كيف تتغلب على خوفك من ارتكاب الأخطاء الإملائية؟

الأخطاء الإملائية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تقول سوسن ذات الـ 30 عاماً: “أخاف جداً من ارتكاب الأخطاء الإملائية إلى درجة أنني أكتب أقل عدد ممكن من الكلمات”. وتوضح أنها لا ترسل رسالة نصية أو تعلّق على منشور في فيسبوك ما لم تتأكد من أن التصحيح التلقائي يعمل؛ كما أنها تقرأ الرسالة التي تتكون من سطرين 10 مرات قبل إرسالها، فهل ينبع خوف سوسن هذا من الرغبة في الإتقان أم ثمة أسباب أخرى؟ تعرف إلى ذلك في المقال التالي.

يُصاب البعض بالتوتر حين ارتكاب أخطاء إملائية في أثناء الكتابة أو لمجرد رؤيتها، فهل ينم هذا عن رغبة في الإتقان أم نوع من الخوف؟ وكيف يمكن التغلب على هذا “الرهاب” الغريب؟

تقول سوسن ذات الـ 30 عاماً: “أخاف جداً من ارتكاب الأخطاء الإملائية إلى درجة أنني أكتب أقل عدد ممكن من الكلمات”. وتوضح أنها لا ترسل رسالة نصية أو تعلّق على منشور في فيسبوك ما لم تتأكد من أن التصحيح التلقائي يعمل؛ كما أنها تقرأ الرسالة التي تتكون من سطرين 10 مرات قبل إرسالها. وتتابع: “قد يبدو سلوكي مبالغاً فيه؛ لكن لا مجال للتهاون، فرسائل البريد الإلكتروني قد تستمر بالانتقال من شخص لآخر إلى ما لا نهاية بكل ما تتضمنه من أخطاء إملائية، وهذا مرعب”!

البحث عن الكمال

يوضح مختص الطب والعلاج النفسي، فريدريك فانجيه (Frédéric Fanget) إن سرعة تداول المعلومات تمتزج بالرغبة في القوية في تحقيق الكمال في مجتمعاتنا، فيخلقان معاً قيوداً على النفس، ويضيف إن ثقافة تعزيز الأداء ترسَّخ في نفس الطفل مع دخوله إلى المدرسة حيث يتعلم مفهوم منافسة الأقران؛ ومن ذلك الكتابة دون ارتكاب أخطاء إملائية، وفي الكبر يواصل البعض فرض هذه القيود على نفسه.

ويضيف مختص التحليل النفسي، سافيريو تومازيلا (Saverio Tomasella) إن عدم تقبُّل الأخطاء الثانوية ورفض التساهل معها رفضاً مطلقاً يشير إلى سيطرة الأنا العليا التي لا تقبل أي تنازل عن القواعد. ويرجع ذلك غالباً إلى نشأة المرء في كنف والدين صارمين يوليان أهمية كبيرة للمظهر والأعراف الاجتماعية ومن ذلك الكتابة دون أخطاء؛ ومن ثم فإنه يجد نفسه مكبّلاً بمعايير صارمة ولا يحاول التشكيك فيها مطلقاً.

ويقول فريدريك فانجيه: “إما أنه تعرض للتوبيخ بمجرد أن فكر في تحرير نفسه منها، وإما أنه لم يتعلم التحلي بالثقة بالنفس والقوة على الرغم من الأخطاء التي يرتكبها”.

الخوف من الرفض

يدلّ خلو كتابة شخص ما من الأخطاء الإملائية على انتمائه إلى مجتمع العلم والثقافة والنجاح، ويمثل هذا تحدياً كبيراً لمن يحتاج إلى الحصول على تقدير المجموعة التي ينتمي إليها أو محبتها. تقول لبنى ذات الـ 36 عاماً: “ترعبني فكرة أن أرتكب خطأً إملائياً في أي ملف أعمل عليه، فقد يظن الشخص الذي أرسلته إليه أنني غبية”.

يكشف خوف المرء من نظرة الآخرين عن انعدام الأمان العاطفي لديه وحاجته الدائمة إلى الاطمئنان بأنه جدير بحب من حوله وتقديرهم، وخلاف ذلك، سيعيش خوفاً مستمراً من أن ارتكاب أي خطأ سيعرضه للنبذ والرفض والتجاهل.

الشعور بالخزي

يقول سافيريو تومازيلا: “قد يؤدي ارتكاب خطأ إملائي صغير إلى إثارة خوف قديم أكبر من مجرد هذا الخطأ، فحينما يعيد المرء قراءة الرسالة مراراً وتكراراً قبل إرسالها ليتجنب الأخطاء الإملائية التي يكرهها، يحمي نفسه في الحقيقة من زلات اللاوعي التي لا تحكُّم له فيها، فقد يكتب في نهاية جملة ما كلمة تكشف عن أحد أسراره العائلية أو موقف صادم تعرض له أو موقف مخزٍ ربما مضى عليه وقت طويل لكن المشاعر المرتبطة به ما زالت حية، ومن خلال ضبط ما يكتبه إملائياً فإنه يسيطر على هذه المخاوف القابعة في داخله.

كيف تخفف خوفك من ارتكاب الأخطاء الإملائية؟

هوّن الأمر على نفسك

يقول سافيريو تومازيلا: “قواعد اللغة ليست سهلة ولا بد للمرء أن يرتكب أخطاء إملائية أحياناً، ولا سيما في عصر التراسل الفوري؛ إذ نرسل ونستقبل كماً كبيراً من المعلومات ومن ثم حينما تدرك أنه من غير المعقول عدم ارتكاب أي أخطاء، سيتبدد خوفك”.

عزز إبداعك

مارس أنشطة تسمح لك بالتعبير عن نفسك بعفوية دون الحاجة إلى استنفار ذهني؛ مثل الرقص والغناء والرسم وغيرها. ويقول سافيريو تومازيلا: “تسمح لك هذه الأنشطة بتخفيف الرقابة التي تفرضها على نفسك والانفتاح على الأحداث غير المتوقعة؛ ومن ثم التحرر من قيودك، لتدرك بعد ذلك أن التحلي ببعض العفوية لن يسبب كوارث بل إنه يمكن أن يكون ممتعاً أيضاً”.

أَخطِر الآخرين

يقول مختص الطب والعلاج النفسي فريدريك فانجيه: “حينما تعترف بأخطائك فإنها تصبح نقاط ضعف، أما محاولة إخفائها فستضخمها في نظرك ومن ثم سيتعاظم خوفك من أن يكتشفها الآخرون. لذلك؛ بدلاً من أن تسمح لخوفك من ارتكاب الأخطاء الإملائية بالسيطرة عليك يمكنك استخدام حيلة بسيطة وهي دمج توقيع تلقائي في رسائلك تكتب فيه: “أُرسلت هذه الرسالة من هاتفي المحمول، أرجو المعذرة على الأخطاء المطبعية”، إنها طريقة لمناشدة لطف الآخرين وحماية نقاط ضعفك التي تظهر لهم.

تجربة شخصية

يقول سالم ذو الـ 41 عاماً وهو مراقب إداري: “لطالما ارتكب والداي أخطاء إملائية خلال الكتابة، ولأن فرصة التعلم أتيحت لي؛ فقد سعيت إلى أن تكون كتابتي خالية من الأخطاء، حتى أنني أتحقق من النصوص التي أكتبها مرات عديدة، إلى أن بدأت ذات مرة بالانتباه إلى الأخطاء الإملائية التي يرتكبها الآخرون، ولا سيما أولئك الأعلى مني في التسلسل الهرمي وهم أبناء عائلات محترمة، فأدركت أنهم يرتكبون أخطاء فادحة أحياناً دون أن يشكك أحد في مهاراتهم وأن هذه الأخطاء لا تنتقص من ثقافة المرء وموهبته ونجاحه، ومنذ ذلك الحين صرت أتساهل أكثر مع نفسي”.

المحتوى محمي !!