ملخص: هل تعتقد أنك شخص حساس للغاية؟ وأن هذا الإفراط في المشاعر يقودك إلى معاناة لا تخصك؟ إذا كان الأمر كذلك، فقد تكون إسفنجة عاطفية. تعرف إلى سمات الإسفنجة العاطفية، واحم نفسك من مشاعر الآخرين.
محتويات المقال
لطالما اُعتبرت الحساسية المفرطة من السمات الإنسانية الرائعة، إلا أن ما يجب أن يكون فضيلة قد ينتهي به الأمر في بعض الأحيان أن يصبح عبئاً كبيراً. لسوء الحظ، غالباً ما يقود التعاطف والحساسية المفرطة إلى معاناة لا داعي لها، تعرف بتأثير "الإسفنجة العاطفية". فكيف تميز بين الحساسية المفرطة وتأثير الإسفنجة العاطفية؟ لنتعرف في هذا المقال.
تأثير الإسفنجة العاطفية
تأثير الإسفنجة العاطفية، هو ظاهرة اجتماعية يستوعب فيها الفرد المشاعر السلبية لشخص لآخر، مثل زميل في العمل أو المدرسة، أو زوج، أو أحد أفراد العائلة، ويتبناها إلى الحد الذي يجعله يصاب بأعراض جسدية. غالباً ما يسبب هذا التعب والصداع والأرق من بين أعراض أخرى.
قد يرى البعض في الفرد الذي يشعر بمعاناة الآخرين، شخصاً يعاني من فرط الحساسية، إلا أن الأشخاص ذوي الحساسية العالية لديهم استعداد بيولوجي متأصل لمعالجة المعلومات وإدراكها على مستوى أعمق بكثير، لكن ذلك لا يجعلهم إسفنجة عاطفية.
يمكن للبعض التعاطف مع الآخرين وإدارة مشاعرهم في الوقت ذاته، إلا أن من يواجهون صعوبة في التعامل مع المشاعر إلى جانب فرط الحساسية، هم الأكثر عرضة لأن يصبحوا إسفنجة عاطفية.
أسباب الإسفنجة العاطفية
توضح الطبيبة النفسية تريسي ماركس (Tracey Marks)، أن السبب الذي يجعل الفرد يصبح إسفنجة عاطفية هو:
- أسباب تتعلق بالفرد: انخفاض الذكاء العاطفي
- أسباب تتعلق بالآخرين: التماهي الإسقاطي
انخفاض الذكاء العاطفي
الذكاء العاطفي هو القدرة على التعرف على مشاعرك الخاصة وإدراكها، بالإضافة إلى مشاعر الآخرين. يمكن لمن يتمتع بمستوى مرتفع من الذكاء العاطفي التمييز بين مشاعره الخاصة ومشاعر الآخرين؛ أما من يتمتع بذكاء عاطفي منخفض، فإنه يعتبر مشاعر الآخرين خاصة به. ولكن كيف تتعرف على مشاعرك الخاصة؟
يحتاج تمييز المشاعر الخاصة إلى درجة من الوعي الذاتي، لتمييز ما يمنحك شعوراً سيئاً، مثل الغضب أو الإهانة أو الملل. فإذا لم تتمكن من تحديد كيفية تأثير شيء ما عليك، فإنك تفترض مشاعر شخص آخر، ثم تواجه مشاكل في إدارتها.
على سبيل المثال، خلال استراحة الغداء، تحاول الاستمتاع ببعض مقاطع الفيديو المضحكة على التيك توك، بينما يدخل زميلك في العمل ليبدأ بالتذمر حول التقييم السيء من المدير له، بالرغم مما يبذله من جهد. وخلال دقيقتين، يبدي استنكاره لمقدرة أي شخص على العمل مع هكذا نوع من المدراء، وبرغبته في إيجاد عمل في بيئة أفضل وراتب أعلى. الآن، لم تعد الابتسامة تعلو وجهك على الفيديو الذي كنت تتابعه، بل يعتريك شعور بالضيق والقلق حول وضعك في العمل وتبدأ بالتساؤل: إلى متى يمكنك البقاء في وظيفتك؟ أو هل ستفقد وظيفتك؟ وهل ستجد وظيفة أفضل؟ فتبدأ بالقلق حول أشياء لم تفكر بها مسبقاً. في اليوم التالي، عندما تجد صديقك يتبادل أطراف الحديث مع المدير والضحكات ترتسم على وجهه، يعود شعورك بالأمان والراحة وينحسر قلقك.
اقرأ أيضاً: 7 أدلة على عدم تطور ذكائك العاطفي في الصغر
التماهي الإسقاطي
قد لا يتقبل بعض الناس شحنته العاطفية، ولا يتمكن من إدارتها، فيلجؤون إلى آلية تُعرف بـ "التماهي الإسقاطي" (Projective Identification). عرّف أستاذ علم النفس السريري، الباحث سامر جميل رضوان، التماهي الإسقاطي في كتابه "الصحة النفسية"، بأنه آلية دفاعية تعمل على مستوى اللاوعي، يلجأ فيها الفرد لإسقاط سماته ورغباته، ومشاعر خاصة غير قادر على تقبلها على الآخرين، وبصورة مفرطة، ليخفف من توتره وقلقه . بهذه الطريقة، يتنصل الفرد من مشاعره، فينتهي به الأمر إلى إظهار عجزه أو غضبه أو حتى حسده للآخرين.
في المقابل، نميل بطبيعتنا البشرية إلى التأثر بالتجارب العاطفية للآخرين. على سبيل المثال، إذا لاحظنا شخصاً حزيناً، سنرغب بتقديم الدعم والراحة له، أما الغاضب فسنحاول تهدئته. هذا ما يُعرف بالتنظيم العاطفي الخارجي، بمعنى أننا نحاول منح الآخرين توجهاً إيجابياً، من خلال مساعدتهم على تنظيم عواطفهم.
ومع ذلك، في بعض الأحيان، تستنفد الرغبة بالاعتناء والاهتمام بالآخرين قوتك، ودون أن تدري تصبح "المنظم العاطفي" للآخرين على حساب مشاعرك، وتنحي احتياجاتك الخاصة جانباً، بحيث تمتص غضبهم أو حزنهم أو قلقهم، ودون أن تدري ينتهي الأمر بك إلى امتصاص مشاكلهم بالنيابة عنهم فتتحول إلى "إسفنجة عاطفية".
على سبيل المثال، يحدث أن يبلغك صديقك بمشكلة حدثت معه، فتحاول تهدئته بينما أنت تهيئ نفسك للذهاب لمشاهدة المباراة مع صديق آخر، وإذ به يستنكر عدم اهتمامك بمشاعره، ويتهمك باللامبالاة. وحتى بعد أن تلغي مشاريعك للوقوف إلى جانبه، فإنه يلقي عليك اللوم عندما تنام هادئ البال بينما لم يسمح له قلقه بالنوم. الآن أنت مقتنع بأنك غير حساس، وتشعر بالتقصير تجاهه، وتبدأ بالتفكير بطرق للتعويض والتحسين من نفسك.
اقرأ أيضاً: نوربيت شاتيلون: "الحكم على الآخر هو إصدار حكم على الذات"
علامات الإسفنجة العاطفية
يتشابه الفرد الذي يعاني من فرط الحساسية مع الإسفنجة العاطفية، فكلاهما يتمتع بالتعاطف والإيثار والحساسية للبيئة المحيطة. ومع ذلك، هناك علامات تميز بين الإسفنجة العاطفية وشديد الحساسية، ومنها:
1. الراعي العاطفي
يميل الإسفنجة العاطفية إلى أن يلغي الحدود مع الآخرين، فيلجأ الآخرون إليه باستمرار لتفريغ مشاكلهم ومشاعرهم. غالباً ما يعود ذلك إلى شعوره بأنه ليس أمامه خيار آخر، سوى أن يكون راعياً عاطفياً.
2. الصعوبة في التعامل مع المشاعر الشخصية
يجد الأفراد الخاضعون لتأثير الإسفنجة العاطفية صعوبة في التعامل مع مشاعرهم بسبب التعرض الدائم لمشاعر الآخرين. يشعر الإسفنجة العاطفية بالنتيجة بالضياع، فلا يتمكن من تحديد ما يجب أن يفكر أو يشعر به.
اقرأ أيضاً: هل أنا حساس بشكل مفرط؟
3. الشعور بالاستنزاف
عندما تكون إسفنجة عاطفية، تشعر بالاستنزاف من قبل الآخرين، لدرجة أنه لا يتبقى لديك سوى القليل من الطاقة العقلية والنفسية لإنفاقها على نفسك.
4. آثار صحية سلبية
إن استيعاب كمية كبيرة من المشاعر السلبية، مثل الغضب والحزن والقلق والإحباط، قد ينعكس في صورة أعراض جسدية. قد يصاب الإسفنجة العاطفية بالتعب والأرق والصداع واضطراب المعدة وصعوبة في التنفس.
5. الشعور بالتوتر من الأماكن المزدحمة
يمتص الإسفنجة العاطفية كل من المشاعر الإيجابية والسلبية للآخرين من حوله، لذا فإنه يصبح أكثر حساسية في الأماكن المزدحمة، وتعتريهم الرغبة بالابتعاد عن الازدحام لتجنب الإرهاق والتوتر والقلق الناتج عن كثافة المشاعر. وقد تشعر بتحسن كلما قل عدد الناس من حولك.
كيف تحمي نفسك من أن تصبح إسفنجة عاطفية؟
لكي تتمكن من إيجاد التوازن بين التعاطف والانغماس في مشاعر الآخرين دون وعي، يمكنك تجربة الاستراتيجيات التالية:
- ركز طاقتك بممارسة التأمل والتمتع بوقت هادئ لأنه يساعد على مواجهة الحمل العاطفي الزائد.
- احترم مشاعرك واحتياجاتك العاطفية، وابدأ بتسمية وتحديد ما تشعر به.
- حدد سبب مشاعرك لتتمكن من التمييز بين مشاعرك وبين ما يشعر به الآخرون.
- زيادة الوعي الذاتي بما تشعر به، بحيث تضع حدوداً ما بين التعاطف (أن تكون داعماً) والإسفنجة العاطفية.
- إعادة مشاعر الآخرين إليهم، إذ يجب عليهم أن يمروا بتجاربهم ومشاعرهم الخاصة لينضجوا عاطفياً.
اقرأ أيضاً: الضغوط الصغيرة: كيف تؤثر في صحتك النفسية؟ وكيف تواجهها؟
في النهاية، تذكر أنك في موقع القيادة، أي أنت وحدك من يمكنه التحكم في أن يكون متعاطفاً ومفرط الحساسية، أو أن يكون إسفنجة عاطفية. لكن إذا شعرت بالإرهاق والتداعيات الجسدية، عليك دوماً طلب المساعدة المهنية.