تُعتبر الصداقة ركيزة من ركائز التنمية الشخصية. ولكن للاستفادة منها لا يزال من الضروري معرفة كيفية التغلب على المواضع السلبية التي تضر بها. ابتداء من التفكير في أن تتمتع بخصال الصديق الذي تبحث عنه، ثم من خلال تطبيق مفاتيح الصداقة الخمسة التالية ستتمكن من "تكوين صداقات طويلة الأمد".
من بين خمسة أمور يتحسّر عليها الأشخاص في نهاية حياتهم؛ والتي جمعتها الممرضة الأسترالية بروني وير، هي "عدم استمرار الصداقة". انطلاقاً من هذه الحسرة المشتركة على نطاق واسع؛ لاحظت الباحثة في علم النفس من كاليفورنيا ليزا فايرستون، أنه يمكن للمرء أن يبني ويغذي صداقة دائمة إذا تبنى سلوكيات تسمح بنسج رابطة قوية وحقيقية في "الحياة"، ومن شأنها أن تعيد للصّداقة معناها.
في الحقيقة؛ إن الصداقة موضوع دراسات عديدة في علم النفس الإيجابي، وتُعتبر هذه العلاقة من ركائز التنمية الشخصية. في هذا الصدد؛ تشرح المحللة والمعالجة النفسية آن ماري بينوا أن: "الصداقة الحقيقية تعزز الشعور بالأمان الداخلي وكذلك الثقة بالنفس، لأن الصديق هو الشخص الذي يفهمنا ويدعمُنا ويريحنا؛ ولكنه أيضاً الشخص الذي يجعلنا ننظر إلى أنفسنا بشكل أفضل وأكثر إيجابية".
ولكن للاستفادة من هذه الفوائد لا يزال من الضروري معرفة كيفية التغلب على المواضع السلبية التي تضر بالصداقة، فالتنافس والكبرياء والحسد والافتقار إلى الصراحة والخيانة هي بعض العقبات والنقاط السلبية التي يجب تجنبها والابتعاد عنها.
للقيام بذلك؛ تنصح ليزا فايرستون: "فكر أولاً في التمتع بخصال الصديق الذي تبحث عنه". هذا هو الأسلوب الذي يشجعنا على سؤال أنفسنا وتنمية التعاطف واليقظة.
1. الجرأة على أن نكون صادقين
هذا يعني ألا تحاول إظهار نفسك بأفضل صورة، أو إظهار سوء النية لتكون على حق ، أو الاستفادة من موقف لصالحك، أو تفادي النقد المباشر. لا تقتصر الصداقة على موافقة الآخر على كل ما يعيشه أو يقوله فحسب؛ بل تتطلّب الجرأة على تحديه عندما يعرّض نفسه للخطر أو يستهزئ بالقيم المشتركة أو يكون مخيباً للآمال أو مؤذياً.
من منظور علم النفس الإيجابي؛ الصداقة تشبه العلاقة بين الزوجين. فالصديق هو الشخص الذي يمكنه مساعدتنا على معرفة أنفسنا بشكل أفضل والتغلب على شرورنا الداخلية والمضي قدماً في طريق حياتنا تاركين وراءنا الأوهام والمعتقدات الخاطئة، وهذا لن يكون إذا سعينا إلى حماية صورتنا ورفضنا التشكيك في يقيننا.
2. إيجاد حل للتنافر
إن معرفة شخص ما جيداً تعني معرفة نقاط قوته وخصوصياته، بالإضافة إلى نقاط ضعفه وتوقعاته. في الواقع؛ يتجلى التنافر على مستوى الصداقة بسبب الافتقار إلى التعاطف في تقييم وإدارة ما يمر به الآخر. كما هو الحال بين الزوجين؛ يمكن أن يكون التنافر قاتلاً للصداقة.
قد يكون لدينا صديق مفرط الحساسية، فإذا واجه هذا الصديق حدثاً سيئاً (والذي من وجهة نظرنا ليس أمراً صعباً بشكل خاص) فإن مظاهر الصداقة ستبرز على الأقل منذ البداية؛ من خلال دعمه وتهدئته وليس بالابتعاد عنه أو إظهار أن حساسيته مبالغ فيها.
إن التصرف بهذه الطريقة يعني أن الاهتمام بالآخر والتعاطف معه والإحسان إليه؛ مجرد تصرفات لا تمتّ للعلاقة بصلة. إذا كنت ترغب في تكوين رابطة صادقة ودائمة، فإنه ينبغي على الأقل شرح أسباب تصرفك على هذا النحو للصديق المعني والاعتذار عن إيذائه.
3. التعبير عن امتنانك
نعبر عن شعور الامتنان بين أصدقائنا أكثر مما نظهره مع زوجاتنا أو عائلتنا،. نحن نتعامل مع الصداقة كأمر مسلّم به وننسجم معها إلى أبعد الحدود. مع صديقنا؛ نخلع القناع والدرع ولا نلبس القفازات ولا نقلق بشأن ذلك أبداً. إنها مخاطرة بخلط العلاقة الحميمة مع الألفة دون التعبير عن عاطفتنا وامتناننا.
في واقع الأمر؛ نحن نرى أن الولاء للصداقة ووجودها وكرمها وتعاطفها وحنانها أمر مسلّم به. بعد كل شيء نعتقد أنه إذا كانت علاقتنا خالية من هذه الصفات، فلن ترتقي إلى مفهوم الصداقة الحقيقي. إنه أمر لا جدال فيه؛ لكنه لا يعني أنه يجب علينا تجاهل عاطفتنا وامتناننا. يجب الإشادة بهذه الصفات المطلوبة؛ والتي يصعب الحفاظ عليها على المدى الطويل، من وقت لآخر بشكل صريح وتخصيصها لأصدقائنا، فالاهتمام البسيط يمنح في الواقع متعة أكبر للصديق الذي يستفيد منها.
4. الاعتدال في توقعاتك
في علاقاتنا؛ لا يسعنا إلا أن تكون لدينا توقعات عالية وأحياناً نشعر بخيبة أمل شديدة. ومع ذلك؛ كلما زادت أهمية التوقعات وتركيزها على شخص واحد زادت مرارة خيبة الأمل. غالباً ما ننسى أن صديقنا مهما كان قريباً منا ومهما كان عمره، ليس بالضرورة انعكاساً لنا في المرآة. فهو يتفاعل مع ثقافته وشخصيته؛ ولكن أيضاً وفقاً لمشاعره في الوقت الحالي.
هذا هو السبب في أننا يجب أن نشاركه بالتأكيد خيبة أملنا وألمنا من أجل النهوض والمحافظة على العلاقة بدلاً عن الاجترار والمعاناة كل لوحده. ولكن قبل كل شيء ينبغي أن نمنحه ونمنح أنفسنا الحق في ارتكاب الأخطاء.
من ناحية أخرى؛ إذا كانت توقعاتنا مشروعة ومعقولة (على سبيل المثال: آمل تلقي إشارة أو كلمة دعم في موقف صعب) ومُعَبّر عنها بوضوح (لست على ما يرام، فأنا أمر بموقف دقيق) لكنه لا يبين أي اهتمام (لا يُظهر الصديق أي تعاطف أو دعم) يمكننا أن نستنتج إذاً أن الصداقة ربما لم تكن متبادلة كما كنا نظن.
5. التعامل بإحسان
لا شك في أن أعز أصدقائنا لديهم جوانب تزعجنا وسلوكيات لا نفهمها فهم يتخذون أحياناً خيارات لا نوافق عليها. ومع ذلك؛ إذا أردنا البقاء معهم لفترة طويلة، فسيتعيّن علينا التعامل مع ما يُزعجنا وما هو خارج نطاقنا دون أن نكون في حالة إنكار أو قمع للمشاعر والعواطف التي تثيرها فينا.
لقبول أصدقاءنا على طبيعتهم (دعونا لا ننسى أننا نطلب منهم أن يعاملونا بالمثل)؛ يمكننا أولاً أن نسأل أنفسنا لماذا يزعجنا مثل هذا السلوك أو الاختيار (ما هي المخاوف أو الرغبات التي توقظها فينا؟) وأيضاً اختر التعامل بالإحسان والتفاهم (إنه متفاخر لأنه يفتقر إلى الثقة) عوضاً عن القسوة والحكم المسبق (إنه متفاخر لأنه يريد السيطرة على الآخرين).