ملخص: ربّما تفاجئُك معرفة أنّ الخوف من التحدث أمام الجماهير أكثر شيوعاً من رهاب الموت أو رهاب العناكب أو صعود المرتفعات، ويؤثر هذا الرهاب في حوالي 40% من الناس، وجذوره هي الخوف من أحكام الناس أو الخوف من الرفض أو الإحراج أو التقييم السلبي من الآخرين. تعرف إلى رهاب التحدث أمام الجماهير من واقع تجربة شخصية وكيفية التخلص منه.
محتويات المقال
في عام 2010، بعد أن جمعتُ من سنين عمري ما يقرب من 42 عاماً، اكتشفت أنّ لديّ مشكلة عويصة تحتاج حلاّ.
لا ليست أزمة منتصف العمر؛ بل هي الخوف من التحدث أمام الجماهير. قد تبدو مشكلة بسيطة لكنها لم تكن كذلك بالنسبة إليّ، فحتى حين أكون وسط مجموعة صغيرة من الأصدقاء أو الغرباء ثم يشرع كلّ واحدٍ منهم في التعريف بنفسه، كنت أشعر حينها بانقطاع في أنفاسي وتسارع في خفقات قلبي كأنّما يُنذِر قلبي بالانفجار!
أمّا التحدث في محاضرةٍ عامةٍ أو على المسرح، فقد كان فكرة من سابع المستحيلات، وأن أصارع أسداً هصُوراً أسهل من أن أقف على خشبة المسرح أمام مئات الناس!
اقرأ أيضاً: 5 نصائح لتنمية مهارة التحدث أمام الجمهور
رهاب التحدث أمام الجماهير مشكلةٌ شائعة
ربّما تفاجئُك معرفة أنّ الخوف من التحدث أمام الجماهير أكثر شيوعاً من رهاب الموت أو رهاب العناكب أو صعود المرتفعات، ويؤثر هذا الرهاب في حوالي 40% من الناس، وجذوره هي الخوف من أحكام الناس أو الخوف من الرفض أو الإحراج أو التقييم السلبي من الآخرين.
كما قد ترجع جذوره إلى مرحلة الطفولة كما حدث معي؛ وهذا ما قد يصعّب عليك معرفته أو تذكّر الحادث الذي جعلك أسيراً للخوف من التحدث أمام الجماهير.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الرهاب
جبل الجليد المُختبِئ تحت رهاب التحدث أمام الجماهير
في إحدى مقابلات العمل، طُلب مني أن أحاضر عن مزايا منتج في هذه الشركة. أنا الذي لا يستطيع حتى الحديث أمام مجموعة صغيرة، فكيف لي أن أحاضر عن منتج في شركة؟ ذلك أشبه بتسلّق جبل وعلى ظهرك صخرة عملاقة!
لا أخفيك سراً، لم أستطع تجاوز رهاب التحدث أمام الجماهير، ومنذ ذلك الحين وأنا أعتذر عن المشاركة في المناسبات الاجتماعية؛ ما سبب لي بعض الحرج مع دائرة معارفي، والأدهى أنني خسرت الكثير من الفرص التي لم تكن تُعوّض حينها.
كم آسَفُ على نفسي حين أتذكر أنني في وقت من الأوقات كنت أنظّم أحد أكبر المؤتمرات الريادية ولكنني آثرتُ أن أبقى في الظِلّ خلف الكواليس بسبب خوفي من التحدث على المسرح!
غير أنّه لا مستحيل إلاّ في المستحيل كم يُقال! قررت بعد كلّ ما سبق أن أضع حداً لهذا الرهاب وأغير حياتي نحو الأفضل. عندها بدأت بالقراءة والغوص في هذا الموضوع ومتابعة الخطباء والمتحدّثين أمام الجماهير ومراقبة أساليبهم، ولم أدّخر جُهداً في التحدث مع مختصين لتجاوز هذا الخوف واكتشاف أسبابه وطرائق التغلّب عليه.
وأنا أتساءل عن سبب هذا الرهاب الذي يتملّكُني دائماً، عادت بي الذاكرة إلى الوراء لأفتح صناديق الماضي وأنا أشاهد مقابلة مع الممثل الأميركي تيري كروز (Terry Crews)، وقد كان الحوار شيّقاً عن الرجولة والإدمان.
حكى خلالها كلاماً عميقاً حول التغلب على العادات السيّئة، وأنّك لا تستطيع الاعتماد فقط على قوة الإرادة لأنها لن تكفي؛ بل عليك سبر الأغوار بحثاً عن أسباب هذه العادة.
وعند البحث، ستجد بعض التفاصيل الغائبة عنك، أو التي نسيتها مع الأيام لكنّها ما زالت محفورة في العمق تنتظر فقط وقتها المناسب للخروج.
أؤمن جداً بهذه الفكرة، أتعلمُ لماذا؟ لأنّها فتحت لي نافذة اكتشفت من خلالها سبب رهاب التحدث أمام الجماهير.
ففي أوّل فرصة سانحةٍ، لجأتُ إلى مدربة مهارات الحياة (لايف كوتش) وحدّثتها عن مشكلتي في التحدث أمام الجماهير.
اقرأ أيضاً: دليلك الشامل للتغلُّب على الخوف من مواجهة الجمهور
سألتني: "هل أنت متمكّن من مادة الخطاب أو المحاضرة ومحتواها"؟ فأجبت مباشرة ودون تفكير: "نعم"! فأخبرتني حينها إنّ السبب نفسيٌّ بالدرجة الأولى، وكان جوابها صادماً بالنسبة إليّ.
تابعنا الحديث وكُلّي أملٌ في حلّ هذه المشكلة. سألتني عن نوع الشعور الذي ينتابُني وأنا أمام الجمهور، فظللتُ صامتاً. لم أجد جواباً؛ لكن بعدها عرفت أنّه الخوف من الاستهزاء!
سألتني المختصة: "هل حدث لك شيء أثار عندك هذا الشعور؟ ربّما تعرّضت للتنمر أو الاستهزاء في المدرسة مثلاً وأنت في عمر الثامنة".
حينها فقط تذكّرت قصةً قديمةً مرّت عليها السنون الطويلة. كنتُ مرةً في حصة الرياضة جالساً في صالة كرة السلة، فأمرنا الأستاذ بالتزام الصمت صارخاً بغضبٍ: "لا أريد سماع أصواتكم".
لكن بحُكم الطفولة، كنت مشاغباً فعاقبني بعمل 10 عدّات ضغط، ومن ثالث عدّةٍ صارت ذراعايَ ترتجفان وجبيني يتصبّب عرقاً، والأستاذ يستهزئ بي والطلاب يضحكون. كانت هذه بذرة الرهاب التي غرسها الأستاذ وكبرت كشجرة عملاقة في داخلي.
اقرأ أيضاً: أثر صدمات مرحلة الطفولة في الصحة النفسية
كيف تتخلّص من رهاب التحدث أمام الجماهير؟
بعد أن اكتشفنا جبل الجليد المُختبِئ والأسباب النفسية الدفينة تحت رهاب التحدث أمام الجماهير، انطلقنا في عملية لا رجوع فيها ولا استسلام لعلاجه والتخلّص منه نهائياً.
هذه النصائح من المختصّة التي رافقتني في رحلتي، وقد تفيدك جداً:
- جرّب تمرين التنفس العميق قبل صعودك إلى خشبة المسرح ومواجهة الجمهور.
- فكّر بشخص قريب إلى قلبك، فالحبّ يشتّت الهلع ويزاحم الخوف في قلبك حتى يطرُده. كنت أفكر حينها في ابنتي.
- احفظ أوّل 60 ثانية من المحاضرة أو الخطاب، مرةً قصةً قصيرة تحفظها، ومرةً تعريفٌ بنفسك، ومرةً أخرى نكتة مضحكة.
اقرأ أيضاً: بينهم الرئيس بايدن: تعرَّف إلى مشاهير عانوا من التلعثم
هل توقّف بي الأمر عند هذا الحدّ؟ بالطبع لا، فالفوز ليس دائماً بالضربة القاضية بل بالنقاط التراكمية.
بدأت بتطبيق الخطوات التي ذكرتها لك كلها. كان الحزن بادياً على وجهي؛ إذ لم أستطع تجاوز خوفي من التحدث في المرة الأولى والثانية. أحضرت أصحاباً لي وحاضرتُ أمامهم عن تويتر.
كنتُ أتحدّث ولا أرى في وجوههم ابتسامة الرضا والقبول، بالإضافة إلى أنّ التأتأة كانت ما تزال مُلاصقةً للساني، وجبيني كان يتعرّق وأنفاسي كانت تضيق حتى تتقطّع في منتصف الجملة أحياناً.
لم أكن أظنّ أنّ الأمر سيحتاج مني 13 محاولة. فعلتُها أخيراً ورأيت نظرة الثقة وابتسامة عريضة من الحضور، وهناك فقط دبّت في عروقي دماء الثقة بنفسي وبحديثي أمام الجمهور.
اقرأ أيضاً: 10 مفاتيح تساعدك على اكتساب الحضور القوي أمام الآخرين
داومت بعدها بكلّ مثابرة وصبر حتى فُزت بعد سنوات بأفضل مدرب سوشيال ميديا في الشرق الأوسط، وأصبحتُ متحدثاً على منصة تيدكس (TedX) مرتين، وصارت لي محاضرة شبه أسبوعية.
كانت هذه تجربتي في تجاوز مخاوفي من التحدث أمام الجماهير، لم يكن الأمر سهلاً؛ بل احتاج إلى بعض الصبر والمثابرة، وهذا شأن كلّ من أراد تغيير سلوكه السلبي أو التخلّص من حاجز نفسي أو عقلي.
صدقني كانت الرحلة تستحق العناء؛ كانت ممتعة جداً، وأنا أتذكّر تفاصيلها حتى الآن. تذكّر دائماً أهمية أن تعرف أسباب المشكلة وجذورها، ثم تبدأ في تطبيق الحلول ولا تغرق كثيراً في التفكير دون تنفيذ، وأن تثابر للوصول ولا تستسلم من أوّل محاولة، فالمجد لمن صبر لا لمن استعجل قطف الثمرة قبل أوانها.
اقرأ أيضاً: 4 نصائح للتغلُّب على رهبة المسرح