ملخص: بعد ما عاناه العالَم من جرّاء جائحة كوفيد-19 وتحذيرات العلماء من الأوبئة المستقبلية التي قد تسببها عوامل ممرضة مجهولة، يمكن القول إن النظافة أصبحت مرادفة للسلامة؛ لكن ومع ذلك، ثمة مَن يعاني الأمَرّين؛ إذ يواجه بعض الأفراد خوفاً معقداً من الجراثيم يُدعى "رهاب الجراثيم" أو "الميسوفوبيا"، يتجاوز مجرد الاهتمام الزائد بالنظافة إلى حد التأثير الكبير في الحياة اليومية للأشخاص ورفاهيتهم النفسية. وفي هذا المقال، سنتعرف إلى أعراض هذا الرهاب وأسبابه وكيفية علاجه.
محتويات المقال
إلى أي حد قد يصل الخوف عند الأشخاص المصابين برهاب الجراثيم؟ حسناً، اعتاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (Donald Trump) أن يتجنب مصافحة الأيدي قدر المستطاع؛ بل ووصف هذا السلوك بأنه ممارسة همجية وإحدى لعنات المجتمع الأميركي لما قد تسببه من تلوث؛ أما المغني مايكل جاكسون (Michael Jackson)، فكان يرتدي الكمّامات والقفازات الطبية أنّما خرج من المنزل.
في حين أمضى الملياردير الأميركي هوارد هيوز (Howard Hughes) معظم حياته متحصّناً في غرف الفنادق المظلمة في محاولة لتجنب العدوى، وكان يضع صناديق المناديل المعقمة على قدميه لحمايتهما، ويحرق ثيابه إذا ما مرِض أحد بالقرب منه. غريب، صحيح؟ لنتعرف في هذا المقال إلى رهاب الجراثيم الذي يدفع بعض الناس إلى حدود متطرفة من الخوف غير المُبرَّر من التلوث والكائنات المجهرية، بالإضافة إلى أسبابه وأعراضه وطرائق إدارته.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الرهاب
ما رهاب الجراثيم؟
يُدعى أيضاً "الميسوفوبيا" (Mysophobia)؛ وهو مصطلح يُستخدم لوصف الخوف المرضي أو المبالغ فيه أو غير العقلاني من الجراثيم أو الأوساخ أو التلوث. تتجاوز هذه الحالة المخاوف العادية إزاء ممارسات النظافة الجيدة وتلوث الطعام وغيرها، وتصل إلى درجة شديدة ومتطرفة على نحو يعطّل أداء المهام اليومية ويؤثِّر سلباً في العمل والعلاقات والأنشطة الاجتماعية. يُذكر إن الرهاب غالباً ما يرتبط باضطراب الوسواس القهري؛ لكن لا يشترط ارتباطهما في الأحوال كافة.
الجدير بالذكر إن رهاب الجراثيم ليس مُدرَجاً بوصفه حالة مميزة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية بنسخته الخامسة (DSM-5)؛ وإنما قد يُصنَّف ضمن فئة الرهاب المحدد، وذلك عند استيفاء معايير تشخيصية معينة هي:
- الخوف الملحوظ والمستمر والمفرط الناجم من شيء ما أو موقف معين، أو نتيجة توقع وجوده.
- نشوء استجابة قلق فورية عند التعرض إلى المحفّز المسبب للرهاب.
- عدم تناسب الخوف أو القلق الناتجين مع الخطر الفعلي الذي يشكّله المحفّز، علاوة على أن الشخص يدرك أن خوفه مفرط أو غير معقول.
- سلوكيات التجنب للمحفز المسبب للرهاب قدر المستطاع، أو تحمله لكن بخوف وقلق شديدين.
- استمرار الرهاب مدة تزيد على 6 أشهر.
- تأثير الرهاب سلباً في الروتين الطبيعي للشخص أو أدائه المهني أو الأكاديمي أو أنشطته أو علاقاته الاجتماعية.
- عدم إمكانية تفسير الحالة على نحو أفضل من خلال اضطرابات نفسية أخرى؛ مثل اضطراب الوسواس القهري، أو اضطراب ما بعد الصدمة، أو اضطرابات القلق، أو غيرها.
اقرأ أيضاً: ما أعراض رهاب الألم؟ وكيف يمكن تشخيصه وعلاجه؟
ما أعراض رهاب الجراثيم؟
يمكن أن تختلف أعراض رهاب الجراثيم في شدتها من شخص إلى آخر، وقد تشمل ما يلي:
- غسل اليدين على نحو متكرر عدة مرات متتالية أو مدةً زمنية طويلة على غير العادة.
- استخدام معقم اليدين في كل مرة يُلمَس فيها سطح غير مألوف.
- الاستحمام المتكرر يومياً.
- ارتداء القفازات لمنع ملامسة الجراثيم.
- تجنب الأماكن العامة أو المناطق المزدحمة أو المواقف التي يُنظر إليها على أنها غير نظيفة أو تحتوي الكثير من الجراثيم.
- التنظيف الهوسي للأغراض الشخصية والأسطح ومساحات المعيشة.
- الإفراط في استخدام منتجات التنظيف أو التعقيم.
- الأعراض الجسدية في حال الاعتقاد أن اتصالاً جرثومياً قد حدث، عند مصافحة شخص ما أو لمس مقبض الباب أو غيرها، وعندئذ قد يعاني الشخص خفقاناً في القلب، أو ارتجافاً، أو دواراً، أو ضيقاً في التنفس، أو جفافاً في الفم، أو بكاءً، أو غثياناً، أو تعرقاً، أو تهيجاً، أو أرقاً.
- القلق الشديد أو نوبات الهلع الناجمة عن فكرة التعرض إلى الجراثيم.
اقرأ أيضاً: كيف نتخلص من رهاب السفر؟
5 أسباب لرهاب الجراثيم
السبب الدقيق للميسوفوبيا ليس مفهوماً تماماً؛ لكن من المحتمل أنه ينطوي على مجموعة من العوامل الجينية والبيئية والنفسية. عموماً، يشمل بعض العوامل المحتملة التي تسهم في نشوء هذه الحالة ما يلي:
- العوامل الوراثية: قد يكون الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي من اضطرابات القلق أو الاكتئاب أو أنواع الرهاب الأخرى أكثر عرضة إلى الإصابة بهذا الرهاب.
- بنية الدماغ: قد يُفاقم بعض التغييرات التي تحصل في في كيمياء الدماغ احتمالية الإصابة بالرهاب.
- التجارب السابقة: قد تسهم الصدمة العاطفية السابقة الناجمة عن التعرض إلى الجراثيم أو عدم النظافة إلى تطور الميسوفوبيا، علاوة على أن مرض أحد أفراد الأسرة أو وفاته بسبب بيئة ملوثة قد يسهم في هذه الحالة ايضاً.
- الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية: يفاقم وجود بعض الحالات النفسية احتمالية الإصابة برهاب الجراثيم، والعكس صحيح؛ إذ وُجد أن 60.5% من الأشخاص المصابين بالرهاب يصابون بحالات نفسية أُخرى؛ مثل الاكتئاب أو اضطراب القلق العام أو اضطراب المزاج أو اضطراب الوسواس القهري، مع الإشارة إلى أن ظهور الرهاب المحدد يسبق الاضطرابات النفسية الأخرى في الحالات معظمها.
- تأثير وسائل الإعلام: قد يؤدي التعرض إلى التغطية الإعلامية أو الأفكار المنتشرة في البيئة المحيطة المتعلقة بالأمراض أو الأوبئة إلى زيادة الخوف والقلق بشأن الجراثيم والتلوث.
اقرأ أيضاً: ما لا تعرفه عن رهاب الأدوات الحادة
ما تأثير رهاب الجراثيم في الصحة النفسية؟
تمتد الآثار السلبية للميسوفوبيا إلى ما هو أبعد من الضيق الشخصي؛ إذ يمكن أن يؤدي إلى تجنب التجمعات الاجتماعية والاتصال الجسدي بسبب الخوف من الجراثيم والتلوث إلى الشعور بالوحدة والعزلة، وربما تتصاعد حدة هذه السلوكيات مع مرور الوقت؛ ما يسهم في تطور الرهاب الاجتماعي.
كيف تفرّق بين رهاب الجراثيم واضطراب الوسواس القهري؟
في الواقع، يعد الخوف من التلوث موضوعاً شائعاً مشتركاً في كل من الميسوفوبيا والوسواس القهري، ويتجلى عبر سلوكيات عديدة مثل غسل اليدين المتكرر والتنظيف المفرط؛ لكنّ الدافع وراء هذه السلوكيات يختلف بين الحالتين؛ إذ يكون مرضى الوسواس القهري مدفوعين بالحاجة إلى تخفيف الضيق الذي يعانونه نتيجة عدم إتمام الفعل نفسه، في حين يكون المصابون بالميسوفوبيا مضطرين إلى إكمال الفعل من أجل التخلص من الجراثيم خصّيصاً.
لذلك؛ يقول استشاري الأمراض النفسية حسين عمر إنه من المهم أن يلجأ الشخص إلى الطبيب النفسي للحصول على التقييم النفسي وتحديد التشخيص الصحيح؛ ما قد يساعد على فهم الحالة ومعرفة إن كانت متزامنة مع حالات أخرى مثل الوسواس القهري أو نوبات الهلع أو الاكتئاب أو غيرها.
اقرأ أيضاً: تعرف إلى رهاب الأماكن المغلقة
ما الاختيارات المتاحة لعلاج رهاب الجراثيم؟
لحسن الحظ، تُمكن إدارة رهاب الجراثيم بفعالية، وإليك لمحة عن الاختيارات المحتملة للعلاج:
- العلاج المعرفي السلوكي: يساعد العلاج المعرفي السلوكي الأفراد على تحديد الأفكار والمعتقدات غير العقلانية التي تسبب الرهاب وتغييرها.
- العلاج بالتعرض: يتضمن تعريض الأفراد تدريجياً إلى المواقف أو الأشياء التي يخشونها؛ ما يسمح لهم بمواجهة مخاوفهم في بيئة خاضعة إلى الرقابة وتعلم استراتيجيات التكيف الصحية.
- الأدوية: لا توصف الأدوية بمفردها عادة لمعالجة الرهاب؛ لكن استخدام بعض الأدوية مثل دي-سيكلوسيرين (D-cycloserine) والغلوكوكورتيكويدات (Glucocorticoids) قد يجعل بعض أنواع العلاج النفسي أكثر فعالية، وقد توصف الأدوية المضادة للقلق للمساعدة على إدارة أعراض القلق والأعراض المرتبطة بالوسواس القهري.
بالإضافة إلى العلاج المهني، يمكن أن تساعد استراتيجيات المساعدة الذاتية مثل التنفس العميق، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والنوم الكافي، والتعرض التدريجي إلى المخاوف، والتقليل من الكافيين، وممارسات اليقظة الذهنية والتأمل في التعامل مع رهاب الجراثيم. علاوة على ذلك، قد تساعد مجموعات الدعم ممن يعانون حالات مماثلة على تبادل الخبرات وتعلم استراتيجيات المواجهة.
ختاماً، يمكن القول إن رهاب الجراثيم حالة حقيقية ومنهِكة قد تؤثّر كثيراً في نوعية حياة الفرد؛ لكن يمكن للأفراد الذين يعانون هذا الرهاب من خلال طلب المساعدة المتخصصة وتنفيذ استراتيجيات المواجهة، أن يتعلموا إدارة أعراضهم ويعيشوا حياة مُرضية خالية من قيود الخوف والقلق المفرطين.