الجمهور أم الإعلام: مَن وراء زيادة التعصب الرياضي في السعودية؟ وما تأثيره في الصحة النفسية؟

6 دقيقة
التعصب الرياضي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: تنتشر في المملكة العربية السعودية ظاهرة التعصب الرياضي، وتظهر عبر منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة منصة إكس/تويتر سابقاً، ووسائل الإعلام والمنتديات الرياضية. والحقيقة أن التعصب الرياضي له الكثير من التأثيرات السلبية في الصحة النفسية مثل الشعور المستمر بالقلق والتوتر؛ لكن ما أسباب انتشاره في السعودية؟ وكيف يمكن التعامل معه؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

هل أنت من عشاق كرة القدم؟ هل تتصاعد دقات قلبك وتشعر بالإثارة دوماً قبل مباريات فريقك المفضل؟ الحقيقة أنك لست وحدك، ومع تزايد أعداد المشجعين كل عام، أصبح افتتان العالم بالرياضة ظاهرة شائعة؛ حيث يقدر الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" (FIFA) أن هناك 5 مليارات من مشجعي كرة القدم حول العالم.

ووفقاً لما أكده أستاذ علم النفس، دان وان (Dan Wann)؛ فإن التشجيع الرياضي يساعد على تلبية الكثير من الاحتياجات النفسية؛ وذلك لأنه يوفر للمشجعين المتعة ويعد مهرباً من ضغوط الحياة اليومية، علاوة على أنه يعزز الشعور بالانتماء والحاجة إلى المعنى في الحياة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة ظاهرة تنامت بشدة وبدأت تأخذ منحنىً خطِراً؛ وهي ظاهرة التعصب الرياضي. ففي المملكة العربية السعودية، يسيطر التعصب بقوة على الوسط الرياضي الكروي، ويظهر ذلك خلال المباريات وأيضاً على شاشات القنوات الرياضية ومنصات التواصل الاجتماعي، فما سبب ذلك التعصب؟ وكيف يمكن التعامل معه؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما التعصب الرياضي؟

وفقاً لما ذكره مركز القرار للدراسات الإعلامية السعودي؛ فإن التعصب الرياضي هو ميل مبالغ فيه إلى كيان رياضي معين، وكراهية كيان رياضي منافس، وتمني الضرر له ولجماهيره. وعادة ما يؤدي التعصب الرياضي إلى دفع المتعصب إلى الدخول في جدل مع جماهير الكيانات الرياضية المنافسة لفريقه، وينتج من ذلك التنازل عن الأخلاق والقيم والمبادئ الاجتماعية في الوسط الرياضي.

وفي سياق متصل، يعرّف المستشار التربوي والتعليمي محمد العامري التعصب بأنه اتجاه نفسي لدى الفرد، يجعله يدرك فرداً معيناً، أو جماعة معينة، أو كياناً معيناً، إدراكاً إيجابيّاً محبّاً، أو سلبياً كارهاً من دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو المشاهدة التجريبية؛ لذا فإن الحجج المنطقية والخبرات الواقعية لا تنجحان عادة في إزالة التعصب أو الشفاء منه. ويضيف العامري إن التعصب هو مرض الكراهية العمياء للمنافس، وفي الوقت نفسه، هو مرض الحب الأعمى لفريق الشخص المتعصب، في حالة يتغلب فيها الانفعال على العقل.

ما أسباب ظاهرة التعصب الرياضي في السعودية؟

كشفت دراسة علمية نشرتها كلية العلوم الاجتماعية في جامعة أم القرى أن التعصب الرياضى لدى الشباب السعودي تغذيه مجموعة من الدوافع النفسية والاجتماعية والثقافية، ويمكن تحديد أسباب التعصب الرياضي في:

  1. البحث عن الانتصار: توضح الدراسة إن غريزة البحث عن الانتصار لا تقل أهمية عن غريزة البقاء عند الإنسان؛ إذ إنهما مرتبطتان على نحو جوهري، فالبقاء في النهاية هو للمنتصر. ولأن الحياة اليومية برتابتها قد لا توفر للأشخاص فرص الشعور بالانتصار؛ فإن الفِرق الرياضية يمكنها فعل هذا الأمر على أكمل وجه؛ ولهذا يبحث المتعصبون عبر فرقهم الرياضية عن الشعور بالانتصار.
  2. الاهتمام المشترك: قد يَصعُب على الكثير من الأفراد امتلاك وجهات نظر صوب الكثير من الأشياء، خاصة وأننا نعيش اليوم في زمن متخصص حيث أضحى كل شيء معقداً ومتداخلاً. ولكن الرياضة تعد سهلة الفهم؛ ولهذا فإنها توفر مجالاً خصباً للحديث وطرح الآراء ووجهات النظر. ولأن الأشخاص لا يملكون غيرها للتحدث بشأنه؛ تنتشر الحدة في الكلام ويزيد التعصب.
  3. الرغبة في الانتماء: وفقاً لهرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية؛ تأتي الحاجة إلى الانتماء في المرتبة الثالثة، وذلك بعد الاحتياجات الفيزيائية والحاجة إلى الشعور بالأمان، وترى الدراسة البحثية أن التعصب نتيجة الانتماء إلى فريق رياضي معين، خارج عن صور الانتماء الطبيعي.
  4. الرغبة في التمرد: نحرص في حيواتنا اليومية على الالتزام بقواعد المجتمع وننتقي كلماتنا بعناية شديدة؛ لكن في عالم الرياضة، يمكن أن نثور على تلك القواعد وعلى اللغة المنمقة. وحتى المفردات الكروية تحمل صبغة من الكلمات القتالية أو الحربية مثل "رأس حربة" و"ضربة جزاء". وفي حالات التعصب الرياضي، يستخدم المشجعون أسوأ المفردات وصولاً إلى الشتائم والسباب.
  5. الإعلام الرياضي: يؤدي الإعلام الرياضي السعودي دوراً كبيراً في انتشار التعصب الرياضي بين الفرق السعودية؛ الأمر الذي يتجسد في المقالات والشعارات المؤذية التي تثير احتقان الجماهير وتجعلهم في حالة استفزاز وتحفز دائمة؛ ما يجعل الإعلام السعودي يبدو وكأنه يرش البنزين على النار! ومن الجدير بالذّكر في هذا السياق إن الحكومة السعودية تبذل جهداً كبيراً بهدف ضبط الساحة الإعلامية الرياضية؛ حيث أعلنت هيئة الإعلام المرئي السعودي في أبريل/ نيسان 2023 عن توقيع غرامة مالية قدرها 50 ألف ريال على مذيع أحد البرامج الرياضية لنشره محتوىً مخالفاً ارتكز على إثارة التعصب الرياضي. واستدعت الهيئة 4 من صناع المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي كانوا قد نشروا محتوىً يؤجج التعصب الرياضي، ويشكك في نزاهة الجهات القائمة على الدوري السعودي.
  6. تصريحات رؤساء الأندية وأعضاء الشرف والإداريين: تعزز تصريحات بعض رؤساء الأندية إلى وسائل الإعلام ظاهرة التعصب الرياضي لأنها تركز على النيل من الفريق المنافس؛ ومن ثَمّ تزيد حجم الحرب الكلامية، ويدخل أعضاء الشرف والإداريين في هذه الدائرة ويزيد حجم الإثارة، وتخرج تصريحات على التصريحات، فتزداد التجاوزات في نهاية الأمر وينتشر التعصب.
  7. المناظرات والتحليلات التلفزيونية: تسهم التحليلات التلفزيونية والمناظرات في جعل التعصب حياً ومتجدداً، ففي هذه التحليلات، عادة ما تُستضاف شخصيات معروفة بتعصبها الكروي، وكثيراً ما تحدث التجاوزات على الهواء مباشرة عبر المغالطات وشخصنة الردود والانتصار للنادي. وبسبب ذلك الأمر؛ تختفي المهنية وتتلاشى الروح الرياضية ليحل محلها التعصب الذي ينتقل من الشاشات إلى أرض الواقع.
  8. المنتديات الرياضية: تؤدي هذه المنتديات الدور الأكبر في تأجيج التعصب الرياضي وبقاء جذوره متقدة، فالأقسام الرياضية في هذه المنتديات تسعى إلى استقطاب المشجعين بأشكالهم شتّى. وبمجرد إنشاء المنتدى الرياضي، تبدأ مرحلة المتابعة اليومية والمتواصلة لكل أخبار الفريق الرياضي التي تصل إلى حد الإدمان والاستغراق في تلك المنتديات فترات طويلةً جداً؛ ما يسبب مع مرور الوقت التعصب الرياضي، وتتغذى تلك المنتديات على السخرية من الفرق المنافسة والاستهزاء بها عبر السب والشتم.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر التشجيع الرياضي في صحتك النفسية؟

ما علامات التعصب الرياضي؟

أوضح استشاري الصحة النفسية، محمد هاني، إن جمهور كرة القدم ينقسم إلى نوعين؛ يتجسد الأول في الهواة الذين يتابعون مباريات كرة القدم من أجل الاستمتاع بها دون التأثر بالنتيجة على نحو كبير؛ أما النوع الثاني فهو المتعصبون رياضياً؛ وهؤلاء يتأثرون نفسياً على نحو كبير في حالة الفوز أو الهزيمة لفريقهم المفضل. وهذه أهم علامات التعصب الرياضي:

  1. التوتر والقلق النفسي.
  2. عدم قبول الرأي الآخر.
  3. سرعة الغضب والانفعال.
  4. انعدام الروح الرياضية.
  5. تخريب الممتلكات العامة والخاصة والاعتداء على الآخرين ابتهاجاً بالفوز أو اعتراضاً على الهزيمة.

ويمكن القول إن ظاهرة التعصب الرياضي لا تقتصر على الجماهير؛ حيث تنخرط وسائل الإعلام أيضاً في هذه الظاهرة، وذلك عبر المقالات التي تقدح في الفريق المنافس وتذمه وتقلل من مكانته. ومن خلال البرامج التلفزيونية، يتجسد التعصب الرياضي في الإعلاميين الذين يخالفون التقاليد والأعراف المجتمعية والأخلاقية للدفاع عن فرقهم الرياضية.

وفي هذا السياق، أظهرت دراسة علمية أجراها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني حول ظاهرة التعصب الرياضي داخل المجتمع السعودي، أن وسائل الإعلام تسهم في إثارة التعصب بين مشجعي الفرق الرياضية السعودية. وقد أكد 50% من المشاركين في هذه الدراسة أن جماهير الفرق المنافسة هي التي تغذي التعصب الرياضي في السعودية؛ بينما أكد 26% من المشاركين إن  استضافة الإعلاميين في البرامج الرياضية هي التي تسبب التعصب الرياضي داخل المملكة.

هل التعصب الرياضي يعد مرضاً نفسياً؟

يؤكد المختص النفسي عبد المحسن العيد إن التعصب الرياضي يعد مرضاً نفسياً؛ وذلك لأنه يسحب الكثير من الأشخاص إلى طريق الهلاك من خلال الاعتماد على سلوكيات التكيف غير الصحية؛ مثل تعاطي المخدرات لنسيان مرارة هزيمة الفريق الذي يشجعه هؤلاء الأشخاص. ويشرح العيد إن التعصب الرياضي يؤدي إلى التوتر والقلق وسرعة الانفعال والانعزال عن الآخرين، علاوة على أنه يمكن أن يقود الشخص إلى الانحراف ودخوله إلى عالم الإدمان، وذلك هرباً من الضغوط العصبية الرهيبة التي يمر بها في أثناء تشجيع فريقه المفضل. ويضيف إن التعصب الرياضي كان سبباً في عدد كبير من  الحالات النفسية التي تعامل معها في المستشفى لبعض الشباب.

وفي السياق نفسه، يؤكد الطبيب العام محمد علي إن التعصب الرياضي قاد الكثير من الأفراد إلى الإصابة بالأمراض النفسية والعضوية؛ إذ يؤدي إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم وكثرة القلق والتشتت الذهني، ويمكن أن يساعد على الإصابة بمرض السكري. ويضيف علي إن هناك الكثير من الشباب الذين حضروا إلى عيادته واكتشفوا إصابتهم بمرض السكري، وكان من ضمن الأسباب التي أدت إلى الإصابة تورتهم الدائم وقلقهم وزيادة حدة الغضب بسبب تدهور أداء فرقهم الرياضية. ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ حيث يؤدي التعصب الرياضي أيضاً إلى الإصابة بالقولون العصبي وارتفاع ضغط الدم؛ لذا يحذر من الانسياق وراء التعصب الرياضي ويَعدّه مرضاً ينخر في جسد المشجع ويمكن أن يساعد على الإصابة بالجلطات الدماغية.

ما تأثير التعصب الرياضي في الصحة النفسية؟

أوضح المركز الوطني السعودي لتعزيز الصحة النفسية إن التعصب الرياضي يؤثر تأثيراً كبيراً في صحتك النفسية، وذلك من خلال:

  1. الشعور المستمر بالتوتر والقلق من جراء متابعة نتائج المباريات باستمرار.
  2. الإحساس بالغضب الشديد؛ الأمر الذي ينعكس بالسلب على صحتك النفسية.
  3. الشعور بالوحدة والعزلة بسبب خسارة الكثير من الأصدقاء بسبب التعصب الرياضي.
  4. فقدان الاستمتاع بالأنشطة الأخرى التي لا علاقة لها بفريقك المفضل.
  5. طغيان المشاعر السلبية مثل الكراهية تجاه مشجعين الفريق المنافس.
  6. فقدان القدرة على التركيز في الأنشطة اليومية مثل العمل والدراسة.
  7. اضطرابات النوم.
  8. توسع الأوعية الدموية في الرأس؛ ما يزيد تدفق الدم ومن ثَمّ الشعور بالصداع الحاد.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر سلوك الجمهور في أداء لاعبي كرة القدم؟

كيف يمكن التعامل مع ظاهرة التعصب الرياضي؟

تعد منصة تويتر/إكس واحدة من أكبر فضاءات التعصب الرياضي في السعودية، فهناك تنتشر الهاشتاغات التي تحتوي السباب والشتائم والسخرية من الفرق الرياضية المنافسة. وعادة ما يبدأ الأمر بتدشين هاشتاغ يحتفي بالبطولات التي يحققها فريق معين؛ ما يستفز جماهير الفريق المنافس، فيبدأ بتدشين هاشتاغ مضاد؛ وهكذا تبدأ الحرب الكلامية التي يسودها التعصب. والحقيقة أن هذا التعصب لا يقتصر على الفضاء الإلكتروني؛ لكنه يمتد إلى أرض الواقع إذ يُعتدى على اللاعبين والحكام والإعلاميين وحافلات الأندية إلى جانب التنابز بالألقاب. وإليكم بعض الطرائق المقترحة للتعامل مع ظاهرة التعصب الرياضي:

  1. زيادة الوعي التثقيفي لدى الأطفال الصغار بأهمية الروح الرياضية، وبأن الرياضة تشجع على قيم التسامح واحترام الآخر.
  2. تحديد آليات وضوابط صارمة توضح أخلاقيات التعامل في وسائل الإعلام والمنتديات الرياضية.
  3. تربية الأجيال الجديدة على ثقافة اللعب الجماعي وتقبل الهزيمة.
  4. وضع قوانين رادعة لمثيري الشغب من المتعصبين، وخاصة الذين يخربون الممتلكات العامة.
  5. التزام القنوات الفضائية بعدم السماح بظهور الإعلاميين المتعصبين، إلى جانب إلزام القنوات الفضائية بوضع ضوابط للمحتوى الإعلامي الذي يجب أن يكفل منع التجاوزات والأخطاء والاستهزاء بالفرق المنافسة.

المحتوى محمي