هل المصاب بالتوحد أذكى من غيره بالفعل مثلما جاء في مسلسل “حالة خاصة”؟

4 دقيقة
اضطراب طيف التوحد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تابعت خلال الأشهر الماضية العديد من الأعمال الدرامية التي تتحدث عن مرضى التوحد؛ آخرها كان المسلسل المصري "حالة خاصة" الذي يُعرض في الوقت الحالي، وقبله تابعت المسلسل الكوري "المحامية الاستثنائية" وكذلك المسلسل الأميركي "الطبيب الجيد"، وفي كل مرة كنت اندهش من عبقرية أبطال الأعمال المصابين بالتوحد وذكائهم؛ وهذا جعلني أتساءل: هل المصابون بالتوحد كلهم أذكياء؟ الإجابة يقدمها هذا المقال.

بعد مشاهدة الحلقات الأولى من مسلسل "حالة خاصة" الذي يُعرض حالياً، ستشعر بالانبهار من ذكاء شخصية البطل نديم الذي ينجح بسهولة في حل قضية صعبة أعجزت محامين بارعين، وسينتابك التساؤل إن كان المصابون بالتوحد أذكى كثيراً من غيرهم، وهذا التساؤل لا ينبع فقط من مسلسل "حالة خاصة"، ففي الأعمال الدرامية العالمية التي تناولت مرض التوحد، كان البطل ذكياً على نحو استثنائي وذلك مثل المسلسل الأميركي الشهير "الطبيب الجيد" (The Good Doctor) ومسلسل "المحامية الاستثنائية" الكوري (Extraordinary Attorney Woo)؛ لكن هل فعلاً يُعد المصابون بالتوحد أذكى من غيرهم؟ وهل لديهم دوماً قدرات استثنائية بارعة؟ الإجابة يقدمها هذا المقال.

ما هو اضطراب طيف التوحد (ASD)؟

غيرت الجمعية الأميركية للطب النفسي (The American Psychological Association) مصطلح "التوحد" إلى "اضطراب طيف التوحد" في عام 2013، وأصبح اضطراب طيف التوحد (Autism spectrum disorder) الآن مصطلحاً شاملاً يغطي المستويات المختلفة لمرض التوحد، ويمكن القول إنه اضطراب في النمو العصبي يتضمن عجزاً في التفاعل والتواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أنماط مقيدة أو متكررة من السلوك والاهتمامات، وهو اضطراب طيفي؛ ما يعني أنه يؤثر في الأشخاص على نحو مختلف وبدرجات متفاوتة.

اقرأ أيضاً: اكتشاف علمي يتيح تشخيص اضطراب طيف التوحد باستخدام الذكاء الاصطناعي

ما أعراض اضطراب طيف التوحد؟

في حين أن الأشخاص الذين يعانون اضطراب طيف التوحد قد لا يُظهرون الأعراض جميعها، فإنهم يُظهرون عادةً العديد من الأعراض التالية:

  1. الافتقار إلى التواصل البصري.
  2. صعوبة متابعة المحادثات والمشاركة فيها.
  3. الضيق الشديد عندما لا تسير الأمور وفق المعتاد.
  4. مواجهة مشكلات في التعبير عن المشاعر أو الاحتياجات لفظياً.
  5. الحساسية للمحفزات الحسية بما فيها التذوق والضوء والرائحة.
  6. سلوكيات التحفيز والأفعال المتكررة مثل هز الجسد.
  7. مقاومة الاحتضان والتواصل اللمسي مع الآخرين.
  8. تكرار الكلمات أو العبارات حرفياً دون فهم تأثيرها.
  9. القيام بأنشطة يمكن أن تسبب إيذاء النفس مثل خبط الرأس.
  10. التركيز المفرط على موضوع محدد.
  11. الحاجة إلى اتباع روتين ثابت يمكن التنبؤ به كل يوم.

وبالنسبة إلى شخص مصاب بالتوحد، قد يكون كسر الروتين، أو حدوث موقف غير متوقع، أو التعرض إلى بيئات عالية التحفيز، أمراً مرهقاً، ويمكن أن تؤدي مثل هذه المواقف إلى نوبات من الغضب أو الإحباط أو الضيق أو الحزن أو الانغلاق الشديد على النفس.

3 أسباب للإصابة باضطراب طيف التوحد

إن السبب الدقيق لاضطراب طيف التوحد غير معروف، فكثرة مشاهدة الأطفال للتلفزيون لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تؤدي إلى التوحد؛ لكن هناك عدة عوامل قد تسهم في زيادة فرص الإصابة به وذلك مثل:

  1. العوامل الوراثية: يشير بعض الأبحاث إلى أن اضطراب طيف التوحد يميل إلى الانتشار نتيجة عوامل وراثية، فالتغيرات في بعض الجينات تزيد خطر إصابة الطفل بالتوحد، وإذا كان أحد الوالدين يحمل واحداً أو أكثر من هذه التغييرات الجينية، فقد تنتقل إلى الطفل حتى لو لم يكن الوالد مصاباً بالتوحد. وفي أحيان أخرى، تنشأ هذه التغيرات الجينية تلقائياً في الحيوانات المنوية والبويضة التي تتحد لتكوين الجنين، ومرة أخرى، فإن غالبية هذه التغيرات الجينية لا تسبب مرض التوحد في حد ذاتها؛ لكنها ببساطة تزيد خطر الإصابة به.
  2. تأثيرات البيئة المحيطة: تؤدي تأثيرات البيئة المحيطة في بعض الأحيان إلى زيادة خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد؛ وذلك مثل:
  • ارتفاع سنّ الأب أو الأم.
  • مضاعفات الحمل والولادة مثل الولادة المبكرة.
  • انخفاض الوزن عند الولادة.
  • الحمل المتعدد مثل الحمل بتوأمين أو 3 توائم.
  • تاريخ الأم من الالتهابات الفيروسية.
  • تعرض الجنين إلى أدوية حمض الفالبرويك أو الثاليدومايد.
  1. النواقل العصبية: إن أدمغة المصابين بالتوحد بها نقاط اشتباك عصبي كثيرة للغاية تتلاقى وتتواصل فيها الخلايا العصبية، وفي هذا السياق، يؤكد استشاري الطب النفسي جوزيف جرجس اضطراب الاتصالات داخل المخ يمكن أن يجعل المصابين بالتوحد ينخرطون في سلوكيات تكرارية.

كيف يُقاس الذكاء؟

ثمة تساؤل يُثار دائماً إذا كان هناك ارتباط بين اضطراب طيف التوحد والذكاء، وينبع هذا التساؤل عادة من ملاحظة الأشخاص المصابين بالتوحد الذين يُظهرون قدرات ذكاء عالية؛ ولكن كيف يُمكن قياس الذكاء؟

الحقيقة إن هناك بعض اختبارات الذكاء التي تعتمد على قياس القدرة على التعلم، ومن أشهر تلك الاختبارات ذلك الذي وضعه أستاذ علم النفس ديفيد وكسلر (David Wechsler) والذي يرتكز على قياس:

  1. مؤشر الفهم اللفظي (VCI): وهذا يختبر المهارات اللفظية مثل التواصل الاجتماعي واللغة التعبيرية والتفاعل الاجتماعي والفهم وحل المشكلات.
  2. مؤشر الاستدلال الإدراكي (PRI): الذي يقيس قدرة التفكير غير اللفظي باستخدام الصور.
  3. مؤشر الذاكرة العاملة (WMI): يتحقق هذا المؤشر من الذاكرة العاملة والذاكرة القصيرة المدى، ومدى الانتباه الممتد، والمعالجة السمعية.
  4. مؤشر سرعة المعالجة (PSI): يقيس هذا المؤشر سرعة المعالجة العقلية، ومدى الانتباه، والتنسيق البصري الحركي مثل المهارات الحركية الدقيقة، والتركيز.

اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن متلازمة الموهوب

هل ثمة علاقة بين اضطراب طيف التوحد وارتفاع نسبة الذكاء؟

لا تتضمن أعراض اضطراب طيف التوحد الذكاء، وعلى الرغم من أنه في كثير من الأحيان تحل الشخصيات المصابة بالتوحد مشكلات معقدة يواجه الآخرون صعوبة في حلها، فإن هذا لا يعني أن الأشخاص المصابين بالتوحد كلهم أذكياء، ففي حين أن بعض الأشخاص المصابين بالتوحد يتمتعون بقدرات معرفية استثنائية، فقد يعاني البعض الآخر منهم إعاقات ذهنية، ومع ذلك، ما تزال ثمة علاقة تربط بين اضطراب طيف التوحد وارتفاع نسبة الذكاء تتجسد في:

  1. متلازمة الموهوب (savant syndrome): وهي حالة نادرة يتمتع فيها الشخص المصاب باضطراب في النمو؛ مثل التوحد، بموهبة استثنائية في مجال معين؛ مثل الموسيقا أو الفن أو الرياضيات.
  2. الذكاء غير المتوازن: وفقاً لدراسة بحثية نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب (The National Library of Medicine NLM)؛ فإن التوحد في بعض الأحيان يرتبط بالذكاء غير المتوازن، وقد دعمت الدراسة هذه الفرضية من خلال الأدلة المتقاربة التي تبين أن اضطراب طيف التوحد وارتفاع معدل الذكاء يشتركان في مجموعة متنوعة من القواسم؛ بما فيها حجم الدماغ الكبير، ونمو الدماغ السريع، وزيادة القدرات الحسية والبصرية المكانية، وتعزيز وظائف التشابك العصبي، وزيادة التركيز المتعمد؛ وهذا يعني أن مرضى التوحد لديهم قدرات غير متوازنة أو متساوية؛ ما يعني أنه قد تكون لديهم نقاط قوة في بعض المجالات ونقاط ضعف في مجالات أخرى.

على سبيل المثال؛ قد يواجه الشخص المصاب بالتوحد صعوبة في التواصل الاجتماعي لكنه يمتلك ذاكرة مذهلة للحقائق والأرقام. هذا التطور غير المتكافئ يصعّب تقييم الذكاء بدقة باستخدام المقاييس التقليدية مثل اختبارات الذكاء. وفي حين أن التوحد يمكن أن يؤثر في القدرات المعرفية، فإنه لا يؤكد التمتع بالذكاء أو ينفيه، فكل فرد مصاب بالتوحد فريد من نوعه ويجب تقييمه بناءً على مجموعة المواهب والتحديات الخاصة به.