كيف يمكن أن ننمّي حُباً صحياً للذات؟

حب الذات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“فاقد الشيء لا يعطيه”، ربما يُعارض البعض تلك المقولة بحجّة أنه من الممكن لشخص لم يتلقَّ حباً في حياته أن يمنحه -بل وبسخاء- للآخرين تعويضاً عما فقده؛ رغبة منه في عدم تكرار حالة شعورية عاشها واختبر فيها مشاعرَ غير جيدةٍ.
على الجانب الآخر؛ قد لا يستطيع البعض تحقيق ذلك، ويستمرون في حجب ذلك الشيء الذي نشؤوا وهم يفتقدونه عن الآخرين. وشيء كحُب الذات، هو شيء لا يُمنَح؛ بل ينبت وينشأ من الداخل، فمن الممكن أن تكون هناك عوامل تساعد على نموّه؛ لكن يبقى شعور الفرد بالحُب تجاه نفسه هو الأساس.

ما هو حب الذات؟

حب الذات هو أحد الأشياء التي تحتاج لعمل جاد لتحقيقها والحفاظ عليها، فهو ليس مجرد حالة شعورية يعيشها الفرد؛ بل هو حالة من تقدير الذات تنشأ من أفعال تدعم نموه الجسدي، والنفسي، والروحي.

وفقاً لديبورا خوشابا؛ أخصائية علم النفس الإكلينيكي، فكلما زاد حب المرء لذاته؛ زادت قدرته على جذب الناس والظروف التي تدعم رفاهيته.

كذلك، فحُب الذات مهم للعيش بشكل جيد؛ حيث يؤثر في اختيار الأصدقاء، وشركاء الحياة، والصورة التي نعرضها عن أنفسنا في العمل، وكيف نتعامل مع المشاكل في حياتنا.

على الرغم من أن أشياءً مثل علاقة جديدة أو الظهور بمظهر جيد، قد تجعلنا نشعر بالرضا عن أنفسنا؛ فإن حب الذات لا ينمو بتلك الطرق أو هذا النوع من الأنشطة؛ إنه حالة من تقدير الذات تنشأ من الأفعال التي تدعم نموّنا وتجعلنا أكثر نضجاً.

حب الذات والنرجسية

في حين يختلط مفهوما حب الذات والنرجسية لدى البعض؛ إلا أنهما مختلفان جذرياً. وفقاً لدراسة أجراها باحثون من جامعات أمستردام، وساوثهامبتون، وأوتريخت، فهناك فارق كبير بين المفهومين.

يشير الباحثون إلى أن النرجسية كسمة شخصية، تتميّز بالشعور بالتفوّق والرغبة في تلقّي الاحترام والإعجاب الدائمَين من الآخرين، وهي شكل مُبالغ فيه من أشكال تقدير الذات المفرط، وتضخُّم احترام الذات.

كذلك؛ تختلف النرجسية اختلافاً ملحوظاً عن تقدير وحُب الذات ظاهرياً، وفي أصولها، وتطورها؛ وبالتالي عواقبها، فهما يضربان بجذورهما في أواخر مرحلة الطفولة، قرابة سن السابعة؛ حيث يكتسب الطفل القدرات المعرفية لتشكيل تقييمات ذاتية تكمن بدورها وراء تشكيل كلٍ من النرجسية واحترام الذات.

الشعور بالتفوّق مقابل التوافق

تشير الدراسة إلى أنه في حين يشعر النرجسيون أنهم متفوقون على الآخرين، ويعتقدون أنهم يستحقون الامتيازات، ويتوقون إلى الاحترام والإعجاب من الآخرين؛ يشعر الأفراد ذوو حب واحترام الذات الصحي، والواثقون من أنفسهم، بالرضا عن أنفسهم، وأنهم ذوو قيمة حقيقية؛ ولكنهم لا يشعرون بالضرورة بأنهم متفوقون على الآخرين.

وبالتالي، فإن كلاً من النرجسية واحترام الذات ينطويان على آراء إيجابية عن الذات؛ لكن هذه الآراء مختلفة نوعياً؛ ما يدفع النرجسيين لعدم وجود رغبة حقيقية في إقامة روابط عميقة وحميمة مع الآخرين. وبدلاً عن ذلك، فإنهم يسعون جاهدين للتفوق والسيطرة عليهم، واستخدامهم لتحقيق مصالحهم الشخصية.

على الجانب الآخر؛ لا يرغب الأفراد الواثقون من أنفسهم في التفوق على الآخرين أو الهيمنة عليهم، فهم يرغبون في إقامة روابط عميقة وحميمة معهم، ويطمحون إلى التوافق.

يضيف الباحثون أنه على الرغم من ظهور النرجسية واحترام الذات في نفس العمر؛ إلا أنهما يختلفان في مساراتهما التنموية؛ حيث تصل النرجسية إلى ذروتها في مرحلة المراهقة، ثم تنخفض تدريجياً خلال مرحلة البلوغ.

على النقيض من ذلك؛ يصل تقدير الذات إلى أدنى نقطة له في مرحلة المراهقة، ثم يزداد تدريجياً طوال فترة البلوغ. وهكذا، طوال الحياة؛ ترتفع النرجسية عندما ينخفض ​​احترام الذات، والعكس صحيح.

اقرأ أيضاً: كيف يساعد فهم نفسية الطفل على تطوير مفهوم إيجابي للذات؟

 7 نصائح لبناء حُب الذات

عندما نعزز من حُبنا لذواتنا، فإننا نبدأ في قبول نقاط ضعفنا بطريقة أفضل بجانب نقاط قوتنا، ولن تكون هناك حاجة لشرح أوجه القصور لدينا. توضح خوشابا عدداً من النصائح لبناء وتنمية حب صحي للذات، تتمثل في:

  1. كن يقظاً: يميل الأشخاص الذين لديهم المزيد من حب الذات إلى معرفة ما يفكرون به، ويشعرون به، ويريدونه، فهم يدركون مَن هم حقاً، ويتصرفون بناءً على هذه المعرفة، بدلاً عن ما يريده الآخرون لهم.
  2. تصرَّف بناءً على ما تحتاجه، وليس ما تريده: ينمو حب الذات عندما يمكنك الابتعاد عن الشيء الذي يُشعرك بالإثارة، إلى ما تحتاجه للبقاء قوياً والمُضيّ قُدماً في حياتك. من خلال الاستمرار في التركيز على ما تحتاجه، فإنك تبتعد عن أنماط السلوك الاندفاعية التي قد تسبب لك المشاكل، وتبقيك عالقاً في الماضي، وتُضعِف من حُبك لذاتك.
  3. مارس الرعاية الذاتية الجيدة: ستحب نفسك أكثر عندما تعتني باحتياجاتك الأساسية بشكل أفضل؛ يتحقق ذلك من خلال ممارسة الأنشطة الصحية؛ مثل التغذية السليمة، والتمارين الرياضية، والنوم السليم، بالإضافة إلى التفاعلات الاجتماعية الصحية.
  4. ضع حدوداً: أن تقول “لا” للأشياء التي تستنزفك أو تؤذيك جسدياً، وعاطفياً، وروحياً، أو تعبر بشكل سيئ عن هويتك، سيجعلك تحب نفسك أكثر.
  5. احمِ نفسك بالسماح للأشخاص المناسبين فقط بالدخول إلى حياتك: عليك التخلُّص من هؤلاء الذين يسعدون بألمك وخسارتك بدلاً عن سعادتك ونجاحك.
  6. سامح نفسك، فكل البشر يخطئون: لا يجب أن تقسو على نفسك عند ارتكابك خطأً ما، أو أن تعاقب نفسك بقسوة، وتذكر أنه لا توجد إخفاقات إذا كنت قد تعلمت من أخطائك؛ وفهمت الدروس المستفادة.
  7. عِش بهدف: سيجعلك ذلك تقبل وتحب نفسك أكثر، بغض النظر عما يحدث في حياتك. لا يجب أن يكون هدفك واضحاً تماماً بالنسبة لك في البداية؛ لكن إذا كنت تنوي أن تعيش حياة هادفة وصحية، فستتخذ قرارات تدعم هذه النية، وتشعر بالرضا عن نفسك عندما تنجح في تحقيق ذلك الغرض.

اقرأ أيضاً: 5 مفاتيح للتوقف عن تدمير الذات

وأخيراً؛ إن السعي للكمال والنقد المستمر للذات، من الآفات التي تهدم “حُب الذات”، عوضاً عن ذلك، فممارسة تقبُّل الأخطاء، والاستماع إلى ما تحتاجة أنفسنا، والتحدّث لأنفسنا بنبرة رحيمة، هي أمور أساسية في تعزيز ذلك الحُب.

المحتوى محمي !!