ملخص: يتمنى معظمنا أن يكون أكثر ديناميكية ومرونة في التعامل مع الظروف والمواقف الطارئة، وأن يمتلك القدرة على الانخراط في التجارب الجديدة. وهذه الأمنية ليست مستحيلة التحقيق؛ بل يمكن تطوير المرونة النفسية التي ستحقق هذه الفوائد وأكثر من خلال اتباع بعض الخطوات المذكورة في هذا المقال.
محتويات المقال
هل سمعت بالمثل القائل "لا تكن صلباً فتُكسَر ولا ليناً فتُعصَر"؟ الحل الوسط أن تكون مرناً؛ إذ إن واحدة من أهم نقاط القوة التي تساعد الكثير من الناس على التطور والنمو في حيواتهم هي المرونة النفسية؛ وتعني الاستمرار في الظروف المتغيرة والشدائد، علاوة على أنها تفسر العثرات على أنها حالات مؤقتة وليست النهاية، وفقاً للمختص النفس سلطان العصيمي. وإليك في هذا المقال بعض السمات التي تميز الشخصية المرنة وتجعلها جذابة بالنسبة إلى الآخرين، بالإضافة إلى فوائد المرونة للصحة النفسية، والخطوات العملية والفعالة التي ستساعدك على أن تصبح شخصية أكثر مرونة.
اقرأ أيضاً: 5 سمات شخصية ترسم لك طريقك نحو السعادة
لماذا تكون الشخصية المرنة أكثر جاذبية في عيون الآخرين؟
تتمتع الشخصية المرنة بجاذبية كبيرة في أعين الآخرين بسبب السمات التي تتمتع بها، ومن أهم صفاتها نذكر:
- الانفتاح على طرائق التفكير المختلفة والأفكار الجديدة.
- الاستعداد التام لخوض تجارب جديدة والخروج من منطقة الراحة الخاصة بها؛ مثل تعلم مهارة جديدة في عمر متقدم أو السفر إلى بلد جديد.
- القدرة على التكيف مع البيئات والمواقف المختلفة.
- القدرة على مواجهة التحديات والضغوط غير المتوقعة وإدارة التوتر على نحو فعال.
- مراعاة مشاعر الآخرين واحتياجاتهم وتفهم وجهات نظرهم.
- التعامل مع المشكلات غالباً بعقلية إبداعية واقتراح الحلول غير التقليدية.
- المثابرة في السعي إلى تحقيق الأهداف.
- القدرة على تقبل مشاعر الضيق والأفكار القلقة دون إصدار أحكام؛ ما يسمح بالتعامل مع المواقف المثيرة للقلق بمزيد من الهدوء.
- القدرة على إدارة المشاعر القوية وتقبلها دون الشعور بالإرهاق النفسي.
في المقابل، تتمتع الشخصية غير المرنة بسمات عديدة؛ أهمها:
- التمتع بطرائق تفكير جامدة وثابتة، وصعوبة تبني وجهات نظر بديلة أو أفكار مختلفة أو جديدة.
- مقاومة التغيير والالتزام الصارم بالعادات والتفضيلات.
- عدم الرغبة في خوض تجارب جديدة.
- الشعور بعدم الارتياح أو القلق عند مواجهة مواقف جديدة أو غير متوقعة.
- صعوبة التأقلم وعدم القدرة على التعامل مع التحديات غير المتوقعة.
- عدم مراعاة احتياجات الآخرين ووجهات نظرهم.
اقرأ أيضاً: دليلك لتعزيز مرونتك النفسية ضد الصدمات
ما فوائد التحلي بشخصية مرنة؟
تعزز المرونة النفسية الثقة بالنفس واحترام الذات وتحسِّن العلاقات، وتؤدي دوراً مهماً في الصحة النفسية والرفاهية، وهذا ما أثبتته الدراسات العديدة. على سبيل المثال؛ وجدت دراسة نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب (National Library of Medicine) أن الأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة النفسية يكونون أكثر سعادة ورضا، وأكثر قدرة على اتخاذ الخيارات اللازمة لتعظيم مشاعرهم الإيجابية.
وقد وجدت دراسة أخرى منشورة في دورية بلوس ون (Plos One) عام 2020، أن التحلي بالمرونة في الحياة اليومية قد يساعد على التعامل مع الإحباط والانزعاج بكفاءة في حال لم تسر الأمور كما يُراد لها؛ ما يساعد على تقليل مخاطر الإصابة بحالات صحية مثل القلق والاكتئاب والألم المزمن والتوتر.
أما على صعيد العلاقات الإنسانية، فالمرونة تعد عنصراً مهماً أساسياً أيضاً في العلاقات العاطفية والأسرية والاجتماعية، وتسهم في نجاح هذه العلاقات وتحقق رفاهية أفضل عموماً، وفقاً لدراسة منشورة في دورية العلوم السلوكية السياقية (Journal of Contextual Behavioral Science) عام 2020.
وفي ميدان العمل، تبين دراسة منشورة في دورية الحدود في علم النفس (Frontiers in Psychology) عام 2019، أن الموظفون الذين يتمتعون بالمرونة يكونون أكثر انفتاحاً على تقبل النكسات في العمل والتأقلم معها ومواصلة حيواتهم وأعمالهم بكفاءة. وتشير النتائج إلى أن الموقف المرن والواعي تجاه الأحداث النفسية الصعبة يساعد على التعامل الجيد مع الضغوط غير المتوقعة، ويعزز القدرة على العمل بفعالية أكبر.
اقرأ أيضاً: ما الأثر الإيجابي الذي تخلفه تحديات الحياة في صحتك النفسية؟
7 نصائح لتصبح شخصية أكثر مرونة
وجدت دراسة منشورة في دورية الحدود في علم النفس (Frontiers in Psychology) عام 2023، أن المرونة ترتبط ارتباطاً وثيقاً وقوياً بنقاط قوة الشخصية؛ مثل حب التعلم والفضول والتواضع والإنصاف والحماس. وهذا يعني أن تعزيز المرونة قد يعزز العديد من الجوانب الإيجابية للشخصية البشرية، وإليك 7 نصائح ستساعدك على أن تصبح أكثر مرونة:
1. اعترف بأفكارك ومشاعرك
عليك أن تتقبل فكرة أن الانزعاج وعدم اليقين أمر حتمي في الحياة، فالحياة بطبيعتها لا يمكن التنبؤ بها، ومحاولة تجنب الصعوبات أو مقاومتها لا تؤدي إلا إلى زيادة التوتر والقلق. لكن يمكنك من خلال الاعتراف بهذه التحديات وقبولها أن تطور استراتيجيات التأقلم والمرونة للتغلب عليها. ومن المهم أن تذكّر نفسك بأن الانزعاج والضيق حالات مؤقتة؛ ما قد يمنحك الأمل والحافز للمثابرة.
علاوة على أن السماح لنفسك بالشعور بمجموعة كاملة من المشاعر دون إصدار الأحكام هو أمر بالغ الأهمية للصحة العاطفية. المشاعر كلها، حتى الصعبة منها، تخدم غرضاً وتوفر معلومات قيّمة عن احتياجاتنا وتجاربنا. ومن خلال قبول مشاعرك واستكشافها، يمكنك التعلم منها واتخاذ قرارات مستنيرة حول كيفية التكيف مع ظروفك المتغيرة.
خلاصة الكلام: تقبل الانزعاج وعدم اليقين، والسماح لأنفسنا بالشعور بالمشاعر كلها والتعلم منها، يمكن أن يؤدي إلى قدر أكبر من المرونة والرفاهية العاطفية والنمو الشخصي.
اقرأ أيضاً: 7 إرشادات عملية تساعدك على تجاوز أسوأ أيامك
2. تحدَّ الأفكار غير المفيدة
نمتلك جميعاً أفكاراً سلبية عن أنفسنا أو المواقف التي نواجهها؛ لكن عليك ألا تصنِّف أفكارك إلى سلبية وإيجابية؛ وإنما إلى مفيدة وغير مفيدة. ثم وعندما تحدد فكرة غير مفيدة، تساءل عن مدى صحتها، ثم استبدل بها وجهات نظر أكثر حيادية أو بناءة.
ولا تعني المرونة هنا أن تستبدل بأفكارك غير المفيدة أخرى غير واقعية أو إيجابية على نحو مفرط؛ بل أن تستبدل بها أفكاراً أكثر حيادية وواقعية. على سبيل المثال؛ بدلاً من أن تقول: "أنا فاشل"، أعد صياغة الأمر على النحو التالي: "أنا أبذل قصارى جهدي على الرغم من الشكوك".
3. احتضن التجارب الجديدة
اخرج من منطقة الراحة الخاصة بك واستكشف أفكاراً وأنشطة وفرصاً جديدة لتوسيع آفاقك. على سبيل المثال؛ يتيح لك الانخراط في محادثات مع أشخاص من خلفيات ثقافية متعددة اكتساب نظرة ثاقبة إلى وجهات نظر مختلفة وتوسيع فهمك للعالم. وبالمثل، فإن استكشاف الكتب أو الأفلام من تلك الأنواع التي لا تنجذب إليها عادة يساعدك على تعزيز قدرتك على التكيف وتنمية شعور أكبر بالانفتاح الذهني.
اقرأ أيضاً: هل تهاب خوض التجارب الجديدة؟ أجب عن هذه الأسئلة الثلاث لتقليل مخاوفك
4. تحدَّ أفكارك القديمة وتبنَّ وجهات نظر أخرى
اسأل نفسك في حال كنت تصر على تنفيذ الأمور وفق طريقة محددة عن سبب إصرارك على هذه الطريقة. استخدِم مهارات التفكير النقدي لتحديد إذا ما كانت هذه هي الطريقة الأفضل بالفعل، وما الضرر في تجربة طرائق مختلفة.
ابحث عن وجهات نظر متنوعة تختلف عن وجهات نظرك من خلال إجراء المحادثات وجهاً لوجه مع أفراد من خلفيات متنوعة، والاطلاع على المعلومات التي تتناقض مع أفكارك. في الواقع، يمكنك من خلال متابعة الأشخاص الذين لديهم أفكار مختلفة أو ذوي الخلفيات الثقافية المختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي، أن تعرّض نفسك إلى مجموعة متنوعة من وجهات النظر والتجارب. يمكن لهذا التعرض أن يوسع فهمك للعالم ويتحدى مفاهيمك السابقة.
وتذكر ألا تخاف من تغيير موقفك؛ فقط خذ الوقت الكافي لجمع المعلومات قبل اتخاذ القرار الأفضل لك، ولا تخف من تغيير رأيك عندما تتلقى معلومات جديدة، فلا عيب في ذلك.
5. نمِّ ذكائك العاطفي
يتمتع الأشخاص المرنون معظمهم بذكاء عاطفي عالٍ، فالقدرة على فهم أفكار الآخرين ومشاعرهم والتواصل معهم بفعالية تساعدك على أن تصبح مرونة. وحتى تنمي ذكاءك العاطفي، عليك أن تبدأ التعرف إلى مشاعرك عند ظهورها، والانتباه إلى المحفزات والأحاسيس والأفكار المرتبطة بالمشاعر المختلفة. يمكن أن يساعدك التدوين أو اليقظة الذهنية خلال هذه العملية.
وعليك أيضاً أن تتدرب على إدارة عواطفك على نحو بنّاء. قد تساعد تقنيات مثل التنفس العميق أو التأمل أو التوقف مؤقتاً قبل الرد في تنظيم المشاعر الجياشة. وقد يكون من المفيد أن تتبع آليات التأقلم الصحية مع التوتر؛ مثل ممارسة الرياضة أو التحدث إلى شخص تثق به.
ثم عليك أن تطور قدرتك على التعاطف وتعزيز مهارات التواصل والتعامل مع الآخرين، وذلك عبر الإصغاء الفعال عندما يتحدثون، والمصادقة على مشاعرهم، ووضع نفسك مكانهم لفهم وجهات نظرهم، والتواصل الفعال معهم وحل النزاعات والتعاون. كما من المفيد أن تنخرط في الأنشطة التي تنطوي على العمل الجماعي لفهم ديناميكيات المجموعة على نحو أفضل.
ومن الأمور التي قد تساعدك أيضاً على تنمية الذكاء العاطفي قراءة الروايات والخيال الأدبي؛ إذ وجدت دراسة منشورة في دورية العلوم (Science) عام 2013، أن قراءة الروايات والخيال الأدبي يعزز نظرية العقل؛ أي يعزز المهارات التي تساعد على بناء علاقات شخصية قوية مع الآخرين والحفاظ عليها، أكثر من قراءة الخيال الشعبي أو الكتب غير الأدبية.
تساعد قراءة الروايات على فهم أفكار الشخصيات والتعرف إلى اختياراتها والتعلم من أخطائها دون مواجهة عواقب تلك الأفعال على أرض الواقع؛ ما يساعد على تعزيز ذكائك العاطفي ومرونتك النفسية.
اقرأ أيضاً: ما الجانب الإيجابي لتجنب مواجهة الحقيقة المؤلمة؟ وكيف يعزز صحتك النفسية؟
6. مارِس اليقظة الذهنية
اليقظة الذهنية تعني أن تكون واعياً بأفكارك وعواطفك ومحيطك في اللحظة الحالية. تسهم اليقظة في تقليل التوتر والقلق، وتحسِّن الانتباه والذاكرة، وتعزز تنظيم المشاعر، بالإضافة إلى أنها تعزز مشاعر الرفاهية والإيجابية.
بالإضافة إلى ذلك، فأنت بمجرد أن تتوقف لحظة لتكون حاضراً وواعياً على نحو كامل في اللحظة الحالية، فإنك تخطو الخطوة الأولى لتصبح مرناً نفسياً. لذلك؛ حاوِل تخصيص بعض الوقت يومياً للتركيز على تمارين اليقظة الذهنية، سواء بمفردها أو مع اليوغا أو التنفس العميق أو التأمل. سوف تجد لاحقاً أنك أصبحت أكثر وعياً واستعداداً للتأقلم مع بيئتك المتغيرة.
7. ابدأ بتغييرات صغيرة
يمكنك التدرب على المرونة من خلال إحداث تغييرات بسيطة في الروتين اليومي. على سبيل المثال؛ إذا كنت تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي كل يوم قبل النوم، فحاوِل قراءة كتاب بدلاً من ذلك، أو جرِّب أن تتعلم العزف على آلة موسيقية، أو أن تلتزم بالذهاب إلى النادي الرياضي، أو تمارس الرياضة في الهواء الطلق. المغزى هو أن تفعل الأمور على نحو مختلف؛ ما يساعدك على تطوير مهارة التأقلم مع الظروف الجديدة.
ختاماً، يقتضي التنويه بأنه في حال كنت تعاني مشكلات في العمل أو المنزل أو البيئات الاجتماعية نتيجة عدم مرونتك وعدم قدرتك على اكتساب المرونة، فقد يكون من الأفضل استشارة متخصص في الصحة النفسية؛ إذ يمكن لبعض أنماط العلاج مثل علاج القبول والالتزام وغيرها أن يساعدك على فحص معتقداتك وتحدي الافتراضات المسبقة وتطوير مهارات التأقلم التي تعزز المرونة.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة نقطة أساسية ينبغي التنويه بها أيضاً؛ وهي أنه على الرغم من أهمية المرونة في الحياة، فليس من الضروري أن تكون مرناً طوال الوقت؛ إذ إن المرونة الشديدة تعني أنك تخاطر بالإرهاق والتخلي عن قيمك وتلبية احتياجاتك الخاصة من أجل إرضاء الآخرين. كن واعياً ولا ترهق نفسك أكثر من اللازم.
اقرأ أيضاً: ما هو العلاج بالقبول والالتزام؟ وكيف تمارسه لتجد معنىً لحياتك؟