هل سبق أن أخبرت أحد أصدقائك أنك الشخص الأسوأ حظاً في العالم أجمع؟ أو وجدت نفسك يوماً تنتظر حدوث شيء سيئ دون سبب وجيه؟ أو ربما اعتبرت إنجازاً كبيراً حققته في العمل مجرد ضربة حظ؟ إذا واجهت موقفاً من المواقف السابقة فهذا يعني أن لديك تشوهاً معرفياً (Cognitive distortion) يؤثر تأثيراً سلبياً في نظرتك إلى نفسك وإلى العالم؛ ما يسبب لك الشعور بالتوتر، لكن ما هي التشوهات المعرفية وكيف تتخلص منها؟ الإجابة عبر هذا المقال.
محتويات المقال
ما هي التشوهات المعرفية (Cognitive Distortions)؟
طور عالم النفس آرون بيك (Aaron Beck) نظرية التشوهات المعرفية في ستينيات القرن العشرين، ويمكن القول إنها عبارة عن أنماط تفكير أو معتقدات غير دقيقة وسلبية، وهذه التشوهات عادة ما تؤثر تأثيراً سلبياً في وجهة نظرك عن نفسك والآخرين والتجارب والعالم من حولك، ومشكلة هذه التشوهات أنها تحدث غالباً دون وعي ما يعني أنها لا تحتاج إلى أي مجهود ومتجذرة في معتقداتك حول نفسك بعمق، وعليه يكون من الصعب التعرف إليها خاصة حين تكون راسخة في أفكارك اليومية، لهذا السبب فإنها تعد مدمرة للغاية.
أكثر 10 تشوهات معرفية يمكن أن تسبب الشعور بالتوتر
يعمل عقل كل شخص بطريقة مختلفة، لكنّ هناك أنواعاً شائعة من التشوهات المعرفية التي قد تواجهها، منها على سبيل المثال:
1. التهويل (Catastrophizing)
يحدث التهويل حين تتوقع أسوأ نتيجة ممكنة لموقف ما، أو عندما تتعامل مع أي خطأ بسيط على أنه أمر فظيع؛ وأي إزعاج يفسد كل شيء؛ وأي انتكاسة صغيرة تعني أنك لن تصل إلى هدفك أبداً، على سبيل المثال، إذا اتصلت بأحد أفراد عائلتك ولم يرد عليك فوراً تفترض أنه قد تعرض إلى حادث سيارة وغاب عن الوعي، أو حين يخبرك المدير أن تقريرك يحتاج إلى بعض التعديل فتحس بالحزن العميق لأن عملك سيئ وسيفصلونك من العمل.
2. التصفية العقلية (Mental Filtering)
إذا كنت تميل إلى التصفية العقلية فهذا يعني أنك تتجاهل الأحداث الإيجابية وتضع عدسة مكبرة للأشياء السلبية، على سبيل المثال، لنفترض أنك حددت لنفسك قائمة من 10 مهام يومية، وفي آخر اليوم وجدت أنك أديت 9 منها بكفاءة وواحدة لم تتمكن من إنجازها، وقتها ستحس بالفشل الذريع لأنك أخفقت في تلك المهمة، وهذا يعني أنك تواجه هذا التشوه.
اقرأ أيضاً: التشوهات المعرفية: كيف نقع أحياناً ضحايا أفكارنا؟
3. التفكير بطريقة كل شيء أو لا شيء (All-or-Nothing Thinking)
يُعرف هذا التشوه أيضاً باسم "التفكير بالأبيض والأسود"، ويتجلى في عدم القدرة أو عدم الرغبة في رؤية المناطق أو الحلول الوسط، بعبارة أخرى، ترى الأشياء من منظور التطرف فهي إما رائعة أو سيئة، أو تعتقد أنك متفوق أو فاشل تماماً، ويمكن لهذا النوع من التفكير أن يفاقم مشاعر التوتر في حياتك، نتيجة رؤيتك للمشكلات أكبر مما هي عليه في الواقع.
4. التعميم المفرط (Overgeneralization)
يحدث الإفراط في التعميم عندما تأخذ تجربة سلبية سبق أن تعرضت لها وتحولها إلى نمط لا ينتهي من الخسارة والهزيمة، ففي بعض الأحيان يتوصل الأشخاص الذين يفرطون في التعميم إلى استنتاجات واسعة النطاق للغاية من حادثة واحدة ويتوقعون حدوثها مراراً وتكراراً، على سبيل المثال، إذا حدث وذهبت إلى مقابلة عمل في تخصصك المفضل وأخفقت في المقابلة، وقتها قد تتخلى تماماً عن المحاولة، ولا تذهب إلى أي مقابلة أخرى، وعوضاً عن ذلك تقرر العمل في مجال مختلف.
5. الاستدلال العاطفي (Emotional Reasoning)
الاستدلال العاطفي هو قبول المشاعر التي تواجهها بصفتها حقيقة، لكن في حقيقة الأمر لا يعني مجرد إحساسك بشيء أنه صحيح، ويسمح لك الاستدلال العاطفي بتحويل المشاعر السلبية حول موقف ما إلى حقيقة راسخة لا تتزعزع عن نفسك أو الآخرين، وذلك على الرغم من وجود أدلة واقعية تثبت المشاعر، على سبيل المثال، إذا شعرت بالذنب، فإن هذا التشوه يقودك إلى استنتاج أنك شخص سيئ.
6. استخدام عبارات "يجب" (Should Statements)
الذين يستخدمون عبارات "يجب" غالباً ما يضعون قواعد صارمة سواء على أنفسهم أم على الآخرين، وبعدها يلزمون أنفسهم باتباع تلك القواعد، ويضعون ذواتهم تحت ضغط رهيب في محاولة للارتقاء إلى مستوى تلك التوقعات التي فرضوها على أنفسهم، وعليه إذا كان حوارك الداخلي يتضمن الكثير من كلمة "يجب"، فهذا يؤكد بأنك متأثر بهذا التشوه المعرفي.
7. التخصيص (Personalization)
يرتكز هذا التشوه على أخذ كل شيء على محمل شخصي أو إلقاء اللوم على نفسك دون أي سبب منطقي للاعتقاد بأنك المسؤول عما حدث، على سبيل المثال إذا حدث أن مرض ابنك الصغير فقد تظن أنك لم توليه الرعاية اللازمة والكافية ولهذا تعرض للمرض.
8. مغالطات التحكم (Control Fallacies)
تتجلى مغالطة التحكم في أحد اعتقادين؛ أولهما أنك لا تملك السيطرة على حياتك وأنك ضحية للقدر وعاجز عن إحداث التغيير في شؤونك الخاصة، والاعتقاد الثاني هو أنك تتحكم تماماً في نفسك ومحيطك، ما يمنحك المسؤولية الكاملة عن تصرفاتك جميعها وكل ما يحدث معك، والحقيقة أن كلا الاعتقادين ضار، وأن كليهما غير دقيق بالدرجة نفسها.
9. تجاهل الإيجابيات (Disqualifying the Positive)
يشبه هذا التشوه المعرفي إلى حد كبير التصفية العقلية، إذ يصف الأشخاص الذين يتجاهلون الإيجابيات التي تحدث لهم ويتعاملون معها كأنها صدفة لا تتكرر كثيراً، ومن ثم يتمسكون بنظرة أكثر سلبية ومجموعة من التوقعات المنخفضة للمستقبل، هل سبق أن أخبرك صديقك المقرب أن أيامه في العمل جميعها سيئة، وحين تقترح عليه حلولاً يرفضها؟ إذاً لقد شهدت هذا التشوه المعرفي بنفسك.
10. القفز إلى الاستنتاجات (Jumping to Conclusions)
يتجسد هذا التشوه المعرفي في الاعتقاد غير الدقيق بأنك تعرف ما يفكر فيه شخص آخر. بالطبع، من الممكن أن يكون لديك فكرة مسبقة عما يفكر فيه الآخرون، لكن هذا التشوه يشير إلى التفسيرات السلبية التي تقفز إليها دون وجود أدلة كافية، على سبيل المثال إذا اتصلت بصديقك ولم يرد عليك تقفز فوراً إلى استنتاج مفاده أنه لا يرغب في الحديث معك.
اقرأ أيضاً: 6 إرشادات فعالة تخلصك من التفكير بطريقة "كل شيء أو لا شيء"
كيف تؤثر التشوهات المعرفية في صحتك النفسية؟
يمكن أن تؤدي التشوهات المعرفية إلى تفاقم أعراض العديد من الاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب واضطراب الشخصية الحدية (BPD) واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، علاوة على ذلك فإن التشوهات المعرفية تسهم إلى حد كبير في انخفاض الدافعية، وتدني احترام الذات، ومعاناة المزاج المكتئب، ومشاعر اليأس، والسلوكيات غير الصحية مثل تعاطي المخدرات، واضطرابات الأكل، والتجنب، أو السلوكيات المؤذية للذات.
وعلى الرغم من حدوثها داخل عقلك، فإن التشوهات المعرفية يمكن أن يكون لها عواقب بعيدة المدى تؤثر في العديد من الجوانب الأخرى في حياتك، على سبيل المثال إذا كنت تفكر أنك فاشل بسبب التصفية العقلية فقد يعطّل ذلك نومك، أو يفاقم مشاعر التوتر لديك ويسبب أعراضاً جسدية مثل الصداع واضطرابات المعدة، وحين تترسخ لديك الأفكار السلبية عن نفسك وعن تجاربك والمحيطين والعالم من حولك فقد تُصاب بالاكتئاب.
6 نصائح تساعدك على التخلص من التشوهات المعرفية وإعادة هيكلتها
إذا وصلت إلى هنا، فهذا يعني أنك بلغت أهم محطة في رحلتك لتغيير التشوهات المعرفية باتخاذ خطوات عملية للتعامل معها أو ما يُعرف باسم إعادة الهيكلة المعرفية، وإليك أهم الخطوات التي ستساعدك على تحقيق ذلك:
1. اكتشف تشوهاتك المعرفية
ستحتاج أولاً إلى مراقبة أفكارك السلبية بعناية حتى تتعرف إلى النمط الشائع الذي تتبعه، بعدها سوف تبدأ بتحليل تلك الأفكار بهدوء، وخلال هذه المرحلة احرص على أن تكتب أفكارك السلبية سواء على الورق أم باستخدام تطبيق على هاتفك، تتبع منابع الأفكار واعرف كيف جعلتك تشعر حتى تتمكن من اكتشافها بسهولة عندما تتكرر.
2. اعمل على عدم الانسياق وراءها
بمجرد تحديد التشوهات المعرفية لديك، يمكنك البدء بفحصها عن كثب، وذلك من خلال طرح الأسئلة، على سبيل المثال؛ هل هناك أدلة تدعم تفكيرك السلبي؟ وإذا لم يوجد، هل يمكنك اتخاذ خطوات إيجابية بدلاً من الصراع مع أفكار غير دقيقة؛ فبدلاً من افتراض أن شخصاً ما يكرهك، هل يمكنك ببساطة بدء محادثة معه أو اتخاذ خطوات لتعزيز هذه العلاقة؟
3. تحقق من الواقع
ينصح المختص النفسي، محمد علي الأسطى، بضرورة التحقق جيداً من الواقع؛ فقبل أن تتحول عملية التفكير نحو التشويه خذ خطوة إلى الوراء وقيّم الموقف بموضوعية واسأل نفسك، هل لديك ما يكفي من الأدلة لدعم اعتقادك؟ أم أنك تقفز مباشرة نحو الاستنتاجات.
4. تخيل الاحتمالات البديلة
عندما تواجه حالة من عدم اليقين، فإن التشوهات المعرفية مثل التهويل والقفز إلى الاستنتاجات تملأ فجوات معرفتك بأسوأ السيناريوهات، وهذا يقودك إلى الخوف من المواقف التي قد لا تحدث أبداً. بدلاً من ذلك، ما رأيك لو تتخيل احتمالات بديلة؟ على سبيل المثال، استبعد الفكرة السلبية واستبدل بها أخرى إيجابية، وإن لم تستطع تخيُّل فكرة إيجابية انتقل إلى الحياد.
اقرأ أيضاً: هل أنت مصاب بخلل التشوه المالي؟ إليك العلامات النفسية المؤكدة
5. مارس التباعد
التباعد هو عندما تحاول اتخاذ وجهة نظر "طرف ثالث" لمشاعرك وأفكارك ومعتقداتك، بعبارة أخرى، تتخيل أنها تنتمي إلى شخص آخر. وفائدة هذه العملية أنها تمكّّنك من اكتساب منظور أكثر رسوخاً وبناء التعاطف مع الذات، على سبيل المثال، قبل أن تطلق على نفسك لقب "فاشل" أو "غبي" توقف لحظة وتخيل أنك توجه هذه الكلمات لصديقك أو أحد أفراد عائلتك.
6. خفف حدة توترك
نظراً لأن التشوهات المعرفية عادة ما تظهر في أوقات التوتر الشديد، فإن إحدى الطرائق لترويضها هي تخفيف حدة قلقك وتوترك وذلك عبر الاستعانة بممارسات الرعاية الذاتية وتقنيات الاسترخاء، مثل الحصول على قسط كافٍ من النوم وممارسة تمارين التنفس العميق والتأمل واليوغا.
في النهاية، امنح نفسك الوقت والصبر في أثناء خضوعك لإعادة الهيكلة المعرفية، وذلك لأن إعادة برمجة أنماط تفكيرك تستغرق وقتاً، خاصة إذا كانت تشوهاتك المعرفية هذه موجودة منذ سنوات.