كيف تنجح في تحقيق التوازن النفسي بين الولاء للشركة والولاء لنفسك؟

5 دقيقة
الولاء
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

هل تشعر أحياناً بأن عملك يسيطر على حياتك؟ هل تقف التزامات حياتك الشخصية حائلاً بينك وبين بذل قصارى جهدك بالعمل؟ الحقيقة هي أنك لست وحدك، ففي خضم الحياة المتسارعة التي نعيشها اليوم، قد تجد نفسك تصارع على حافة تناقض غريب مستمر يرتكز على فكرة مفادها: كيف تكون مخلصاً لذاتك وتمنحها حقها في الرعاية والاهتمام دون إهمال واجباتك المهنية؟ وكيف تُخلص لطموحك وتحافظ على ولائك للشركة دون أن تضحي براحتك الشخصية؟

ويمكن القول إن تحقيق التوازن النفسي بين الولاء للذات والولاء للشركة ليس رفاهية، ولكنه أمر مهم في عصر يُقدّس الإنتاجية والإنجاز في العمل، فكيف تجعل أداءك في العمل وولاءك للشركة مساحة للإبداع وليس الاستنزاف، وكيف تكون مخلصاً لنفسك؟ الإجابة عبر المقال.

ما هو الولاء للذات؟ وكيف تحققه؟

تُعرّف أستاذة علم النفس بجامعة يشيفا في مدينة نيويورك (Yeshiva University)، سابرينا رومانوف (Sabrina Romanoff)، الولاء على أنه الإخلاص والتفاني والصدق والثقة، وتضيف رومانوف أن الولاء يتطلب التزاماً، ويخلق شعوراً بالهوية الشخصية.

ويُعد الولاء لنفسك أمراً بالغ الأهمية لأنه يُشكّل حجر الأساس لحياة مُرضية؛ فعندما تُعطي الأولوية لقيمك وأهدافك وهويتك، فإنك تخلق توافقاً بين ذاتك الداخلية وأفعالك، ما يؤدي إلى زيادة تقديرك لنفسك، وتقوية شعورك بالهدف، وتحسين صحتك النفسية. علاوة على ذلك، يُساعدك الولاء لنفسك في اتخاذ القرارات، لأن الخيارات التي تتخذها بما يتماشى مع ذاتك الحقيقية عادةً ما تكون أكثر عمقاً ومعنى.

ويغذّي ولاؤك لذاتك عملية الإبداع والابتكار، ويتيح لك التميز بأسلوب فريد، ويحقق لك سلاسة سير العمل، وهو الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تحسين مسيرتك المهنية، وحتى تُعزّز ولاءك لنفسك، اتبع النصائح التالية:

1. كن صادقاً مع نفسك

خصص وقتاً للتفكير في قيمك وأهدافك وتطلعاتك، فكّر فيما يهمك في مختلف جوانب الحياة، مثل العلاقات، والحياة المهنية، والنمو الشخصي، والصحة؛ وإذا وجدت أي شيء لا يتوافق معك، فواجهه بصراحة. كن صادقاً مع نفسك بشأن الجوانب التي تحتاج إلى تحسينها لضمان رعايتك لذاتك، وضع أهدافاً واقعية تعكس رغباتك الحقيقية.

2. افعل ما تراه صحيحاً

تحدَّ الحديث السلبي إلى نفسك، وافعل ما تراه صحيحاً حتى لو كان ذلك يعني المُخاطرة برفض الآخرين، وتأكد أن مفتاح الحياة المُرضية هو خوضها بثقة، لذلك من المهم ألا تُحبط نفسك إذا وجدت أنك اتخذت قراراً خاطئاً ؛كن منفتحاً على تعلم أشياء جديدة، وخاصة الدروس التي تأتي من الأخطاء، وامنح نفسك مساحة للتنفس.

3. مارس الرعاية الذاتية

ضع صحتك النفسية والجسدية في المقام الأول، ولا تنسَ ممارسة الرعاية الذاتية. على سبيل المثال، جرب ممارسة الرياضة وتمارين التنفس العميق، وقراءة كتاب قبل النوم، ولا تنس تجربة الهوايات التي تحبها. خذ فترات راحة عند الحاجة، واسترح متى شئت.

اقرأ أيضاً: 4 نصائح لتنجح في الفصل بين حياتك العملية والشخصية

تعرف إلى أهم الفوائد التي يحققها الولاء للشركة

ولاء الموظفين هو مفهوم يُعرّف التزامك الراسخ وتفانيك في العمل، وهو يعكس صلة عميقة بينك وبين الشركة التي تعمل بها، ولا يقتصر دافع الموظفين الملتزمين على رواتبهم فحسب، بل يهتمون بصدق بنجاح الشركة، وهم أكثر ميلاً للبقاء في العمل فترات طويلة، وبذل قصارى جهدهم باستمرار، وعادة ما يؤدي الولاء للشركة إلى:

  1. زيادة الإنتاجية وارتكاز العمل على الإبداع.
  2. الرضا الوظيفي الذي يؤدي إلى تحسين صورة الشركة.
  3. زيادة قدرات الموظفين وإمكاناتهم.
  4. انخفاض معدل دوران الموظفين لأن الولاء للشركة يجعلهم يبقون فترات أطول.
  5. شيوع الثقافة الإيجابية في مكان العمل وشعور الموظفين بالتقدير.
  6. الابتكار والتحسن المستمر.

ماذا يحدث حين تُرجّح ولاءك للشركة على ولائك لنفسك؟

يمنحك الولاء للذات حرية أن تكون على طبيعتك دون شعور بالذنب أو الندم، وعلى الجانب الآخر يجب أن تلتزم بإخلاصك لعملك وتؤدي مهامك على أكمل وجه، ولكن دون إخلال بالتوازن، لأن الولاء المستمر للعمل على حساب نفسك يؤدي إلى عواقب نفسية وخيمة، مثل:

  1. الشعور بالإرهاق الشديد، والضغط النفسي وعدم القدرة على التكيف مع متطلبات العمل.
  2. الاستياء والشعور المستمر بالمرارة والإحباط بسبب إعطاء الأولوية لمصلحة العمل على حساب نفسك.
  3. فقدان الهوية، ومواجهة صعوبة في تحديد رغباتك وأهدافك وما تريده من الحياة.
  4. الاعتقاد الراسخ بأن احتياجاتك ورغباتك أقل أهمية، ما يؤدي إلى انخفاض تقدير الذات.
  5. الشعور بالذنب والأنانية حين تطلب بعض الراحة، أو تقرر إتاحة بعض الوقت لنفسك.

ويوضح الطبيب النفسي، عاصم العقيل، أنك في حال لم تنتبه لمصالح نفسك، لا تتوقع أن الآخرين سيعطونك إياها بالضرورة، لذلك اطلب حقوقك بأدب وكن مخلصاً لنفسك دون الإضرار بمصالح الآخرين.

8 علامات تؤكد تحقيقك التوازن بين الولاء لذاتك والولاء لعملك

يٌعزّز الولاء العلاقات بشدة؛ سواء علاقتك مع نفسك أم علاقتك بزملائك في العمل، كما يؤدي إلى الشعور بالأمان، ويمكن القول إن تحقيق التوازن النفسي بين الولاء للشركة والولاء لذاتك لا يقتصر على تخصيص وقت للاسترخاء فحسب، بل يتطلب منك الانفصال عن وظيفتك وتخصيص طاقتك لحياتك الشخصية، وهذه أهم العلامات التي تخبرك بأنك تحقق التوازن المطلوب:

  1. لا تشعر بأن متطلبات أدوارك في العمل والتزاماتك الشخصية في تعارض دائم.
  2. تتمكن من الوفاء بمواعيدك النهائية في العمل دون الحاجة إلى العمل الإضافي.
  3. تحصل على قسط كافٍ من النوم ليلاً دون أن تطاردك مخاوف أعباء العمل.
  4. لا تقضي نهاية عطلة نهاية الأسبوع غارقاً في الهم بسبب اقتراب العودة للعمل.
  5. لديك متسع من الوقت للاسترخاء والاستمتاع بهواياتك.
  6. تشعر بأنك تقضي وقتاً كافياً مع عائلتك وأصدقائك.
  7. تشعر بأنك منتج في العمل وتُحرز تقدماً نحو أهدافك المهنية، لكنك لا تشعر بأن هويتك الكاملة تعتمد على عملك.
  8. تستفيد من المزايا التي تقدمها الشركة مثل جداول الأعمال المرنة.

اقرأ أيضاً: علمياً: العمل من المنزل لا يعني توازناً أفضل بين الحياة المهنية والشخصية

كيف تنجح في تحقيق التوازن النفسي بين الولاء للشركة والولاء لنفسك؟

يتطلب تحقيق التوازن النفسي بين الولاء للعمل والولاء لنفسك حدوداً واضحة، ووعياً ذاتياً، لذا إليك أهم الاستراتيجيات والنصائح الفعالة التي ستساعدك على ذلك:

1. حدد أولوياتك بوضوح

في البداية، اسأل نفسك عن قيمك الأساسية، والأهداف التي لا يمكن التنازل عنها، وبعد ذلك قسّم حياتك إلى مجالات، ثم حدد أهميتها بالنسبة لك. على سبيل المثال، صحتك النفسية والجسدية، وعلاقاتك الاجتماعية، ونموك الشخصي، وحياتك المهنية.

وإذا كنت تحس بأنك تواجه مشكلة في تحقيق توازنك النفسي، اعرف سبب المشكلة في المقام الأول؛ هل ساعات عملك طويلة جداً؟ أم إن التزامات العمل تتعدى على وقت فراغك؟ هل تشعر بأنك لا تملك السيطرة على جدولك؟ أم تتحمل الكثير من المهام وتحتاج إلى بعض الراحة؟ بعد الإجابة عن هذه الأسئلة، ضع خطة شخصية تتضمن أولوياتك بوضوح، وذلك حتى تساعدك على تحديد مواطن الخلل والاستراتيجيات الأكثر فعالية.

2. لا تعمل خارج الشركة

قد يبدو الأمر بديهياً وبسيطاً، ولكن الالتزام به أصعب مما تتوقع، وحتى تحقق التوازن النفسي بين ولائك للعمل وولائك لنفسك؛ لا تعمل بعد الذهاب للبيت، وعندما ينتهي يوم عملك، يجب أن تتوقف، وهذا يعني عدم التحقق من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل، أو الاطلاع على الإشعارات، حتى لو كان كل ما تفعله هو قراءة رسائلك التي تخطط للعمل عليها غداً، فأنت تسمح لعملك بالتدخل في وقتك الشخصي، ما يُسبب ضغطاً نفسياً وتوتراً يُشتت انتباهك عن الشعور بالاسترخاء التام أو الحضور الذهني الكامل في اللحظة الحالية.

اقرأ أيضاً: هل إدمان العمل خيار صحي للتأقلم مع ضغوط الحياة؟

3. ابحث عن معنى لنفسك خارج نطاق العمل

إذا كنت تستمد هويتك من العمل بالشركة فهذا يعني أنك ستحاول طوال الوقت إثبات نفسك في أداء مهام العمل، وسيختل التوازن النفسي بين ولائك للشركة وولائك لنفسك، لذلك ابحث لذاتك عن معنى خارج جدران مكتبك. على سبيل المثال، جرب ممارسة هوايات جديدة، أو تطوع في أحد الأنشطة، المهم أن تبحث عن اهتمامات تُشعرك بالرضا وتتماشى مع قيمك الأساسية.

4. اعرف كيف يبدو الاحتراق النفسي

إذا حدث خلل في التوازن بين ولائك للعمل ورعايتك لذاتك فسوف تُصاب بالاحتراق النفسي، وهذه الحالة ليست مجرد شعور بالتعب وفقدان الحافز، ولكنها تعني أنك تحس بالفراغ الداخلي الشديد، والإنهاك. فضلاً عن أنك ستكون غير قادر على مواكبة الحياة اليومية. ومن أهم أعراض الاحتراق النفسي؛ الإحساس بالصداع، وارتفاع ضغط الدم، وآلام المعدة، واضطرابات النوم.

5. ابحث عن التكامل عوضاً عن التضاد

تحقيق التوازن بين الولاء للشركة والولاء لذاتك لا يعني الاختيار بينهما، لذا حاول قدر الإمكان البحث عن أرضية مشتركة، استكشف المجالات التي تتوافق فيها أهداف عملك مع قيمك الشخصية، واستفد من مهارات العمل في تنظيم حياتك الشخصية. على سبيل المثال، يمكنك استخدام التواصل في تعزيز علاقتك مع أصدقائك، وتجنب الإفراط في التضحية بأي جانب على حساب الآخر، فالولاء الزائد للذات يمكن أن يُسبب إهمال المسؤوليات وتراكم الضغوط المالية، ومن الناحية الأخرى يؤدي الولاء الزائد للعمل إلى الإرهاق ومشكلات الصحة النفسية.

المحتوى محمي