ملخص: العجز المكتسب هو عندما يكون الشخص غير قادرٍ على إيجاد حلول للمواقف الصعبة، حتّى عندما يكون الحل متاحاً له؛ إذ يميل الأشخاص الذين يعانون من حالة العجز المكتسب إلى الشعور بالإرهاق وانعدام القدرة على إحداث أيّ تغيير إيجابي؛ ما يجعلهم كثيري الشكوى.
محتويات المقال
يتعمّق هذا المقال في تفكيك تعقيدات حالة العجز المكتسب، وأعراضها، وشيوعها في المجتمعات التي عانى أفرادها من محن وشدائد عديدة؛ مثل المجتمع اللبناني.
ماذا يعني العجز المكتسب؟
العجز المكتسب (Learned Helplessness) هو حالة نفسية يشعر فيها الفرد بأنه غير قادرٍ على التحكّم في الموقف المُجهد أو تغييره، وذلك بعد اختباره على نحوٍ متكرّر؛ ما يقوده إلى التوقّف عن محاولة تغيير ظروفه حتى عندما تكون فرص التغيير متاحة أمامه.
استُخدم مفهوم العجز المكتسب لأوّل مرّة عام 1967 من قِبل عالمَيّ النفس الأميركيَّين؛ مارتن سليغمان (Martin Seligman) وستيفن ماير (Steven Maier).
يمكن أن يؤدّي العجز المكتسب إلى زيادة الشعور بالتوتّر والاكتئاب، وقد يرتبط باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) في بعض الحالات. وتشمل أكثر السمات المميّزة للأشخاص المتأثّرين بهذه الحالة؛ السلبية في مواجهة الصدمة، وصعوبة تعلّم أن الاستجابة يمكن أن تتحكّم في الصدمة، وزيادة مستويات التوتّر.
وقد صاغ سليغمان مفهوم "التفاؤل المكتسب" (Learned Optimism) في وقت لاحق كوسيلة لمواجهة العجز المكتسب من خلال تحدّي الأفكار السلبية وتعزيز التفكير الإيجابي، ويُعدّ فهم العجز المكتسب وعلاجه ضروريَّين لتعزيز المرونة والرفاهية النفسية.
اقرأ أيضاً: ما هي حالة العجز المكتسب وما أسبابها وكيف يمكننا تجاوزها؟
هل العجز المكتسب مرض نفسي؟
على الرغم من أن العجز المكتسب ليس تشخيصاً رسمياً للصحة النفسية؛ إلا أنه يمكن اعتباره اضطراباً فكرياً يؤدّي إلى سلوك عدم القدرة على التكيّف الذي يرتبط غالباً بالقلق والاكتئاب والرهاب والشعور بالوحدة، ويشترك في أعراض مثل انخفاض الحافز، وانعدام السيطرة، وتدنّي احترام الذات.
وتؤدّي الطريقة التي يفسّر بها الأفراد ويشرحون الأحداث في حياتهم، دوراً مهمّاً في تطوير حالة العجز المكتسب؛ إذ يقودهم تفكيرهم المشوّه والسلبي إلى عزو النتائج السلبية إلى أنفسهم أو إلى عوامل خارجية.
حيث يمكن للأسلوب التوضيحي المتشائم أن يعيق الاستجابات الاستباقية للمواقف السلبية. وعلى سبيل المثال؛ عندما تواجه مهمة صعبة، فإن نمط التفكير المفيد يشجّع على حلّ المشكلات والتعلّم من التجارب، بينما قد يؤدّي الأسلوب غير المفيد إلى الشعور بالعجز وانعدام السيطرة.
كثرة الصدمات تسبّب حالة العجز المكتسب عند اللبنانيين
لم يعد يُنظر للاكتئاب بصفته مجرّد اختلال في التوازن الكيميائي يمكن علاجه بالأدوية، فهو مشكلة متعدّدة الأوجه تتأثّر بالعوامل البيولوجية والنفسية والطبية والاجتماعية والتاريخ الشخصي والتجارب السابقة؛ وكلها عوامل تؤثّر في الصحة النفسية للفرد واحترامه لذاته وثقته بنفسه.
ويشير كلّ من الأستاذ المشارك في الطب النفسي بجامعة تينيسي منير خاني (Munir Khani)، ومدرب الأداء ماهر خاني (Maher Khani)، إلى حالة الاكتئاب الجماعي والعجز المكتسب التي ترسخّت في المجتمع اللبناني؛ إذ واجه الأفراد تجارب مؤلمة متعددة تسبّبت في الحزن وفقدان الأمل والحافز نحو المبادرة، والشعور بانعدام السيطرة على أحداث المستقبل.
فالتعرّض لأحداث صادمة تصعُب السيطرة عليها جعل الأشخاص غير قادرين أو غير راغبين في القيام بأيّ محاولات لتجنّب مواقف مماثلة في المستقبل، حتى عندما تكون الفرص لتحقيق ذلك ممكنة. وتنطبق هذه الحالة على مختلَف الظروف والسلوكيات؛ مثل الاكتئاب، والشيخوخة، والفقر، والتمييز، والأبوة والأمومة، والإنجاز الأكاديمي، وتعاطي المخدرات، وإدمان الكحول.
لكن منير خاني وماهر خاني يوضحّان إنّه من خلال التمكين المستهدف وتدخلاّت التدريب على مهارات الحياة، يمكن للأفراد تطوير عقلية النمو للتغلّب على العجز المكتسب واستعادة السيطرة على حياتهم بتعزيز الحديث الإيجابي عن النفس، وتحدي المعتقدات المقيّدة، ووضع أهداف قابلة للتحقيق؛ ما سيمكّنهم من بناء المرونة والكفاءة الذاتية، وإحداث تغيير إيجابي على الرغم من وجود المحن الكبيرة في واقعهم المُعاش.
وقد قامت الباحثة المختصة في علم النفس من الجامعة اللبنانية الأميركية، سارة شرانك (Sarah Sharanek) بإجراء دراسة تهدف إلى فحص العلاقة بين انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020، والعجز المكتسب واليأس بين اللبنانيين، شملت 134 مشاركاً ممن عانوا الحدث الصادم.
حيث أشارت النتائج إلى وجود مستويات معتدلة من اليأس في المتوسط لدى العينة المشاركة؛ لكن لم يُعثر على عجزٍ مكتسب مرتبط بحدث انفجار مرفأ بيروت؛ بل بعوامل أخرى مثل الحالة الزوجية والتشخيص السابق بمرض نفسي، بينما ارتبطت درجات اليأس ارتباطاً وثيقاً بكيفية حدوث الانفجار.
5 علامات تدل إلى أنك تعاني من حالة العجز المكتسب
بينما من الطبيعي أن يشعر الجميع بالصعوبة في التعامل مع الشدائد، يتّسم الأشخاص المتأثّرون بحالة العجز المكتسب بالعلامات الخمس التالية:
- تدنّي تقدير الذات: حين يشكّك الأشخاص في قدراتهم على إنجاز أصغر المهمات لأنهم يشعرون بالسوء تجاه أنفسهم.
- الإحباط: القدرة المنخفضة على تحمّل الإحباط بسبب الشعور أن كل شيء خارج عن السيطرة؛ ما يؤدّي إلى سهولة الشعور بالارتباك عند العمل في المشروعات أو التعامل مع الأشخاص.
- السلبية: لا يبذل الأشخاص أصحاب النظرة السلبية تجاه المواقف الكثيرَ من الجهد في محاولة تجنُّب الصعوبات أو تحسين احتمالات نجاحهم.
- قلّة المجهود المبذول: التسويف وتجنُّب اتخاذ القرارات عند إكمال المشروعات أو المهمات لأن الشخص قد يفترض أنه لن يقوم بأيّ شيء مفيد أو جيّد مهما حاول.
- الاستسلام: الاستسلام بسرعة في متابعة الأعمال والمهمات، فتصبح أصغر المطبّات غير محتملة.
كيف تتغلّب على العجز المكتسب من خلال التفاؤل المكتسب؟
التفاؤل المكتسب هو مفهوم في علم النفس الإيجابي يعارض حالة العجز المكتسب، وقد طوّره مارتن سليغمان بسبب فضوله حول عدم شعور بعض الأفراد بالعجز حتى في أحلك الظروف؛ حيث يميلون إلى أن يكونوا أكثر تفاؤلاً من خلال التكيّف والممارسة.
ويوصي سليغمان بتقنية "ألف باء تاء" (ABC) لتحسين مستويات التفاؤل لدى الأفراد؛ لِما لذلك من فوائد تشمل تحسّن الصحة العامة، و تحسّن الدافع والأداء والنجاح المهني.
ما هي تقنية "ألف باء تاء" (ABC) لتعزيز التفاؤل؟
تقنية "ألف باء تاء" (ABC) هي نسخة معدّلة من طريقة عالم النفس الأميركي ألبرت إليس (Albert Ellis)، قدَّمها سليغمان في كتابه "العجز المكتسب" (Learned Optimism)، وهي اختصار للآتي:
- (A) اختصاراً لـ (Activating Event): الحدَث المحفّز أو الشدائد؛ مثل النزاع مع صديق.
- (B) اختصاراً لـ (Beliefs): المعتقدات؛ مثل: " أنا صديق سيء، وسأظل كذلك".
- (C) اختصاراً لـ (Consequences): العواقب جرّاء عدم محاولة حلّ المشكلات؛ مثل عدم حلّ النزاع مع صديقك لأنك تعتقد أنك لا تستطيع تغيير هذا الوضع.
يمكن تغيير الأسلوب التوضيحي المتشائم من خلال الانتقال من "ألف" (A) إلى "باء" (B)، وإدراك التشوهات المعرفية أو الأنماط التفسيرية المتشائمة، ومن ثَمّ مواجهة هذه التشوهات واستبدالها بأفكار أكثر تفاؤلاً وتكيّفاً؛ حيث يتيح لنا فهم هذه العلاقات القيام بالخطوة الأولى نحو تغيير طريقة تفكيرنا.
اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على إحباطاتك؟
وأخيراً، العجز المكتسب هو ظاهرة نفسية تنشأ من التعرّض المتكرّر لمواقف مجهدة تصعُب السيطرة عليها؛ ما يؤدّي إلى الشعور بالعجز وانعدام السيطرة. ويمكن أن تكون لهذه الحالة عواقب وخيمة على الصحة النفسية للفرد من شأنها أن تسهم في حالات مثل الاكتئاب والقلق وتدنّي احترام وتقدير الذات. وتتيح تقنية "ألف باء تاء" (ABC) التغلّب على العجز المكتسب وتعزيز نظرة أكثر تفاؤلاً من خلال تحدي أنماط التفكير السلبية، واستعادة الشعور بالسيطرة على مشكلات الحياة.