هل تفهم السعادة على نحو صحيح؟ خبير من جامعة هارفارد يشرحها لك

4 دقائق
تال بن شاهار
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: بفضل دورات السعادة التي قدمها في جامعة هارفارد المرموقة ومؤلفاته الأكثر مبيعاً، أصبح خريج الفلسفة وعلم النفس، تال بن شاهار (Tal Ben-Shahar)، شخصية مهمة في مجال علم النفس الإيجابي.

محتويات المقال

نفسيتي: هل سبب تخصصك في السعادة هو أنك عشت طفولة تعيسة؟

تال بن شاهار: لم أكن تعيساً في طفولتي لكن كان لديّ شعور دائم بعدم الارتياح كما لو أن شيئاً ما كان ينقصني. كرست نفسي للعبة السكواش التي كانت شغفي، وكنت أظن أنني إذا أصبحت بطلاً فيها فسأصل إلى السعادة المنشودة، وبالفعل فقد غمرتني سعادة هائلة عندما حققت أول بطولة لي في سن السادسة عشرة؛ لكن لم تمض إلا ساعات قليلة حتى عادت إليّ حالة الفراغ ذاتها، ثم فكرت في أن حالي لن تتغير إلا إذا أصبحت بطل العالم في اللعبة، فتدربت بجد.

حينما بلغت العشرين تقريباً، ذهبت إلى جامعة هارفارد لدراسة علوم الكمبيوتر، وكانت حياتي تبدو رائعة: كنتُ طالباً متفوقاً، وعلى الرغم من أنني لم أصبح بطل العالم في لعبة السكواش فقد حققتُ الكثير من البطولات في الولايات المتحدة، ومع ذلك لم أكن سعيداً. لذا؛ ذهبتُ ذات يوم إلى مكتب رئيسة الجامعة وأخبرتها بأنني أود تغيير تخصصي الدراسي والتسجيل في قسم الفلسفة وعلم النفس، وحينما سألتني عن السبب. قلت لها إنني أريد العثور على إجابتيّ سؤالين يثيران حيرتي جداً؛ الأول: لماذا لستُ سعيداً على الرغم من كل ما حققته؟ والثاني: كيف يمكنني أن أزيد سعادتي؟

نفسيتي: ألم يكن من الأنسب إليك أن تستشير مختصاً نفسياً؟

تال بن شاهار: لم أفكر في الأمر حينها لأنني لم أكن مكتئباً في الواقع؛ بل على العكس كنتُ متحمساً جداً لكنني عانيت ما أسماه فيكتور فرانكل (Viktor E. Frankl) "الفراغ الوجودي"، فعلى الرغم من إصراري، كنتُ أشعر بالملل.

نفسيتي: وهل ساعدتك دراسة الفلسفة وعلم النفس على إيجاد إجابات لأسئلتك؟

تال بن شاهار: ظهرت لديّ أسئلة جديدة، وعثرت على بعض الإجابات؛ ومنها اعتقادي الخاطئ بأن السعادة تتطلب تحقيق النجاح، وهي الفكرة الأكثر شيوعاً عن السعادة، فالوالدان يدفعان ولدهما إلى اتباع مسار في الحياة قد لا يناسبه لأنهما مقتنعان بأن تحقيق النجاح هو سبيل الوصول إلى السعادة.

نفسيتي: كيف ساعدك هذا الاكتشاف على زيادة سعادتك؟

تال بن شاهار: سمحت لنفسي بفعل ما يمثل مغزى لي، لقد جذبتني الفلسفة والكتابة على الرغم من أنهما كانتا نقطتيّ ضَعفي في المدرسة، بعد أن اتبعت لسنوات مساراً غير مناسب لي بسبب فهمي الخاطئ لمعنى السعادة.

نفسيتي: وهل هذا سبب حالة الفراغ التي كانت تسيطر عليك في رأيك؟

تال بن شاهار: نعم، إضافةً إلى اعتمادي على نظرة المجتمع، لا شك في أنني مثل الناس كلهم أرغب في توطيد علاقات مُرضية مع الآخرين، فهي إحدى ركائز السعادة؛ لكنني انشغلت بذاتي الاجتماعية إلى درجة أنني أهملت ذاتي الداخلية.

نفسيتي: وما الذي ساعدك على تحديد ما تحب فعله؟

تال بن شاهار: التمرين الذي استمتعت بتعليمه لطلابي منذ ذلك الحين وهو كما يلي: تخيل أن شخصاً ما يلقي عليك تعويذة تمكنك من إخفاء هويتك، فلا يستطيع أحد معرفة شيء عما تفعله أبداً، ما الذي ترغب في فعله حينها؟ شجعني هذا التمرين أغلب الأحيان على إجراء تحولات جذرية في حياتي ولكن ليس دائماً، فعندما طرحت هذا السؤال على نفسي في أثناء إعداد أطروحة الدكتوراة خلصتُ إلى أنه ليس عليّ الحصول عليها لكنني كنتُ أعلم أيضاً أن الحصول على هذا الدبلوم ضروري لأصبح مدرّساً. ولذلك؛ فقد تابعت واضعاً نصب عينيّ المغزى من جهودي هذه؛ إذ ليس الهدف دائماً قلب الأمور رأساً على عقب بل أن يفهم الإنسان ما يفعله في حياته.

نفسيتي: كثير من الناس قلقون بشأن هذا، فهم لا يعرفون ما يريدون فعله في الحياة.

تال بن شاهار: لدى كل منا إرادة الحياة والتعلم والتطور؛ لكن مستواها يختلف من شخص إلى آخر، والسؤال الذي علينا أن نطرحه على أنفسنا: هل نعمل على تعزيز هذه الإرادة أم إضعافها؟ ولا يتلخص الأمر في أساسيات التنمية الشخصية المتعارف عليها، فهو أصعب بكثير، وعلى الرغم من ذلك، يمكن لكل إنسان أن يعزز إرادته إذا عثر على الحافز الأولي في داخله، أو على العكس، أن يدمرها إذا تمسك بفكرة أنه يفتقر إليها.

نفسيتي: أنت تستمد الإلهام من الفلسفة، ماذا يقول علم النفس الإيجابي أيضاً عن شروط السعادة؟

تال بن شاهار: ليس الكثير، رأى أرسطو أن التأمل والصداقات هما عنصران رئيسان فيما أسماه "اليودايمونيا" (eudaimonia) التي تعني "ذروة السعادة". كما تحدث كونفوشيوس عن أهمية تنمية السعادة الداخلية قبل البحث عنها لدى الآخرين. أما الدور الأكبر لعلم النفس الإيجابي، فهو قدرته من خلال الدراسات على تحديد من هو الفيلسوف الذي قدم وجهة النظر الأصوب من بين الفلاسفة الذين لم يتفقوا على كل شيء، وباستخدام نهج تجريبي، ساعد علم النفس على تقدم النقاشات الفلسفية ولكن دون أن يوصلها إلى نقطة نهاية.

نفسيتي: غالبية النصائح التي يقدمها علم النفس الإيجابي بسيطة جداً: تقبُّل الفشل، والتعبير عن المشاعر، ومع ذلك فإننا لا نطبقها في الحياة اليومية، أليس من الأحرى إذاً أن نحاول التغلب على آليات المقاومة لدينا؟

تال بن شاهار: ثمة سؤال يهمني وهو كيف أحافظ على إرادة التغيير؟ قال سقراط: "معرفة الخير تعني فعل الخير"، وللأسف كان مخطئاً، فالمعرفة وحدها لا تكفي للتغيير؛ بل ينبغي أن تقترن بالتكرار والتذكير. على سبيل المثال؛ انظر إلى هذا السوار في يدي، أنا أضعه لأذكر نفسي دائماً بأن آخذ الأمور ببساطة لأنني أميل إلى أن أبالغ في الجدية والعقلانية.

نفسيتي: هل يمكن القول إنك تخليت عن خطتك في أن تصبح بطل العالم في السكواش لتصبح بطل العالم في السعادة؟

تال بن شاهار: لا؛ لأني أضع في مقدمة أهدافي قبول أنني إنسان، وأن كل إنسان عرضة إلى الفشل وارتكاب الأخطاء، وأسعى دائماً في الوقت ذاته إلى النجاح والتطور؛ لكن الأمر الأهم هو أن هذه الرغبة تأتي من ذاتي، وليس من الخارج، ويمثل ذلك ضغطاً إضافياً لأنه يؤدي إلى الشعور بالذنب.

نفسيتي: ألا يؤدي ذلك إلى احتمال ظهور ما أسماه المحلل النفسي دونالد وينيكوت (Donald W. Winnicott) "الذات الزائفة"؟

تال بن شاهار: هذا سؤال شائك لأن الدراسات حول المسألة كثيرة. في الفصل، أطلب من طلابي ملء استبانات حول نوع شخصية كل منهم ومستوى شجاعته وما إلى ذلك؛ لكنني أؤكد لهم دائماً أنها لا تعبّر عن حقيقتهم ودورها هو مساعدتهم على زيادة وعيهم بذواتهم. على سبيل المثال؛ سلّط علم النفس الإيجابي الضوء على أهمية التعبير عن الامتنان، وذلك من خلال الدراسات التي قدمتها الباحثة سونيا ليوبوميرسكي (Sonja Lyubomirsky)، وعلى الرغم من ذلك فهي تعترف بعدم ابتاع هذه الممارسة لأنها لا تجدي نفعاً معها. تخبرنا الدراسات عن متوسط النتائج وكل ما يمكننا فعله هو اكتشاف ما إذا كانت تصلح لنا أو لا.

نفسيتي: ما مستقبل علم النفس الإيجابي؟

تال بن شاهار: آمل أن يندمج علم النفس الإيجابي قريباً بعلم النفس ويصبح جزءاً منه. علاوة على ذلك، أعتقد أننا بحاجة إلى توسيع رؤيتنا للسعادة، وفي هذا الخصوص، أنشأتُ مركز أبحاث، وهو معهد هول بيينغ (Wholebeing)؛ حيث ندرس عناصر السعادة الخمسة: العنصر الروحي والجسدي والفكري والعاطفي وذلك المرتبط بالعلاقات؛ لأن الإنسان لا يهدف إلى تعزيز مشاعره الإيجابية فقط؛ بل أيضاً النمو فكرياً وجسدياً ومشاركة سعادته مع الآخرين وإيجاد معنىً لحياته.

المحتوى محمي