ملخص: تعني كلمة "يوغا" باللغة السنسكريتية "اتحاد"، فالهدف من هذه الممارسة تحقيق الاتحاد والتجانس بين العقل والجسد، واتحاد الفرد مع محيطه؛ لكن يظل السؤال المهم: كيف تستفيد من اليوغا في تحسين صحتك النفسية والجسدية؟ هذا ما سأعرفك إليه بالتفصيل في مقالي المستمد من خبرتي العميقة في مجال العلاج باليوغا.
محتويات المقال
تمتد جذور فلسفة اليوغا إلى أكثر من 4,000 عام في أرض الهند؛ وهي نظام متكامل من نصوص فلسفية وتوجيهية، وتقنيات جسدية (وضعيات)، وأخرى عقلية (تأمل)، وأيضاً تمارين تنفس. وتعني كلمة "يوغا " بالسنسكريتية "اتحاد"، فالهدف من هذه الممارسة تحقيق الاتحاد والتجانس بين العقل والجسد، واتحاد الفرد مع محيطه؛ لكن يظل السؤال المهم: كيف تستفيد من اليوغا في تحسين صحتك النفسية والجسدية؟ هذا ما سأعرفك إليه بالتفصيل في مقالي المستمد من خبرتي العميقة في مجال العلاج باليوغا.
لماذا تزايدت شعبية ممارسة اليوغا في السنوات الأخيرة؟
تهدف اليوغا إلى توجيه من يمارسها للتحرر من التأثير السلبي للأفكار على العواطف والأفعال، وذلك عبر استعادة السيطرة على العقل وتوجيهه إيجابياً ليحقق التوازن والسعادة والرضا في الحياة اليومية. وتعمل اليوغا أيضاً عبر تمارينها الجسدية والعقلية وتمارين التنفس على وقاية الجسد وعلاجه من الاضطرابات المتعددة التي يمكن أن يصاب بها، فبعض وضعياتها تستهدف تهدئة العقل، وتحسين الانضباط الذاتي، بالإضافة إلى زيادة مرونة الجسم وتقوية العضلات وشدّها؛ ما يسمح بالتخفيف من التوتر الجسدي الذي يعد مرآة للتوتر العقلي، والعكس صحيح أيضاً.
أما تمارين التنفس، فتُعد حلقة وصل بين العقل والجسد، فالتحكّم بالتنفس عبر إبطاء وتيرته والوعي به، يسمح بالتحكّم في العقل عبر التأثير في عوامل فيزيولوجية مثل نظم القلب، وضغط الدم؛ مؤدياً بذلك إلى التأثير في الدماغ والعمل على تخفيف التوتر، وزيادة الطاقة الداخلية.
أما التأمل الذي أخذت شعبيته في التزايد مؤخراً، فهو جزء من ممارسة اليوغا يهدف إلى البقاء في اللحظة الحالية وإلى تحقيق ما يسمى "اليقظة الذهنية"؛ أي الوعي الكامل بالأفكار والتحرر من تأثيرها بصفتها متغيّرة أولاً، وثانياً لأنها لا تمثل الذات وإنما هي نتيجة عمل العقل، ويسمح ذلك بالتحكم بتأثير العواطف والتصالح مع الذات وتعزيز السلام والهدوء الداخلي.
وقد شهدت ممارسة اليوغا شعبية متزايدة خلال العقود الماضية؛ ويعود ذلك دون أدنى شك إلى التأثير الإيجابي لممارستها في الأفراد، إن كان ذلك على المستوى النفسي أو الجسدي، فالكثير ممن يمارسونها يشهدون بتأثيرها في تخفيض القلق والتوتر والحد من بعض الآلام الجسدية.
ما المقصود بـ "العلاج باليوغا"؟
العلاج باليوغا هو علاج تكميلي أو وقائي، تُمكن مشاركته مع العلاجات الطبية الحديثة، ولا يجب الشروع به قبل التأكد من التشخيص الطبي للحالة، ويعتمد العلاج باليوغا على استخدام تقنيات اليوغا مثل الوضعيات، وتمارين التنفس، والتأمل، بعد تعديلها بما يتناسب مع حالة كل مريض، بهدف تخفيف اضطرابات وأعراض جسدية أو نفسية مزمنة، أو علاجها تماماً.
ويهتم العلاج باليوغا بفردية كل مريض نظراً إلى أنها شرط جوهري وأساسي لبناء الخطة العلاجية، ويركز على تكييف تقنيات اليوغا كي تتلاءم مع حاجات المريض الجسدية والنفسية وقدراته، ويشمل التقييم الجسدي الذي يسمح بالتعرف إلى حدود المريض، ووجود آلام معينة أو تخوفات من أداء بعض الحركات، وتقييم التنفس بوصفه أساس ممارسة اليوغا وعاملاً مهماً جداً لصحة جيدة.
بالإضافة إلى تقييم جودة النوم، ونمط الشخصية، وتقييم عوامل أخرى مثل الجنس والوضع العائلي والوضع المهني والعاطفي والتاريخ الصحي والصدمات، وتُجمع هذه المعلومات الأساسية للعلاج كلها خلال المقابلة الأولى بغرض تقديم خطة علاجية تتلاءم مع المريض وتأخذ فرديته بعين الاعتبار على النحو الأمثل.
اقرأ أيضاً: ما فوائد ممارسة اليوغا قبل النوم؟ وكيف تمارسها لتعزيز جودته؟
تعرف إلى الأمراض التي يمكن علاجها باستخدام اليوغا
تشمل تطبيقات اليوغا العلاجية العديد من الأعراض النفسية والجسدية التي يسببها غالباً نمط الحياة المعاصر؛ الذي بات فيه القلق المزمن والخمول الجسدي عاملَين أساسيين لانتشار العديد من الأمراض المزمنة مثل اضطرابات القلب والبدانة، والسكّري، والاكتئاب، والإجهاد.
إذ تعمل تقنيات اليوغا الجسدية والتنفسية على تحفيز العصب المبهم الذي يُعد العصب الأساسي في الجهاز العصبي النظير الودّي، والمسؤول عن الشعور بالراحة والرفاهية. يعمل هذا التحفيز على إعادة التوازن للجهاز العصبي وتخفيف القلق والتوتر وزيادة الشعور بالرفاهية النفسية، وهذا التأثير يعد مهماً جداً في إدارة بعض الأعراض المزمنة مثل القلق واضطرابات النوم والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.
ويؤدي العلاج باليوغا أيضاً دوراً مهماً في تخفيف بعض الآلام المزمنة مثل آلام الظهر التي تُعد من أكثر الآلام شيوعاً؛ إذ يسمح بزيادة مرونة الحوض؛ ما يخفف الضغط على أسفل الظهر، ويشد عضلات الظهر ويقويها؛ ويؤدي ذلك إلى التخفيف من الآلام والخروج من الحلقة المفرغة للألم والخمول بسبب الخوف من الألم.
هناك تطبيقات مهمة جداً للعلاج باليوغا أيضاً في مجال الأمراض التنفسية المزمنة مثل الربو والانسداد الرئوي المزمن؛ وهي أمراض في تزايد مستمر بسبب التلوث البيئي والتدخين المباشر أو السلبي، وظروف العمل، فهي تساعد بفضل تمارين التنفس على إعادة تأهيل الرئتين وزيادة مرونتهما وتحسين جودة التنفس والقوة التنفسية؛ ما يسمح بتخفيف الأعراض، بالإضافة إلى الحد من القلق المزمن الذي يترافق معها عادة.
أما ممارسة التأمل بانتظام، فقد أثبتت عدة دراسات حديثة أنها تسهم في زيادة المرونة العصبية للدماغ؛ ما يعزز قدرته على التكيف واكتساب قدرات التغيير. علاوة على ذلك، أثبتت الأبحاث أن ممارسة التأمل بانتظام تؤدي إلى زيادة ثخانة المادة الرمادية الدماغية المسؤولة عن التحليل والتفكير والقرار، ويساعد ذلك أيضاً على تحسين أعراض الاكتئاب، والقلق المزمن، والألم المزمن، والتعافي من الإدمان، وأيضاً زيادة جودة النوم وتخفيف اضطراباته.
كيف نجحت في علاج أحد مرضاي من آلام الظهر المزمنة؟
تُعد آلام الظهر من أكثر الآلام شيوعاً، وهي تُعزى غالباً إلى ساعات العمل الطويلة في وضعية الجلوس أمام الحاسوب، ويزيد شدتها كل من الخمول الجسدي والبدانة، وأتذكر حالة نجحتُ في علاجها من تلك الآلام لمريض يدعى ميشيل يبلغ من العمر ٣٣ عاماً ويعمل مصمم جرافيك؛ إذ أرسله إليّ طبيبه المعالج بسبب معاناته آلامَ أسفل الظهر منذ 3 سنوات التي باتت تؤثر سلباً في حياته العملية والخاصة، ويصاحب آلامه قلق مزمن تحوّل مع الوقت إلى عدوانية وميول إلى الانعزال والخمول الشديد.
علّمت ميشيل في الجلسة الأولى وضعيات يوغا بسيطة تمدد عضلات أسفل الظهر التي تكون في حالج تشنّج شديد بسبب الألم المزمن والتوتر كي يمارسها يومياً؛ ما يخفف شدة الألم ويسمح بالتمهيد للعلاج، ثم بعد أسبوعين، استطعنا العمل على زيادة مرونة الحوض والعمود الفقري بتمارين يوغا ووضعيات علّمته إياها ورسمتها له ليتمكن من ممارستها يومياً، بالإضافة إلى تمارين تنفس للاسترخاء وتهدئة العقل.
ثم بدأنا العمل في الجلسات التالية على تقوية عضلات الظهر المحيطة بالعمود الفقري؛ التي يزيد ضعفها بسبب الخمول الجسدي، وذلك بالإضافة إلى التمارين السابقة كلها. وبعد 5 جلسات، تحسّنَت آلام ميشيل على نحو ملحوظ، وخف قلقه وتوتّره، وهو اليوم يؤدّي صباح كل يوم جلسة تمارين اليوغا التي أعددتها له خصيصاً وتتضمن 15 دقيقة من الوضعيات المختلفة وتمارين التنفس. وقد ساعدته جلسات اليوغا العلاجية على الوعي بأهمية العناية بجسده؛ ما جعله يقرر الانضمام إلى درس يوغا أسبوعي بالإضافة الى التمارين اليومية الخاصة به.
أخيراً، ما أود قوله هو أن العلاج باليوغا يُعد اليوم علاجاً واعداً في عدة مجالات، ويتميز بكونه علاجاً شمولياً وفردياً في الوقت ذاته، يعمل على تمكين الأفراد ليأخذوا بزمام تحسين حيواتهم وصحتهم، ويسهم في تحقيق التصالح مع الذات، وتحسين العلاقات مع الآخرين، وتجاوز المعوقات الجسدية والنفسية؛ ما يفسح المجال للتفكير الإيجابي وللسلام والهدوء الداخلي والمزيد من الرضا والسعادة.