لا يجرؤ الكثيرون منّا على طلب المساعدة على الرغم من حاجتهم إليها، لكن الأبحاث العلمية تؤكد أن طلب المساعدة له فوائد عديدة.
محتويات المقال
لماذا يصعب علينا طلب المساعدة؟
لا شك في أنك مررت بهذه التجربة في العمل. شعرت بأنك بحاجة إلى طلب المساعدة لتحقيق التقدم في إنجاز مهمتك، أو تنفيذها تنفيذاً صحيحاً، ومع ذلك لم تطلبها. هناك تفسيرات عديدة لهذا الامتناع الذي تعود أسبابه إلى مخاوف ومعتقدات، تجعل الحاجة البسيطة إلى المساعدة تحدياً صعباً.
أولاً، هناك الخوف من إظهار الضعف أو عدم الكفاءة أو عدم القدرة على الاستقلالية. ينجم هذا الخوف غالباً عن اعتقادك أنه من الضروري أن تدير شؤونك كلها بمفردك، كي تحظى بتقدير الآخرين واحترامهم. كما أن حرصك على الكمال يجعل طلب المساعدة نوعاً من الاعتراف بالعجز. لذلك تفضّل أن تضع نفسك في مواقف صعبة، لتجنّب انتقادات الآخرين، أو رفضهم المحتمل لطلبك. وهناك سبب آخر يتمثل في الخوف الشديد من إزعاج الآخرين.
طلب المساعدة يدل على شجاعتك
يمثّل مجرد الاعتراف بالحاجة إلى المساعدة معوّقاً آخر في بعض الأحيان. لذا؛ يميل بعض الأشخاص إلى التقليل من شأن الصعوبات أو المشكلات التي يواجهونها، أو يفضلون تجاهلها، وهو الأمر الذي يمنعهم من تعزيز علاقات صحية مع الآخرين. يتطلب تعلّم طلب المساعدة في معظم الأحيان عملاً على الذات لتشجيعها على تقبّل حدود قدراتها ومواطن ضعفها، وإدراك أن طلب المساعدة يحظى في الغالب بنظرة إيجابية من الآخرين، والوعي بأننا نحتاج جميعاً إلى المساعدة في لحظة أو أخرى.
في كتابه "الكلمات السحرية" (Les mots magiques)، يحلّل المؤلف سليم نيدرهوفر (Sélim Niederhoffer)، الدور الذي تؤديه علاقاتنا مع الآخرين، والكلمات التي نستخدمها للتواصل معهم في إدارة العلاقات المهنية والشخصية. وفقاً للمؤلف، فإن طلب المساعدة ميزة هائلة.
ويؤكد ذلك قائلاً: "إظهار الضعف هو أدق مقياس من مقاييس الشجاعة، وطلب المساعدة يسمح بخلق روابط إنسانية وأصيلة". وبالتالي، فإن الجرأة على طلب مساعدة الآخر تحررنا من الأعباء والضغوط، وتمنحنا حلولاً ملموسة أو تتيح لنا على الأقل فرصة الاستفادة من الإصغاء الفعّال، علاوة على خلق علاقات صادقة.
طلب المساعدة يخلق التفاعل الحقيقي
في الواقع عندما نطلب المساعدة من شخص ما، سواء في الحياة الشخصية أو المهنية، فإننا نؤسس معه علاقة جديدة، إذ نعترف بضعفنا ونظهر "وجوهنا الحقيقية". كما أن طلب المساعدة من الآخر يجعله عنصراً فاعلاً في حياتنا، وأكثر استعداداً للانفتاح والتحاور حول احتياجاته أو مخاوفه الشخصية هو أيضاً. وبالتالي، يصبح هذا الطلب ضمانة للصداقة الحقيقية، أو التعاون الصحي الذي يسمح ببناء العلاقة على أسس متينة.
وفقاً لدراسة أجراها الأستاذان المختصان في علوم السلوك بكلية بوث للأعمال في جامعة شيكاغو (University of Chicago Booth School of Business)، شوان تشاو (Xuan Zhao)، ونيكولاس إيبلي (Nicholas Epley)، فإن الناس يشعرون بالسعادة عندما يقدمون المساعدة خلافاً لما تمليه علينا مخاوفنا. يوضح شوان تشاو ذلك قائلاً: "التواصل مع شخص آخر وطلب خدمة منه تجربة رائعة، فهي تسمح بانتقال الشعور بالمودة من شخص إلى آخر".
طلب المساعدة دليل على الذكاء
هناك تأثير إيجابي آخر لطلب المساعدة، وهو أنه يكشف ذكاءنا. اهتمت دراسة نشرتها دورية "الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" (The Journal of Personality and Social Psychology) بتحليل التصورات الاجتماعية السائدة حول مسألة طلب المساعدة، وأظهرت النتائج خلافاً لما قد نعتقد، أن طلب المساعدة يحظى بنظرة إيجابية من الآخرين، ويرتبط في اعتقادهم بالذكاء والكفاءة. إنه يمثّل إذاً أداة فعالة في الحياة المهنية خلافاً للأفكار المسبقة.
عندما يطلب شخص ما المساعدة فإن الآخرين ينظرون إليه على أنه أكثر كفاءة وذكاء، وفقاً لما أوردته هذه الدراسة. تتعارض هذه النتيجة مع الفكرة الشائعة التي مفادها أن طلب المساعدة يمكن أن يمثّل علامة ضعف أو عدم كفاءة. وفي هذا السياق لاحظ الباحثون أن طلب المساعدة يكشف عن تمتع الفرد بالذكاء العاطفي.
ويشير سليم نيدرهوفر إلى هذه النقطة في كتابه: "نحن نحب تلقائياً تقديم النصائح، ونعتقد أننا نقدم نصائح جيدة، وأننا أذكياء ولدينا أفكار جيدة، لذا؛ عندما يتواصل معنا أحد ما ويطلب رأينا فإننا نعتقد أن هذا الشخص ذكي بما يكفي، لأنه اختارنا من بين الكثيرين لطلب هذه المساعدة".
إن طلب المساعدة باستمرار ووقتما دعت الحاجة إلى ذلك، سلوك له فوائد عديدة لنا ولعلاقاتنا مع الآخرين، فهو يجنّبنا الوقوع في فخ الغرور أو المثالية الزائدة، ويسمح لنا بتعزيز علاقاتنا الاجتماعية.