دليلك الشامل للتغلُّب على الخوف من مواجهة الجمهور

الخوف من مواجهة الجمهور
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعاني ملايين الناس من الخوف من مواجهة الجمهور والتحدث أمام مجموعة كبيرة من الأشخاص. إنه أكثر أنواع الرهاب شيوعاً في العالم؛ إذ يمكن أن يكون الخوف شديداً لدرجة أنه قد يؤدي إلى نوبات هلع وصداع وغثيان ورجفة وحتى قيء.
ويُعرف الخوف من التحدث أمام الجمهور أيضاً باسم “رهاب اللسان” أو “القلق من الكلام”، ويمكن إرجاع هذا الخوف إلى ذكريات الطفولة المرتبطة بتجارب محرجة في المدرسة أو في أثناء التجمعات العائلية.

التحدث أمام الجمهور هو مهارة علينا جميعاً أن نتعلمها في مرحلة ما من حياتنا، لأننا قد نحتاج أن نستخدمها في مناسبات ومواقف عدة، سواء كانت تقديم عروض تقديمية في الجامعة أو العمل أو إلقاء كلمة في حفلات الزفاف أو حتى في الجنائز.

ما هو الخوف من التحدث أمام الجمهور؟ وما أنواعه؟

الخوف من التحدث أمام الجمهور هو نوع من الرهاب الاجتماعي، وهو أحد أكثر أنواع الرهاب المعروفة حيث إن ما يقرب من 75% من سكان العالم متأثرون به. ويُعرف أيضاً باسم (Glossophobia) المشتق من الكلمة اليونانية (glossa) التي تعني اللسان و (phobos) التي تعني الخوف.

القلق من التحدث أمام الجمهور هو شعور شديد بالرهبة والتخوف من الاضطرار إلى التحدث أمام مجموعة ما. وقد تتعارض شدة الخوف مع ممارسة مهام الحياة اليومية من دراسة أو عمل، ويمكن أن ينبع هذا الخوف من التجارب السيئة السابقة أو الأحداث المؤلمة.

هناك أنواع مختلفة من الخوف من التحدث أمام الجمهور، فقد يخشى بعض الناس فكرة التحدث أمام الجمهور ولكن ليس من التجربة الفعلية، ويخشى آخرون كلاً من الفكرة والتجربة معاً، بينما يخشى آخرون التحدث أمام جمهور كبير أو مجموعة صغيرة.

وعادةً يتردد الأشخاص المصابون باضطراب القلق الاجتماعي في الانخراط في أي نوع من الخطابات العامة بما في ذلك المقابلات أو المحاضرات أو المكالمات الهاتفية، ويمكننا تلخيص أنواع المخاوف التي تنتابهم إلى 4 مخاوف رئيسية:

  • الخوف من أحكام الآخرين وإحراجهم.
  • الخوف من الانتقاد والإذلال.
  • الخوف من الرفض أو التجاهل.
  • الخوف من قول شيء غبي أو غير لائق.

4 أسباب تفسّر الخوف من التحدث أمام الجمهور

يندرج الخوف من مواجهة الجمهور في المراتب الأولى في قوائم الرهاب أو الأشياء التي يفضل الناس عدم القيام بها، وقد وضع المؤرخ والمعلق التلفزيوني الأميركي، ديفيد واليتشينسكي (David Wallechinsky) التحدث أمام مجموعة في المرتبة الأولى في قائمة أسوأ 14 مخاوف بشرية بناءً على استطلاع اعتمده في كتابه بعنوان: “كتاب القوائم” (The Book of Lists) الذي نُشر سنة 1977؛ وهو ما يثير الفضول لمعرفة ما يسبب هذا النوع من القلق الاجتماعي تحديداً.

ويجيبنا عن هذا السؤال المختص في علم النفس العصبي والمحاضر والمؤلف، ثيو تسوسيدس (Theo Tsaousides) الذي ربط الخوف من التحدث أمام الجمهور بطبيعة شعور المتحدث أو تفكيره أو تصرفه عندما يواجه التحدث في الأماكن العامة، وليس جودة خطابه، فحدّد أربعة عوامل مسهمة نلخّصها كالتالي:

1. الاستجابة الفيزيولوجية للخوف

يؤدي الخوف والقلق الزائدان إلى استثارة مفرطة للجهاز العصبي اللاإرادي كاستجابة للتهديد؛ ما يمنع التحدث أمام مجموعة بشكل مريح. لذلك يكون الأشخاص الذين يعانون من مستويات أكبر من القلق أكثر عرضة للإصابة بالخوف من مواجهة الجمهور أو التحدث في الأماكن العامة، لأنهم يجدون صعوبة في السيطرة على قلقهم وبالتالي يختارون تجنب هذا الموقف المخيف بالنسبة إليهم. وقد يكون للخوف سبب آخر لدى البعض وهو ما يسميه الباحثون بـ “حساسية القلق” (Anxiety Sensitivity)؛ أي أن الناس قلقون تجاه قلقهم من التحدث أمام الجمهور.

2. المعتقدات السلبية عن الذات

تؤدي وجهات النظر السلبية للشخص عن نفسه وقدراته إلى اعتبار التحدث أمام مجموعة تهديداً محتملاً للصورة الذاتية ومصداقيتها أمام الناس؛ كأن يفكر الشخص بأنه ليس متحدثاً جيداً ليقف أمام جمهور قد يحاكمه على جودة عرضه ويقيّم مهارته، وتسهم هذه الاعتقادات الخاطئة في إثارة القلق والخوف.

3. الظروف غير المساعدة

تشارك مواقف معينة في احتمالية زيادة القلق لدى الأشخاص، وبخاصة أولئك الذين يميلون بطبيعتهم إلى أن يكونوا قلقين. من بين هذه الظروف غير المساعدة، نجد أن ضعف الخبرة يثبط من معنويات الشخص ويؤثر سلباً في ثقته بنفسه.

كما أن وجود عنصر تقييم الأداء لدى مجموعة من الأشخاص ممن يملكون استمارات تقييم جاهزة، عادةً يزيد من مستوى القلق. ويمكن للتحدث أمام أشخاص ذوي مكانة عالية أن يثير الكثير من الرعب لدى المتحدث مثلما يضعه طرح الأفكار الجديدة ووجود جمهور مختلف في ظروف صعبة لا تشجع على تجاوز الخوف من مواجهة الجمهور.

4. الافتقار للمهارات اللازمة

يأتي الافتقار إلى المهارات اللازمة للإلقاء أمام جمهور من ضمن الأسباب التي تضعف الثقة بالنفس، فغالباً يستطيع الأشخاص الذين يعملون على تحسين مهارات الخَطابة والإلقاء وزيادة كفاءَتهم التغلبَ على مخاوفهم لمواجهة الجمهور.

6 طرق فعالة للتحرر من خوفك من مواجهة الجمهور

شعور الخوف أساسي لحماية أنفسنا في مواقف للخطر؛ ولكن الإفراط فيه قد يشل قدرتنا على النجاح في المسيرة الدراسية أو المهنية، ومع تقدمنا في السن ندرك أن المهارات التواصلية الجيدة ضرورية للحفاظ على علاقة إيجابية وواضحة مع الجميع.

إذ يتطلب التعبير عن الأفكار ومشاركتها مع الآخرين القدرة على التحدث بطلاقة وثقة بالنفس أمام الآخرين سواء في مكان العمل أو مقاعد الدراسة، أو حتى مع العائلة والأصدقاء. لذلك يقدم مختص علم النفس العصبي ثيو تسوسيدس (Theo Tsaousides) ست خطوات تجمع بين الجانب الفيزيولوجي للخوف والجوانب المعرفية والسلوكية للتغلب على الخوف من التحدث أمام الجمهور.

1. تعلَّم تقنيات الاسترخاء

يساعد العديد من تقنيات الاسترخاء على تقليل استجابة الجهاز العصبي المفرطة الناتجة من مواجهة حدث أو موقف مخيف. يمكنك البدء بالتدرّب على التحكم في تنفسك وخفض معدل ضربات قلبك وتقليل التوتر في عضلاتك في أثناء التحضير لتقديم عرض شفهي؛ كما يمكن تعلم أساليب إدارة القلق من خلال التدريب على التحدث أمام مجموعة صغيرة من الناس وخطابات أسهل.

2. تحدَّ معتقداتك السلبية

غالباً تكون المعتقدات السلبية حول قدرتك على التحدث أمام الجمهور غير عقلانية أو حقيقية، فلن يستطيع أحد من الجمهور أن يرى شكل قلقك مثلاً؛ فقط أنت ترى ذلك. يمكن إذاً لإعادة الصياغة المعرفية لتلك المعتقدات السلبية واستبدالها بعبارات إيجابية وداعمة أن يساعدك على النجاح في هذا التحدي.

3. ركّز على التواصل مع الجمهور

حين تتدرّب على النظر إلى الجمهور في أثناء التحدث، ركز على فكرة أنه يجب عليك أن تخلق مساحة تواصل مع الناس تجعلهم يهتمون بحديثك لأنك تقدّم ما يفيدهم، فتحويل زاوية تركيزك من التفكير في الموقف على أنه وقت سيتم اختبارك فيه والحكم عليك إلى منظور إيجابي سيجعلك تركز على أفضل طريقة لتوصيل رسالتك بدلاً من قلقك بشأن نفسك.

4. التحضير ثم التحضير!

التحضير والتمرّن على العرض التقديمي يسبق الوقوف أمام الجمهور، والاستعداد الجيّد دائماً يؤتي ثماره وبالطبع يمكن أن يقلّل من قلقك، وكلما كنت أكثر استعداداً، زاد ذلك من تركيزك على رسالتك وقلّل من التشتّت الذي يمكن أن يصيبك بسبب الخوف.

5. ابحث عن المزيد من الفرص للتحدث

يمكّنك السعي لاكتساب الخبرة في مواجهة الجمهور من تغيير نظرتك لنفسك كمتحدث، فكلما زادت خبرتك، زادت ثقتك بنفسك أكثر. ولا يمكن تحقيق هذا المستوى إلا من خلال السعي نحو المزيد من فرص التحدّث التي ستساعدك بالتأكيد على شحذ مهاراتك في التواصل والإلقاء.

6. اطلب المساعدة

من بين الخيارات المتاحة لك للتغلب على خوفك من التحدث أمام الجمهور هو طلب الحصول على القليل من المساعدة التي يقدمها المهنيون والمتخصصون؛ إذ يكون القلق أحياناً أكثر تعقيداً من قدرتك على مواجهة التحدّي بمفردك.

إن تجنّب التحدّث أمام مجموعة من الناس يمكن أن يعيق التقدّم في حياتك ويحجب عنك فرص التطوّر الشخصي والمهني؛ لكنك يمكن أن تكسر دائرة الخوف إذا فهمت جيّداً الأسباب النفسية التي تكبّل قدرتك على تحقيق النجاح، وتستطيع من خلال الالتزام بالخطوات الستّ المقترحة في هذا المقال أن تتغلّب على الخوف من مواجهة الجمهور.

المحتوى محمي !!