هل تزيد قوائم المهام (To do lists) قلقك؟ إليك الحل الفعّال

4 دقائق
قوائم المهام
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: في العصر الرقمي، يُعد إتقان قوائم المهام أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا على تحسين الإنتاجية وإدارة الوقت على نحو فعّال؛ لكن إعداد القوائم وإدارتها يمكن أن يؤديا إلى نتائج عكسية ويسبّبا المزيد من القلق والتوتر! تعرّف في هذا المقال إلى الجوانب السلبية لقوائم المهام والحلول البديلة للتغلّب على آثارها السلبية.

بينما بدأنا تدوين تطلّعات العام الجديد وقراراته، هل سنتوقّف هذه المرّة لنتساءل: لماذا لا نستطيع إنجاز كل ما دوّنّاه في قوائم المهام التي سرعان ما تتحوّل إلى قوائم الأمنيات التي لن تتحقّق! مهمّات سنوية وشهرية وأسبوعية، وحتّى يومية، تُثقل كواهلنا لأننا كنّا طموحين على نحو مفرط أو فَهمنا أسطورة قائمة المهام على نحو خاطئ. ففي زمن التكنولوجيا والرقمنة والمدراء التنفيذيين النجوم، أصبح الجميع يُقسِم بنجاعة تلك القصاصات الورقية الملونة أو تطبيقات إدارة الوقت والمهام.

هل تعرف شخصاً يُدير يومه بنجاحٍ من خلال قائمة المهام، وينجز كل مهمّة بعينها؟ يبدو لي أمراً أقرب إلى المستحيل، حتّى بالنسبة إلى أولئك الأشخاص الذين يحبّون هذا النظام لإدارة أوقاتهم؛ لأن ما يحصل عادة هو ازدياد طول قائمة المهام غير المكتملة بنهاية كل يوم.

وتتكرّر هذه الدورة مخلّفةً نوعاً من انعدام الرضا وعدم الكفاءة الدائمَين، حتى يتمكّن القلق والتوتر من الأفراد بسبب مهامهم غير المُنجزة. على نحو غير واضح، باتت هذه القوائم تحمل تناقضاً صارخاً؛ فهي من ناحية دليل للإنتاجية والفعالية، ومن ناحية أخرى بوابة إلى متاهة القلق والتوتر.

لا يمكن إنكار إيجابيات إعداد قوائم المهام

تساعد القوائم على الانتقال بين المهام اليومية الروتينية بسلاسة، وهي مفيدة للصحة النفسية أيضاً؛ نظراً إلى أنها تساعد على إدارة الوقت، ومنح الإحساس بالتركيز على الهدف والإنجاز، وتعزيز الثقة بالنفس عند إكمال كل مهمة. لذلك؛ يُنصح بها كحليفٍ يوميّ لتخفيف قلق التخطيط اليومي وأعبائه التي تُثقل كواهل ذاكراتنا.

هذا ما يجعل قوائم المهام تحظى بشعبيةٍ كبيرة في أوساط الأشخاص الطموحين والراغبين في تحقيق إنتاجية أكبر على الصعيدَين الشخصي والمهني؛ لأنها تُساعدهم على تحسين أدائهم ونوعية حيواتهم بصفة عامة.

ويوضّح المؤلف وعالم النفس الإنجليزي، ديفيد كوهين (David Cohen)، إن قوائم المهام يمكن أن تخفّف القلق بشأن فوضى الحياة؛ فهي تمنحنا خطّةً واضحةً يمكننا الالتزام بها، وهي دليل على ما حققناه خلال اليوم أو الأسبوع أو الشهر. كما يُرجِع الفضل إلى هذا النظام في مساعدته شخصياً على التغلّب على طابعه الفوضوي؛ لكنّه يعترف أيضاً بأنه لم يحلّ مشكلاته بالكامل.

اقرأ أيضاً: 7 عادات لاستخدام هاتفك الذكي تؤكد إصابتك بالقلق 

لماذا قد تسبب قوائم المهام القلق والتوتر؟

من الناحية النظرية، تبدو القوائم كنظامٍ بسيط وفعّال؛ تحدّد ما يجب القيام به وبأيّ ترتيب، وتكتب المهام، وتنفّذها، ثم تشطب واحدة تلو الأخرى بعد إنجازها. غير أنه بالنسبة إلى المُعالج النفسي الأميركي، ديفيد ميلر (David Miller)، الذي يؤدي مجموعة من المهام المختلفة كل يوم؛ مثل التدريس والإشراف واستقبال العملاء، أصبحت قوائم المهام  عبارة عن مصدرٍ للإرهاق والقلق.

فعندما يستخدم القوائم لتذكّر الأفكار الإبداعية التي يريد تنفيذها مثل كتابة تدوينةٍ، أو إنشاء مقطعِ فيديو على اليوتيوب، أو العمل على رواية، أو الموضوعات التي يحتاج إلى البحث فيها، يجد أن عليه مراجعتها دورياً وإنشاء قوائم موحدة لها؛ ما يجعل منها كومة كبيرة جدّاً من قوائم المهام الطويلة إلى درجة أنه يخفيها لتجنّب النظر إليها، فالطول الهائل يجعله يشعر بالفشل والتوتّر بسبب تلك المهام التي "يجب" أو "ينبغي" له إنجازها على الرغم من أنه يدرك أن ليست كل مهمة مدرجة في القائمة ضرورية.

ويُضيف المُعالج النفسي ميلر، إن العديد من عملائه يعانون الحالة نفسها؛ إذ يُسبّب لهم مجرّد النظر إلى قائمة المهام القلق أو الاكتئاب. ووفقاً له؛ تُعرف هذه الحالة بـ "متلازمة رهاب المهام" (To-do Phobia Syndrome)، وهي ليست تشخيصاً رسمياً لكنها حالة شائعة جدّاً.

هل تُسبّب لك قوائم المهام قلق الإتمام؟ 

قلق الإتمام (Completion anxiety) هو الخوف من عدم قدرتك على إكمال مهمّة ما، أو القلق من أنك لن تؤدّي أداءً جيّداً بما يكفي لتلبية المعايير التي وضعتها لنفسك أو وضعها الآخرون لك. وقد يظهر هذا النوع من القلق عند إدراكنا وجود العديد من المهام المتراكمة أمامنا المنتظرة إنجازها؛ حيث نواجه صعوبة في إنهاء أول أو آخر 10% من المهمة.

وقد يسهم بعض حالات الصحة النفسية في نشوء هذا الخوف؛ مثل اضطراب الشخصية التجنبية (Avoidant personality disorder)، أو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، أو الاضطراب الثنائي القطب. لكن ترتبط غالبية الأسباب على نحوٍ مباشرٍ بتدني احترام الذات، والخوف من الفشل، ويتطلّب التغلّب عليها تغيير أنماط التفكير السلبي.

تأثير زيغارنيك والتفكير المفرط في كلّ ما يتعين علينا إنجازه

قد يكون وجود العديد من المهام غير المكتملة أمراً مرهقاً ويؤدّي إلى التسويف؛ وهو ما يُعرف بـ "تأثير زيغارنيك" (Zeigarnik effect) الذي أوجدته عالمة النفس بلوما زيغارنيك (Bluma Zeigarnik) عام 1927 بعد تجاربٍ أجرتها، وأظهرت أن الناس يتذكرون المهام غير المكتملة بنسبة 90% أفضل من المهام المكتملة بسبب التوتر النفسي. وقد تحفّز القوائم هذه الحالة، ولا سيّما إن كان الشخص يواجه صعوبة حقيقية في تنفيذ معظم ما هو مدرجٌ في قوائمه.

فعندما تبدأ شيئاً ولا تُكمله، تستمرّ الأفكار المتعلّقة به في العودة، وتحثّك على إكمال ما بدأته. ولهذا السبب؛ لا يمكنك التوقّف عن التفكير أو الشعور بالحاجة إلى إنهاء لعبة فيديو على سبيل المثال، فالعمل غير المكتمل له تأثيرٌ دائم، حتى عندما تحاول المضيّ قدماً.

تستخدم المسلسلات التليفزيونية هذا التأثير أيضاً؛ حيث تنهي الحلقات بقصصٍ غير مكتملةٍ لجذب انتباه المشاهدين وجعلهم ينتظرون إنهاء ما بدؤوه بفارغ الصبر. يظهر ذلك أيضاً في الوسط الدراسي حين نتذكّر المعلومات المدروسة على نحو أفضل قبل الامتحانات مقارنةً بما بعدها.

هذه هي الحلول البديلة إن كنت تعاني قلق قوائم المهام

إذا كنت ممن يُعانون قلق قوائم المهام أو متلازمة رهاب المهام، يقترح المُعالج النفسي ميلر حلاًّ يمكن أن يحوّل القوائم من صديقٍ غير داعمٍ إلى آخر يدعمك بفعالية. يمكنك عوضاً عن النظر إلى قوائمك بوصفها أموراً يجب عليك القيام بها، أن تنظر إليها بوصفها أموراً ترغب في القيام بها. إن إنجاز 3 مهام تريد القيام بها أفضل من حذف 10 مهام "يجب أن تنفّذها".

بينما يقترح خبراء نفس آخرون تجنّب القوائم الرقمية الطويلة، وإبقاءَها مبسطة مع العلم أن ذلك أيضاً يتطلّب قدراً من الانضباط الذاتي؛ إذ إن تقبّل القيود التي تفرضها الإنجازات اليومية واستخدام التكنولوجيا بحكمة يمكن أن يجعل القوائم مفيدةً حقّاً.

اقرأ أيضاً: لماذا يدمر القلق مناعتك؟ وكيف تحاربه؟

هل ينبغي الابتعاد عن استخدام القوائم في حالة معيّنة؟ نعم بالتأكيد؛ إن كانت تثير الكثير من القلق عوضاً عن تخفيفه. يمكن أن نحصل على إحساسٍ زائف بالإنجاز عند إنشاء قائمة مهام؛ ولكن ينتهي بنا الأمر إلى الشعور بالذنب والقلق والتفكير الزائد بسبب تلك المهام غير المكتملة.

وتوضّح المختصة النفسية، مريم البحيري، إن هذا الإفراط في التفكير قد يشغل حيّزاً كبيراً من يومنا إلى درجة أنه يكون أكبر من الجهود التي نبذلها لتخفيفه! وفي هذه الحالة، فهي تنصح بتحويل القلق السلبي إلى إيجابي من خلال التركيز على الجهد الكبير المبذول أكثر من الأمور الصغيرة غير المكتملة.

المحتوى محمي