الميغالوفوبيا (Megalophobia)، قد يبدو اسماً غير مألوف، لكني أكاد أجزم بأنك عانيته أو تعرف أحداً يعانيه. بالنسبة لي، أتذكر بوضوح المرة الأولى التي وقفت فيها أمام البحر وأنا بعمر السادسة، بدا لي حينها أن المياه تمتد إلى ما لا نهاية، وأن أمواجه تزأر مثل وحوش القصص الخيالية، ما أثار بداخلي مزيجاً من الرهبة والخوف.
محتويات المقال
أشعل هذا اللقاء الطفولي مع البحر خوفاً عميقاً ظل يلاحقني فترة طويلة من كل ما هو ضخم الحجم، بحراً كان أم بناءً أم تكويناً ما، لدرجة تجعل قلبي ينبض بسرعة ويديّ تتعرقان كلما رأيت أحدها. هذا هو رهاب التكوينات أو الأجسام الضخمة، فلنتعرف سوية في هذا المقال إليه بالتفصيل.
ما هي الميغالوفوبيا؟
تتميز الميغالوفوبيا أو رهاب الضخامة بالخوف المفرط من الأجسام الكبيرة المتحركة وغير المتحركة، مثل ناطحات السحاب أو الجبال أو المركبات الكبيرة. أو المساحات الضخمة (ملاعب أو بحر). ولا يعد تشخيصاً رسمياً بحد ذاته، بل هو أحد أنواع "الرهاب المحدد" الذي يتفرع عن اضطرابات القلق.
ولا تعد الميغالوفوبيا خوفاً عادياً، بل هي ذعر لا يمكن السيطرة عليه، وتسبب نوبات قلق لا تتناسب مع مقدار الخطر المتعرض له، وقد يصل تأثير ذلك إلى حد تغيير المصاب لترتيب حياته وأنشطته لتجنب الأشياء الضخمة التي ترعبه مثل المواقف الاجتماعية التي تحدث في المباني الكبيرة أو بالقرب منها، إلى جانب الابتعاد عن ركوب المركبات الكبيرة. كما قد يسبب هذا الرهاب أعراضاً جسدية منها الصداع والرعشة والتعرق وتسارع ضربات القلب.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الرهاب
ما الذي قد يسبب الخوف من الأشياء الكبيرة؟
ما زالت الأسباب الدقيقة لرهاب الميغالوفوبيا غير مفهومة تماماً للباحثين، لكنهم يعتقدون أنها ناتجة عن مجموعة من العوامل، أهمها:
- الاستعداد الوراثي: قد يكون للرهاب، بما فيه رهاب الميغالوفوبيا، أساس وراثي. أي إذا كان أحد أفراد الأسرة يعاني رهاب الميغالوفوبيا أو نوع آخر من الرهاب، فإن احتمالية الإصابة بحالة مماثلة تزداد.
- التجارب الصادمة: يمكن أن تسهم التجارب السلبية أو المؤلمة التي تنطوي على التعرض إلى جسم كبير في تطور رهاب الميغالوفوبيا. مثل الضياع في مبنى كبير، أو الغرق في مساحة كبيرة من الماء، أو رؤية حادث لمركبة كبيرة.
- العوامل النفسية: يمكن أن يكون الخوف من الأجسام الكبيرة دلالة على الإصابة باضطرابات نفسية غير معالجة، مثل اضطراب القلق العام (GAD) أو اضطراب الهلع أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
- فرط نشاط اللوزة الدماغية: اللوزة الدماغية هي جزء من الدماغ مسؤول عن معالجة استجابات الخوف، فإذا كانت مفرطة النشاط قد تؤدي إلى إصابة الأفراد بنوبات الهلع والقلق لدى مواجهة مخاوفهم، بما فيها الأشياء الكبيرة.
- اضطراب المعالجة الحسية (Sensory Processing Disorder): يصاب بعض الأفراد بحساسية متزايدة للحجم أو المقياس أو النسبة، بسبب ما يُعرف باضطراب المعالجة الحسية، وهو حالة عصبية تؤثر في الطريقة التي يعالج بها دماغ الطفل تحديداً المدخلات الحسية، مثل الضوء والصوت واللمس، فيصبح إما شديد الحساسية للمحفّز أو لا يتفاعل معه أبداً، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تطور رهاب الميغالوفوبيا.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الرهاب الاجتماعي
كيف يمكن علاج الميغالوفوبيا؟
توجد بعض الاستراتيجيات الفعالة في معالجة الأسباب الكامنة وراء الميغالوفوبيا وإدارة الأعراض، وتتضمن:
1. العلاج بالتعرض
هو علاج نفسي يساعد الأفراد على مواجهة مخاوفهم من خلال التعرض المتكرر والتدريجي للأشياء أو المواقف المخيفة، في بيئة آمنة وخاضعة للرقابة. على سبيل المثال، يمكن البدء بالنظر إلى صور لأجسام كبيرة، ثم مشاهدة مقاطع فيديو لها، وفي النهاية التعرض الحقيقي لأشياء كبيرة نسبياً، مثل زيارة مبنى شاهق أو الوقوف بجانب تمثال كبير. يهدف هذا العلاج إلى تقليل استجابات القلق تدريجياً، ما يساعد الفرد في النهاية على تعلم كيفية إدارة خوفه.
وواحدة من الطرائق التي ينصح بها المختص النفسي عبد الله آل دربا بها في العلاج بالتعرّض للمصابين بالرهاب هو العلاج بالواقع الافتراضي؛ إذ يستخدم هذا العلاج أجهزة الواقع الافتراضي لتعريض الشخص لمخاوفه ومواجهة مشاعره الصعبة بالتدريج على مدى عدة جلسات.
اقرأ أيضاً: ما يجب معرفته عن علاج التعرّض السردي
2. العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
هو علاج نفسي واسع الاستخدام يركز على تحديد أنماط التفكير والسلوكيات السلبية التي تسهم في الإصابة بالقلق والرهاب وتغييرها، بما في ذلك رهاب الأشياء الضخمة. ويعد العلاج السلوكي المعرفي فعالاً لأنه يعالج الرهاب من جانبين:
- الجانب المعرفي: يناقش المعالج النفسي مع المصاب المخاوف المحددة المرتبطة بالأشياء الكبيرة، وتحديد المحفزات والأفكار والمعتقدات التي تسهم في الخوف، والاستعاضة عنها بأفكار أكثر عقلانية. على سبيل المثال، قد يفكر الشخص "إذا رأيت مبنى شاهقاً، سأصاب بالذعر". وهنا يساعد المعالج الفرد على تحدي هذه الفكرة من خلال فحص الأدلة المؤيدة والمعارضة لها، واستبدال فكرة أكثر عقلانية وتوازناً بها في النهاية، مثل: "الوجود بالقرب من مبنى شاهق لن يسبب لي أذى".
- الجانب السلوكي: يختبر الأفراد معتقداتهم حول الأشياء الكبيرة في مواقف الحياة الواقعية. على سبيل المثال، قد يعرّضون أنفسهم تدريجياً لأشياء كبيرة بطريقة آمنة.
اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على رهاب العناكب باستخدام العلاجات السلوكية المعرفية؟
3. تقنيات التأريض
هي استراتيجيات تساعد الأفراد على ترسيخ أنفسهم في اللحظة الحالية، وتحويل الانتباه بعيداً عن الأفكار أو المواقف المخيفة. يمكن لهذه التقنيات تقليل مشاعر القلق والذعر من خلال التركيز على البيئة المباشرة والتجارب الحسية. ومن هذه التقنيات:
- تقنية 5-4-3-2-1: تتضمن هذه التقنية استخدام الحواس الخمس لإعادة توجيه التركيز إلى المحيط والأحاسيس، ما يساعد على تقليل الذعر، وذلك من خلال:
- 5 أشياء يمكن رؤيتها.
- 4 أشياء يمكن لمسها.
- 3 أشياء يمكن سماعها.
- شيئين يمكن شمّهما.
- شيء واحد يمكن تذوقه.
- تمارين التنفس العميق: يساعد التنفس العميق على تهدئة الجهاز العصبي وتقليل الأعراض الجسدية للقلق.
- التصور: يتضمن التصور التدرّب على إنشاء صورة ذهنية لفعل أو مكان يثير مشاعر الأمان والهدوء، فعند مواجهة جسم كبير يثير مشاعر الخوف والهلع، يمكن للفرد أن يتخيل مكاناً آمناً مثل منظر طبيعي هادئ، ويتخيل نفسه هناك بطريقة يشرك فيها حواسه كلها في التصور.
- ممارسة الأنشطة البدنية: مثل المشي أو التمدد أو حتى الضغط على كرة الإجهاد، ما يساعد على إعادة توجيه الطاقة والتركيز بعيداً عن القلق لدى الاقتراب من جسم كبير.
اقرأ أيضاً: ما هي تقنية التجذر (التأريض)؟ وكيف يمكنك استخدامها لتخفيف القلق؟
4. العلاج الدوائي
لا يوجد علاج محدد فعال للتخلص من رهاب الأجسام الكبيرة، لكن يمكن لبعض الأدوية أن تساعد على تخفيف حدة القلق والخوف المرافق له. مثل حاصرات بيتا ومثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) ومثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين (SNRIs).