كيف تسيطر على تأثير محيطك في صحتك النفسية؟

7 دقيقة
تأثير المحيط
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: كل ما نراه ونسمعه ونتنفسه يؤثر فيما نشعر به ونختبره نفسياً. لذلك؛ سنتعمق في هذا المقال في شرح تأثير المحيط في الصحة النفسية، وكيف يمكن التحكم بهذا العامل أو تقليل أثره السلبي على الأقل، بالإضافة إلى ما يمكن عمله إن لم نستطع تغيير أي حال مما حولنا.

يمكن القول إن كل ما يحيط بك يؤثر في صحتك النفسية، بدءاً من منزلك إلى الحي الذي تقطن فيه إلى الظروف الاقتصادية والعلاقات الأسرية والاجتماعية وصولاً إلى تلوث الهواء من حولك؛ إذ من المعروف أن هذه الظروف تتفاعل مع العوامل الوراثية ونمط الحياة وعوامل أخرى لتؤثر في صحتك النفسية إيجاباً أو سلباً. ومن ثَمّ؛ يعد فهم تأثير البيئة المحيطة في الرفاهية النفسية أمراً بالغ الأهمية من أجل اتخاذ تدابير وقائية أو إجراء تغييرات ضرورية في سبيل تعزيز الصحة النفسية وسط التأثيرات البيئية المتنوعة.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: جيل الألفية يتباهى بثرواته على حساب صحته النفسية!

كيف تؤثر البيئة المحيطة في الصحة النفسية عموماً؟

في بعض الحالات، قد تسهم العوامل البيئية في تغيير بنية الدماغ ووظيفته؛ إذ وجدت دراسة منشورة في دورية علم الأدوية العصبية والنفسية (Neuropsychopharmacology) عام 2016، أن تعرض الأطفال إلى ظروف بيئية سلبية؛ مثل سوء المعاملة أو الحرمان النفسي والاجتماعي، يؤثر في بنية الدماغ على نحو يزيد خطر الإصابة بعدد لا يحصى من المشكلات في مرحلة لاحقة من الحياة؛ مثل صعوبات التعلم، والمشكلات السلوكية، ومشكلات التكيف المعرفية والعاطفية، ومشكلات الذاكرة.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، قد تؤثر العوامل البيئية في الشخص تأثيراً نفسياً. على سبيل المثال؛ يمكن للعالم من حولك أن يؤثِّر في مستويات التوتر لديك؛ إما بزيادتها وإما بتقليلها؛ وهو ما ينعكس بدوره على الصحة النفسية.

بكلماتٍ أخرى: يمكن للبيئة الداعمة والإيجابية أن تكون عاملاً وقائياً يعزز الصحة النفسية والمرونة في مواجهة تحديات الحياة، أو على العكس من ذلك، قد تحفِّز البيئة السلبية أو المجهِدة على الإصابة باضطرابات الصحة النفسية أو تفاقِم الاضطرابات الموجودة أساساً. والآن، إليك أهم العوامل البيئية وكيف يوثِّر كل منها في رفاهيتك النفسية.

اقرأ أيضاً: “صاحب الأثرياء لتكن منهم”: كيف أثبت العلم صحة هذه المقولة؟

ما تأثير العوامل البيئية المختلفة في الصحة النفسية؟

يمكن تقسيم العوامل البيئية إلى جانبين مهمين؛ الجانب المادي والجانب الاجتماعي، وذلك على النحو التالي:

العناصر البيئية المادية

نقصد بالعوامل المادية أو الفيزيائية الجوانب الملموسة للمحيط الذي يمكن إدراكه من خلال الحواس؛ مثل المظهر البصري والإضاءة ودرجة الحرارة والروائح والأصوات والملوثات وغيرها. عموماً، أهم العوامل البيئية المادية المؤثرة في الصحة النفسية هي:

  • المساحات الخضراء: ثبُت أن العيش بالقرب من المساحات الخضراء والمناطق الطبيعية يحد من التوتر والقلق والاكتئاب، ويعزز الرفاهية العامة والقدرة على تحمل ضغوط الحياة مقارنة بالعيش في مناطق أقل خضرة.

بالإضافة إلى ذلك، وُجد أن المشي أو ممارسة الرياضة في مناطق طبيعية خضراء؛ مثل الحدائق أو بالقرب من الأشجار، يقلل التوتر ويزيد مستويات السعادة، مقارنة بالمشي في مناطق مزدحمة بالسيارات والأبنية.

اقرأ أيضاً: هل الارتباط بالطبيعة يجعل الناس أكثر سعادة؟

  • الجماليات: يمكن للفوضى المنتشرة سواء في المنزل أو مكان العمل، أن تزيد الشعور بالتوتر والارهاق، وتؤثِّر سلباً في العلاقات الأسرية، وتقلل الرضا عن الحياة. بالإضافة إلى ذلك، يذكر المعالج النفسي، عبد الناصر علاء، إن الفوضى قد تجعل الشخص أكثر عرضة إلى التشتت وعدم الكفاءة وإهدار الوقت؛ وهو ما يؤثر سلباً في الإنتاجية.
  • العوامل الحسية: إضاءة المكان ودرجة الحرارة والأصوات والروائح والألوان؛ كلها عناصر حسية تسهم في مدى شعورنا بالراحة والاسترخاء والأمان في المنزل أو العمل. على سبيل المثال؛ يمكن أن تثير الإضاءة المزعجة والضوضاء العالية القلق وسرعة الانفعال في حين أن الإضاءة المهدئة والروائح اللطيفة قد تعزز الاسترخاء، علاوة على أن البيئة المظلمة والباردة قد تقلل الشعور بالحافز، خصوصاً في فصل الشتاء.
  • تلوث الهواء الخارجي: وُجد أن التعرض الطويل الأمد إلى تلوث الهواء يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق ومشكلات الصحة النفسية الأُخرى.
  • العفن داخل المنزل وأماكن العمل: وُجد أن التعرض المنتظم إلى العفن قد يزيد القلق والاكتئاب والعجز المعرفي، وفُسِّر ذلك بأن الجرعات المتكررة من العفن ومخلفاته السامة أو غير السامة تثير استجابة مناعية فطرية تترافق مع تأثيرات عصبية وأعراض معرفية وعاطفية وسلوكية، أو قد يُعزى ذلك إلى عبء المشكلات الصحية المرتبط بالعفن؛ مثل الربو ومشكلات التنفس.

يُشار إلى أن العفن قد ينتشر في المنازل والأبنية نتيجة سوء التهوية، وتكاثف الرطوبة، وتسرب المياه، والأعمال المنزلية مثل الطهو والاستحمام وغيرها. وقد لا تكون الكمية القليلة من العفن على نافذة أو ستارة أمراً خطراً؛ في حين أن الكميات الكبيرة على الجدران أو الأسقف أو الأرضيات تشير إلى مشكلة كبيرة، خصوصاً في حال انتشر في أماكن مخفية مثل خلف الجدران أو تحت الأثاث أو غيرها من الأماكن التي يصعب الوصول إليها؛ ما يسبب الضرر بالبناء والصحة.

  • المناخ: يمكن لدرجات الحرارة المرتفعة وموجات الحر أن تسبب تدهور الحالة المزاجية وتفاقم أعراض الحالات النفسية الموجودة، وقد تسبب الأحداث المناخية المتطرفة ضائقة نفسية؛ مثل اضطراب ما بعد الصدمة أو الاكتئاب.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤثر تغير المناخ على نحو غير مباشر في الصحة النفسية من خلال تعطيل سبل العيش، والتسبب في عدم الاستقرار الاجتماعي والصدمات الاقتصادية؛ الأمر الذي قد يزيد القلق والتوتر والعنف أيضاً.

اقرأ أيضاً: ما الذي كشفته الدراسات العلمية عن السمات المشتركة بين أسعد الناس؟

العناصر البيئية الثقافية والاجتماعية

تُقصد بها العلاقات الاجتماعية والعاطفية والعائلية بالإضافة إلى المعتقدات والقيم والأعراف في المجتمع ومدى توافق الفرد معها. عموماً، فيما يلي أهم هذه العوامل وكيفية تأثيرها في الصحة النفسية:

  • الأشخاص: يمكن أن تؤثر جودة التفاعلات الاجتماعية مع الأشخاص المحيطين بك، بدءاً من شريك الحياة إلى العائلة والأصدقاء وصولاً إلى زملاء العمل والجيران وغيرهم، في الصحة النفسية على نحو كبير؛ إذ إن وجود أشخاص داعمين ومتفهمين وذوي ثقة يعد عاملاً إيجابياً مهماً في تعزيز الحالة النفسية والصحة الجسدية؛ في حين أن العلاقات المضطربة والمزعجة قد تؤدي إلى الشعور بالتوتر المزمن وترديّ الحالة المزاجية وزيادة القلق. علاوة على ذلك، تُفاقِم الوحدة والعزلة وقلة العلاقات الهادفة خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب والعديد من مشكلات الصحة النفسية.
  • توافق الثقافة والقيم: يعد الشعور بالانسجام والتواصل مع الأشخاص الذين يشاركونك ثقافتك وقيمك أمراً مهماً للصحة النفسية؛ في حين يؤدي عدم التواصل بسبب الاختلافات الثقافية إلى العزلة والشعور بالاكتئاب والوحدة.
  • التذكارات في المكان: مثل أن تحتوي البيئة المحيطة شيئاً يذكّرك بتجارب إيجابية أو سلبية، فكلتا الحالتين تؤثران في مزاجك. على سبيل المثال؛ يمكن للارتباطات الإيجابية مثل التذكارات العائلية أو الصور أن تعزز الحالة المزاجية وتخلق شعوراً بالحميمية. في المقابل، قد يذكرك وجود بعض الأشياء الأخرى بوقت عصيب مررت به؛ ما يثير مشاعر قديمة مثل القلق.
  • الفقر: وُجد أن العيش في الأحياء الفقيرة يرتبط ارتباطاً مباشراً بمشكلات الصحة النفسية؛ وكذلك يمكن أن تؤثر العنصرية والمعاملة التمييزية سلباً في الصحة النفسية.
  • مستويات الجريمة: مثلما هي الحال عند العيش في المناطق الفقيرة؛ فإن العيش في مناطق ترتفع فيها مستويات الجريمة يمكن أن يسبب ضائقة نفسية للسكان، وتكون التأثيرات السلبية أكبر عند النساء، وترتبط على نحو رئيس بالاكتئاب والقلق.

بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر البيئة المدرسية وبيئه العمل في الصحة النفسية على نحو كبير. على سبيل المثال؛ يسهم العمل في وظيفة شديدة التنافسية أو تشمل ضغطاً نفسياً عالياً، أو التعرض إلى التنمر في العمل، أو عدم التوازن بين الجهد والمكافآت، أو عدم الشعور بالتقدير والاحترام، في تطور الاكتئاب والقلق.

وعلى صعيد الحياة المدرسية أيضاً، فإن تعرض الطلاب إلى المعاملة القاسية، أو عدم الشعور بالأمان العاطفي والجسدي في المدارس، أو عدم وجود نظام دعم مدرسي من معلمين ومختصين اجتماعيين ونفسيين، قد يؤثر سلباً في الصحة النفسية للطالب.

اقرأ أيضاً: ما الذي يزيد عدوى السعادة في محيطك؟ وكيف تسهم في انتشارها؟

10 نصائح للتحكم في تأثير المحيط في الصحة النفسية

من الشائع طبعاً أن يعزو الأفراد تحدياتهم النفسية التي يعانونها إلى عوامل خارجية؛ مثل بيئة العمل السامة، أو العلاقة الزوجية المضطربة، أو الفقر، وما إلى ذلك؛ لكن وعلى الرغم من أن هذه العوامل قد تؤثر فعلاً في الصحة النفسية، فإن كيفية إدراك الشخص لهذه العوامل قد تؤثر في مشاعره أيضاً. ما معنى هذا الكلام؟

حسناً، أظهرت دراسة منشورة في دورية بي إم سي للطب النفسي (BMC Psychiatry) عام 2018، أنه حينما أدرك الأفراد المصابون بالاكتئاب أن دعمهم الاجتماعي غير كافٍ، مالت أعراضهم لتكون أكثر خطورة وأبطأ شفاء وعانوا صعوبات في التفاعلات الاجتماعية. في المقابل، أدى التصور الإيجابي عن البيئة المحيطة إلى نتائج أفضل على الصحة النفسية. يعني هذا أن تغيير منظورنا إلى ما يحيط بنا قد يؤثر في بعض الأحيان في رفاهيتنا النفسية.

بالمختصر، إذا كنت في وضع لا يسمح لك بتغيير أي شيء في بيئتك، فمن المهم أن تعمل على إعادة صياغة معتقداتك عن هذا المحيط؛ أي أن تغير طريقة تفكيرك حتى تتمكن من النظر إلى الموقف أو الشخص أو العلاقة من منظور مختلف قليلاً.

اقرأ أيضاً: الضغط الاجتماعي: ماذا يعني ألا تكون سعيداً في بلدٍ سعيد؟

لكن تذكر أن ممارسة إعادة الصياغة المعرفية تتطلب الوقت والجهد والصبر، وعليك أن تكون صادقاً مع نفسك، وأن تكتشف أنماط التفكير السلبية التي تنخرط بها؛ مثل إلقاء اللوم على الآخرين، أو استبعاد الإيجابيات، أو التفكير بعقلية “كل شيء أو لا شيء”، أو تصور الأسوأ دائماً، وغير ذلك.

بالإضافة إلى ذلك، ثمة بعض النصائح التي تستطيع من خلالها التحكم في تأثير المحيط في صحتك النفسية؛ مثل:

  1. حدِّد في البداية ما يؤثر فيك من عوامل بيئية، سواء كانت من المنطقة التي تعيش فيها أو العناصر الحسية في المنزل، أو العلاقات الاجتماعية والتأثيرات الثقافية وغيرها، وذلك حتى تستطيع إجراء التغييرات اللازمة.
  2. أعطِ الأولوية لرفاهيتك النفسية من خلال الاعتراف بالمشاعر، وممارسة اليقظة الذهنية، وطلب الدعم عند الحاجة.
  3. تبنَّ نمط حياة متوازناً من خلال الموازنة بين العمل والحياة، وإعطاء الأولوية للرعاية الذاتية، وممارسة الرياضة بانتظام، خصوصاً في المناطق الطبيعية والمتنزهات، واتباع نظام غذائي صحي مع نيل قسط كافٍ من النوم.
  4. مارس الامتنان وقدّر ما تمتلكه في الحياة، وركِّز على نقاط القوة، وتصالح مع نفسك، ومارس الحديث الإيجابي الموضوعي مع النفس، مع الاعتراف بالأخطاء والمضي قدماً.
  5. اخلق روتيناً أو عادة في الترتيب وتقليل الفوضى من حولك؛ لأن تبني عادة الترتيب قد يوفر إحساساً بالسيطرة، خصوصاً في المواقف التي تشعر فيها بأنك فقدت زمام الأمور.
  6. مارس هواية مفضلة ودوِّن يومياتك أو تحدث إلى صديق مقرب لمعالجة أي مشاعر إحباط تمتلكها حتى لا تتراكم هذه المشاعر.
  7. أجرِ تغييرات في بيئة المنزل أو العمل على نحو يجعلها أكثر هدوءاً وحميمية؛ مثل ضبط الإضاءة، وإضافة الصور أو الرسوم المفضلة، وتحسين جودة الهواء، وإضافة الأصوات الهادئة ورائحة اللافندر أو غيرها من الروائح المفضلة لتقليل القلق.
  8. قلل التعرض إلى تلوث الهواء والتلوث الضوضائي والعفن والمواد الكيميائية في المنزل والعمل.
  9. نمِّ روابطك الاجتماعية عبر بناء علاقات هادفة والقيام بأعمال خيرية وتطوعية، وقوِّ العلاقات مع الأشخاص الذين تثق بهم، مع الابتعاد عن العلاقات السامة التي تؤثر سلباً في الصحة النفسية. وفي حال كان الابتعاد عن علاقة سامة أمراً غير ممكن، فيُنصح هنا بوضع الحدود الشخصية، وقضاء الوقت بعيداً عن هؤلاء الأشخاص.
  10. استشر متخصصاً في الصحة النفسية للحصول على إرشادات وتدخلات شخصية لتحسين الصحة النفسية والجسدية في حال كانت الأمور خارج نطاق سيطرتك.

error: المحتوى محمي !!