كشفت دراسة علمية حديثة نشرتها دورية الرعاية الصحية (Healthcare) في ديسمبر/كانون الأول 2024 أن متوسط الوقت المستغرق من أجل ترسيخ عادة جديدة يتراوح بين 59-66 يوماً، وأحياناً قد تمتد الفترة إلى 335 يوماً، وهو ما يعني أن فكرة تكوين العادات في 21 يوماً ليست صحيحة، وهي الفكرة التي ظلت مسيطرة على مدى سنوات مضت، فما هي أهم تفاصيل هذه الدراسة؟ وكيف يمكنك ترسيخ عاداتك الجديدة؟ الإجابة ستجدها في هذا المقال.
محتويات المقال
نقطة للفهم: من أين جاءت أسطورة تكوين العادة في 21 يوماً؟
على مدى سنوات طويلة، كانت هناك قاعدة راسخة وشهيرة تؤكد أن الأمر يستغرق 21 يوماً فقط لإضافة عادة جديدة إلى روتينك اليومي، لكن هل تعلم من أين جاءت هذه القاعدة؟ يشرح مؤلف كتاب العادات الذرية (Atomic Habits) جيمس كلير (James Clear) أن هذه القاعدة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وقتذاك اكتشف جراح التجميل ماكسويل مالتز (Maxwell Maltz) أن المريض يستغرق نحو 21 يوماً للتكيف مع رؤية وجهه الجديد بعد العملية التجميلية، وبالمثل، عندما يخضع مريض لبتر ذراع أو ساق، وقد لاحظ مالتز أن المريض يشعر بأطراف وهمية مدة 21 يوماً تقريباً قبل التكيف مع الوضع الجديد.
دفعت هذه التجارب مالتز إلى تأليف كتاب خلال عام 1961 بعنوان: "علم التحكم الآلي النفسي" (Psycho-Cybernetics)، وقد حقق هذا الكتاب نجاحاً مدوياً وبيعت منه أكثر من 30 مليون نسخة، وفي العقود التي تلت ذلك، امتد أثر تجارب مالتز إلى التخصصات الأخرى، ومن هنا بدأت تنتشر الأسطورة الشائعة التي تقول إن تكوين عادة جديدة يستغرق 21 يوماً.
العلم يقول: ترسيخ العادات الجديدة يحتاج إلى شهرين وأحياناً يستلزم عاماً كاملاً
ارتكزت الدراسة البحثية السابق ذكرها على تحليل نتائج 20 دراسة سابقة، نُشرت بين عامي 2008 و2023، وشارك فيها أكثر من 2600 شخص، وقد قاست هذه الدراسات سلوك المشاركين المعتاد من أجل معرفة الوقت المستغرق لترسيخ عادات جديدة، مثل المداومة على شرب الماء، وممارسة التمارين الرياضية، وتناول الفيتامينات، واستخدام خيط تنظيف الأسنان، وأوضحت الدراسة أن العادات الجديدة تحتاج عادةً إلى نحو شهرين لترسيخها، وقد تستغرق ما يصل إلى عام تقريباً.
وأكد الباحث المشارك في الدراسة، بن سينغ (Ben Singh)، أن المدة التي يستغرقها تكوين عادات جديدة تختلف من شخص لآخر وتعتمد على نوع العادة. على سبيل المثال، السلوكيات البسيطة مثل استخدام خيط الأسنان يومياً أو شرب الماء قد تستغرق أسبوعاً لإدماجها في الروتين اليومي، وذلك على عكس ممارسة الرياضة التي تحتاج إلى وقت أطول بكثير.
وينصح سينغ بضرورة دمج العادات الجديدة في أول الصباح. على سبيل المثال، إذا كنت تود ممارسة الرياضة أو تناول الطعام الصحي، احرص على ممارسة تلك العادات في الصباح الباكر لأنك قد تميل إلى فقدان الدافع أو الانشغال في وقت لاحق من اليوم، لذلك يعد الصباح هو الوقت الأكثر فعالية لترسيخ العادات الجديدة.
اقرأ أيضاً: مارس هذه العادات يومياً لتكتسب ثقة بنفسك لا تتزعزع
كيف يمكن لهذه الدراسة أن تحفزك على تبني عادات جديدة؟
توجد 3 أسباب تجعل هذه الدراسة مهمة ويمكن أن تلهمك في المستقبل وتجعلك أكثر إصراراً على تبني العادات الإيجابية في حياتك:
1. ستتوقف عن الشعور بالذنب
تخيل أنك مع بداية العام الجديد، أو في أي وقت من السنة، قررت أن تغير إحدى عاداتك أو تبدأ في دمج عادة جديدة، وبالفعل عقدت العزم وجربت النشاط الجديد مدة 21 يوماً ولكنه لم يتحول إلى عادة، في هذه الحالة لا تشعر بالذنب، لأن ترسيخ العادة يحتاج بالفعل إلى وقت أطول، ولهذا تعلّم تقبل المسيرة الطويلة البطيئة نحو التغيير وركز على بذل قصارى جهدك.
2. ستتخلى عن مثاليتك
قد تمتد رحلتك نحو ترسيخ العادة الجديدة إلى عام، وفي بعض الأوقات قد تستغرق شهرين أو أكثر، لذلك اسمح لنفسك أن تخوض هذه الرحلة دون مثالية، وتقبل ارتكابك الأخطاء مع الحرص على تطوير ذاتك.
3. ستصبح رؤيتك لتبني العادات واقعية
يحتاج ترسيخ العادات إلى وقت أطول من المتوقع غالباً، وحين تتقبل هذه الحقيقة جيداً سوف تعلم أن العادات هي عملية تحتاج إلى جهد وليست حدثاً يحدث فجأة، وعليك أن تتبع سلسلة من الخطوات حتى تدمج هذه العادة في حياتك، ويمكن القول إن فهم هذه الفكرة من البداية سيجعل من السهل إدارة توقعاتك والالتزام بإجراء تحسينات صغيرة وتدريجية، بدلاً من الضغط على نفسك للتفكير في أنه يجب عليك إنجاز كل شيء دفعة واحدة.
6 نصائح ستساعدك على ترسيخ العادات الجديدة بسهولة
العادات هي السلوكيات المتكررة التي تميل إلى الحدوث على أساس منتظم ويمكن التنبؤ به، ومع مرور الوقت تصبح جزءاً من نسيج حياتك لأنك تؤديها دون وعي ولا تتطلب دافعاً لحدوثها، وفي الحقيقة إن الوقت الذي يستغرقه بناء عادة يختلف اعتماداً على شخصيتك وأهدافك وظروفك، وبناء على سلوك العادة نفسه، وإليك أهم النصائح التي يمكن أن تساعدك على ترسيخ العادات الجديدة بسهولة:
1. ضع أهدافاً محددة وواقعية
بدلاً من الرغبة في ترسيخ عادة تمثل تحولاً جذرياً في سلوكك المعتاد، ركز على البدء ببعض العادات الأصغر والأكثر واقعية، على سبيل المثال، لنفرض أنك تود ممارسة الرياضة، ضع هدفاً محدداً وواقعياً ويمكنك إنجازه، مثل المشي، حدد الأمر أكثر ليكون هدفك هو: المشي مدة 30 دقيقة يومياً في الصباح الباكر، في هذه الحالة أصبح هدفك محدداً ويمكنك تتبع تقدمك.
2. اصنع بيئة داعمة للعادات الجديدة
إذا كان هدفك هو تناول طعام صحي، فاملأ مطبخك بالأطعمة المغذية والصحية، وتخلص من الإغراءات التي تتجسد في الأطعمة الجاهزة أو المقلية المليئة بالزيوت، وذلك من أجل تسهيل ترسيخ هذه العادة، وإذا كنت تحاول تقليل وقت الشاشة قبل النوم، فاشحن هاتفك خارج غرفة النوم للمساعدة على تعزيز هذا السلوك.
اقرأ أيضاً: 6 قواعد ذهبية لتبدأ عادة جديدة وترسخها في حياتك اليومية
3. حافظ على تركيزك
قد تواجه صعوبة في بعض الأحيان للحفاظ على تركيزك وتحفيزك عند بناء العادة الجديدة، خاصة إذا كان التقدم بطيئاً أو كنت تقابل بعض الانتكاسات على الطريق، في هذه الحالة لا تيأس وحاول استكشاف طرائق جديدة للبقاء مركزاً على هدفك، على سبيل المثال، يمكنك استخدام استراتيجيات التوكيدات الإيجابية أو التصور حتى تظل مُلهَماً.
4. استعد للعقبات
ثمة حقيقة مهمة عليك أن تعلمها قبل أن تخوض رحلة ترسيخ العادات الجديدة، وهي أن العقبات سوف تعترض طريقك، وذلك بغض النظر عن مدى التزامك، وهذه هي طبيعة الحياة التي تحاول أحياناً أن تُفشل الخطط، ولذلك بدلاً من الشعور بالهزيمة بسبب العقبات التي ستأتي حتماً، استعد جيداً لها، وضع بديلاً لكل السيناريوهات المحتملة. على سبيل المثال، إذا كنت مشغولاً ولم تجد وقتاً لممارسة الرياضة اخرج للمشي إلى السوبر ماركت أو مارس التمارين في البيت.
5. اربط العادة الجديدة مع عاداتك الحالية
حين تبدأ بترسيخ عادات جديدة حاول ربطها بعاداتك الحالية، حيث تعمل العادة الحالية بصفتها إشارة طبيعية للسلوك الجديد، ما يسهل تذكرها وأداءها. على سبيل المثال، يمكنك ممارسة الامتنان في أثناء تناول قهوتك الصباحية، أو شرب الماء في أثناء قراءة صفحات من كتابك المفضل قبل النوم.
على الجانب الآخر ينصحك استشاري الطب النفسي محمد اليوسف بمزاحمة العادات السلبية بالعادات الإيجابية الجديدة حتى تحل محلها، إذ يؤكد أن العقل يميل إلى المألوف ويخاف المجهول، إضافة إلى أن فكرة التغيير قد تكون صعبة خاصة بالنسبة لأولئك الذين مكثوا في منطقة الراحة طوال سنوات، لهذا حين تضيف عادة صحية في توقيت امتناعك عن عادة سلبية نفسه سيفهم عقلك أن التغيير لا يعني الحرمان.
6. كن صبوراً مع نفسك
تأكد جيداً أن ترسيخ عادة جديدة يستغرق وقتاً، وقد يكون هناك انتكاسات على طول الطريق، لهذا انظر إلى التحديات باعتبارها فرصاً للتعلم والتطور، وحاول قدر الإمكان تعديل استراتيجيتك، وفي أثناء رحلتك تعلّم أن تكون صبوراً مع نفسك حتى تنتقل بسهولة بين منحنى الصعود والهبوط في ترسيخ العادة.