في غرفة واحدة؛ نجلس أنا وأمي وابني الأصغر، ثلاثة أجيال مختلفة، ترى أمي التي تجسد الجيل الأكبر أن جيلها هو الجيل الأقوى والأكثر قدرة على تحمل الصعاب، فيما تنظر إلينا نحن الأجيال الأصغر على أننا نعاني الهشاشة النفسية وأننا مجموعة من الكسالى دائمي الشكوى والتذمر، ولكن هل هذا الأمر صحيح؟ هل جيل الكبار هو الأقوى ذهنياً ونفسياً في مواجهة جيل زد الأصغر؟ ما الفرق بين الأجيال المختلفة؟ في هذا المقال، سنغوص في عمق هذه الظاهرة، ونستكشف معاً مكامن القوة والضعف في كل جيل، وذلك حتى نفهم أي الجيلين أكثر استعداداً وقدرة على مواجهة تحديات الحياة المعاصرة بتعقيداتها الكبرى.
محتويات المقال
جيل الكبار في مواجهة جيل زد: ما هي أهم التحديات التي واجهوها؟
الجيل هو مجموعة من الأشخاص الذين ولدوا في الفترة نفسها تقريباً، وعادةً ما يجري تجميعهم ضمن فترة زمنية مدتها 20 عاماً، عندما نتحدث عن جيل، فإننا نشير إلى كيفية خوض مجموعة معينة من الأشخاص تجارب وتحولات حياتية متشابهة في لحظات تاريخية محددة، وكيف أثرت هذه التجارب واللحظات في تشكيل حياتهم، وعادة ما تقسم الأجيال إلى:
1. الجيل الصامت: مواليد 1928-1945
عاش هذا الجيل الكثير من التحديات، مثل قصص الحرب العالمية الأولى، وأحداث الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من أن تلك الحروب سببت صدمات نفسية كبرى لهذا الجيل، فإن التعبير عن الألم النفسي لم يكن متاحاً؛ لهذا لجأ الكثير من الأفراد خلال تلك الحقبة إلى كبت مشاعرهم، وتمثلت القيم الأساسية لهذا الجيل في الولاء والتضحية بالنفس والثقة بالمؤسسات والأسرة الممتدة، وخلال هذه الحقبة، كان يتوقع من الأطفال أن يشقوا طريقهم في الحياة من خلال أخلاقيات عمل قوية.
2. جيل طفرة المواليد: مواليد 1946-1964
شهد هذا الجيل الكثير من التغيرات الاجتماعية والتحولات الثقافية، وركزت الرسائل الثقافية التي تلقاها جيل طفرة المواليد على الصبر والتحمل، لا سيما للرجال، إذ لم تكن عبارات مثل "الرجال لا يبكون" و"حافظ على رباطة جأشك" مجرد أمثال، بل كانت استراتيجيات للبقاء في عالم لم يقدم سوى القليل من الدعم للمعاناة النفسية.
3. جيل إكس: مواليد 1965-1980
شهد هذا الجيل اضطرابات اجتماعية كبيرة حيث بدأت تتلاشى فكرة العائلة الممتدة، وخرج الوالدان إلى العمل ما جعل الأبناء يشعرون بالوحدة والإهمال العاطفي، والحقيقة أن هذا الجيل كان واعياً أكثر من الأجيال السابقة؛ على الرغم من عدم حصوله على الدعم فإنه حاول اكتساب المعرفة بنفسه من خلال ورش العمل وغيرها، ومن أهم المهارات التي تعلمها أبناء هذا الجيل، الاستقلالية والاعتماد على الذات.
4. جيل الألفية: مواليد 1981-1996
جيل الألفية هو أول جيل ولد في مجتمع تكنولوجي متقدم، ويواجه جيل الألفية توقعات عالية فيما يتعلق بالإنتاجية والأداء الوظيفي، ويتفاقم هذا الوضع بسبب ثقافة العمل على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، بالإضافة إلى وظائف الاقتصاد الحر، وتؤدي عقلية "ثقافة العمل الدؤوب" إلى إرهاق الكثيرين واستنزاف طاقاتهم، مع تضاؤل الحدود بين العمل والحياة الشخصية.
وقد أدى انتشار الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة التوتر والقلق وصعوبة الانقطاع عن العالم الرقمي، علاوة على ذلك، فإن العديد من أبناء جيل الألفية يؤجل الزواج والإنجاب، وغير ذلك من مراحل الحياة المهمة، بسبب الضغوط الاقتصادية وتغير الأعراف الاجتماعية. وعلى الجانب الآخر، يبدي جيل الألفية انفتاحاً كبيراً في مناقشة الصحة النفسية وطلب المساعدة مقارنة بالأجيال الأكبر سناً، لكنهم أحياناً يواجهون بعض التحديات بسبب تكاليف العلاج النفسي الباهظة
5. جيل زد: مواليد 1996-2009
يعد أطفال جيل زد أول من يولدون في عالم لا يعرفون فيه شيئاً سوى التواصل الدائم فيما بينهم عبر الهواتف والشاشات والأجهزة اللوحية، وبفضل التكنولوجيا تلقى أطفال هذا الجيل قدراً هائلاً من المعلومات، لكنهم على الجانب الآخر يتعرضون للكثير من الضغط النفسي بسبب انتشار ثقافة المقارنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والخوف من تفويت الفرص، إذ يحرص أبناء هذا الجيل على اللهاث الدائم خوفاً من عدم مواكبة التطورات والمستجدات.
ويمكن القول إن جيل زد هو الجيل الأكثر وعياً بقضايا الصحة النفسية، إذ يتحدث عنها بانفتاح دون شعور بالوصم، لكن في بعض الأحيان تعد كثرة المحتوى النفسي عبر الإنترنت أمراً مرهقاً، خاصة بسبب انتشار مسميات الاضطرابات النفسية دون تشخيص طبي، وعلى الرغم من التواصل المكثف عبر الإنترنت، يبلغ العديد من أبناء جيل زد عن شعورهم بالعزلة والوحدة وصعوبة تكوين علاقات هادفة في الواقع.
اقرأ أيضاً: لماذا أصبح الجيل زد أكثر عرضة للإصابة بأزمة ربع العمر؟
من الأقوى ذهنياً ونفسياً: جيل الكبار أم جيل زد؟
من الأقوى ذهنياً ونفسياً يا ترى؛ جيل الكبار أم جيل زد؟ للوهلة الأولى قد تظن أن جيل زد هو الأقوى، وخاصة أنه ذلك الجيل الذي ولد أفراده وفي يدهم هاتف ذكي، بالإضافة إلى حماية أبوية قوية، لكن الحقيقة هي أن جيل الكبار يمتلكون قدرات نفسية وعقلية لا يملكها أبناء جيل زد، وهذه القدرات هي:
- صبر أكبر: حيث أسهم التدفق البطيء للمعلومات، وانتظار الرسائل أو البرامج، وتحمل الملل، في تعزيز القدرة على عدم المطالبة بمكافأة فورية.
- تحمل أعلى لمشاعر الإحباط: إذ أدت قلة الدعم التربوي، إلى ترسيخ فكرة أن الفشل جزء طبيعي من الحياة.
- تحكم أفضل في المشاعر: اعتمد جيل الكبار تأجيل المشاعر في كثير من الأحيان لأن الالتزامات كانت لها الأولوية، ويعتقد أن هذا الأمر سهل اكتساب مهارة ضبط النفس في سن مبكرة.
- الصمود أمام الصعاب والتحديات: حيث أسهم الانتظار، والمهام اليومية التي كانت تتطلب مجهوداً بدنياً، ومحدودية الموارد، في تعزيز المرونة النفسية والقدرة على التكيف.
- قدرة أكبر على التركيز: وذلك بفضل الأنشطة التي تتطلب الانتباه مثل القراءة ساعات طويلة، وكتابة الرسائل، والاستماع إلى الأغاني الكلاسيكية.
- حلول أفضل للنزاعات: وذلك لأن التواصل المباشر من غير وسيط رقمي عزز قدرة جيل الكبار على قراءة لغة الجسد، والاستماع، وحل النزاعات.
اقرأ أيضاً: معضلة جيل زد: الكثير من المال والقليل من راحة البال!
4 نصائح فعالة تعزز قدراتك الذهنية والنفسية بغض النظر عن جيلك
في عالم يتسم بالتسارع المستمر والضغوط المتزايدة، لم يعد الاهتمام بالصحة النفسية وبناء القدرات الذهنية مجرد رفاهية، بل أصبح ضرورة استراتيجية من أجل التطور وتحقيق النجاح والازدهار، وحتى تعزز قدراتك النفسية والذهنية، جرب النصائح التالية:
1. طور مهاراتك الذهنية
غالباً ما تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية من أجل تعزيز قدراتك الجسدية وبناء عضلاتك، ولكن هل كنت تعلم أن قدراتك الذهنية أيضاً بحاجة إلى تمرين وتدريب؟ وذلك من خلال مواجهة المخاوف والتحديات الصغيرة بانتظام والتغلب على الأفكار السلبية الهدامة واستبدال أخرى إيجابية فعالة بها، وحتى تعزز قدراتك الذهنية عليك امتلاك بعض المهارات المهمة مثل:
- المرونة التي تعني القدرة على التكيف مع التغييرات المفاجئة دون انهيار.
- الانضباط الذاتي وهي قدرتك على ألا تجعل أداءك يخضع لحالتك المزاجية، بمعنى آخر؛ القدرة على تأجيل الرغبات الآنية من أجل أهداف طويلة الأمد.
- إدارة المشاعر وذلك لا يعني كبتها أو قمعها، بل فهمها واستخدامها بوصلة بدلاً من السماح لها بقيادة الدفة بصورة عشوائية.
2. درب دماغك على التركيز
الدماغ ليس عضواً ثابتاً، بل هو كيان مرن يتغير بناء على كيفية استخدامه، ومن أجل تعزيز قدرتك على التركيز، جرب تعلم مهارة جديدة، مثل العزف على آلة موسيقية أو تعلم لغة جديدة؛ فهذا يساعد الدماغ على بناء مسارات عصبية جديدة.
يمكنك أيضاً استخدام حواسك جميعها عبر تجربة أنشطة جديدة مثل الطبخ أو الخبز أو تجربة مطعم جديد مع التركيز على استخدام حواسك بطريقة مقصودة مثل الشم واللمس والتذوق والبصر والسمع في الوقت نفسه، بالإضافة إلى ذلك جرب الألعاب التي تعزز قدرات العقل مثل الشطرنج والكلمات المتقاطعة.
3. اعتن بنفسك
هل تتذكر المقولة القديمة التي تعلمناها في المدرسة؟ العقل السليم في الجسم السليم، الحقيقة أن هذا صحيح، فحتى تعزز قدراتك العقلية والنفسية، أنت بحاجة إلى الاعتناء بجسدك ونفسك، وذلك من خلال الحصول على قسط كاف من النوم، وتناول الطعام الصحي، وتحقيق توازن بين العمل وحياتك الشخصية، بالإضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية قدر المستطاع، يمكنك أيضاً تجربة الرقص الذي يزيد سرعة معالجة الدماغ وذاكرته.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن ننمي حباً صحياً للذات؟
4. طور ذكاءك العاطفي
الذكاء العاطفي هو القدرة على فهم عواطفك وإدارتها، وفهم مشاعر الآخرين ومن ثم تعزيز التواصل بفعالية، ويمكن القول إن الذكاء العاطفي يرتكز على عدة أسس منها على سبيل المثال:
- الوعي الذاتي ويقصد به القدرة على فهم مشاعرك الخاصة وتأثيرها على أفكارك وسلوكك.
- الإدارة الذاتية وهي تعلم كيفية السيطرة على الاندفاعات العاطفية خاصة في أوقات الضغط، ويتطلب ذلك الأمر القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، ما يمنحك مساحة للتفكير قبل الرد.
- الوعي الاجتماعي وهو القدرة على التعاطف وفهم احتياجات الآخرين ومشاعرهم.
- إدارة العلاقات من خلال استخدام وعيك العاطفي لبناء الروابط، وحل النزاعات، فالشخص الذكي عاطفياً هو من يجيد تحويل الصراع إلى فرصة للنمو المشترك.
في النهاية، سواء جيل الكبار أم جيل زد، جميعنا في حاجة للتوعية النفسية. وفي هذا السياق، يوضح استشاري الطب النفسي، عبدالإله الحديثي، أن التوعية النفسية المتوازنة تساعد الإنسان على فهم نفسه بواقعية دون تهويل أو إنكار، وتمنحه لغة صحيحة لفهم المشاعر والسلوك، ما ينعكس في النهاية على تحسن بيئة العمل وضبط الضغوط اليومية، وبناء مهارات تواصل وحدود صحية. والنتيجة تكون تخفيف حدة القلق، وتعزيز الشعور بالمسؤولية المتزنة، وعيش حياة أكثر استقراراً.