الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

ما هو تأثير التأطير؟ وكيف يتحكم في قراراتك اليومية؟

5 دقيقة
تأثير التأطير
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

يمكن القول بدرجة كبيرة إن الكلمة سلاح؛ فترتيب الكلمات في الجملة أو استخدام أوصاف مختلفة للتعبير عن معلومة واحدة يسهم بدرجة كبيرة في اختيارات الناس وقراراتهم وآرائهم. على سبيل المثال، انظر إلى العبارتين التاليتين "نسبة نجاح هذا اللقاح هي 70%"، "نسبة فشل هذا اللقاح هي 30%". الآن من الملاحظ أن الناس تشعر بمزيد من الثقة بشأن اللقاح في الحالة الأولى مقارنة فيما لو قرأت العبارة الثانية، على الرغم من أن المخاطر هي نفسها في كلا الوصفين. هذا ما يعرف بتأثير التأطير، وإليك في هذا المقال كيف يؤثر هذا التحيز في اتخاذ قراراتك، وسبب ذلك وكيفية تجنب الوقوع في فخه.

كيف يؤثر تحيز التأطير في قرارك؟

تأثير التأطير (Framing Effect) هو نوع من التحيز السلوكي أو الخطأ في التفكير، يؤثر في عملية اتخاذ القرار والإدراك لدينا، وهو، كما وصفه المختص النفسي شادي مكي، "وضع إطار للسلوك الذي نرغب حدوثه عند الطرف الآخر عن طريق استخدام اللغة الحوارية (الملفوظة أو المكتوبة)".

وقد تطوّر هذا المفهوم منذ سبعينيات القرن الماضي على يد عالم الاجتماع النفسي إيرفين غوفمان (Ervin Goffman)، ثم أصبحت لاحقاً أداة قوية يمكن استخدامها لتوجيه النقاشات العامة وتشكيل الآراء والسلوكيات في مجالات متعددة مثل الإعلام وعلم النفس وعلم الاجتماع، حيث يوجه انتباه الجمهور نحو جوانب معينة من الموضوع، ويغير الطريقة التي ينظرون بها إلى الخيارات المتاحة أمامهم، ما يجعل بعض المعلومات أكثر بروزاً من غيرها.

يمكن ملاحظة هذا التأثير بوضوح في وسائل الإعلام، إذ يمكن أن يؤثر في كيفية إدراك الجمهور للأحداث والقضايا الاجتماعية والسياسية. على سبيل المثال، عندما يتحدث السياسيون عن قضايا مثل الهجرة، قد يصف البعض المهاجرين بأنهم "باحثون عن فرص" بينما يصفهم آخرون بأنهم "تهديد للأمن". هذا الاختلاف في تأطير القضية يؤثر في كيفية استجابة الجمهور لها.

وفي مثال طرحه المختص النفسي شادي مكي حول تربية الأبناء، قد يحض الأب ابنه على حسن التعامل مع أخوته من خلال القول له: "صحيح أنك ابن رائع ومؤدب وخلوق وطائع لوالديك، ومع هذا يابني أريدك أن ترتقي أكثر في طريقة تعاملك مع إخوانك بأن تتفاهم معهم مستقبلاً بالحوار الهادف بدلاً من الضرب والشجار"، وبذلك فوليّ الأمر يؤطر ابنه بإطار الأدب والأخلاق والطاعة ثم يطلب منه ما يريد، وفي هذه الحالة غالباً ستكون نسبة استجابة الابن للتعليمات أعلى.

اقرأ أيضاً: تأثير الحرباء: لماذا قد نصبح صورة طبق الأصل عمن حولنا؟

تعرف إلى أنواع تأثير التأطير

توجد عدة أنواع لتأثير التأطير وفقاً لطريقة عرض المعلومات:

تأطير السمات

يستفيد هذا التأثير من ميل البشر إلى تفضيل الأوصاف الإيجابية على السلبية، حتى عندما تنقل المعلومات نفسها، حيث يفضل الناس الأشياء الموصوفة بالسمات الإيجابية أو المرغوبة بدلاً من تلك الموصوفة بصفات سلبية. إليك هذا المثال: إذا تعين عليك الاختيار بين وصفين للحوم البقر:

  • لحم بقري خالٍ من الدهون بنسبة 80%.
  • لحم بقري يحتوي على دهون بنسبة 20%.

على الرغم من أن كلا الوصفين يوفران المعلومات الواقعية نفسها، فإن الأشخاص عموماً يصنفون لحم البقر على أنه "خالٍ من الدهون بنسبة 80%" بصورة أكثر إيجابية من لحم البقر الذي "يحتوي على الدهون بنسبة 20%" مع أن المنتج لم يتغير. إذ يجعل التأطير الإيجابي (خالٍ من الدهون) المنتج يبدو أكثر صحة وجاذبية مقارنة بالتأطير السلبي (يحتوي على الدهون)، والذي يسلط الضوء على سمة غير مرغوب فيها. إن فهم تأطير السمات هذا يساعدنا على إدراك كيف يمكن للاختلافات التي قد تعتقد أنها غير ملحوظة في العرض أن تؤثر بدرجة كبيرة في تصوّراتنا وخياراتنا.

التأطير السمعي والبصري

في التأطير السمعي البصري يتخذ الأفراد قراراتهم بناءً على المدخلات الحسية؛ بما فيها الصوت (مثل نبرة الصوت وشدته) والبصر (الألوان والخلفيات والخطوط ولغة الجسد).

على سبيل المثال، إذا قال ممثل خدمة العملاء بنبرة حماسية: "يسعدني مساعدتك في هذه المشكلة اليوم!" فإنه يمنح العميل شعوراً بالرضا أكثر مما لو قال له بصوت غير مبالٍ "دعنا ننتهي من هذا الأمر"، على الرغم من تأديته لواجبه في حل المشكلة في الحالتين.

تأطير القيمة

وفقاً لتحيز تأطير القيمة يميل الفرد إلى الاختيار الأكثر قيمة، حيث يقيّم قيمة الأشياء باستخدام مقاييس مثل الأرقام المطلقة. غالباً ما يستغل كل من الشركات والمسوقين هذا التحيز لجعل المنتجات أو العروض تبدو أكثر جاذبية. لمزيد من التوضيح إليك المثال التالي: قد يقدم أحد المتاجر تخفيضاً على عنصر بقيمة 1,000 دولار. للإعلان عنه لديه الصيغتان التاليتان:

  • يعلن المتجر عن تخفيض 20%.
  • يعلن المتجر عن تخفيض 200 دولار.

على الرغم من أن كلا الخيارين يوفران التخفيض نفسه، إلا أن الخيار الثاني (تخفيض 200 دولار) غالباً ما يبدو أنه يحمل قيمة أعلى للعملاء لأنه يستخدم رقماً مطلقاً أكبر.

اقرأ أيضاً: ما دلالات الألوان في علم النفس؟ وكيف تؤثر في الحالة المزاجية؟

أسباب تأثير التأطير: لماذا نميل إلى خيارات دون غيرها؟

يميل الفرد الخاضع لتأثير التأطير إلى معطيات دون غيرها لسببين أساسيين:

نظرية التوقعات: تجنّب الخسارة

استخدم عالما النفس دانيال كانيمان (Daniel Kahneman) وأموس تفيرسكي (Amos Tversky) نظرية التوقعات في الاقتصاد السلوكي، والتي تشير إلى أن عملية اتخاذ القرار لدى البعض تقوم على تجنب الخسائر أكثر من سعيهم لتحقيق المكاسب، إضافة إلى أن الخسارة المحتملة بالنسبة لهم مفضلة أكثر من الخسارة المؤكدة. إن هذا التجنب للخسارة يدفع الفرد أيضاً إلى البحث عن الربح أو المكاسب المؤكدة عوضاً عن الربح المحتمل، وبناء عليه يمكن للتأطير السلبي أن يثير مشاعر الخوف من الخسارة، ما يدفع الأفراد إلى اتخاذ قرارات أكثر تحفظاً.

على سبيل المثال، تحذّر شركة التأمين من أن التحوّل إلى شركة تأمين أخرى قد يؤدي إلى خسارة التعويض، ما قد يُلزم المشتركين بشركة التأمين الحالية لتجنب الخسارة المتوقعة لتعويضاتهم، حتى لو عرضت شركات التأمين الأخرى أسعاراً أفضل.

الاستدلال بالتأثير: استخدام الدماغ للاختصارات

تتطلب معالجة المعلومات وتقييمها الوقت والجهد الذهني. ولتبسيط هذه العملية، تعتمد أدمغتنا غالباً على اختصارات تُعرف بـ "الاستدلالات". ثمّة استدلالان محددان يمكن أن يؤثرا في عملية اتخاذ القرار لدينا، وهما يتعلقان بتأثير التأطير، وهما:

  • الاستدلال بالتوافر: يشير الاستدلال بالتوافر إلى ميلنا نحو اتخاذ القرارات بناءً على المعلومات التي تخطر على البال بسهولة، أي عندما نفكر في النتائج المحتملة، نميل إلى النظر في الأمثلة التي يمكن تذكّرها بسهولة بدلاً من جميع البيانات الممكنة، لذا غالباً ما يكون كبار السن، الذين قد تكون لديهم موارد معرفية محدودة، أكثر عرضة لتأثير التأطير، ومن المرجح أن يفضلوا الخيارات التي يسهل فهمها وتذكّرها على تلك التي ليست كذلك. لذا فإن الخيارات التي تؤطَّر بهذه الطريقة مفضلة على تلك التي لا تتأطر بهذه الطريقة.
  • الاستدلال بالتأثير: ويتضمن اتخاذ القرارات بناءً على الحالة العاطفية الحالية بدلاً من تقييم العواقب الطويلة الأجل لاختياراتنا بدقة. يمكن أن يفسر هذا الاتجاه سبب انجذابنا إلى المعلومات المؤطرة لإثارة رد فعل عاطفي فوري. على سبيل المثال، يميل الناس في كثير من الأحيان إلى دعم مرشح سياسي يلقي خطاباً عاطفياً عن رؤيته للتغيير أكثر من مرشح يقدم الأفكار نفسها في تقرير جاف وواقعي.

اقرأ أيضاً: لا تدع أحداً يضللك، إليك أشهر 8 مغالطات منطقية وطريقة مواجهتها

5 استراتيجيات لتجنّب الوقوع تحت تأثير التأطير

يمكن أن يؤدي تأثير التأطير إلى تحريف عملية اتخاذ القرار، ولكنّ ثمّة استراتيجيات عملية يمكنك استخدامها لتقليل تأثيره:

  1. زيادة الوعي والمعرفة: كلما زادت السوية الذهنية والمعرفية للفرد تحسنت قدرته على تمييز الحقائق والأطر التي تُقدم بها، لذا حاول تثقيف نفسك حول التحيزات المعرفية بطرائق مختلفة مثل المشاركة في ورش العمل أو جلسات التدريب، للتعرف إلى الوقت الذي تتأثر فيه بالتأطير.
  2. تعزيز مهارات التفكير النقدي: يمكن أن يساعد تعزيز التفكير النقدي والقدرات التحليلية الأفراد على رؤية ما هو أبعد من تأثير التأطير. عند مواجهة قرار، من الأهمية بمكان تقييم المعلومات الأساسية. اطرح على نفسك أسئلة مثل، "ما هي المعلومات الحقيقية التي توصلها الرسالة؟" و"هل يمكن تفسير هذه البيانات على نحو مختلف؟".
  3. استخدام العروض المتوازنة: لتقليل التحيز، من المهم تقديم المعلومات بطريقة متوازنة، أي إظهار كلا الجانبين من القصة، السلبي والإيجابي. على سبيل المثال، لدى البحث عن علاج طبي، ابحث عن معدلات النجاح والفشل معاً، لرؤية الصورة الكاملة واتخاذ قرارات أكثر استنارة.

اقرأ أيضاً: كيف تسيطر على تأثير محيطك في صحتك النفسية؟

  1. تنفيذ أطر صنع القرار المنظمة: يمكن أن يساعدك اتباع نهج موحد لصنع القرار في تجنب التحيزات التأطيرية، إذ يمكنك استخدام أدوات مثل شجرة القرار ومخططات التدفق وقوائم المراجعة، لضمان أن قراراتك تستند إلى بيانات قوية وليس إلى طريقة صياغة المعلومات.
  2. التعاون بين الأقران: "عقلان أفضل من عقل واحد"، أي إن الاستعانة بالآخرين خلال اتخاذ القرارات تساعد على اكتشاف التحيزات التي قد تفوتك، إذ يمكن لوجهات النظر المتنوعة أن تسلط الضوء على النقاط الغامضة أو التي قد تفوتك.

المحتوى محمي