عادةً، يسبق قرار الإنجاب ظهور العديد من المخاوف عند الوالدين؛ مثل مدى قدرتهم على تربية الطفل بصورة جيدة، وتلبية احتياجاته المادية، بالإضافة إلى إمكانية الموازنة بين حياتهم المهنية والأسرية.
لكن هناك تساؤل قد لا يظهر إلى العلن؛ ألا وهو: "ماذا لو ندمت بعد إنجاب هذا الطفل؟". وتؤكد عالمة النفس لوسي فولكس (Lucy Foulkes) إن إخفاء هذا التساؤل ناتج من فكرة يروَّج لها منذ قديم الأزل مفادُها أنّ الإنجاب هو الغاية الأعظم للإنسان؛ وبالتالي يُعد الندم عليه رفضاً لدور الشخص المؤثر في الحياة.
لكن رغم السياق المجتمعي الذي يشجع الأفراد على الإنجاب، فهناك بعض الآباء والأمهات الذين يندمون على إنجاب أطفالهم، وبحسب فولكس فإن ذلك أمر طبيعي لأن قرار الإنجاب تترافق معه تكلفة ليست بهيّنة!
نادمون على الإنجاب يحكون تجاربهم
تختلف التجارب الشخصية للندم على الإنجاب، فكل حكاية تتميز بأسباب وتفاصيلَ مختلفة عن الحكاية الأخرى، وقد نشرت مجلة ماري كلير (Marie Claire) الفرنسية موضوعاً ضم العديد من التجارب؛ كان منها تجربة أنانيا (Ananya) -اسم مستعار- البالغة من العمر 38 عاماً.
تعمل أنانيا كاتبة ومحررة مستقلة، وتعيش بين الولايات المتحدة وسنغافورة. وبالنسبة إليها؛ أشعرها قرار الإنجاب بضياع الكثير من الفرص من يدَيها، فدائماً يخطر على بالها أنها لو لم تنجب كان بإمكانها تأليف عدة كتب، أو السفر بحرية لتغطية قصص صحفية جديدة، لذا ترى أن الأمومة أبطأت خطواتها في الحياة، وجعلت جهدها يتركز في مساحة رعاية الأطفال.
أحياناً تكون تجربة الإنجاب دوناً عن إرادة أحد الوالدين، وهذا ما حدث في قصة كاري (Carrie) -اسم مستعار- وهي سيدة أميركية تعيش في المكسيك تزوجت في الثانية والعشرين من عمرها، وحملت رغم تناولها حبوب منع الحمل، وقد تعرضت لضغوط من حماتها وأفراد أسرتها لثنيها عن قرار الإجهاض، وبالفعل ولدت طفلتها لكنّ مسار حياتها تغير لاحقاً.
فقد انفصلت عن زوجها بعد فترة وجيزة من ولادتها، وتركها الجميع تربي ابنتها بمفردها، فأصبحت المعيل الوحيد لطفلة لم تكن ترغب في مجيئها إلى العالم. واليوم تبلغ كاري من العمر 46 عاماً، ورغم خوضها تجارب للعلاج النفسي حتى تتجاوز ندمها على الإنجاب؛ إلا أنها ما زالت تشعر بالأسف على أنها أصبحت أماً في يوم من الأيام.
من الملاحَظ أن التجارب السابقة نُشرت بأسماء مستعارة وهذا الأمر ليس مصادفة، فعادةً يواجَه التعبير عن الندم على الإنجاب برفض مجتمعي بالغ، مثلما حدث مع المؤلف الأميركي سام روبرتس (Sam Roberts) عام 2019 عندما نشر تغريدة على تويتر يعبر فيها عن ندمه هو وزوجته على إنجاب ابنهما.
حينها ردت عليه المئات من المعلقين الذين وصفوه بأنه أب أناني وقاسٍ يُلحق الأذى بابنه، لأنه سيقرأ هذه التغريدة يوماً ما، وقد دفع هذا الضغط المجتمعي روبرتس إلى حذف التغريدة لاحقاً.
ما الذي يدعو إلى الندم على الإنجاب؟
نشرت مجلة قضايا الأسرة في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2018 مقالاً بحثياً حول الندم على الإنجاب، وقد قسّم المقال هذا الندم إلى نوعين؛ الأول متعلق بالظروف التي أنجب فيها الوالدان الطفل، أما الثاني فهو الندم على قرار إنجابه بشكل أساسي.
ويشير النوع الأول إلى وجود مشاعر إيجابية تجاه الأطفال ترافقها مشاعر سلبية تجاه الظروف الخارجية، لذا كان من السهل على الوالدين في هذه الحالة التعبير عن ندمهما لكونه مقبولاً على المستوى الاجتماعي.
أما بالنسبة إلى الندم على قرار الإنجاب بشكل أساسي، فكانت له عدة مسببات ومنها أن الحمل حدث بشكل غير مخطَّط له، أو أن الأطفال أرهقوا والديهم مادياً، وكذلك أن توقيت الإنجاب كان غير مناسب، فالبعض تمنى أن ينجب بعد عقد أو عقدين.
ارتبط الأمر كذلك بتقلص مساحة الحرية لدى الوالدين، فمنهم من كان يتمنى أن يتنقل بين الوظائف بحرية دون أن يلقي بالاً لتأثير ذلك فيه مادياً؛ لكن نظراً لوجود مولود يلتزم تجاهه بتلبية احتياجاته فهذا أصبح مستحيلاً.
لا يتوقف الأمر عند القدرة على تغيير الوظيفة بسهولة، فقد يشتاق بعض الآباء والأمهات إلى نمط الحياة الذي كانوا يعيشونه قبل إنجابهم للأطفال؛ حيث كان بإمكانهم السهر لأوقات متأخرة، والسفر بكل سهولة في أي وقت، وممارسة الهوايات المفضلة لديهم، والاسترخاء لأوقات أطول.
اقرأ أيضاً: إنجاب طفل: اختيار العمر
5 نصائح فعّالة للخروج من دائرة الندم على الإنجاب
بغض النظر عن سبب الندم على الإنجاب، فما يفيد هو التعامل معه بشكل صحي، لذا هناك بعض النصائح الفعالة التي تساعد الوالدين على الخروج من دائرة الندم التي وقعوا بها:
1. اعترف بمشاعرك
تعد الاختصاصية النفسية إيميلي غوارنوتا (Emily Guarnotta) الاعترافَ بالمشاعر الخطوة الأولى على طريق التعامل مع مشاعر الندم على الإنجاب، وذلك من خلال رصد المتغيرات النفسية الحادثة مثل الغضب والعصبية ومشكلات النوم والإرهاق، ثم قضاء بعض الوقت للتفكير في حقيقة مشاعرك تجاه كونك والداً/ أماً لهذا الطفل عن طريق طرح بعض الأسئلة مثل:
- ما الذي يعجبني في الأبوة أو الأمومة؟
- ما الذي لا يعجبني في الأبوة أو الأمومة؟
- كيف تغيرت حياتي بعد الإنجاب؟
- ما الذي أفتقده من حياتي قبل الإنجاب؟
بعد الإجابة عن الأسئلة السابقة يجب أخذ بعض الوقت لملاحظة ما يستجد من مشاعر، فربما تظهر مشاعر إيجابية مثل الفرح والامتنان، أو سلبية مثل الندم أو خيبة الأمل أو الحزن. المهم أن تسمح لنفسك بالتعبير عن كل المشاعر حتى تستطيع رعاية أبنائك بصورة أفضل.
2. ابحث عن جذور المشكلة
تنتقل غوارنوتا إلى الخطوة التالية لمعالجة المشاعر السلبية، بالبحث عن جذورها عن طريق أسئلة عديدة مثل:
- هل لا تحب أن يقل مالك أو وقتك نتيجة الإنجاب؟
- هل أثّر الإنجاب في زواجك أو علاقاتك بالآخرين؟
- هل ترى أن دورك وتأثيرك تقلص بعد الإنجاب؟
بمجرد إلمامك بجذور المشاعر، ستتمكن من إيجاد آليات عملية تحل المشكلة الموجودة، فلو كانت متعلقة بأن وقتك أصبح محدوداً من الممكن أن تعيد جدولة يومك، أو تفوض مهاماً معينة لشخص آخر من أجل كسب المزيد من الوقت.
3. تكيّف مع حياتك الجديدة
تنصح الطبيبة راشيل غورفيتش (Rachel Gurevich) الآباء والأمهات الجدد بأن يبحثوا عن دوائر اجتماعية جديدة تتناسب مع حياتهم بعد الإنجاب، فليس من الطبيعي أن يكونوا منطلقين في ممارسة أنشطة حياتهم السابقة نفسها؛ إنما الأجدى أن يبحثوا عن إيجابيات حياتهم الجديدة ويستمتعوا بها.
4. ارتَح قليلاً
غالباً تكون الحياة بعد الإنجاب مليئة بالمسؤوليات التي ينتج منها الضغط والتوتر، لذا توجه الطبيبة يولاند رينتيريا (Yolanda Renteria) الآباء والأمهات إلى أخذ فترات راحة قصيرة يمارسون فيها أي نشاط حتى وإن كان بسيطاً؛ مثل المشي 5 دقائق في الشارع.
5. تذكَّر أنك لست مثالياً
تستكمل الطبيبة يولاند رينتيريا نصائحها بطلبها من الوالدين إعادة تقييم المعايير التي يحددون على أساسها مدى كفاءتهما، وإدراك أن الوصول إلى الأبوة والأمومة المتَّصفة بالكمال أمر مستحيل؛ إنما يكفيهما فقط محاولة تربية طفلهما بطريقة جيدة.
ربما يؤدي إنجاب الأطفال إلى ضغوط حياتية وتغييرات حتمية؛ لكن المثير للاهتمام أن هناك جانباً مشرقاً يمكن التركيز عليه من خلال زيادة مساحة التأثير الإيجابي للوالدين في حياة طفلهما، والشعور بتحقيق النجاحات عندما ينعكس ذلك التأثير في نتائج حقيقية يعيشها الطفل.