كيف نتخلص من رهاب السفر؟ 

السفر بعيداً
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: نادراً ما يكون عدم اهتمام الإنسان بالأماكن البعيدة، وتفضيله البقاء في بيئته وقريباً من معالم المكان الذي نشأ فيه، أمراً عادياً. يشير الطبيب النفسي فريدريك شابيل (Frédéric Chapelle) إلى أن: “بقاء الإنسان في بيته أو رسمه لحدود جغرافية لا يغادرها في منطقته أو بلده، ليس مسألةً مرضيةً بالضرورة مثل رهاب ركوب الطائرات أو رهاب الأماكن العامة، ومع ذلك فإن هذا النوع من السلوك يظل معيقاً للإنسان وغير بنّاء”.

هناك أناس لا تغريهم الوجهات السياحية الرائعة، ولا يكادون يفضلون حتّى التنقّل إلى الأماكن القريبة. فلماذا يغيب لديهم حبّ المغامرة؟ وهل يمكنهم اكتشاف متعة السفر بعيداً؟

هل هو عدم اهتمام بالأماكن البعيدة؟

“ما يسعدني خلال الصيف هو أن أتجول في القاهرة مشياً على الأقدام، وأن أستغل وقت فراغي من أجل ترتيب أغراضي أو تزيين بيتي، ورؤية أصدقائي كثيراً”. هكذا تقضي شيرين البالغة من العمر 32 عاماً إجازاتها. ويقول داوود ذو الـ 39 عاماً: “لماذا سأذهب إلى مكان بعيد وأبحث فيه عمّا يمكنني أن أجده بالقرب مني؛ الراحة والثقافة والمتعة؟ مضيفاً: “عبور الحدود يخيفني، والأماكن التي أعرفها تُشعرني بالأمان، فعلى الأقل أعرف أين يوجد كل من المخبزة والمستشفى”!

نادراً ما يكون عدم اهتمام الإنسان بالأماكن البعيدة، وتفضيله البقاء في بيئته وقريباً من معالم المكان الذي نشأ فيه، أمراً عادياً. يشير الطبيب النفسي فريدريك شابيل (Frédéric Chapelle) إلى أن: “بقاء الإنسان في بيته أو رسمه لحدود جغرافية لا يغادرها في منطقته أو بلده، ليس مسألةً مرضيةً بالضرورة مثل رهاب ركوب الطائرات أو رهاب الأماكن العامة، ومع ذلك فإن هذا النوع من السلوك يظل معيقاً للإنسان وغير بنّاء”.

خوف وراثي

يُعدّ المجهول مخيفاً بطبيعته. يوضح فريدريك شابيل ذلك قائلاً: “يتعلق الأمر بخوف قديم راسخ في النفس، فقد كان الابتعاد عن الكهف بالنسبة إلى أجدادنا أمراً خطِراً لأنهم لم يكونوا متيقنين من إمكانية إيجاد الغذاء، ومن عدم تعرّضهم لهجوم الحيوانات المفترسة إلى غير ذلك من المخاطر”، وقد احتفظت أدمغتنا بالطابع المحفوف بالمخاطر لهذه الخرجات. فهل يكون الخوف من غير المجرَّب فطرياً؟

ليس تماماً، يجيب الطبيب النفسي. إنه يتوقف أساساً على “التطور النفسي والشخصي لكل فرد على حدة، ومع ذلك فهناك عاملان يبدو أنهما يعوقان الرغبة في السفر بعيداً: النشأة في أسرة أو بيئة اجتماعية ثقافية غير منفتحة بما يكفي على الخارج؛ بل ربما يسودها الخوف أيضاً، والمرور بتجربة صادمة خلال السفر كالتعرّض لحادث سير مثلاً”.

اضطراب في التكيّف

يؤكد المحلل النفسي باسكال نوفو (Pascal Neveu) إن أُولى نتائج نقص الثقة في الأماكن الخارجية “نقص في الثقة بالنفس، وبالقدرات الذاتية على التكيف مع بيئة لا نضبطها، فالذين لا يحبون السفر لديهم حاجة كبيرة إلى الأمان”. ويمكن أن يعود أصل هذا الاضطراب في التكيف إلى التربية، فالأشخاص الذين لم يعلّمهم آباؤهم وأمهاتهم الانفصال عنهم بهدوء، ولم يذيقوهم لذة الاستقلالية، ولم يدعموا رغباتهم في الإبداع والاندماج إلى غير ذلك، لا يستطيعون بلوغ الأمان الذي يحتاجون إليه بمفردهم، وسيعتمدون في ذلك لاحقاً على معالمَ خارجية مثل الأماكن المألوفة.

رفض للنّضج

يرى المحللون النفسيون أن “بيوتنا” تشير أيضاً إلى “رحِم الأمّ”. ويبيّن باسكال نوفو أن “وصف “اللغة الأم” الذي نطلقه على لغتنا الأصلية، يؤكد هذا الارتباط بين المكان الذي نقيم فيه والعلاقة بالأم، فرفْض الابتعاد عن البيت يعني رغبةَ البقاء في الشّرنقة التي يمثلها رحم الأم، وبمعنىً أوسع: البقاء في إطار الخلية الأسرية. إنها رغبة في الحفاظ على الارتباط بالأصل، ورفض التطور والتّغيير والنّضج”. إن رفض الأشخاص الذين يفضلون البقاء في بيوتهم اكتشاف المجهول، هو رفض لاكتشاف ذواتهم والمجهول فيها، فهم يتشبثون بصورتهم التي يريدونها أن تبقى ثابتةً وراسخةً في مرحلة الطفولة.

ما العمل؟

يتساءل الطبيب النفسي فريدريك شابيل قائلاً: “ما الذي سيزعجك إذا سافرت بعيداً بعض الشيء؟ ممَّ تخاف؟ ألن يكون هذا السفر مفيداً بالنسبة إليك؟ إن مساءلة نفسك تمكّنك أولاً من التحرر من مسلّماتك، ثم يمكنك بعد ذلك القيام بالخطوة الأولى ولو كانت خطوةً صغيرةً؛ كأن تذهب في العطلة إلى محافظة أخرى داخل بلدك على سبيل المثال، فالتغيير التدريجي يسمح بتحقيق ما نقدر عليه، ومن ثَم يساعد على اكتساب الثقة في النفس قبل اتخاذ خطوة إضافية”.

يقول باسكان نوفو: “ابحث بين معارفك عن شخص يسافر كثيراً وسافر معه، واختر شخصاً يكون جدّياً ومنظماً في الوقت نفسه لتشعر معه بالأمان، ومحبّاً للاستطلاع ليحفّزك، فربّما يمنحك الاعتماد عليه والتعلم من رفقته حبَّ الاستكشاف، وسيكشف لك هذا أيضاً بالتأكيد جوانب كنت تجهلها في شخصيتك. وحاول في المكان الذي ستسافر إليه أن تسترجع نظرتك الطفولية، وجرّب بنفسك الاستمتاع بالصور والأذواق والأصوات بعيداً عن المعتاد، فَأن تحبّ التجربة أو تكرهها؛ تلك طريقة لمعرفة الكثير عن نفسك”.

شهادات

تحكي فدوى ذات الـ 41 عاماً إنّ: “كانت صورة الخارج بالنسبة إليّ عبارةً عن حشرات وقذارة وحرارة، وأكل غير طيب، ولغة مختلفة إلى غير ذلك من الصور، ومن المستحيل أن أسافر إلى أماكن بهذه المواصفات؛ لكنّني عندما كنت أتلقى بطاقةً بريديةً كنت أتحسّر وأنا أتذكر أنني سأقضي أسبوع الإجازة في بيت الأسرة، ملازمةً منزلي. وبفضل العلاج النفسي الجسدي (أو النفسوجسدي)، فهمتُ سبب حاجتي إلى معالم المكان الذي أقيم فيه؛ لقد نشأت دون أب بينما كانت أمي تبالغ في حمايتي. أتعلم الآن بعض تقنيات الاسترخاء، وأرجو قريباً أن أُهدي لنفسي سفراً قصيراً”.

أما سامية البالغة من العمر 30 عاماً فتقول: “كنت أظنّ أنني لا أحبّ السفر بعيداً لكن ذلك كان ببساطة لأنني لم أفعل ذلك من قبل! لقد وُلدتُ في الغردقة وهي إحدى أجمل المناطق السياحية في العالم، وذات يوم أجبرتني مجموعة من صديقاتي على السفر، وقبلت قضاء أسبوع عطلة في أحد المخيمات في الصحراء، وبمجرد وصولي إليه لم أتوقف عن الشكوى، فقد كنت أرى كل شيء دون مستوى مدينة الغردقة، ثم بدأت أتقبّل الأمر واكتشفت كنوز صحراء الجنوب، لقد منحتني هذه التجربة الرغبة في استكشاف أماكن أخرى بعيدة، ولأفهم ذلك كان عليّ أن أخوض التجربة أولاً”.

المحتوى محمي !!