دراسة حديثة: سماع الأغاني الحزينة ربما يُشعرك بالسعادة!

4 دقيقة
الاستماع إلى الأغاني
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: أظهرت دراسة بحثية حديثة نشرتها دورية بلوس ون (PLOS ONE) العلمية في أبريل/نيسان 2024 أن الاستماع إلى الأغاني والموسيقا الحزينة، على عكس المتوقع، يؤدي إلى الشعور بالمتعة، وإليكم تفاصيل الدراسة البحثية من خلال هذا المقال.

توصلت دراسة بحثية حديثة نشرتها دورية بلوس ون (PLOS ONE) العلمية في أبريل/نيسان 2024 إلى أن الاستماع إلى الموسيقا الحزينة يمكن أن يجعلك تشعر بالمتعة، وعلى الرغم من أننا ننظر إلى الحزن بصفة عامة على أنه عاطفة سلبية، فإنه في السياقات الجمالية مثل الموسيقا يرتبط بالمتعة؛ وهذا ما تجسد على نحو ملحوظ على مر التاريخ في أشكال الفن التي تتسم بالحزن مثل اللوحات الفنية والمسرحيات والأفلام والأغاني، وبالمقارنة مع أشكال الفن الأخرى، تتمتع الموسيقا بقدرة استثنائية على إثارة مجموعة واسعة من المشاعر وتكون جذابة بصفة خاصة عندما تتعامل مع الحزن والأسى، فلماذا قد يُشعرك سماع الأغاني الحزينة بالمتعة؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

دراسة حديثة: سماع الأغاني والموسيقا الحزينة قد يُشعرك بالمتعة!

قد يبدو أن الشعور بالمتعة بعد الاستماع إلى الموسيقا والأغاني الحزينة أمراً متناقضاً؛ لكن دراسة بحثية حديثة أظهرت أن الموسيقا الحزينة لا تؤدي بالتبعية إلى الإحساس بالمشاعر السلبية؛ ولكن ما يحدث هو العكس، وفي هذا السياق، يؤكد مؤلف الدراسة من مختبر علم الموسيقا التجريبي في كلية الفنون والإعلام بجامعة نيو ساوث ويلز (UNSW)، إيمري شوبرت (Emery Schubert)، إن الاستماع إلى الحزن الذي ينساب من الأغاني والموسيقا الحزينة قد يُشعرك بالمتعة.

وقد شارك في هذه الدراسة البحثية 50 طالباً جامعياً من طلاب الموسيقا، وقد استمع الطلاب المشاركين إلى مقطوعات موسيقية مثيرة للحزن تضمنت كلاسيكيات من لودفيغ فان بيتهوفن (Ludwig van Beethoven) إلى الأغاني الحديثة لتايلور سويفت (Taylor Swift). بعد ذلك، طُلب منهم وفقاً للدراسة أن يتخيلوا هذه المقطوعات خالية من الحزن، وبعد الإزالة المُتخيلة للحزن، سُئل المشاركون عما إذا كانوا يحبون المقطوعة الموسيقية بشكلها المختلف، فأكد 82% من المشاركين إن إزالة الحزن يقلل استمتاعهم بالموسيقا.

وقد أوضح شوبرت إن نتائج الدراسة تشير إلى أن الحزن الذي نشعر به عند الاستماع إلى الموسيقا قد يكون في الواقع محبوباً، ويمكن أن يعزز متعة الاستماع إليها، وأحد التفسيرات الرئيسة لهذا الأمر هو أن الموسيقا الحزينة تسمح بتجربة مجموعة واسعة من المشاعر في بيئة آمنة إلى حد ما، ويمكن أن تساعدنا هذه التجربة على تعلم كيفية التعامل مع ما نواجهه في العالم.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد الموسيقا على علاج الضغوط أو تخفيفها؟

لماذا قد نشعر بالمتعة عند الاستماع إلى الأغاني الحزينة؟

يعتقد استشاري علم النفس عمران نوراني (Imran Noorani) إن الاستماع إلى الأغاني الحزينة يمكن أن يُشعرنا بالمتعة وهو ما يُطلق عليه اسم “مفارقة الأغنية الحزينة” (paradox of the sad song)، والحقيقة إن هناك عدة أسباب تفسر هذا الشعور؛ مثل:

  1. التنفيس: يمكن أن يكون الاستماع إلى الموسيقا الحزينة إحدى صور التحرر العاطفي أو التنفيس، فهو يسمح للمستمع بمعالجة حزنه والتعبير عنه في بيئة آمنة؛ وهذا يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالارتياح الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى الإحساس بالخفة.
  2. التعاطف والتفاهم: غالباً ما تحتوي الأغاني الحزينة كلمات وألحاناً تتوافق مع تجارب المستمع وعواطفه؛ وقد يؤدي هذا الشعور بالفهم والتواصل إلى الشعور بالراحة ومن ثَمّ التحول نحو حالة عاطفية أكثر إيجابية.
  3. التقدير الجمالي: يجد بعض الأشخاص الجمال في الموسيقا الحزينة، فيقدرون البراعة الفنية والعمق العاطفي في إبداعها؛ وهو ما قد يثير شعورهم بالبهجة أو الرضا.
  4. التسامي: هناك مفهوم يسمى “المتعة المأساوية”؛ حيث يجد الإنسان متعة أو جمالاً معيناً في تجربة الحزن من مسافة آمنة، مع علمه أنها تجربة عاطفية مؤقتة ومسيطرٌ عليها.
  5. إفراز هرمون البرولاكتين: سبب آخر يجعل الناس يستمتعون بالموسيقا الحزينة هو إفراز هرمون البرولاكتين، وبصرف النظر عن ارتباطه بالرضاعة، فإن للبرولاكتين أيضاً تأثيرات نفسية مختلفة حيث يُطلَق استجابة إلى الحزن ويعمل على تخفيف التوتر والشعور بالألم من خلال تأثيره المسكن. فعندما تكون في حالة من الحزن، يعزز هرمون البرولاكتين مشاعر السكينة والهدوء والعزاء؛ ومن ثَمّ يمنع حالة الحزن من التصاعد على نحو لا تُمكن السيطرة عليه، وعندما نستمع إلى الموسيقا والأغاني الحزينة فإننا نخدع أدمغتنا، ونجعلها تظن أننا نشعر بالحزن؛ ما يسبب ارتفاع نسبة هرمون البرولاكتين، ولأننا لا نحس بأي مشاعر حزن فعلية؛ فإن التأثير الناتج عن البرولاكتين سيؤدي ببساطة إلى حالة من المتعة.
  6. التعبير عن المشاعر: يستمتع الكثير من الأشخاص بالموسيقا الحزينة لأنها تسمح بالتعبير عن المشاعر التي قد لا تكون مقبولة اجتماعياً في الحياة اليومية. على سبيل المثال؛ قد يُنظر إلى الأشخاص الذين يمرون بأزمة عاطفية ولا يستطيعون تجاوزها على أنهم ضعفاء؛ ولهذا فإن هؤلاء الأشخاص لا يستطيعون التعبير صراحة عن مشاعر الحزن أو الحسرة؛ ولكن الموسيقا والأغاني الحزينة تسمح لهم بالتعبير عن هذه المشاعر دون خوف من الحكم أو رد الفعل ولهذا تجعلهم في نهاية الأمر يشعرون بالرضا والارتياح.
  7. الترابط الاجتماعي: تؤكد إحدى النظريات المتعلقة بجاذبية الموسيقا الحزينة أنها توفر إحساساً بالترابط الاجتماعي؛ الذي يشير إلى الشعور بأنك جزء من مجموعة أو عائلة أو مجتمع، ويؤكد الروابط التي يبنيها الناس بعضهم مع بعض وانتمائهم إلى المجتمع الإنساني الأوسع. على سبيل المثال؛ الأفراد الذين يستمعون إلى الموسيقا الحزينة بعد تجربة الانفصال عادةً ما يشعرون بأنهم أقل وحدة لأن هناك آخرين في مكان آخر بعيد عنهم تماماً قد اختبروا مشاعر مماثلة.

اقرأ أيضاً: دودة الأذن: لماذا تعلق بعض الأغنيات في دماغك؟وكيف تخرجها منه؟

كيف تؤثر الموسيقا في مزاجنا؟

يستمع الكثير من الأشخاص إلى الموسيقا من أجل الترفيه؛ ولكن يجب أن نعلم أنها تلعب دوراً كبيراً في التأثير في صحتنا النفسية؛ حيث يؤكد استشاري الطب النفسي أنس سرحان إن تأثير الموسيقا في تحسين الصحة النفسية قد يضاهي تأثير الأدوية في بعض حالات الأرق والقلق، وما يميز الموسيقا أنها علاج مجاني يمتلك الكثير من الفوائد النفسية؛ مثل:

  1. تحسين الحالة المزاجية: يمكن أن تحفز الموسيقا إطلاق الناقلات العصبية مثل الدوبامين والإندورفين؛ ما يؤدي إلى تحسين المزاج والشعور بالمتعة.
  2. الحد من التوتر والقلق: قد يؤدي الاستماع إلى الموسيقا أو تأليفها إلى تحفيز الشعور الاسترخاء؛ ما يقلل من مستويات التوتر والقلق.
  3. تخفيف أعراض الاكتئاب: في الكثير من الأوقات، يمكن أن تؤدي الموسيقا إلى تخفيف أعراض الاكتئاب وذلك لأنها تتمتع بالقدرة على إيصال المشاعر والتجارب المعقدة، ونظراً إلى أن الاكتئاب يعد تجربة معقدة فإن الموسيقا أحياناً تساعد المصابين على الشعور بالفهم، وعلى الجانب الآخر، يعد الخدر العاطفي من أعراض الاكتئاب، وبالنسبة إلى أولئك الذين يعانونه، فإن الموسيقا أداة مفيدة لإعادة التواصل مع مشاعرك والتفكير فيها.
  4. تنظيم المشاعر: تعد الموسيقا مصدراً مهماً لتنظيم المشاعر. على سبيل المثال؛ تمكن الموسيقا الحزينة المستمع من الانفصال عن المواقف المؤلمة مثل الانفصال أو وفاة شخص عزيز، والتركيز بدلاً من ذلك على جمال الموسيقا.

error: المحتوى محمي !!