كيف يؤثر سلوك الجمهور في أداء لاعبي كرة القدم؟

سلوك الجمهور
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مدرجات ممتلئة بجماهير تهتف وتشجّع اللاعبين طوال 90 دقيقة من المباراة، ومدرجات شبه فارغة لا يكاد اللاعبون يسمعون هتافات مشجعيهم فيها! أن يكون الجمهور بالفعل هو اللاعب رقم 12 في فريق كرة القدم ليس بالظاهرة الجديدة؛ بل يمكن أن يكون سلوك الجمهور القوة المحرّكة للفريق التي تحثّه على الاستمرار والمواجهة، أو تحطّم نفسية اللاعبين وتصعّب عليهم التحرّك نحو الهدف.

تأثيرات مختلفة تتسلّل إلى أذهان لاعبي كرة القدم ونفسياتهم، ويمكن أن تغيّر مجرى المباراة فتحقّق المعجزات أو خيبات الأمل الكبيرة. كيف يفسّر علماء نفس الرياضة والمحلّلون تلك التأثيرات؟ وكيف يربطونها بأداء اللاعبين؟

ما تأثير الجمهور؟

يُقصد بمصطلح تأثير الجمهور (Audience Effect) التأثير العام للجمهور في رفع مستويات الإثارة لدى اللاعبين وتحسين أدائهم. ويمكن أن يكون التأثير نفسه مصدر ضغط كبير لبعض المنافسين ويسبّب لهم القلق. وهي علاقة معقدة بين الجمهور و الرياضيين، ويتم تحديدها من خلال تفاعل العوامل الخاصة المتعلّقة بكل حالة.

يُشار أيضاً لتأثير الجمهور باسم “التيسير الاجتماعي” (Social Facilitation)، وهو مفهوم في علم النفس الاجتماعي يصف الظاهرة المتمثلة في أن الأداء البدني والمعرفي لدى الأشخاص يتحسّن بوجود أشخاص آخرين. حيث تصبح أجزاء الدماغ المرتبطة بالمهارات الحركية أكثر نشاطاً؛ ما يؤدي إلى تحسّن أداء مجموعة متنوعة من المهارات الحركية.

فوجود المتفرجين في أثناء المباراة يمكن أن يؤثر في الأداء الرياضي الفردي أو الجماعي. ولا يتوقف التأثير عند وجود المشجعين أو غيابهم فحسب؛ إنما يرتبط بعوامل أخرى تؤثر بدورها في نتيجة مباريات كرة القدم؛ مثل حجم الجمهور وكثافته ومستوى العدوانية لديه.

وقد تمت دراسة تأثيرات سلوك الجمهور على نطاق واسع في سياق الرياضات المختلفة. وذهب بعض الدراسات إلى تحليل الضغط الذي يمارسه الجمهور على الحكام أيضاً، فيجعلهم يتخذون قرارات متحيّزة لصالح الفريق المضيف؛ حيث يتأثر ذلك بعدد المشجعين المتواجدين.

سلوك الجمهور والأداء الجيّد عند لاعبي كرة القدم

لا بدّ أن وجود مشجعين في حدث رياضي قد يحفّز اللاعب بما يكفي لدفعه إلى تحقيق أفضل ما لديه، وهو أحد التأثيرات الإيجابية الأكثر شيوعاً لسلوك الجمهور الداعم. ولكن هل يمكن أن يُحدث الجمهور فرقاً فعلاً؟ يشرح علماء نفس الرياضة من إينر درايف (InnerDrive)، كيف يمكن لوجود جمهور متفرج أن يؤثّر في أداء الرياضيين على نحوٍ إيجابي.

  • الإلهاء عن الإرهاق: يمكن أن يكون الأداء أمام جمهور مصدر إلهاءٍ كبير عن الإرهاق لدى اللاعبين، فتلك استراتيجية دعم فعّالة لحثّهم على الاستمرار حين يكون التعب قد تمكّن منهم.
  • الغناء في المدرجات: يؤدي تشجيع اللاعبين لفظياً إلى زيادة الدافع الذاتي (Intrinsic Motivation) لديهم. لكن تجدر الإشارة إلى أن طبيعة التشجيع لها أهمية في هذا التأثير؛ إذ يمكن للتركيز على نتيجة محدّدة من قبل الجمهور في هتافاته أن يسبّب مزيداً من الضغط وبالتالي يزيد القلق والتوتر.
  • العروض البصرية: تتميّز أفضل الجماهير بالعروض البصرية المثيرة للإعجاب التي تقدّمها في المدرجات تشجيعاً للاعبين، فتلك العروض تؤثّر فيهم نفسياً وجسدياً، وتساعدهم على تعزيز القوة البدنية بنسبة تصل إلى 8%.
  • التشجيع المنتظم: يمكن أن تزيد مستويات الجهد المبذول من طرف اللاعبين بنسبة تصل إلى 7% حين يميل الجمهور إلى تقديم تشجيعٍ منتظم منذ بداية المباراة، وهي نسبة يمكن أن تصنع فارقاً في رياضة مثل كرة القدم.

هل يمكن أن يؤثّر سلوك الجمهور بشكل سلبي في أداء اللاعبين؟

يشير خبراء الرياضة في بي بي سي (BBC) إلى التأثير “الضخم” الذي يمكن أن يُحدثه الجمهور، لا سيما في رياضة النخبة. إذ يمكن لدعم الجمهور أن يؤثر بشكل إيجابي في نفسية الرياضيين كما يمكن أن يحصل العكس تماماً إذا ما اتسم سلوك الجمهور بالعدائية.

أشار الباحثون في دراسة حديثة من جامعة مالطا إلى التأثير السلبي نفسه؛ حيث يمكن للهتافات الساخرة والمستهجنة والسلوك العنيف والمعادي للمجتمع في أحداث كرة القدم أن يزيد الأوضاع سوءاً بالنسبة إلى اللاعبين.

وكمثال على ذلك؛ ما حدث في مايو/أيار 2019 حين تعرّض فريق ليفربول للهزيمة أمام برشلونة بثلاثية نظيفة في مباراة الإياب من دوري أبطال أوروبا على أرضه. حيث كان لاعبو ليفربول قد تحدثوا قبل المباراة عن الإيمان لأن مشجعيهم وقفوا إلى جانبهم، بينما اعترف لاعبو برشلونة بأن المواجهة لم تنتهِ بسبب الدور الذي يمكن أن يؤديه فريقهم في أثناء المباراة بل لأن جمهور ليفربول لم يدعمهم، وكان يطلق صيحات الاستهجان والصفير باستمرار كلما حصل اللاعبون على الكرة؛ ما أدى إلى ارتكاب لاعبي ليفربول لأخطاء غير اعتيادية مثل التمريرات غير الدقيقة.

يمكن أيضاً لما يُعرف بعنف المتفرج (Spectator Violence) أو ما يشار إليه أيضاً بمصطلح “شغب كرة القدم” أن يؤثر في أداء الفريق. ويحدّد الباحثون ستة أشكال أكثر شيوعاً لعنف المتفرج تتمثل في الآتي:

  1. السلوكات اللفظية مثل الصراخ أو الاستهجان.
  2. الإيماءات الموحية بتهديد الآخرين أو الحركات بذيئة.
  3. إلقاء “القذائف” أو رمي مواد مثل الطعام والشراب والطوب والزجاجات والمقاعد المكسورة والهواتف المحمولة على أهداف عشوائية أو مقصودة.
  4. تدمير الممتلكات وإلحاق الضرر بتجهيزات الملعب.
  5. السلوكات الجسدية مثل البصق والركل والدفع والمعارك بالأيدي والطعن وإطلاق النار.
  6. الاحتشاد والاندفاع نحو الملعب ومحاولة تحطيم البوابات للدخول أو المسارعة في الخروج.

وجود الآخرين يمكن أن يساعد أداء الفرد تماماً كما يمكن أن يعيقه! في كرة القدم، يمكن أن يؤدّي سلوك الجمهور دوراً مهماً في تحفيز اللاعبين ومساعدتهم لبذل قصارى جهدهم. ومن ناحية أخرى يمكن أن يضعهم أيضاً تحت الضغط؛ ما يجعل من الصعب عليهم التركيز والأداء في أفضل حالاتهم.

لهذا من الأفضل أن يحافظ الجمهور على السلوك الجيد وأن يظل داعماً، فالهتافات يمكن أن تُحدث فرقاً، في حين أن أي تعليقات سلبية أو صيحات استهجان قد تثبّط من عزيمة اللاعبين. فلنعتبر تلك إذاً دعوة مفتوحة لنا جميعاً لنُظهر تقديرنا للرياضيين، داخل الملاعب وخارجها.

المحتوى محمي !!