أذهب باستمرار إلى مساحة عمل مشتركة، ومؤخراً تعرفت إلى شاب من جيل زد يدرس في كلية الطب، وقد فاجأني في اليوم الأول بسؤال ما زلت أبحث معه عن إجابته حتى اللحظة، ألا وهو: ما هي قيمة مسيرتي التعليمية؟ وهل هي مجدية أم إنها تضييع للوقت؟ وقد كانت تلك التساؤلات الرئيسية بوابة لتساؤلات فرعية عن المعنى في هذه الحياة، استنتجت منها أنه يواجه مشكلة حقيقية في إيجاد الدافع الذي يحركه لبذل الجهد.
محتويات المقال
السؤال الملح السابق ربما يرتبط بالجيل الذي ينتمي إليه؛ فجيل زد يعيش متصلاً بالعالم طوال الوقت لكنه يشعر في داخله بصراع حقيقي؛ إذ إن تسارع الأحداث من حوله قد لا يعطيه مهلة لإيجاد موقعه الحقيقي وسطها، وبين وفرة الاختيارات وضغوط المقارنات قد يفقد طمأنينة نفسه ويجد قلبه أصبح مثقلاً بالأحزان، والجملة الأخيرة ليست تعبيراً مجازياً إنما نتيجة لدراسة علمية نستعرض جوانبها في هذا المقال.
وفقاً للعلم: هل يعاني جيل زد الحزن أكثر من الأجيال الأخرى؟
في السنوات الماضية كان يعتقد أن الحزن يبلغ ذروته في منتصف العمر ثم يبدأ بالانحسار مع التقدم في السن، لكن دراسة حديثة نشرت في مجلة بلوس ون في 27 أغسطس/آب 2025 كشفت أن هذا التصور لم يعد صحيحاً، إذ تبين أن جيل زد أصبح الأكثر عرضة لمشاعر الحزن والقلق مقارنة بغيره من الأجيال.
وتوضح النتائج أن من هم دون الخامسة والعشرين، وخاصة الفتيات، يسجلون معدلات أعلى لتراجع صحتهم النفسية، إذ تضاعفت نسب المعاناة لديهم على نحو لافت خلال العقد الأخير، ويرى الباحثون أن هذا التحول ليس مجرد عارض مؤقت، بل يعكس أزمة أعمق تكشف هشاشة نفسية متزايدة لدى جيل كامل.
وتربط الدراسة هذه الموجة بعدة عوامل متشابكة؛ بدءاً من الأزمات الاقتصادية التي قلصت فرص الشباب، مروراً بالضغوط المستمرة التي تفرضها منصات التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى آثار جائحة كورونا التي زادت العزلة والتوتر، وعلى النقيض يبدو أن الفئات الأكبر سناً أصبحت أكثر هدوءاً وقدرة على التكيف مع ضغوط الحياة.
مع ذلك، يشدد بعض المختصين على أن اختزال الأزمة في جيل واحد قد يكون تبسيطاً مبالغاً فيه، فالعوامل الفردية والعائلية والبيئية لا تقل أهمية، وما زال البحث العلمي بحاجة إلى الغوص بعمق أكبر لفهم هذه الظاهرة بعيداً عن التفسيرات السطحية.
لكن، وعلى الرغم من اختلاف الآراء، تبقى الخلاصة واضحة: خريطة الحزن قد تغيرت بالفعل، ولم تعد ذروته مرتبطة بمنتصف العمر، بل انتقلت إلى سنوات الشباب الأولى، ما يجعل الاهتمام بالصحة النفسية ضرورة عاجلة لا تحتمل التأجيل.
اقرأ أيضاً: جيل زد يقول لا للمناصب الكبرى حفاظاً على صحته النفسية!
غوص في الأعماق: لماذا قد يكون جيل زد هو الأكثر حزناً؟
لا ينظر كثيرون إلى حزن جيل زد باعتباره حالة عابرة مرتبطة بمرحلة عمرية حساسة، بل ظاهرة متجذرة في أسلوب حياتهم وتجاربهم اليومية، فحين نقارن بين الأجيال، نكتشف أن هذا الجيل ولد في عالم مختلف تماماً؛ عالم أسرع، وأكثر ضجيجاً، ويمطرهم بفيض من الصور والمعلومات التي يصعب على العقل تحملها.
واحدة من أكثر الإشارات وضوحاً أن جيل زد يفتقد إلى الشعور بالرضا والاستقرار، حتى وهو في سنوات يفترض أن تكون الأكثر حيوية بالنسبة له، فتقارير عالمية، مثل تقرير مؤسسة غالوب للأبحاث حول مدى سعادة هذا الجيل، تشير إلى أن الشباب يسجلون اليوم معدلات أقل في الرضا النفسي مقارنة بمتوسطي العمر، وهو ما يقلب التصور التقليدي بأن التقدم في السن هو الذي يجلب الإحباط.
السبب في ذلك يعود إلى مزيج معقد من العوامل، فمن جهة، يعيش جيل زد في بيئة رقمية كثيفة، حيث تتحول المقارنة بالآخرين إلى عادة يومية، تغذي الشعور بالنقص وتسرق إحساسهم بالإنجاز، ومن جهة أخرى، يواجهون مستقبلاً غامضاً اقتصادياً ومهنياً، يجعلهم يشعرون أن الجهد قد لا يقود دائماً إلى الأمان أو النجاح.
لكن الأمر لا يتوقف عند الضغوط الخارجية فقط، فهناك أيضاً الصراعات الداخلية، إذ يشعر الكثير منهم بأنهم مطالبون بأن يكونوا الأفضل دائماً، سواء في الدراسة أو العمل أو حتى في طريقة عرض حياتهم على الإنترنت، هذا السعي للكمال يخلق حالة إنهاك عاطفي، ويدفع البعض إلى تفسير مشاعر الحزن على أنها دليل ضعف، بدلاً من أن تكون إشارة إلى الحاجة لرعاية الذات.
وعلى الرغم مما سبق، يظل من المبكر حصر جيل كامل في وصف واحد، فالبعض يرى أن هذه الظاهرة ليست مجرد حزن بل هي يقظة عاطفية، حيث أصبح الشباب أكثر صراحة في التعبير عن معاناتهم، وأكثر رفضاً للتظاهر بأن كل شيء على ما يرام، وهنا تكمن المفارقة: إن انفتاحهم على البوح بالمشاعر قد يكون دليلاً على وعي جديد، لكن هذا الانفتاح جعل ملامح الحزن لدى جيلهم أوضح مقارنة بالأجيال السابقة.
كيف تتعامل مع شعورك بالحزن إن كنت من الجيل زد؟
الحزن جزء طبيعي من التجربة الإنسانية، لكنه مع جيل زد يبدو أكثر حضوراً وسط الضغوط السريعة والتحولات المتلاحقة، وهذا لا يعني الاستسلام له، بل فهمه والتعامل معه بوعي، وهو ما يمكن تحقيقه بخطوات عملية تخفف العبء وتفتح مساراً للتوازن النفسي، مثل:
- تقبل حزنك: يشير المختص النفسي معتز العتيبي إلى أن مواجهة الحزن تبدأ بالاعتراف بوجوده لا بإنكاره، إذ إن تقبله يمنحك شعوراً بالسلام الداخلي ويمهد لتعافيك، لذا تذكر أن رفض المشاعر لا يزيلها بل يضاعف تأثيرها.
- تحدث عن معاناتك: غالباً ما يؤدي كبت المشاعر إلى ازدياد الشعور بالقلق والوحدة، لذا فكر أن تبوح بما في داخلك إلى صديق مقرب أو أحد أفراد عائلتك أو مختص نفسي، فهذا سيخفف عنك الضغط الذي تواجهه، وفي الوقت نفسه يعمق علاقاتك بالدائرة القريبة منك.
- ركز على ما يقع تحت سيطرتك: يفرط الكثير من أفراد جيل زد في التفكير تجاه المشكلات الدائرة حولهم على الرغم من أن حل معظم هذه المشكلات ليس ضمن نطاق تحكمهم مثل الأزمات الاقتصادية وتغير المناخ وغيرها من النواحي المعقدة، لذا وجه طاقتك دائماً نحو ما يمكنك تغييره بدلاً من استنزاف جهدك بلا عائد.
- ضع حدوداً لاستخدام الشاشات: يعني ذلك أن تراقب مقدار الوقت الذي تستهلكه في تصفح الشاشات، ومن ناحية أخرى تبدأ في ممارسة أنشطة ممتعة بعيداً عنها مثل المشي مسافات طويلة أو القراءة أو مقابلة أصدقائك، واحرص عند استخدامك منصات التواصل الاجتماعي أن تتابع الحسابات الملهمة التي تدفعك نحو الأمام في حياتك ولا تمارس التمرير بلا هدف حتى لا تنهك نفسياً.
- اعتن بنفسك: من خلال الاهتمام بنمطك الغذائي والحصول على ما يكفيك من ساعات النوم وممارسة رياضة تحبها، فالخطوات السابقة تعد ضرورية لاتزانك النفسي والجسدي.
اقرأ أيضاً: لماذا أصبح الجيل زد أكثر عرضة للإصابة بأزمة ربع العمر؟