاز المناعة على العمل بكفاءة أكبر، ويقلل هرمونات التوتر، ويحفز إطلاق المواد الكيميائية في الدماغ التي تساعد على الشعور بالسعادة.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعدك العلاج بالمعنى على تخطي الشعور بالإحباط؟
ما مزايا العلاج بالصوت؟ ولِمَ ازدادت شعبيته مؤخراً؟
يشهد عالمنا اليوم اهتماماً متزايداً بالعافية الشمولية (Holistic Wellness) بسبب وتيرة الحياة المحمومة التي تُفاقم القلق والتوتر؛ غير أن العلاج بالصوت يوفر تجربة باعثةً على الهدوء والتجدد، ولحظات الاسترخاء والتأمل؛ وهو الأمر الذي جعله يستعيد شعبيته بوصفه ممارسة علاجية قديمة وطريقة غير جراحية وخالية من الأدوية تعزز الصحة والرفاهية على نحو أفضل.
إن الإمكانات العلاجية للعلاج بالصوت تمتد إلى ما هو أبعد من آثارها المهدئة المباشرة. يتميز الإيقاع الرنان للآلات بالقدرة على إحداث شعورٍ بالانسجام الداخلي؛ ما قد يؤدي إلى تخفيف التوتر وتعزيز الصحة النفسية. إذ يُشير الخبراء إلى أن هذه الممارسة قد تقدم فوائد ملموسة للأفراد الذين يعانون الاضطرابات المرتبطة بالتوتر والقلق والاكتئاب. كما يمكن أن تساعد على تخفيف حالات مثل الإجهاد، والألم المزمن، وحتى الأرق.
بالإضافة إلى تأثيره في الصحة النفسية، يُنظر إلى العلاج بالصوت بوصفه نهجاً تكميلياً لمعالجة بعض الأمراض الجسدية؛ إذ يُعتقد أن الترددات الاهتزازية المُنبعثة من الأدوات الموسيقية في أثناء الجلسة يتردد صداها مع خلايا الجسم؛ ما يعزز الشعور بالتوازن والحيوية. ويعتقد بعض المقتنعين بمزايا هذا العلاج أنه قد يساعد على استعادة تدفق الطاقة الطبيعية في الجسم؛ ما يسهم في تعزيز الصحة البدنية العامة.
وعن العلاج بالموسيقا بصفة عامة، توضح استشارية الطب النفسي، منال عمر، إن ثمة فرقاً بين تأثير العزف الحي للآلة الموسيقية وذبذباتها في دماغ الإنسان والتسجيل الموسيقي. وتُضيف، إن الموسيقا لها قدرة على تخفيف الألم الذي يمكن أن يعانيه شخص خضع إلى عملية جراحية، كما تحسن جهازه المناعي وسرعة استشفائه.
كيف تُجرى جلسة العلاج بالصوت؟
في الأجواء الهادئة لجلسة العلاج الصوتية، يختبر المُشاركون تقارباً متناغماً بين الأحاسيس السمعية التي تعمل كمحفزٍ للاسترخاء. فعندما تملأ الذبذبات الرنانة فضاء الغرفة، فإنها تؤثر بلطفٍ في النشاط العصبي؛ ومن ثَمَّ تساعد على التحول نحو أنماط الموجات الدماغية الأبطأ المرتبطة بالاسترخاء العميق والحالات التأملية.
يمكن أن تكون الجلسات خاصة أو جماعية؛ حيث يجلس المشاركون أو يستلقون على حصيرة أو فراشٍ مريحة. قد يوفر المعالج عناصر أخرى للراحة مثل قناع العين أو البطانية. ستركز طوال الجلسة على أصواتٍ مثل صوت المعالج، وأنفاسك، وأدوات موسيقية مختلفة مثل الأجراس، والصنوج، وأوعية الغناء الكريستالية.
لا تكون الأصوات لحنية مثل الموسيقا؛ لكنها قوية بما يكفي لتشعر بتأثيرها. وفي حين يحفز هذا العلاج الاسترخاء؛ إلا أنه قد يثير أيضاً مشاعر شديدة قد تؤدي إلى البكاء في أثناء الجلسة، وهو أمر طبيعي ويمكن اعتباره طريقةً للتفريغ النفسي والعاطفي. تستمر الجلسات عادة مدةً تصل إلى ساعة واحدة. وبعد ذلك، يرشدك المعالج إلى وضعية جلوس مريحة. وتساعد هذه الممارسة البسيطة على إدخالك في حالة أعمق من الوعي، والانفصال عن المحفزات الخارجية.
ما يجب أن تعرفه قبل الحصول على جلسة العلاج بالصوت
إن كنت تود أن تجرب حماماً صوتياً وتستفيد من مزاياه العديد، فمن الأفضل أن تكون ملماً ببعض الإرشادات التي يمكن أن تساعدك على خوض التجربة على نحو آمن ومريح؛ وهي كالتالي:
- استكشف خياراتك: قد يكون من المفيد تثقيف نفسك حول الأساليب والتقنيات المختلفة المستخدمة خلال الحمامات الصوتية لكي تستطيع تحديد ما يُناسبك منها.
- استشر طبيبك: يوصى باستشارة طبيبك قبل حضور إحدى الجلسات، ولا سيّما إذا كانت لديك أي مخاوف بشأن صحتك أو سلامتك الجسدية والعاطفية.
- ابحث عن ممارس معتمد: من المهم القيام بالجلسة عند ممارس مؤهلٍ ومعتمدٍ لديه خبرة في هذا النوع من العلاج.
- ارتدِ ملابس مريحة: تُتيح لك الملابس المريحة الدخول في حالة الاسترخاء في أثناء الجلسة بوتيرة أسرع.
- تأكد من أنها بيئة آمنة: يؤثر الصوت تأثيراً عميقاً في جهازك العصبي. لذلك؛ من المهم أن تكون مرتاحاً وغير منزعجٍ في بيئة آمنة خلال هذه التجربة.
اقرأ أيضاً: ما هو العلاج بالقبول والالتزام؟ وكيف تمارسه لتجد معنىً لحياتك؟
وختاماً، حتى إن لم تقتنع بمزايا هذا النوع من العلاجات، يمكنك اعتباره إحدى صور الرعاية الذاتية. فالحمام الصوتي يعد وسيلة رائعة للاسترخاء وتخفيف الضغوط، والتركيز على اللحظة الحالية. فجميعنا نستحق تلك اللحظات القليلة من الهدوء والسكون التي يوفرها العلاج بالصوت؛ لأنها فرصة لاستعادة التركيز والتوازن الداخلي.