كرر هذه العادات يومياً وستصبح أذكى عاطفياً!

4 دقيقة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

الذكاء العاطفي ليس صفة يولد بها الإنسان، بل مهارة يمكن صقلها بالممارسة اليومية. يساعدك على فهم مشاعرك والسيطرة عليها، والتعامل بوعي مع المواقف الصعبة دون أن تفقد اتزانك. ولتطوير ذكائك العاطفي بطريقة عملية، إليك عادات يومية يمكنك تطبيقها باستمرار:

  • حدد مشاعرك بدقة: استخدم…

أذكر ذات مساء أنني كنت أستعر غضباً، بعد أن كنت مقتنعة بأن والدي قد ظلمني بأحد قراراته. اتصلت بأختي الكبيرة باحثة عن تأييد، لكن ما قدمته لي كان أثمن بكثير، فهي لم تتجاهل مشاعري، ولم توافقني على غضبي فحسب، لكنها بدلاً من ذلك، أدارت دفة الحديث بلطف.

بأسئلتها الهادئة ساعدتني على الخروج من فقاعتي العاطفية ورؤية الموقف من منظور مختلف، وفجأة خف احتقاني وحل مكانه تفهم وتقبل ليس فقط لمشاعري بل أيضا لأسباب والدي ودوافعه.

هذه القدرة على احتواء نفسك وفهم مشاعر الآخرين ليست مجرد هبة شخصية، بل هي ما يعرف بالذكاء العاطفي. وهو مهارة قابلة للتعلم، تمكنك من فهم المشاعر واستخدامها وإدارتها بطرق إيجابية لتخفيف التوتر والتواصل الفعال والتعاطف مع الآخرين وتهدئة الصراعات. والأهم من ذلك، أن تطوير الذكاء العاطفي يمكن بناؤه من خلال التطبيق المستمر لخطوات يومية بسيطة، إليك أهمها.

1. حدد مشاعرك وسيطر على ما يدور بداخلك

وفقاً للباحثة المتخصصة في الذكاء العاطفي مايا الهواري، يجعلك الذكاء العاطفي تنظر إلى ذاتك الحقيقية من الداخل، وتواجه أناك العليا، فتعرف مصدر تلك المشاعر السلبية التي قد تجتاحك أحياناً مثل الغيرة أو الحقد؛ بمعنى أن يتكون لديك وعي ذاتي بصدمات الطفولة وطبقات الذكريات المتشكلة لديك التي امتصها لا وعيك.

إن هذا الوعي الذاتي هو حجر الأساس لكل ذكاء عاطفي، فهو يمنحك القدرة على فهم مشاعرك والتعرف إلى نقاط قوتك وحدودك وقيمك. لكن المشكلة أن معظمنا يختزل مشاعره في أوصاف عامة مثل "متوتر"، أو "حزين"، أو "أنا بخير"، دون التعمق في التفاصيل.

وهنا تبرز أهمية ما تسميه عالمة النفس في كلية الطب بجامعة هارفارد، سوزان ديفيد، بـ "التفاصيل العاطفية"، أي القدرة على تسمية المشاعر بدقة، بدل الاكتفاء بوصفها على نحو مبهم. فبدل أن تقول ببساطة "أنا متوتر" خذ دقيقة لتسأل نفسك: "ما الذي أشعر به حقاً؟ هل هو إحباط؟ خيبة أمل؟ استياء؟ إرهاق؟ وأين أشعر به في جسدي؟ في المعدة؟ في الفك؟".

هذا التمرين البسيط في تسمية المشاعر بدقة له تأثير عصبي؛ إذ يساعد على نقل النشاط من اللوزة الدماغية، المسؤولة عن ردود الفعل العاطفية، إلى القشرة الجبهية، مركز التفكير المنطقي واتخاذ القرار. تتيح لك عملية "تصنيف المشاعر" هذه، أن تنأى بنفسك عن الانفعال وتبدأ في التعامل معه بوعي وهدوء.

اقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي فطري أم مكتسب؟ أول إماراتية تحصل على الدكتوراة في الذكاء العاطفي تجيب

2. توقف قبل الرد وافصل شعورك عن رد فعلك

بعد التعرف إلى مشاعرك، من المهم اختيار الطريقة التي ستستجيب بها لهذه المشاعر. لا يقصد بذلك كبت الانفعالات، بل التحكم الواعي بها ومنعها من السيطرة على سلوكك، إذ غالباً ما يؤدي تراجع الذكاء العاطفي لدى البعض إلى السماح لشعور عابر، كالغضب أو الحرج، بأن يقودهم إلى تصرف يندمون عليه لاحقاً.

عندما تواجه محفزاً عاطفياً مثل رسالة جارحة أو نقد مفاجئ، قد يتعرض دماغك لما يعرف بـ "اختطاف اللوزة الدماغية"، وهي الحالة التي يتولى فيها الدماغ العاطفي زمام الأمور، فتتراجع قدرتك على التفكير المنطقي واتخاذ القرار السليم. وهنا تأتي قاعدة العشرين ثانية.

عندما تشعر بانفعال أو توتر، امنح نفسك لحظة وخذ نفساً عميقاً، أو حتى غادر الغرفة لحظات، ثم اسأل نفسك خلالها: "كيف سأشعر حيال هذا الرد بعد دقائق أو عدة ساعات أو بضعة أيام؟" هذا السؤال البسيط يمنحك وقتاً لمعالجة الموقف، بحيث تختار تصرفاً أو رداً يتماشى مع قيمك وأهدافك، بدلاً من أن تندفع وراء لحظة غضب عابرة.

3. مارس الاستماع الفعال وانتبه لمشاعر الآخرين

ربما نشأت على نصيحة بسيطة: "احرص على مشاعر الآخرين كي لا تؤذيهم." وعلى الرغم من صحتها فإن الذكاء العاطفي يتطلب أكثر من مجرد حسن النية، وهو الاستماع الفعال، وهو في الحقيقة أكثر من مجرد استماع الآخر.

لا يعني الاستماع الفعال فقط أن تصمت بينما يتحدث الآخرون، بل أن تمنحهم انتباهك الكامل، وتلاحظ تعابير وجوههم ونبرة صوتهم، وحتى لغة جسدهم؛ أي أن تظهر أنك حاضر معهم، وتعيد صياغة ما قالوه لتؤكد أنك فهمت، وتطرح أسئلة تعبر عن اهتمامك الحقيقي. على سبيل المثال، عندما يقاطع أحد الزملاء حديثك ليعبر عن قلقه من ضيق الوقت المتاح له لإنجاز المهمة، لا تتجاهل تعليقه أو تكون مقتضباً في جوابك، مثل أن تقول "لا نملك خياراً آخر"، بل كن متفهماً، واطلب منه أن يشرح أكثر عن المعوقات التي تواجهه، بهذه الطريقة يشعر بأنه مسموع ومقدر، بالإضافة إلى أنك تفهمه أكثر وتستطيع العمل معه على إيجاد حلول بما يخدم مصلحتكما المشتركة.

4. ابتعد عن الدراما

حسناً، لا يقصد بذلك أن تتوقف عن مشاهدة دراما التلفاز، بل أن لا تتأثر بما قد تواجهه في حياتك اليومية، سواء في العمل أم العلاقات. إذ نعيش اليوم في عصر سريع عصبه الاتصالات الفورية، حيث يمكن لأي موقف صغير أو خبر سريع أو حتى بوست يشاركه أحد الأصدقاء، أن يتحول إلى "دراما" تنتشر بسرعة، ما يشتت تركيزك ويهدر طاقتك.

لذا، لا تدخل في كل نقاش أو خلاف، ولا تشارك فيما قد لا يخصك أو تسهم في نقل ما لا يعنيك، واسأل نفسك "هل هذا مهم فعلاً؟ هل يستحق وقتي وطاقتي؟"، أي كن متفهماً ومتعاوناً مع الآخرين دون إثارة مشكلات أو حساسيات.

اقرأ أيضاً: نصائح عملية لدمج الذكاء العاطفي في أسلوبك القيادي

5. مارس اليقظة الذهنية للبقاء حاضراً وواعياً 

إحدى الممارسات الأساسية للأشخاص التي يمكن ممارستها لتطوير الذكاء العاطفي هي اليقظة الذهنية، وهي أشبه بأن تراقب نفسك من الخارج، وكأنك تطوف حول تجربتك دون أن تندمج فيها بالكامل. في هذه الحالة، تصبح أكثر وعياً بأفكارك ومشاعرك ومحيطك، ما يساعدك على فهم الإشارات العاطفية الدقيقة قبل أن تملي عليك ردود فعل اندفاعية، أو تصدر أحكاماً تلقائية.

هذا النوع من الحضور الواعي يساعدك على فهم ذاتك بعمق، ويحسن قدرتك على الاستماع بوعي في أثناء المحادثات، ويمنحك مساحة داخلية للاستجابة للمواقف بانضباط وهدوء، ما يعزز قدرتك على تنظيم انفعالاتك وبناء علاقات أكثر نضجاً وتفاهماً.

6. ارسم حدوداً صحية

الأشخاص الذين يتمتعون بذكاء عاطفي يدركون جيداً أهمية وضع حدود واضحة في علاقاتهم اليومية، لأنهم يعلمون أن هذه الحدود تحمي صحتهم النفسية وتحافظ على توازنهم الداخلي. فهم لا يترددون في التعبير عن احتياجاتهم وتوقعاتهم بوضوح، ويشعرون بالراحة عند قول "لا" عندما يتطلب الأمر، دون أن يساورهم شعور بالذنب. هذه القدرة تمنحهم مساحة شخصية آمنة، وتجنبهم الوقوع في فخ الضغوط الزائدة أو الشعور بالإرهاق والاستياء.

كما أن وضع الحدود يسهم في بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل، حيث يتعلم الآخرون كيف يتعاملون معهم بوعي وتقدير. ويحرص هؤلاء الأفراد على مراجعة حدودهم وتعديلها حسب الظروف، ما يظهر مرونة ناضجة دون التخلي عن إحساسهم بالحماية الذاتية. بفضل هذه الممارسة، يصبحون أكثر قدرة على التعامل مع المواقف الاجتماعية والمهنية بثقة، ويشاركون في العلاقات على نحو صحي دون أن يفقدوا طاقتهم أو توازنهم العاطفي.

اقرأ أيضاً: 5 طرق لإتقان فن الذكاء العاطفي عند التعامل مع النرجسيين

المحتوى محمي