ما علامات أزمة منتصف العمر؟ وكيف تتخطاها بسلام؟

5 دقيقة
أزمة منتصف العمر
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يمكن أن تؤثّر أزمة منتصف العمر في مفهومنا عن ذواتنا وثقتنا بأنفسنا، ما يؤدي إلى تغيرات في الحالة المزاجية والسلوكيات والعواطف والعلاقات. تعرّف في هذا المقال إلى علامات أزمة منتصف العمر، وكيف يمكنك تخطّيها بمرونة.

يميل الناس في أزمة منتصف العمر إلى إعادة تقييم حيواتهم ومواجهة فكرة أنها قد تنتهي خلال فترة زمنية أقصر مما عاشوه ربما. وبالنسبة للبعض، تصبح هذه مشكلة رئيسة تؤثّر في علاقاتهم وحياتهم المهنية. يوضّح المعالج النفسي أحمد هارون، إن أزمة منتصف العمر ليست بالاضطراب أو المرض، وقد يعاني منها بعض الأفراد حتى في سن 35 عاماً، بينما قد يتأخر البعض الآخر إلى سن 65 عاماً. وتتميّز بعلامات شائعة تتمثّل بانخفاض الثقة بالنفس وتقدير الذات. ويضيف، إنه يمكن اعتبارها "منحة منتصف العمر"؛ أي حين تنقص المسؤوليات، وتبرز فرص أكبر للتركيز على النفس وممارسة الرعاية الذاتية.

ما أزمة منتصف العمر؟ وما العلامات الدالة عليها؟

يُشار بأزمة منتصف العمر (Midlife Crisis) إلى الفترة العمرية بين 40 و60 عاماً التي يبدأ فيها الناس في التساؤل عما أنجزوه، وما إذا كان ذلك ما يزال يجلب لهم شعور الرضا، وفقاً لعالم النفس الأميركي مايكل ويتر (Michael Wetter). يمكن أن يؤدي هذا إلى تغييرات ملحوظة في حياة الأشخاص مثل وظيفة جديدة أو استكشاف الهوايات، ولكنه قد يتضمن أيضاً سلوكيات متهورة مثل الإسراف في الإنفاق.

ومع ذلك، ليست كل أزمات منتصف العمر سلبية؛ فبعضها قد يترتّب عنه تحويل التركيز على نحوٍ أكبر على الأسرة، أو الرغبة في العيش أطول، والعمل بشكلٍ أقلّ. لا توجد علامة واحدة مشتركة بين الأشخاص المتأثّرين بأزمة منتصف العمر، ولكنها تنطوي غالباً على تحوّلٍ واضحٍ في كيفية رؤية الشخص لنفسه وتفاعله مع الحياة.

يعتقد بعض الباحثين أن فكرة أزمة منتصف العمر مبالغ فيها، إذ لا يمرّ بها الجميع، وهي ليست مشكلة في العديد من الأماكن حول العالم. وفي استطلاع للرأي نُشرت نتائجه في عام 2000، صرّح ما يقرب 26% من المشاركين أنهم تعرضوا لأزمة منتصف العمر، لكن معظمهم شعروا أنها حدثت قبل سن الـ 40 أو بعد سن الـ 50، وليس بالضبط خلال منتصف العمر عند سن 45 عاماً. ووفقاً للخبراء، قد تظهر هذه الأزمة بعد أحداث حياتية كبرى مثل الطلاق، وفقدان الوظيفة، وفقدان أحد أفراد الأسرة. لذا، فالأمر يتعلق بتغييرات الحياة أكثر من الوصول إلى عمرٍ معين.

وعلى الرغم من ارتباطها عادة بالخوف من الشيخوخة أو التوق للعودة لمرحلة الشباب، فإن المشاعر التي نشعر بها خلال هذه المرحلة قد لا تختلف بشكل كبير عن مشاعر الضيق والصراع العاطفي في أزمات الحياة الأخرى. ووفقاً لجمعية علم النفس الأميركية (American Psychological Association) يمكن أن تشمل العلامات الدالة على وجود أزمة عاطفية التغيرات السلوكية التالية:

  • إهمال النظافة الشخصية.
  • تغييرات جذرية في عادات النوم.
  • فقدان الوزن أو زيادته.
  • تغيرات واضحة في المزاج، مثل زيادة الغضب أو التهيج أو الحزن أو القلق.
  • الانسحاب من الروتين أو العلاقات المعتادة.

اقرأ أيضاً: اكتئاب أزمة منتصف العمر لدى السيدات: الهرمونات ليست المُتّهم الوحيد

ما أسباب الإصابة بأزمة منتصف العمر؟ 

مع الاقتراب من مرحلة منتصف العمر، قد يبدأ الأشخاص في الشعور بعدم الارتياح بشأن التقدّم في السن، وبخاصة عندما يستشعرون قرب فنائهم وانتهاء مرحلة شبابهم. كما أن شيوع ثقافة المنتجات المضادة للشيخوخة قد يعزّز فكرة أن الحفاظ على المظهر الشبابي أمر بالغ الأهمية.

وتؤدي التوقعات الثقافية أيضاً دوراً مهماً؛ حيث تُربط الشيخوخة بالتغيرات غير المرغوب فيها مثل زيادة الوزن، والمشكلات الصحية، والتغيرات الملحوظة في العلاقات الاجتماعية. ويمكن أن يتفاقم هذا الخوف من الشيخوخة إذا لم يكن الشخص قد حقق بعض أهداف حياته بحلول منتصف عمره، مثل شراء منزل أو الزواج والإنجاب.

بالإضافة إلى ذلك، فإن بلوغ مراحل حياتية مهمة مثل الأمومة والأبوة يمكن أن يجلب تحدياته الخاصة. فالآباء الذين يعرّفون أنفسهم فقط من خلال أدوارهم قد يشعرون بأنهم بلا هدف عندما يغادر أبنائهم المنزل. وقد تؤدي الموازنة بين العمل ورعاية الأطفال، والعبء الفكري أيضاً إلى التوتّر، ما يجعل الضغوط الإضافية في هذه المرحلة صعبة على نحوٍ خاص.

ما الفرق بين أزمة منتصف العمر والاكتئاب؟

الاكتئاب هو اضطراب نفسي يتميّز بالحزن المزمن، والعزلة، والانسحاب، والأفكار الانتحارية واضطرابات النوم. ولكي يتم تشخيص هذا الاضطراب، يجب على الشخص أن يستوفي معايير محددة موضحة في الدليل الإحصائي التشخيصي الخامس (DSM-5).

في حين أن أزمة منتصف العمر ليست اضطراباً في الصحة النفسية، إلا أن التوتّر الناتج عنها يمكن أن يؤدّي إلى تغيرات مزاجية أو اكتئاب. غير أن الاكتئاب لا يقتصر على أزمات منتصف العمر ويمكن أن يحدث في أي عمر دون وجود ضغوط محددة. إن التعرض لأزمة منتصف العمر لا يعني بالضرورة الشعور بالاكتئاب، ولكن القرارات التي يتم اتخاذها خلال هذه الفترة قد تؤدي إلى الاكتئاب.

لذلك؛ يجدر طلب المساعدة المتخصصة بسبب العواقب المحتملة لبعض السلوكيات المرتبطة بالاكتئاب، وليس بسبب أزمة منتصف العمر بحدّ ذاتها.

كيف تتخطى إصابتك بأزمة منتصف العمر؟ 

قد تكون أزمة منتصف العمر مرحلة صعبة ومليئة بالتحديات بالنسبة للبعض، لكن يبقى هناك دائماً طرائق لتخطيها بمرونة وفعالية، وتشمل ما يلي:

  • مارس المزيد من الرياضة: إن تعزيز نشاطك البدني يمكن أن يحسّن حالتك المزاجية بشكل طبيعي ويمنحك إحساساً بالتحكم في صحتك.
  • شارك مشاعرك مع الآخرين: يعد الشعور بالخجل والعزلة جزءاً شائعاً من أعراض أزمة منتصف العمر، وقد يعيق طلب الدعم من الآخرين. ومع ذلك، فإن التحدث إلى صديق أو اختصاصي الصحة النفسية يمكن أن يساعد في تخفيف الأعراض وتوفير شعور الارتياح.
  • غيّر تفكيرك: بدلاً من الخوض في الماضي أو القلق بشأن المستقبل، حاول أن تنظر إلى التقدّم في السن باعتباره مرحلة مليئة بالاحتمالات والفرص، مثل الحصول على مزيد من الوقت لممارسة الهوايات أو السفر.

اقرأ أيضاً: 7 تجارب حياتية تجعلك أكثر قوة وتحملاً

هل ثمة جانب مشرق لهذه المرحلة؟

إن الاضطراب العاطفي الذي يعاني منه بعض الأشخاص خلال منتصف العمر لا يؤدي دائماً إلى الصراع النفسي أو الرغبة في العودة إلى الشباب مرة أخرى. في الواقع، يمكن لهذه المرحلة أن تتحوّل إلى أمر إيجابي. حيث يمكن أن تؤدي المعاناة وعدم اليقين التي يعيشها الأفراد المتأثرون بهذه الأزمة إلى الانفتاح على الأفكار الجديدة، والتي يمكن أن تجلب لهم الفهم الجديد للأمور والحلول الإبداعية لأصعب المشكلات.

وهذا ما وجدته دراسة نشرت عام 2016 في المجلة الدولية للتنمية السلوكية (the International Journal of Behavioral Development). إذ وجد الباحثون أن الأشخاص الذين كانوا يعانون من أزمة ما، سواء كانت أزمة ربع العمر أو أزمة منتصف العمر، تزايد لديهم الفضول حيال أنفسهم والعالم الأوسع من حولهم. وقد يؤدي هذا الفضول إلى اكتشافات أو فرص جديدة، وهو ما قد يكون بمثابة الجانب المشرق في خضم الأزمة.

كيف تساعد شخصاً يعاني من هذه الأزمة؟ 

ليس من الضروري أن تكون متأثّراً بمرحلة منتصف العمر وما قد يصاحبها من صراعات عاطفية ونفسية، قد يكون شريكك الزوجي أو صديق لك أو حتى أحد أفراد عائلتك هو من يعاني بوضوحٍ من أعراض هذه الأزمة. إذا كان هذا هو وضعك، فثمة العديد من الإرشادات التي يمكنك القيام بها لتكون داعماً لذلك الشخص المهم بالنسبة لك.

  • كن مستمعاً جيداً: الاستماع بطريقة غير مُصدرة للأحكام لتفاصيل المحنة التي يمر بها عزيزك هو أول خطوة لدعمه.
  • أظهر اهتمامك بطريقة لطيفة وغير مباشرة: الحديث عن مشكلة الشخص بشكل مباشر قد يؤذي مشاعره، ويسبب له النفور. لذا، تجنّب ذلك، وعبّر عن قلقك حول وضعيته العامة مؤخراً على سبيل المثال.
  • تحدّث عن أهمية الحصول على الاستشارة المتخصصة: خذ بعين الاعتبار أن تكون ثمة مشكلة طبية وراء التغييرات التي تراها في الشخص المعني. إذ يمكن أن تتسبب حالة طبية كالغدة الدرقية تغيراً في الحالة المزاجية. التشجيع على زيارة الطبيب سيساعد على استبعاد المشكلات الطبية، وتحديد ما إذا كان ثمة ما يبرر الإحالة إلى مختص الصحة النفسية.
  • اطلب المساعدة لنفسك، أو إذا كان الشخص المعني لديه أفكار انتحارية: يمكن أن تكون مشاركة الحياة اليومية مع شخصٍ متأثرٍ بأزمة منتصف العمر تحدياً صعباً، وبخاصة إذا كانت تراوده أفكارٌ انتحارية. لذلك؛ يُنصح بطلب المساعدة له ولنفسك أيضاً.

في نهاية المطاف، يمكن لأزمة منتصف العمر أن تكون بمثابة حافز للنمو الشخصي، ما يسمح للأفراد بإعادة تحديد أولوياتهم، واسكتشاف عواطف وتجارب جديدة، وتحقيق ما لم يُحقق من قبل من خلال الفضول والرغبة في الاكتشاف.

المحتوى محمي