أمر بين الحين والآخر ببعض الأزمات الشخصية التي قد تجعلني أفكر عندما يحتد الموقف فيما إذا كانت الحياة صعبة جداً أم إن ذلك فقط ما يوحيه لي دماغي جراء ما يمر به من ضغط شديد، والحقيقة أنني خلال الأزمة غالباً لا أحظى بالصفاء الذهني الذي يمكنني من الوصول إلى إجابة منطقية ومتزنة.
محتويات المقال
وهذا ما دفعني إلى تدوين السؤال للعودة إليه لاحقاً، وبالأمس جلست أفكر حول موضوعه فوجدت أن الحياة تسير في منحنيات بين صعود وهبوط، لذا من المنطقي أن نواجه من وقت لآخر تحديات تجعلنا نقدّر الأوقات التي نحظى فيها بالراحة لاحقاً، ففي حال كانت حياتنا تسير على وتيرة ثابتة غالباً فستكون تجربة مملة، لكن ماذا لو عدنا خطوة للوراء وتفكرنا في الأسباب التي تدفعنا لهذا السؤال الصعب: لماذا الحياة بهذه الصعوبة؟ وماذا يمكننا أن نفعل؟ حسناً، سأجيبكم في هذا المقال بالتفصيل.
لماذا قد تشعر أحياناً بأن الحياة صعبة ومعقدة؟
يشير المعالج النفسي وليام بيري (William Berry) إلى أن الحياة تكون صعبة في بعض الأحيان نتيجة مواجهة ظروف معينة مثل الأوبئة أو الصعوبات المالية أو المرض أو معاناة الوحدة، لكنه يوضح جزئية تستحق التأمل والتحليل؛ وهي أن الحياة كانت أصعب في السابق مما هي عليه اليوم، وعلى الرغم من ذلك فإن نسبة الشكوى اليوم أكثر بصورة واضحة.
وتفسيره لذلك أن جزءاً كبيراً من الشعور بأن الحياة شديدة الصعوبة يتعلق بالإدراك والوعي، فنحن أصبحنا أكثر قدرة على تحديد ما يزعجنا بدقة وملاحظته، إلى جانب اعتبار البعض أنهم لا بد لهم أن يشكوا من شيء ما، بل ربما عندما يدخلون في نقاش مع شخص يشكو من أمر ما يقاطعونه لاستعراض شكواهم التي يرونها أكثر إيلاماً من شكواه، فأصبح هناك نوع من التنافسية في الشكوى من صعوبة الحياة.
وأحد جذور تلك الظاهرة تعود إلى تحيّز الدماغ للجانب السلبي، فأدمغتنا مبرمجة على رؤية الأشياء التي يهدد وجودها بقاءنا على قيد الحياة، لذا من الضروري هنا الانتباه إلى ما يقوم به دماغك تلقائياً ومحاولة رؤية الصورة باتزان.
وأحد التفاصيل الدقيقة التي تنطوي عليها رؤية الصورة المتزنة هو تقدير حجم التحديات والتعرف إلى تأثيراتها في حياتك، ففي حال كنت مررت بصدمة في مرحلة الطفولة أو تواجه صعوبات في علاقتك بأسرتك أو شريك حياتك؛ فمن المتوقع أن تكون درجة صعوبة الحياة ليست قليلة، لكن الاصرار على تجاهل وجود هذا التحدي سيفاقم الأضرار الناتجة عنه ويوصلك إلى مرحلة تشعر فيها بأن الحياة معادلة غير قابلة للحل.
بالإضافة إلى ما سبق يسهم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي حولنا في شعورنا بأن الحياة صعبة، وذلك نتيجة رؤيتنا الجزء الأفضل من حياة الأشخاص، ومن ثم ننخرط في المقارنة لنصل في النهاية إلى نقطة أن حياتنا أكثر صعوبة.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يدمر المؤثرون حياتك؟ وماذا تفعل لتحد من ذلك؟
وهنا تظهر أهمية العقلية التي نرى من خلالها العالم حولنا، هل هي عقلية ثابتة تنهار أمام المشكلات أم عقلية نمو ترى التحديات فرصاً ذهبية للتطور؟ كذلك هل هي عقلية ندرة تعتقد بأنه لا توجد فرص غير تلك التي نمتلكها أم عقلية وفرة تجعلنا نؤمن بوجود فرص تكفي وتفيض؟
ولا يتوقف خطر أسلوب التفكير عند تبني عقلية الثبات أو عقلية الندرة، إنما توجد أنماط تفكير مشوهة تسهم في رؤية الحياة على أنها تجربة صعبة للغاية، مثل التفكير بطريقة كل شيء أو لا شيء، أو القفز إلى الاستنتاجات دون أخذ الفرصة الكافية لدراسة الموضوع، وكذلك التحيز التأكيدي الذي يعني إيجاد أدلة تدعم وجهة النظر الفردية فقط.
من ناحية أخرى تسهم بعض الاضطرابات النفسية في زيادة الشعور بصعوبة الحياة، مثل اضطراب القلق العام أو القلق الاجتماعي؛ فالقلق يجعل جهد الفرد الذهني موجهاً نحو المستقبل بالتوازي مع شعوره الزائد بالتهديدات المحتملة، ما يجعله يعاني ضغطاً نفسياً يؤدي به إلى الاعتقاد بأن الحياة تجربة مؤلمة، إلى جانب اضطراب الاكتئاب الذي من أهم أعراضه الشعور بالإحباط وانعدام القيمة وغياب المتعة وانخفاض المزاج، وفي الحالات الشديدة منه يشعر المصاب بأنه لا يريد العيش.
اقرأ أيضاً: ما الذي تعنيه رغبتك في الهروب من الجميع؟ وكيف تتجاوزها؟
5 إرشادات عملية للتغلب على شعورك بأن الحياة صعبة ومعقدة
يؤكد الطبيب النفسي محمد اليوسف أن الحياة لن تخلو من الضغوط والصعوبات والهموم، لكن على الرغم من ذلك بإمكان الشخص تخفيف وقعها عليه بألا يعتبرها دليلاً على ضعف تخطيطه أو نقص مهاراته، فهي جزء لا يتجزأ من الحياة؛ فكما هناك أيام حلوة، هناك أيضاً أيام أخرى صعبة ومُرة. وتوجد بعض الإرشادات الأخرى التي ستساعدك في التغلب على الشعور بأن الحياة صعبة، أهمها:
1. توقَّف للاستراحة
في أحيان كثيرة يكون الشعور بصعوبة الحياة ناجماً عن الإرهاق والاستنزاف الزائد لطاقتك الذهنية والجسدية والنفسية، لذا تتمثل الخطوة الأولى في التوقف للراحة واستعادة القوة والصفاء الذهني، ويمكنك تحقيق ذلك بممارسات متنوعة، مثل التأمل واستكشاف مشاعرك وفحص أفكارك، حتى تتمكن من الوصول إلى جذور المشكلة وعلاجها.
اقرأ أيضاً: كيف تستمتع بما تفعله خلال رحلتك نحو تحقيق أهدافك؟
2. غيِّر عاداتك تتغير حياتك
لا يوجد تغيير يحدث بين يوم وليلة، ولا توجد مشكلة ستنتهي من تلقاء نفسها، وغالباً ما ينبع الشعور بصعوبة الحياة من ممارسات أو أفكار خاطئة، وهذا يعني أنك لن تستطيع محو هذا الشعور دون التخلي عن تلك الممارسات أو الأفكار وتبني عادات وأفكار صحية جديدة تجعل حياتك أفضل، وقد يشمل ذلك بدء ممارسة الرياضة وتنظيم الوقت، وتعلُّم السيطرة على المشاعر السلبية، وغيرها من التغييرات الإيجابية.
اقرأ أيضاً: تعرف إلى عدد الأيام اللازمة لتنجح في ترسيخ عادة يومية جديدة
3. انظر للصورة من زوايا مختلفة
نعاني أحياناً في الحياة لأننا نستغرق في التفاصيل السلبية إلى حدّ يجعلنا غير قادرين على رؤية أي نواحٍ إيجابية، لذا عندما ينتابك الشعور بأن الحياة معقدة حاول تغيير أنماط تفكيرك لتصبح أكثر مرونة، كذلك جرب ممارسة الامتنان لما تمتلكه بدلاً من التركيز على ما تفتقده.
اقرأ أيضاً: حارب الكمالية بالرضا وتحرر من شقاء المُثل العليا
4. توقَّف عن مقارنة نفسك بمن حولك
دعني أخبرك بأن الحياة رحلة تختلف محطاتها وتفاصيلها من شخص لآخر، لذا عندما تقارن حالك بحال الآخرين فأنت بذلك تهدر فرصتك للاستمتاع بواقعك، والأجدى أن تتمرس على جعل يومك أفضل من غدك حتى تزيد معدل رضاك وسلامك الداخلي.
5. شارك مشكلاتك لتخفيف معاناتك
قد يكون سبب شعورك الثقيل بصعوبة الحياة هو كتمانك لمعاناتك وتصنعك أنك بخير بينما أنت تصارع الكثير من الأزمات المرهِقة، وفي هذه الحالة سيكون من الأفضل طلب الدعم من المختص النفسي أو إخبار دائرتك المقربة بما تحتاج إليه منهم لدعمك؛ حتى تتجاوز هذه الأزمات بسلام.