كيف يحقق الانطوائيون النجاح في بيئة العمل الصاخبة؟

1 دقيقة
النجاح في بيئة العمل الصاخبة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

تصمم بيئات العمل الحديثة غالباً لتناسب أصحاب الشخصيات المنفتحة، عبر المكاتب المفتوحة والاجتماعات الدائمة والعصف الذهني المستمر، ما قد يرهق أصحاب الشخصيات الانطوائية ويحد من قدرتهم على الاندماج. ومع ذلك، فإن الانطوائيين يمتلكون طاقة داخلية هائلة وقدرات مميزة في التركيز ا…

لنكن صريحين: أغلب بيئات العمل الحديثة تفضل الأشخاص الاجتماعيين والمنفتحين، من خلال المكاتب المفتوحة، والاجتماعات المتكررة، وجلسات النقاش الجماعي. لذا إن كنت تميل إلى الهدوء والانطواء، فقد تشعر بأنك غير مرئي، أو أنك مضطر لبذل جهد مضاعف لمجاراة الزملاء الأكثر انفتاحاً.

بينما في الحقيقة أنت لست بحاجة إلى ذلك؛ فالانطوائيون يمتلكون نقاط قوة مميزة، مثل التركيز العميق، والقدرة على الإصغاء، والتفكير المتأني، وعندما يستخدمون هذه الصفات بذكاء، يمكنهم تحقيق نجاح حقيقي وترك أثر دائم في العمل. وفيما يلي مجموعة من النصائح العملية التي تساعدك على النجاح في عملك دون أن تغير طبيعتك الانطوائية.

1. أعد صياغة الانطوائية لتجعلها نقطة قوة لا نقطة ضعف

غالباً ما يحظى الأشخاص المنفتحون والحيويون والحازمون بامتيازات اجتماعية ومهنية، وبسبب هذا التحيز، قد يشعر الانطوائيون بعدم التقدير أو يجبرون على التصرف بطريقة تستنزف طاقاتهم. لكن دعني أوضح لك، إن ما هو شائع حول تحالف الحظوظ مع المنفتحين، ليس أكثر من خرافة شائعة لا بد من تبديدها.

فقد وصف عالم النفس كارل يونغ الانطوائيين بأنهم أفراد يستمدون طاقتهم من العزلة والتأمل العميق بدلاً من التحفيز الخارجي. كما يشير مختص علم النفس السريري عبد الله آل دربا، إلى أن إحدى إيجابيات تلك الشخصية هي قضاؤها وقتاً ممتعاً بمفردها دون أي شعور بالوحدة حتى لو كان ساعات طويلة، وعادة ما يكون المؤلفون والرسامون وغيرهم من الفنانين من أصحاب تلك الشخصية، على الرغم من معاناتهم الحساسية وتأثرهم بالمواقف الصعبه والأليمة.

تمنحهم هذه السمات ميزة في بيئة العمل، خاصة عندما يتعلق الأمر بتجنب مخاطر "التفكير الجماعي"الذي حذر منه عالم النفس الاجتماعي، إيرفينغ جانوس. فالتفكير الجماعي، وفقاً له، ظاهرة نفسية تحدث داخل المجموعات المتماسكة، مثل فريق العمل، إذ يعمل فيها الأعضاء باتفاق وانسجام، إلى الدرجة التي يميلون بها إلى اتخاذ القرارات الجماعية بطريقة اندفاعية، متجاهلين التفكير النقدي والآراء المخالفة، ما يؤدي إلى قرارات كارثية نتيجة غياب الرأي المستقل.

يذكر في هذا السياق مثال حادثة منطقة "خليج الخنازير" في كوبا، التي تعتبر واحدة من أفشل العمليات العسكرية والتي كانت نتيجة قرار جماعي متهور، فقد أقدم فيه مسؤولون في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على دعم مجموعة من المنفيين الكوبيين لغزو كوبا وإسقاط النظام، لكنها انتهت بفشل الغزو وانتصار القوات الكوبية.

لذا، بدلاً من محاولة تغيير طبيعتك لتناسب نمطاً اجتماعياً معيناً، أعد صياغة انطوائيتك باعتبارها ميزة تنافسية. استخدم قدرتك على التحليل الهادئ لاتخاذ قرارات مدروسة، واسمح لحواراتك المحددة والدقيقة أن تعكس عمق تفكيرك. في الاجتماعات، لا حاجة لأن تكون الأكثر كلاماً؛ بل كن الشخص الذي يضيف قيمة عندما يتحدث. كذلك، استفد من مهاراتك في العمل الفردي لإنجاز المهام التي تتطلب تركيزاً واستقلالية.

اقرأ أيضاً: ما عيوب الشخصية المنفتحة اجتماعياً؟ وما الذي عليك أن نتنبه إليه إذا كنت من هذا النوع؟

2. خصص مساحة لك للراحة دون الاختباء

من التحديات الشائعة التي يواجهها الانطوائيون الإفراط في التحفيز ضمن بيئة العمل؛ من المكاتب المفتوحة والمقاطعات المستمرة والاجتماعات التي لا تنتهي، والتي غالباً ما تكون مرهقة ومجهدة بالنسبة لهم، لكن هذا لا يعني بالضرورة الانزواء في الخلفية.

يمكنك بوصفك موظفاً انطوائياً تهيئة بيئة عمل مصغرة تتناسب مع تفضيلاتك وإيقاعك. على سبيل المثال، إذا سمح مكان عملك بذلك، حدد مكاناً به أقل قدر من عوامل التشتيت. إذا لم يكن كذلك، فلا تتردد في طلب العمل عن بعد إن أمكن، أو استخدام سماعات الرأس العازلة للضوضاء، أو "ساعات التركيز" وهي فترات زمنية مخصصة للعمل المنتج، حيث يمنع فيها التشتت مثل الرد على الرسائل أو الاجتماعات غير الضرورية، وساعات أخرى للاجتماعات أو المهام التعاونية.

اقرأ أيضاً: لا تخجل من خجلك! تعرف إلى أعراض الخجل وكيفية التغلب عليه

3. استعد للتحدث بأسلوبك الخاص

من الشائع أن يتردد الانطوائيون في المشاركة بالاجتماعات أو المواقف الجماعية، منتظرين اللحظة "المناسبة" للإدلاء بوجهة نظرهم. لكن وفقاً لبحث أجرته كلية هارفارد للأعمال، غالباً ما ينظر إلى الموظفين المنفتحين على أنهم أكثر شغفاً مقارنة بزملائهم الانطوائيين، ويرجع ذلك إلى ميلهم للتعبير عن مشاعرهم أكثر، باستخدام إشارات مثل تعابير الوجه المؤثرة، بينما ينظر إلى الانطوائيين على أنهم أكثر انعزالاً وربما أقل كفاءة بسبب هدوئهم وتحفظهم.

مع ذلك، يمكنك التغلب على هذه الحالة وجعل صوتك مسموعاً دون استنزاف طاقتك من خلال:

  • التحضير المسبق: توقع نقاط المناقشة قبل الاجتماع واكتبها، إذ يساعد تحضير الأفكار مسبقاً على تقليل القلق أو الشعور بالضغط بسبب ضرورة التحدث في الاجتماع، ويضمن وصول صوتك. في الحقيقة، يظهر بحث نشرته دورية علم النفس الاجتماعي الشخصي، أن الانطوائيين يتفوقون في المواقف الاجتماعية عندما يستطيعون توقع المواضيع أو الأسئلة.
  • استخدم المساهمات الكتابية: إذا لم تتح لك الفرصة لمشاركة فكرة رائعة في اجتماع سريع الخطى، فتابع عبر البريد الإلكتروني؛ قد يساعدك التعبير عن أفكارك كتابياً، ويمنح الآخرين وقتاً لاستيعابها، ويمنحك الفرصة لإثبات نفسك.
  • اطرح أسئلة توضيحية: عندما تخجل من طرح أفكار جريئة، فإن طرح سؤال يظهر تفاعلك ويمهد الطريق لمساهمتك.
  • عرض النتائج: اعمل ضمن الظروف التي تناسبك، مثل العمل الفردي والتركيز العميق والتواصل المكتوب، ثم شارك نتائجك مع فريقك أو مديرك. عندما يرون أن إنتاجيتك وجودة عملك تتحسن في تلك الظروف، يصبح من الأسهل إقناعهم بأن هذا الأسلوب يستحق أن يعتمد.

اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على خوفك من الحديث أمام الناس "عن بعد"؟

4. استغل أسلوبك الفريد في التواصل لبناء علاقات حقيقية

غالباً ما يشعر الانطوائيون بأنهم خارج الإيقاع في بيئات العمل الصاخبة، إلا أن التواصل الحقيقي لا يعني بالضرورة تبادل أطراف الحديث على فنجان قهوة أو حضور حفلات موسيقية صاخبة، بل هو أن تتواصل بطريقتك الخاصة، مع من يفهمون طبيعتك ويقدرونها.

بالنسبة للانطوائيين، تبنى العلاقات الحقيقية على العمق لا على كثرة النشاطات، لذا لا تتردد في الانسحاب قليلاً لاستعادة طاقتك، اذهب إلى مكان هادئ، خذ نفساً عميقاً، أو امنح نفسك استراحة قصيرة. يمنحك هذا التوازن وضوحاً في التواصل ويجعل حضورك أكثر تأثيراً.

وعندما تكون في غرفة مزدحمة، لاحظ الأشخاص الهادئين الآخرين. ستجدهم غالباً قرب طاولة القهوة أو يراقبون بصمت من الزاوية. هؤلاء هم حلفاؤك. بعض أقوى العلاقات المهنية تبدأ من محادثة بسيطة مع شخص يبدو عليه الإرهاق مثلك. هذه اللحظات الهادئة تصنع روابط أعمق من أي تواصل صاخب. ابحث عنهم، وابدأ الحديث. ستكتشف أن النجاح الاجتماعي لا يحتاج إلى ضجيج، بل إلى صدق وعمق.

اقرأ أيضاً: كيف نطبق مبدأ "النوع وليس الكم" على الحياة والعلاقات؟

5. تدرب على التحدث أمام الجمهور

المهارات الاجتماعية كالعضلة، كلما استخدمتها أكثر، أصبحت أقوى وأكثر موثوقية. ومثل أي عضلة، تحتاج إلى تدريب منتظم للحفاظ على قوتها، بما فيها التحدث أمام الجمهور.

قد يبدو التحدث أمام الجمهور تحدياً مرهقاً لك، لكنه مهارة قابلة للتطوير وليس موهبة فطرية. لا يعني التدريب أن تتحول إلى شخص منفتح، بل أن تتعلم كيف تعبر عن أفكارك بثقة في اللحظات التي تتطلب ذلك. ابدأ بخطوات صغيرة؛ وتحدث أمام زميل أو مجموعة صغيرة، ثم وسع الدائرة تدريجياً.

استخدم التحضير باعتباره أداة دعم؛ اكتب نقاطك وتمرن عليها، وسجل لنفسك لتلاحظ نبرة صوتك ولغة جسدك. تذكر أن الجمهور لا يبحث عن أداء مسرحي، بل عن وضوح وصدق، وأن القليل من التوتر وما يصاحبه من خفقان في القلب وتعرق في اليدين، قد يكون مفيداً.

تذكر: كل مرة تتحدث فيها، تبني طبقة جديدة من الثقة. ومع الوقت، ستجد أن التحدث أمام الآخرين لا يتطلب تغيير شخصيتك، بل فهمها وتوظيفها.

المحتوى محمي