ما هي حالة العجز المكتسب وما أسبابها وكيف يمكننا تجاوزها؟

العجز المكتسب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

صاغ مصطلح العجز المكتسب الطبيب النفسي الأميركي مارتن سيليغمان في ستينيات القرن الماضي، وهو يعبر عن الإحباط التي يصاب به الفرد نتيجة تكرار المواقف المؤلمة التي يعجز عن تخطيها إلى أن يجد نفسه في حالة من الاستسلام؛ إذ يتوقف عن محاولة تغيير أي مما يدور حوله. ويمكن أن يعاني المرء من العجز المكتسب في أي عمر سواء في حياته الشخصية أو المهنية، ولا تخلو هذه الحالة من مخاطر على الصحة النفسية والجسدية حتى.

“أرغب في تعلم الألمانية لكنني سيئ في تعلم اللغات”، “لا فائدة من تقديم اقتراحات لمن حولي فلا أحد يستمع إليّ”، “لا أستطيع إنجاز هذا العمل فأنا لا أعرف”، حسناً هل حاولت؟ “لا”. إذا كنت تفكر بطريقة مشابهة لما ورد في هذه الأمثلة فمن الممكن أن تكون ضحيةً لما يُعرف بالعجز المكتسب. وبمعنىً آخر؛ أنت اكتسبت حالةً من الاستسلام تجاه المواقف التي لا تناسبك، وبسبب شعورك بالإحباط لم تعد تحاول التعامل معها.

منشأ العجز المكتسب

صاغ مصطلح العجز المكتسب الطبيب النفسي الأميركي ومؤسس علم النفس الإيجابي، مارتن سيليغمان في ستينيات القرن الماضي، وركز في أبحاثه على تحليل سلوك الكلاب التي تعرضت لصدمات كهربائية، فرأى أن تلك التي تعرضت لصدمات كهربائية لا مفر منها قد دخلت في حالة من الاستسلام وتعلمت أنه لا يمكنها فعل شيء حيال هذه الصدمات. وفي تجربة ثانية، أخضع مارتن سيليغمان الكلاب نفسها إلى الصدمات الكهربائية مع إتاحة الفرصة لها للهرب لكنها لم تحرك ساكناً بل استسلمت في مكانها لسلسة من الصدمات.

تقول مختصة علم النفس الإكلينيكي ومؤلفة كتاب “لقد تخلصت من المعتقدات المقيدة” (J’arrête les croyances limitantes)، ماريون بليك: “إنها تجربة عنيفة للغاية، وهي تُظهر أن منشأ العجز المكتسب هو التعرض لصدمة”. كانت الكلاب التي خضعت إلى هذه التجربة في حالة صدمة تامة، فعندما يواجه الكائن الحي خطراً ما فإن ثمة 3 ردود أفعال محتملة في هذا الموقف وهي الكر أو الفر أو التجمد في المكان. تقول ماريون بليك :”تجمِّدنا الصدمات النفسية إلى درجة أننا لا نعود قادرين على التفكير وإيجاد الحلول فنستسلم للموقف ونفقد قدرتنا على إنقاذ أنفسنا مما نحن فيه”.

العنف المتكرر والعجز المكتسب

قد لا نتمكن دائماً من ملاحظة العنف الذي نتعرض له في حياتنا اليومية وفي معظم الأحيان يكون العنف اللفظي الذي يتعرض له الفرد كافياً لخلق حالة العجز المكتسب لديه، لا سيما إذا كان هذا العنف متكرراً. وتوضح ماريون بليك قائلةً: “هذا هو حال الأطفال الذين قيل لهم أنهم غير بارعين في أمر ما. إن النظام التعليمي في فرنسا يهين الأطفال جداً من خلال أسلوب التركيز على أخطائهم؛ الأمر الذي يسبب لهم الشعور بالخزي والاستسلام على المدى الطويل”.

وفقاً للطبيبة النفسية؛ يمكن أن تؤدي حالات التنمر المتكررة في المدرسة أو العمل أو أي مكان آخر إلى حالة العجز المكتسب، وتؤكد أن هذه الحالة تقوض احترام الذات خاصة عندما تنجم عن التعرض للأذى، وقد تؤدي إلى الانتحار حتى بين الأطفال”.

يمكن أن يعاني الفرد أيضاً من حالة العجز المكتسب بعد تعرضه لتجربة سيئة واحدة فقط، ويرتبط ذلك بشدة بشخصية الفرد وتجربته مع الفشل. يتقبل بعض الناس الإخفاقات التي يتعرضون لها لأنهم يرون أنها فرصة للمحاولة مجدداً والسعي إلى التفوق على الذات، ولذلك فهم لا يشعرون بالعجز عند مواجهة مواقف كهذه. من جهة أخرى يشعر آخرون بالعجز عند التعرض للفشل ولو لمرة واحدة، فيفقدون مواردهم الشخصية ويدخلون في حالة من الاستسلام.

الإنسان يبحث عن المعنى حتى في التجارب السيئة

لم تكن الكلاب التي استسلمت في تجربة سيليغمان عاجزةً عن السيطرة على الموقف فقط؛ بل كانت عرضةً للصدمات الكهربائية العشوائية. إن شعور الإنسان بحالة عدم اليقين والافتقار إلى المعنى عنصران مهمان في التسبب بحالة العجز المكتسب. وتوضح ماريون بليك قائلةً: “يبحث البشر دائماً عن المعنى ولديهم مشكلة في تقبل المواقف العبثية التي لا يستطيعون السيطرة عليها، فهي تزعزع الاستقرار النفسي بصورة كبيرة”. ويؤدي التعرض إلى عنف كبير لاضطراب الذهن ما يجعل التفكير واتخاذ قرار لمواجهة الموقف أمراً صعباً، ويمكن أن تساعدنا هذه النقطة على فهم حالة النساء المعنفات اللاتي يبقين مع أزواجهن رغم كل ما يتعرضن له.

لا تحصل حالة العجز المكتسب بسبب المؤثرات الخارجية فقط؛ إذ يمكن للفرد أن يعاني منها بسبب الاجترار المستمر للأفكار ولذلك فإنه من الضروري إيجاد معنى للمواقف التي نتعرض لها لنحمي أنفسنا من هذه الحالة السلبية المستمرة وتوضح مختصة علم النفس قائلةً: “يميل البشر إلى تقبل حالة الفشل بصورة أفضل إذا كانت ذات معنىً بالنسبة إليهم، ومن هنا تأتي أهمية أن يتحدث الفرد عن الموقف الذي تعرض له لأن ذلك سيمكنه من وضع الأمور ضمن منظورها الصحيح وإدراكها. وعلى العكس من ذلك، فإن الانطواء على النفس واجترار الأفكار سيحولان دون قدرته على تقبل الفشل والمضي قدماً وهو أهم عنصر لتجنب الوقوع في حالة العجز المكتسب”.

العجز المكتسب ليس حالةً مستعصيةً

تُظهر المرحلة الأخيرة من التجربة التي أجراها سيليغمان أنه إذا ساعدنا كلباً مستسلماً على التحرك والخروج من المنطقة التي تعرض فيها لصدمات كهربائية فإنه سيتمكن بعد ذلك من تجاوز حالة الاستسلام هذه. إنه تأثير المرونة التي تتيح النهوض مجدداً والمضي قدماً بعد التعرض لموقف صادم.

تقول ماريون بليك: “تجعلنا الصدمة حبيسي أفكارنا ما يقلل تدريجياً من قدرتنا على اتخاذ القرارات”. يفقدك التعرض للصدمات القدرة على الحلم والتخيل والتعبير عن نفسك، ولتستعيد قدرتك هذه فأنت بحاجة إلى طاقة تساعدك على النهوض مجدداً. وفي بعض الأحيان قد يكفي إجراء تغيير واحد لتتمكن من ذلك، فكم عدد الطلاب الذين قيل لهم إنهم “سيئون في الرياضيات” ثم أصبحوا جيدين فيها بعد أن شجعهم المعلم؟

إن التخلص من حالة العجز المكتسب يتطلب منك أيضاً أن تبحث في أعماقك وتستمع إلى نفسك جيداً وتأخذ خطوةً إلى الوراء لتفهم الأمور فهماً صحيحاً. على سبيل المثال لمَ تعلمت العزف على الكمان إذا كان حلمك هو العزف على البيانو؟ ربما قد حان الوقت لتغير آلتك الموسيقية وتُظهر براعتك الحقيقية في الموسيقى. ربما عليك أن تفكر أيضاً في علاقتك بعائلتك والإطار الاجتماعي الذي نشأت فيه والأوامر التي اعتدت سماعها دائماً، فكل هذه العناصر قد تكون السبب في معتقداتك التي تقيدك. أخيراً عليك تقبل أن الحياة لا تسير دائماً وفق ما نرغب، وأن هذا الأمر لا علاقة له بك أنت تحديداً، وعلى الرغم من أن عامل الحظ موجود فإنه يمكننا تحفيزه من خلال الإيمان بإمكانياتنا وقدراتنا.

وفي الختام نشكر مختصة علم النفس الإكلينيكي ماريون بليك على هذه الإيضاحات.

المحتوى محمي !!