ملخص: يُعدّ فهم مبادئ التعلّم الفعّال أمراً بالغ الأهمية في رحلة السعي إلى إتقان المهارات الجديدة، فمن خلال الانفتاح على مصادر المعرفة المتنوّعة، والمرونة في أنماط التفكير، والوعي الذاتي بمراكز القوة والضعف، والتعلّم المستمرّ، يمكن للأفراد من الفئات العمرية جميعها إتقان شتّى المهارات والاستفادة من مزاياها مدى الحياة.
ومن أجل تفادي الوقوع في فخّ انعدام التطوّر أو ضعفه، من الضروري أن نتمكّن من تحديد المجال الذي نرغب في تحسينه، سواء كان ذلك في التحدّث أمام الجمهور، أو إتقان اللغات، أو تنظيم الوقت، أو أياً من الجوانب التي تحتاج إلى التحسين والتطوير، ولا سبيل إلى ذلك سوى بإتقان المهارات الجديدة.
7 فوائد تجنيها من تعلّم المهارات الجديدة
يطمح الأفراد إلى اكتساب قدرات جديدة لأهدافٍ مختلفة. في بعض الأحيان، ينشأ الدافع من ضرورة التكيّف مع التقدّم التكنولوجي المُتسارع أو الاستفادة من الأساليب المطوَّرة في وظائفهم. وبغض النظر عن الدافع، يجلب اكتساب المهارات الجديدة العديد من المزايا المتنوّعة التي تُمكنك الاستفادة منها عندما تبدأ برحلة التعلّم، بغض النظر عن طبيعتها:
- تتغيّر كيمياء دماغك: تعمل المايلين (Myelin)؛ وهي المادة البيضاء داخل الدماغ، كمحفّزٍ لتعزيز الأداء في مختلَف المهمات. فعندما يمارس الأفراد مهارة مكتسَبة حديثاً على نحو متكرّر، فإن ذلك يؤدّي إلى زيادة كثافة المايلين في أدمغتهم؛ ومن ثَمّ تعزيز قدراتهم على التعلّم على نحوٍ أكثر فعالية.
- تزداد سرعة تعلّمك: إن اكتساب مهارة جديدة يعزّز قدرتك على فهم المعلومات بسرعة أكبر مع مرور الوقت، ويحدث ذلك من خلال تنشيط الخلايا العصبية في الدماغ؛ ما يسبب تشكُّل مسارات عصبية إضافية وتسريع انتقال النبضات الكهربائية في أثناء معالجة المعلومات الجديدة. وكلما زاد عدد هذه المسارات، أصبح انتقال النبضات أسرع؛ ومن ثَمّ ازدادت سرعة التعلّم.
- تتصّل بالمعارف السابقة: يعتمد جزءٌ من تعلّم مهارة جديدة على ربط تلك المهارة بالمعلومات والمهارات التي تعرفها من قبل؛ إذ تساعد المعرفة السابقة الأشخاصَ على الاتصال بالمعلومات الجديدة بناءً على المعرفة الموجودة مسبقاً؛ ما يسهّل تعلّم المزيد من المهارات الجديدة.
- تصبح شخصاً مثيراً للاهتمام: يجد الأفراد الذين لديهم مجموعة متنوعة من الاهتمامات سهولة أكبر في التواصل مع الآخرين، ومشاركة القواسم المشتركة التي تعزّز العلاقات الأقوى. إن تنمية المهارات لا تجعلك أكثر جاذبية فحسب بل تجذب الناس إليك أيضاً؛ ومن ثَمّ تُثري حياتك من خلال روابط اجتماعية أعمق وأقوى.
- تحارب الملل: إن اكتساب المعرفة الجديدة على نحو مستمرّ يحافظ على مستوى اهتمامك؛ ما يقلّل احتمالية الشعور بالملل بسهولة. إن الانخراط المتكرّر في الأنشطة يمكن أن يولّد شعور الرتابة بسرعة؛ ولكن اكتساب مهارة جديدة يعطّل هذا النمط، فيكون إجراءً وقائياً ضد الملل.
- تستطيع التكيّف مع التغيير على نحو أفضل: يؤثّر اكتساب المعرفة الجديدة إيجابياً في العقل والتصورات عن الواقع؛ ما يسهّل عليك التكيّف مع التغيرات المستمرّة التي تتّسم بها الحياة حيث يُعد التكيّف مع التغيير مهارة حياتية مهمّة.
- يمكنك تفادي الإصابة بالخرف: تنخفض احتمالية الإصابة بالخرف لدى الأفراد الذين يكتسبون مهارات جديدة؛ إذ يقوم المتعلّمون بتنشيط أدمغتهم باستمرار ما يمنع إزالة مادة المايلين التي يسبّب انخفاضها الإصابة بالخرف؛ ومن ثَمّ يتمكّنون من الحفاظ على مسارات عصبية جيّدة.
اقرأ أيضاً: 5 نصائح لتنمية مهارة التحدث أمام الجمهور
كيف تتعلّم بوتيرة أسرع وفعالية أكبر؟
إن تنمية مهارات معيّنة يمكن أن تسرّع عملية اكتساب المعرفة الجديدة على نحو كبير. ولإتقان فن التعلّم، ينبغي التحلّي بالصبر، والانفتاح على مصادر متنوّعة من المعرفة؛ إذ يتطلّب تحقيق الخبرة والإتقان القدرة على تقييم نقاط القوّة والضعف في الشخصية على نحو مستمرّ؛ حيث يُعدّ هذا الوعي الذاتي بوصلةً للتحسين مدى الحياة. ومن زاوية علم النفس، يتطلّب إتقان المهارات مجموعة من السمات والقدرات التي من شأنها مساعدتك على استيعاب المعارف الجديدة وتطبيقها بوتيرة أسرع وفعالية أكبر، ونذكرها كالتالي:
- الاستعداد للتعلّم من خلال التجربة: يمتلك أولئك الذين يتبنّون التعلّم عن طريق التجربة عن طيب خاطر، وعياً ذاتياً يساعدهم على تنظيم مشاعرهم بفعّالية، والتفوّق في إدارتها، وإظهار قدرٍ أكبر من المرونة؛ إذ يثير هذا الأسلوب من التعلّم مجموعة من المشاعر الشديدة مثل الارتباك والإرهاق والإحباط والمفاجأة والارتياح والفخر والبهجة.
- الانفتاح على التعلّم من الأشخاص الذين لا تحبّهم: من الضروري أن تكون منفتحاً على التعلّم من الأفراد الذين قد لا تتّفق معهم بالضرورة. ففي كثيرٍ من الأحيان، نجد صعوبة في التواصل مع أولئك الذين لديهم وجهات نظر أو شخصيات أو خلفيات أو أنماط تفكير أو أساليب تواصل مختلفة؛ غير أن تلك الاختلافات ذاتها هي التي يمكن أن توفّر فرصاً تعليمية قيّمة. ولكي تحقّق الإتقان فيما تريد تعلّمه، فكّر في التعلّم من الأشخاص الذين قد يثيرون غضبك، ومَن تتنافس معهم، وحتى مَن تشكّك في نجاحهم. فكلما كنت أكثر استعداداً للتعلّم من أشخاصٍ يتحدونك، أصبحت متعلماً أكثر فعّالية.
- تجربة أساليب تفكير مختلفة: يمتلك الأشخاص عادة أسلوبَ تفكير طاغياً؛ حيث يميلون إما إلى التركيز على المكاسب، وإما إلى التركيز على الوقاية من الخسائر أو تجنُّبها وتفادي الأخطاء. غير أن تحقيق الإتقان كمتعلّم ينطوي على القدرة على تكييف أسلوب التفكير، وجعله مرناً ليُناسب المشكلة المحدّدة المطروحة، وذلك عوض الالتزام الصارم بأسلوب واحد مهيمن من التفكير.
- العودة إلى قراءة المادة العلمية أكثر من مرة: عندما تقرأ كتاباً أو محتوىً لأول مرّة، فكّر في الرجوع إليه بعد بضعة أشهر، فالاطلاع الأوّلي يثير اهتمامك بكلّ ما هو جديد؛ لكن عندما تعود إلى المادة نفسها لاحقاً، فمن المحتمل أن تكون عقليتك قد تطوّرت، وبدأت تظهر لديك اهتمامات جديدة تتطلب التعامل معها على مستوىً أعمق. إذ تتيح لك هذه العملية الكشف عن الجوانب الدقيقة التي ربما فاتتك في البداية، وذلك يعني أن الأمر لا يقتصر على استيعاب المحتوى والمعلومات الإرشادية فحسب؛ بل يتعلق أيضاً بالتعمّق في أسلوب تفكير كاتب المحتوى نفسه.
- السعي إلى التعلّم من خلال مصادر مختلفة: يميل المتعلّمون الأقلّ فعّالية إلى الالتزام بطريقة واحدة مريحة لاكتساب المعرفة، وقد يعتمدون حصرياً على الفصول الدراسية أو على طلب المعلومات من معارفهم. وفي المقابل، يُظهر المتعلّمون البارعون استعداداً لاستخلاص الأفكار من مجموعة واسعة من المصادر، والتفاعل مع أفراد غير مألوفين، والبحث المكثّف عبر الإنترنت، والتفاعلات الاجتماعية، فهذا التنوّع مهم لأن الاقتصار على المعرفة العامة بالإنترنت قد يؤدّي إلى إغفال الموارد المحلية القيّمة.
- الاعتماد على التعلّم العميق: يتجاوز المتعلّمون البارعون نطاق الخبرة التقنية؛ حيث يصبحون قادة الفكر الذين يسخّرون قوة الإبداع من خلال عملية التعلّم الخاصة بهم. وفي حين يروَّج في الغالب لعامِلَيّ التركيز والقضاء على التشتيت لزيادة الإنتاجية، فالأفراد الأكثر براعة وإبداعاً لا يعتمدون فقط على التركيز؛ وإنما يسمحون لعقولهم بتكوين روابط فريدة بين أفكار وأدوات تبدو غير مترابطة؛ حيث يكتسبون المعرفة لغرض واحد ولكن يمكنهم تكييفها ببراعة لمختلف التطبيقات الإبداعية.
- وضع خطة التعلّم وفقاً للأهداف: لا يلتزم المتعلّمون البارعون بخطط التعلّم المعدّة لهم مسبقاً بصرامة؛ بل يصمّمون استراتيجيات التعلّم الخاصة بهم بناءً على أهدافهم الخاصة، سواء كانت اجتياز اختبارٍ أكاديمي معيّن أو اكتساب المهارات اللازمة لبدء مشروعٍ تجاري. لا يقتصر المتعلمون البارعون على تطبيقٍ واحد لتعلّم اللغة، على سبيل المثال؛ ولكنّهم يستكشفون طرائق مختلفة لتحقيق ذلك الهدف.
- التعرّف إلى مراكز القوة: يمتلك المتعلّمون البارعون فهماً عميقاً لنقاط القوّة الفردية لديهم، ويدركون أن المهمات الصعبة تصبح أكثر متعة عندما تتماشى مع قواهم وقيمهم الشخصية، فالأفراد القلقون قد يُظهرون إبداعاً ملحوظاً ومثابرة في التغلّب على العقبات وفقاً لعالم النفس الأميركي، تود كاشدان (Todd Kashdan). فإذا تمكّن هؤلاء من التعرّف إلى هذه القوة الداخلية، فيمكنهم تسخيرها، والاستفادة من وعيهم الذاتي بها، لتعزيز الثقة عند مواجهة المشاعر الشديدة المرتبطة عادةً بالمشروعات الجديدة والمتطلّبة.
اقرأ أيضاً: دليلك لتعزيز مرونتك النفسية ضد الصدمات
وأخيراً، يتطلّب إتقان المهارات الجديدة القدرة على التعلّم السريع وسمة التفكير العميق، فتحقيق الإتقان كمتعلّم لا يقتصر فقط على الاكتساب السريع للمعرفة واكتساب مهارات تقنية جيّدة؛ إذ يفتح التعلّم بعمق مجالات الإبداع والابتكار والتطوير الشخصي.