دودة الأذن: لماذا تعلق إحدى الأغنيات في دماغك؟ وكيف تخرجها منه؟

دودة الأذن
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: في أثناء كتابة هذا المقال، كانت إحدى الأغنيات التي صدرت مؤخراً وحققت صدىً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي عالقة بأذني، ولم أكفّ عن ترديدها داخل عقلي مراراً وتكراراً، وأنتم؟ هل حدث معكم هذا من قبل؟ الحقيقة أن هذه الظاهرة تُعرف باسم “دودة الأذن”!

إذا وجدت نفسك تدندن مع إحدى الأغنيات بعد ساعات من الاستماع إليها فأنت لست وحدك؛ حيث يميل بعض الأغاني إلى البقاء داخل رؤوسنا أكثر من غيره. فخلال الأيام القليلة الماضية، كانت تتردد داخل رأسي أغنية “اختياراتي” للفنان أحمد سعد على نحو متكرر ولم أتمكن من إيقافها أبداً، وحتى في أثناء العمل، كانت تطن في أذني دون وعي لدرجة تمنعني من التركيز، وتُعرف هذه الظاهرة باسم “دودة الأذن”، فما قصتها وأسبابها؟ وكيف يمكن التعامل معها؟ إليكم الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هي دودة الأذن الموسيقية؟

يؤكد أستاذ الطب النفسي والمدير المشارك لمركز علوم الأعصاب في مستشفى بريغهام، ديفيد سيلبيرسويغ (David Silbersweig)، إن بعض استطلاعات الرأي توصل إلى أن 90% من الأشخاص يعانون دودة الأذن. وبالنسبة إلى ثلثهم تقريباً، تُعد هذه الظاهرة مزعجة، ويضيف سيلبيرسويغ إن مصطلح “دودة الأذن” مشتق من الكلمة الألمانية (Ohrwurm)، وقد صيغ هذا المصطلح للمرة الأولى خلال عام 1979 من قبل الطبيب النفسي كورنيليوس إيكرت (Cornelius Eckert).

وتُطلق على هذه الظاهرة أسماء أخرى مثل “متلازمة الأغنية العالقة” و”التصوير الموسيقي اللاإرادي”، وهي عبارة عن  تصورات لا إرادية وتلقائية ومتكررة لصوت موسيقي معين يتردد داخل رؤوسنا حتى في حالة عدم وجود نسخة خارجية من هذا الصوت، وتشبه الصور الموسيقية إعادة تشغيل الموسيقا في العقل.

الفرق بين دودة الأذن والهلوسة السمعية

تختلف دودة الأذن قليلاً عن الهلوسة السمعية التي تحدث عندما تسمع أصواتاً أو ضوضاء غير موجودة في الواقع؛ حيث تبدو الأصوات التي تسمعها حقيقية لكنها ليست كذلك، وغالباً ما ترتبط الهلوسة السمعية بالفصام وحالات الصحة العقلية الأخرى مثل اضطراب الوسواس القهري واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ويمكن أن تتخذ الهلوسة السمعية هيئة أصوات مثل الموسيقا أو نداءات الحيوانات أو أصوات الطبيعة التي قد تبدو أنها قادمة من أي مكان في الفضاء من حولك أو في عقلك، وعادة ما يختلف حجم الأصوات من هادئ جداً إلى مرتفع جداً.

أما دودة الأذن فهي حالة أكثر شيوعاً وغير مرتبطة بأمراض الصحة العقلية؛ حيث يدرك المستمع بكل وعي أن صوت الموسيقا أو الأغنية قادم من داخل رأسه، وتكون الأصوات أكثر تكراراً وأكثر ثباتاً وترتكز على أغنية أو موسيقا استمع إليها مؤخراً أو سمعها على نحو متكرر وظلت عالقة في ذهنه.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد الموسيقا على علاج أو تخفيف الضغوط؟

ما الأسباب المسؤولة عن متلازمة الأغنية العالقة؟ 

يوضح طبيب الأعصاب أوليفر ساكس (Oliver Sacks) إن الإعلانات التلفزيونية هي مصدر شائع لمتلازمة الأغنية العالقة؛ حيث يبذل المعلنون قصارى جهودهم لتأليف الأغاني التي يمكن أن تعلق في الأذن لمدة طويلة. أما عن الأسباب المسؤولة عن حدوث ذلك فهي: 

  • القشرة السمعية: أجرى بعض الباحثين في كلية دارتموث تجربة مسح للدماغ من أجل اختبار منطقة تعامل الدماغ مع الموسيقا، وتوصل الباحثون إلى أن القشرة السمعية في الفص الصدغي للدماغ هي التي تدعم الإدراك الموسيقي للأغنيات وتعمل على الاحتفاظ بها داخل الرأس؛ حيث تقوم القشرة السمعية بمعالجة الأصوات وتخزين الذكريات الموسيقية.
  • تأثير زيغارنيك (The Zeigarnik effect): تتمحور فكرة هذا التأثير حول أن الأعمال والأفكار غير المكتملة تظل عالقة داخل أذهاننا أكثر من الأعمال المكتملة. وبالنسبة إلى دودة الأذن، يحدث هذا التأثير حين لا نتذكر كلمات الأغنية بوضوح. وقتذاك، تظل تلك الأغنية تحديداً عالقة في رؤوسنا لأنها غير مكتملة؛ ويعود سبب تكرارها داخل رؤوسنا إلى الحاجة إلى إكمالها حتى يخمد الصوت تماماً.
  • الحالة المزاجية: تلعب الحالة المزاجية والنفسية دوراً كبيراً في حدوث متلازمة الأغنية العالقة؛ حيث أشار بعض الأبحاث الاستقصائية إلى أن الأشخاص قد يصابون بدودة الأذن حين يكونون في حالة توتر أو تأهب شديد، وعادة ما تعلق في أذهاننا الأغاني التي نعرفها جيداً؛ ولهذا فإن الأغاني الأجنبية لا تصبح دودة أذن إلا إذا كان الشخص متمكناً من اللغة.
  • ارتباطات الذاكرة والارتباط العاطفي: قد تصيبنا متلازمة الأغنية العالقة بسبب ارتباطات الذاكرة والارتباط العاطفي؛ بمعنى أننا نرى صورة أو كلمة أو نمر من أحد الشوارع أو تأتي إحدى المناسبات فنتذكر على الفور أغنية بعينها. على سبيل المثال؛ يفكر أغلبنا في أغنية “يا ليلة العيد” للسيدة المصرية أم كلثوم دائماً في موعد العيد، وكذلك أغاني شهر رمضان.

مَن هم الأكثر عرضة للإصابة بدودة الأذن؟

دودة الأذن هي ذكريات صوتية تتكرر حتى تتلاشى أو يُستبدَل بها لحن مختلف، مزعجة في بعض الأحيان ولكنها ليست خطِرة، فهي فقط عبارة عن تكرار للنشاط العقلي الذي يتردد صداه في المسارات العصبية لأدمغتنا، وهؤلاء هم الأكثر عرضة للإصابة بها: 

  • الأشخاص المصابون باضطراب الوسواس القهري.
  • النساء، فهم أكثر عرضة من الرجال للإصابة بها.
  • الأفراد الذين يعملون في مجال الموسيقا.

 مواصفات الأغاني التي تعلق داخل رؤوسنا

على الرغم من أن هناك الكثير من العوامل التي تجعل بعض الأغاني يتردد داخل رؤوسنا دوناً عن غيره، فإن هناك بعض العوامل المرتبطة بالأغنية ذاتها وهي التي تجعلها أكثر جاذبيةً من غيرها وأكثر قدرة على الرسوخ، ومن أهم مواصفات أغاني دودة الأذن: 

  • الإيقاع السريع: عادة ما تكون الأغنية العالقة سريعة الإيقاع، وبخاصة أن الأفراد يستمعون إليها على نحو متكرر في أثناء القيام بأنشطة حركية أخرى مثل الجري أو المشي أو تنظيف الأسنان.
  • الألحان الشائعة والسهلة: تصبح الأغنية دودة أذن بسهولة كلما كان لحنها شائعاً وسهلاً؛ حيث إن الألحان الشائعة تجعل الدماغ يتذكر الأغنية بسهولة ويقوم بتكرارها دون أن يبذل الكثير من الجهد.
  • أنماط الفواصل الزمنية غير المعتادة: من أهم الألحان الغنائية الشائعة نمط اللحن المرتفع الذي يأتي بعده نمط لحني منخفض، وتسمَّى هذه الظاهرة “أنماط الفواصل الزمنية غير المعتادة”، وعادة ما تصبح الأغنية التي تتبع هذا اللحن دودة أذن.

اقرأ أيضاً: هل العلاج بالغناء مفيد؟

كيف يمكن التعامل مع دودة الأذن؟

تعتقد أستاذة الموسيقا بجامعة شيفيلد (University of Sheffield)، جورجينا فلوريدو (Georgina Floridou) في دراسة شاركت بها، إن الأشخاص الذين يميلون إلى إشراك أجسادهم في أثناء الاستماع إلى الموسيقا، فينقرون بأيديهم أو يحركون أذرعهم أو يصفقون، يتعرضون لدودة الأذن أكثر؛ وذلك لأن الحركة الجسدية هي جزء من الهياكل العصبية. أما عن أهم طرائق التعامل مع متلازمة الأغنية العالقة فهي: 

  • مضغ العلكة: وجد أستاذ علم النفس، فيليب بيمان (Philip Beaman) أن مضغ العلكة يقلل حدوث دودة الأذن؛ حيث إن إشراك اللسان والأسنان المستخدَمين في إنتاج الكلام (يُطلق عليهم اسم “المفصلات الصوتية”)، يقلل قدرة الدماغ على تكوين ذكريات موسيقية.
  • استخدام وسائل الإلهاء: تشير أستاذة علم النفس الموسيقي بجامعة شيفيلد، فيكتوريا ويليامسون (Victoria Williamson) إلى أن هناك بعض وسائل الإلهاء التي يمكن أن تساعد على التخلص من دودة الأذن؛ مثل قراءة قصيدة أو الاستماع إلى أغنية مختلفة أو العزف على إحدى الآلات الموسيقية، وتضيف ويليامسون إن تلك الوسائل سوف تملأ الذاكرة ولن يتبقى حينها ما يكفي لصنع دودة أذن.
  • التركيز على مهمات عقلية محددة: يؤكد أستاذ علم النفس في جامعة ويسترن واشنطن، إيرا هايمان (Ira Hyman) إن التركيز على مهمات عقلية محددة مثل التفكير في جدول عملك الأسبوعي، يمكن أن يساعدك على التخلص من دودة الأذن.
  • الاستماع إلى الأغنية عن عمد: بدلاً من محاولة عدم التفكير في دودة الأذن، استمع إلى الأغنية بأكملها عن عمد مراراً وتكراراً، ومع مرور الوقت، سوف تخرج الأغنية من تلقاء نفسها من ذاكرتك الواعية.

ختاماً، تُعد الأغاني العالقة في الذهن أو ما يُسمى بـ “دودة الأذن”، ظاهرة شائعة جداً وغير مضرة، وأحياناً قد تكون ممتعة وتشكل جزءاً من عملية الإبداع في عقلك. ولكن إذا كانت دودة الأذن مصحوبة بضيق شديد وضعف في الأداء اليومي، ففي هذه الحالة يجب استشارة الطبيب النفسي المختص وتلقي العلاج اللازم.