أذكر أنني منذ قرابة الأربع سنوات كنت قد أجريت مقابلة وظيفية، وعندما سألني المسؤول فيها عن العيب الذي يمكنني إخباره به أجبته على الفور: "السعي إلى الكمال"، والحقيقة أنني بمرور الوقت استوعبت أن الإشكال لم يكن فقط في السعي إلى الكمال في إنجاز المهام، إنما أيضاً في الرغبة بأن يتفق الجميع من حولي على أنني شخص رائع، وهذا ما كان يدفعني أحياناً في السابق إلى سؤالهم عن رأيهم في طباعي وشخصيتي، وهل أنا جدير بالثقة أم لا، وغير ذلك من الأسئلة التي تعكس مصطلحاً سنستعرضه في هذا المقال هو المثالية الاجتماعية.
ما هي المثالية الاجتماعية؟
يقصد بالمثالية الاجتماعية عدم قدرة الشخص على تحمّل كشف الآخرين عيوبه وأخطاءه، فهو دائماً يريد أن يروه على أتم صورة، ويبذل قصارى جهده حتى يروه كاملاً إلى جانب شعوره بالقلق باستمرار حول كيفية رؤية الآخرين له، ويعتقد أنهم يتوقعون منه التصرف بطريقة مثالية وسينتقدونه بقسوة إذا لم يلتزم بذلك.
وهذا ما يجعل الأشخاص الذين يعانون المثالية الاجتماعية يشعرون بأنهم مهما فعلوا يظلون فاشلين ولم يبلغوا المستوى المطلوب، إلى جانب أنهم يستمدون مكانتهم الاجتماعية من نظرة الآخرين إليهم.
ومن أهم الأسباب التي تجعل الشخص يعاني هذه المشكلة: عيشه طفولة صعبة قد يكون عانى فيها من العنف الأبوي أو الحرمان العاطفي، أو التنمر في المدرسة أو الانتقادات المستمرة في المنزل أو المدرسة، وأيضاً تزداد احتمالية ظهور المثالية الاجتماعية إذا كان الوالدان يحرصان على وضع توقعات عالية لابنهم، ما يزرع في نفسه التطلع إلى المثالية منذ الصغر.
اقرأ أيضاً: هل تسعى إلى التميز أم تعاني الكمالية؟ تعرف إلى الاختلاف بينهما؟
كيف تتأكد من معاناتك المثالية الاجتماعية؟
تجعل المثالية الاجتماعية الشخص مستغرقاً في سعيه للحصول على استحسان الآخرين، لذا ليس من السهل أن ينتبه إلى هذا السلوك، لكن توجد بعض السلوكيات التي تؤكده؛ منها أنه في حال عدم إنجازه شيئاً ما على أتم وجه فإنه على الفور يلوم نفسه ويوبخها وينظر إلى نفسه نظرة دونية، لا لشيء سوى عدم تمكنه من بلوغ الكمال.
وهذا ما يجعل ثمة نصيحة مهمة للأشخاص الذين يسعون وراء تحقيق المثالية الاجتماعية وهي أن يفصلوا بين قيمتهم الذاتية وإنجازاتهم الشخصية، فمن الطبيعي أن يفشل الشخص بين الحين والآخر في تأدية مهمة ما، لكن هذا لا يعني أنه شخص سيئ، فالنظر إلى النفس بتلك الطريقة ستنتج عنه آثار وخيمة مثل التسويف أو التخلي عن الأهداف.
هناك بعد آخر مهم، وهو أن الناس يحبون التواصل مع الأشخاص التلقائيين الذين يعيشون على طبيعتهم، ما يجعل محاولة السعي إلى الكمالية صفة منفرة أحياناً تقف عائقاً أمام العلاقات الإنسانية الأصيلة.
أخيراً أود أن أختم هذا المقال بتغريدة بديعة للطبيب النفسي محمد اليوسف يقول فيها: "رغبتك في الظهور بصورة مثالية أمام الآخرين سواء في العمل أم في حياتك الاجتماعية قد يفوّت عليك الكثير من فرص التعلّم والنمو، والتي لا يمكن أن تتاح لك دون أن تجرب وتخطئ، المثالية قد تتحول بهذا المعنى إلى عبء ثقيل لن تستطيع حمله طويلاً دون أن تتعثر وتسقط".
اقرأ أيضاً: حارب الكمالية بالرضا وتحرر من شقاء المُثل العليا