ملخص: توصلت دراسة بحثية حديثة نشرتها دورية نشرة علم النفس الإكلينيكي في مارس/آذار 2024 إلى نتيجة مفادها أن التنفيس عن غضبك لن يساعدك على التحكم فيه، علاوة على أن هناك بعض الأنشطة التي تزيد طاقة الغضب مثل الجري؛ ولكن ثمة أنشطة أخرى تساعد على تهدئة غضبك مثل التأمل واليوغا، وإليك تفاصيل هذا الموضوع في المقال التالي.
محتويات المقال
بعد المرور بيوم محبط في العمل، أو الشجار مع شريك حياتك أو أحد أفراد عائلتك، قد تشعر أن التنفيس عن غضبك عبر الاتصال بصديقك أو ركل باب البيت بقوة أو الصراخ بصوت عالٍ في إحدى الغرف المغلقة أفكار جيدة؛ ولكن الحقيقة ليست كذلك؛ حيث توصلت دراسة بحثية حديثة نُشرت في مارس/آذار 2024 في دورية نشرة علم النفس الإكلينيكي (Clinical Psychology Review) إلى نتيجة مفادها أن التنفيس لن يساعدك على التحكم في غضبك؛ وإنما عليك ممارسة بعض الأنشطة الأخرى التي ذكرَتها الدراسة والتي سنتعرف إليها من خلال هذا المقال.
لماذا نشعر بالغضب؟
الغضب استجابة طبيعية وتلقائية للألم الجسدي أو العاطفي أو النفسي، ويمكن أن يحدث بسبب مشاعر أخرى؛ مثل الإحساس بالرفض أو التهديد أو التعرض إلى نوع من الخسارة، ومشاعر الغضب لا تحدث بمعزل مع نفسها؛ بل تسبقها مشاعر الألم. ولهذا السبب؛ غالباً ما توصف بأنها مشاعر غير مباشرة. وعلى الرغم من أن الألم عادة ما يسبق الغضب فإنه لا يكفي وحده لإثارة الغضب؛ إذ يجب أن يقترن هذا الألم ببعض الأفكار المثيرة للغضب؛ حيث إن مشاعر الألم جنباً إلى جنب مع الأفكار المثيرة للغضب تحفزك على اتخاذ الإجراءات اللازمة ومواجهة التهديدات والدفاع عن نفسك من خلال مواجهة السبب الذي يجعلك تشعر بالألم، وعادة ما تتجسد الأسباب التي تجعلنا نشعر بالغضب في:
- المعاملة غير العادلة والشعور بالعجز عن فعل أي شيء حيال ذلك.
- أحداث الحياة اليومية المجهدة.
- المشكلات التي سببها شخص معين؛ مثل زميل العمل أو الشريك أو الصديق أو أحد أفراد الأسرة.
- ذكريات الأحداث المؤلمة أو المثيرة للغضب.
- الظروف البيئية مثل درجات الحرارة المرتفعة.
- الشعور بأن الأهداف غير قابلة للتحقيق.
- الشعور بالذنب أو العار.
- التعرض إلى الإذلال أو الإحراج.
- الإحساس بالإهمال أو سوء الفهم.
اقرأ أيضاً: ما هي أفضل طرق التنفيس عن الغضب؟
كيف تستجيب أجسادنا لمشاعر الغضب؟
يشعر معظمنا بين الحين والآخر بالغضب؛ ولكن حين يصبح غضبك شديداً ولا تمكن السيطرة عليه فإنه يمكن أن يؤدي إلى إصابتك ببعض المشكلات الجسدية والنفسية الخطِرة مثل:
- ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب: يحفز الشعور بالغضب الجسم على إطلاق هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول؛ ومن ثم ترتفع مستويات السكر في الدم ومستويات الأحماض الدهنية؛ ما قد يؤدي إلى تلف الأوعية الدموية وتراكم الترسبات في الشرايين. ومع مرور الوقت واستمرار مشاعر الغضب، ترتفع نسبة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والنوبات القلبية والسكتة الدماغية والسكري من النوع الثاني.
- تعطيل عملية الهضم: الدماغ والأمعاء في حالة تواصل مستمر، ويؤثر كل منهما في الآخر، فأحد أدوار نظامنا العصبي اللاإرادي (الذي ينظم العمليات الجسدية اللاإرادية) هو المساعدة على تنظيم عملية الهضم؛ ولكن حين يدخل الجسم في وضعية الهروب أو القتال بسبب التوتر، يضطرب النظام العصبي اللاإرادي ومن ثم تتعطل عملية الهضم؛ الأمر الذي يؤدي إلى آلام البطن، واضطراب المعدة، والإسهال. وعلى المدى الطويل، يمكن أن تحدث الإصابة بمرض التهاب الأمعاء (IBD)، والتهيج ومتلازمة الأمعاء (IBS)، وارتجاع المريء (GERD).
- زيادة الالتهاب: توضح أستاذة علم النفس في جامعة تيلبورغ (Tilburg University)، ستيفاني دويندام (Stefanie Duijndam)، إن الجهاز المناعي مصمم لمهاجمة التهديدات المحتملة للجسم. ومع تفاقم مشاعر الغضب بطريقة مستمرة، تزداد الخلايا الالتهابية التي تعد جزءاً من الجهاز المناعي وتتجسد وظيفتها في محاربة الأمراض؛ ولكن في حالات الغضب، حتى لو لم تكن مصاباً بعدوى، فإن هذه الخلايا الالتهابية قد تبدأ مطاردة الخلايا السليمة.
- التأثير في وظائف الجهاز التنفسي: يعد التنفس السريع أحد التأثيرات الجسدية الأولى التي يثيرها الغضب لدى العديد من الأشخاص؛ إنه طريقة جسمك لمحاولة توفير المزيد من الأوكسجين إلى المناطق التي يعدها ضرورية مثل الدماغ والعضلات، ويترتب على ذلك أن المشاعر القوية مثل الغضب هي سبب شائع للإصابة بنوبات الربو.
- ارتفاع خطر الإصابة بالألم المزمن: عندما تكون في نوبة غضب، ستشعر بالحرارة تنتقل من قلبك إلى مناطق أخرى في جسمك مثل صدرك وذراعيك وفكك. ومع مرور الوقت، يؤدي هذا الأمر إلى الإصابة بتوتر العضلات. وتؤكد أستاذة علم النفس، ستيفاني دويندام، إن تراكم المشاعر السلبية يمكن أن يساعد على الإصابة بالألم المزمن.
دراسة علمية حديثة: تنفسيك عن غضبك لن يفيدك
أظهرت الدراسة العلمية التي أشرنا إليها في مقدمة المقال أن التنفيس لا يساعد في السيطرة على الغضب، وقد حلل الباحثون 154 دراسة شملت أكثر من 10,000 مشارك، ووجدوا أن هناك أنشطة تزيد حالة الغضب مثل التنفيس عنه أو الجري، وأنشطة أخرى تمكنها تهدئته مثل ممارسة التأمل واليوغا.
وقبل هذه الدراسة، وطوال سنوات عديدة، اعتقد علماء النفس أن مشاعر الغضب يجب إطلاقها جسدياً وذلك عبر ضرب الأشياء الناعمة؛ مثل الوسائد أو أكياس اللكم للتخلص من المشاعر المكبوتة؛ ولكن تبين أن هذا النوع من التنفيس لا يهدئ الغضب بقدر ما يزيده لأن تشجيع الناس على التعبير عن غضبهم يجعلهم يعيشونه مرة أخرى في أجسادهم؛ ما يقوي المسارات العصبية للغضب ويسهّل أن يغضبوا في المرة القادمة.
والتنفيس عن الغضب عبر التحدث إلى أحد الأصدقاء أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي غير مفيد أيضاً. بالطبع ينبغي لنا طلب الدعم من الأصدقاء والمقربين في الأوقات الصعبة؛ إلا أن التنفيس عن الغضب دون إيجاد طريقة لتهدئة أنفسنا أو العثور على معنى قد يؤدي إلى إطالة أمد المعاناة؛ ومن ثم حتى الأساليب الأقل ضرراً للتنفيس عن الغضب يمكن أن تكون لها آثار سلبية مثل:
- زيادة مستويات القلق والتوتر.
- اضطرابات النوم.
- الصداع.
- الإجهاد العضلي.
- تفاقم المشكلات في البيئات الاجتماعية مثل العمل والمنزل.
- اضطراب الحالة المزاجية.
- ضعف الإنتاجية في العمل.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن التحكم في الغضب بشكل أفضل؟
7 خطوات فعالة لتتعامل مع غضبك بطريقة صحيحة
إذا كنت تعاني الغضب، فهناك خطوات يمكنك اتباعها للتحكم في مشاعرك؛ أهمها:
- خذ نفساً عميقاً: عندما تشعر بالغضب، غالباً ما يدخل جسمك في حالة تُعرف باسم "استجابة القتال أو الهروب"؛ ما يساعده على إحداث رد فعل مناسب؛ حيث يزداد معدل ضربات قلبك وتبدأ التنفس بسرعة أكبر. ومن أجل السيطرة على مشاعر الغضب وتقليلها، ركز على تنفسك عبر التقاط أنفاس بطيئة وعميقة ومنضبطة، بدلاً من أخذ أنفاس سطحية وسريعة تملأ صدرك فقط. وتكمن أهمية التنفس العميق في إمكانية استخدامه بسرعة في اللحظة التي يهدد فيها الغضب بالسيطرة عليك؛ إذ يمكن أن يمنحك فرصة لتهدئة نفسك، وتخصيص بعض الوقت للتفكير، والاستجابة بطريقة لن تكون لها آثار سلبية طويلة المدى.
- مارس استراتيجيات الاسترخاء: أكدت الدراسة البحثية التي نشرتها دورية نشرة علم النفس الإكلينيكي أن ممارسة أنشطة الاسترخاء مثل التأمل واليوغا واليقظة الذهنية تعمل على تهدئة الغضب؛ وذلك لأن تلك الأنشطة تعلمك كيفية الانتباه إلى ما تشعر به، وتعزز إحساساً أكبر بالوعي الذاتي، وغالباً ما تسمح لك بالنظر إلى المواقف المثيرة للغضب بطريقة أكثر حيادية.
- فكر إذا كان غضبك مفيداً أو غير مفيد: قبل أن تبدأ تهدئة نفسك، اسأل نفسك ما إذا كان غضبك مفيداً أو لا. إذا كنت تتعرض إلى الاستغلال أو الظلم، فقد يكون غضبك مفيداً. في هذه الحالة، عليك أن تفكر بتغيير الوضع بدلاً من تغيير مشاعرك، ففي بعض الأحيان، يكون غضبك علامة تحذير أن هناك شيئاً آخر بحاجة إلى التغيير؛ مثل علاقة مسيئة عاطفياً أو صداقة سامة؛ ومن ثم قد يمنحك الغضب الشجاعة التي تحتاج إليها لاتخاذ موقف أو إجراء تغيير.
- تعرف إلى محفزاتك: إن فهم ما يثير غضبك يمكن أن يساعدك على إدارته على نحو أكثر فعالية؛ لهذا احتفظ بمذكرة لتتبع أنماط الغضب ولاحظ الظروف أو الأشخاص أو الأحداث التي تميل إلى إثارة هذه المشاعر. بمجرد تحديد المحفزات لديك، يمكنك العمل على إيجاد طرائق صحية للتعامل معها أو تجنب تلك المحفزات تماماً.
- لاحظ مشاعرك المختبئة خلف الغضب: يكون الغضب في بعض الأحيان حماية لمشاعر أخرى قد يكون الإحساس بها أكثر صعوبة. على سبيل المثال؛ لم يتعلم الكثير منا كيفية التعامل مع الشعور بخيبة الأمل؛ لذلك ينشأ الغضب أحياناً ليحمينا من حزن أعمق؛ ولذلك عليك الغوص تحت سطح الغضب من أجل استكشاف مصدر الألم الحقيقي.
- كن لطيفاً مع نفسك: الغضب شعور مزعزع للاستقرار وغير مريح ومؤلم؛ ولهذا حاول أن تكون لطيفاً مع نفسك. ضع يديك على قلبك وقدم لنفسك تأكيدات إيجابية مهدئة مثل: "أنا آسف لأن الأمور تبدو صعبة للغاية الآن، أنت لا تستحق هذه المعاملة". وحين تكون غاضباً، حاول ألا ترد على الفور؛ إذ يمكن أن تقول أشياء تندم عليها لاحقاً. بدلاً من ذلك، انخرط في نشاط ممتع قبل معالجة المشكلة حيث يسمح لك هذا التوقف المؤقت بالهدوء؛ ما يتيح لك التعامل مع الموقف بمنظور أكثر وضوحاً.
- اصرف انتباهك: يؤكد المختص الأسري والتربوي، جاسم المطوع، إن الإنسان الذي يشعر بالغضب يمر بـ 3 مراحل؛ وهي قبل الغضب وفي أثناء نوبة الغضب وبعد الغضب. وحتى نتعامل بذكاء مع مشاعر الغضب، علينا تهدئة أنفسنا قبل نوبة الغضب وذلك من خلال تشتيت الانتباه عن الموقف أو الشخص المثير للغضب.