ماذا تفعل عندما تسيطر عليك الرغبة بعدم فعل أي شيء؟

8 دقائق
الكسل
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: نحتاج جميعنا، بين الحين والآخر، إلى وقت مستقطع. ومع ذلك، قد لا يكون من الصحيح إطلاق صفة الكسل في كل مرة لا نرغب فيها بفعل شيء يُذكر؛ بل ينبغي تحديد السبب الكامن وراء هذه الرغبة بغية حل المشكلة من جذورها.

ماذا تقول عمّن يمتنع عن الدراسة أو إنهاء مهام العمل على الرغم من قدرته الكاملة على ذلك؟ كسول! وماذا عن الشخص المحاط بأكوام الثياب المتسخة التي كادت تلمس السقف، أو ذلك الذي لا يفعل شيئاً وسط ما لديه من أعمال ومسؤوليات سوى الاستلقاء على الأريكة وتصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو تأمُّل الجدران؟

الكسل تهمة جاهزة للانطلاق والالتصاق بأي شخص لا يرغب بفعل أي شيء إطلاقاً، خصوصاً في زمن يقدّس العمل ويزِن قيمة الفرد بقدر ما ينتِج. فهل الكسل فعلاً بهذا القدر الهائل من السوء؟ دعونا في هذا المقال نتعرف إلى الكسل في أعمق معانيه، ولماذا نرغب بفعل "اللاشيء"، وكيف نواجه هذه الرغبة.

ما هو الكسل؟

الكسل ليس مصطلحاً سريرياً رسمياً في مجال علم النفس أو الطب النفسي، ولا يمكنك الحصول على تشخيص بالكسل. ومع ذلك، يمكن تعريفه وفقاً لموسوعة الشخصية والاختلافات الفردية (Encyclopedia of Personality and Individual Difference)، أنه "إحجام الشخص عن أداء عمل روتيني أو نشاط على الرغم من قدرته على أدائه"؛ أي إنه قرار ينطوي على الإرادة والنية في عدم فعل شيء، فيكون الشخص كسولاً إذا كان دافعه لتوفير الجهد يفوق دافعه لفعل ما هو صحيح أو متوقع.

ومع ذلك، فالكسل ليس سمة شخصية، على الرغم من أن بعض الناس قد يكونون بطبيعتهم أكثر تركيزاً واندفاعاً وتوجهاً نحو الأهداف والمهام المطلوبة أكثر من غيرهم، وهؤلاء قد يُطلقون أحكاماً سلبية على الآخرين الذين لديهم خصائص معاكسة أو أقل اندفاعاً.

غالباً ما يكون الكسل مفهوماً ثقافياً مصحوباً بوصمة عار أو إجحاف وتحامل، فنحن، ومنذ نعومة أظافرنا، نتعلم على نحو مباشر أو غير مباشر أن نربط بين تقدير الذات والنجاح وبين الإنتاجية التي لا ينبغي أن تنضب. لذلك؛ وعندما لا نكون منتِجين، وعندما لا ننجز الأعمال كما ينبغي أو لا نحصّل الدرجات التي نحلم بها، فإننا نحكم على أنفسنا أننا كُسالى.

الكسل خطِر، ليس لأن فعل اللاشيء أمر معيب وخطِر؛ بل لأن افتراض أنك، أو أن الآخرين كسالى، والاستسلام لهذه الفكرة، قد يعمل على إخفاء مجموعة متنوعة من التفسيرات المعقولة والمهمة لهذه الحالة. بالمختصر المفيد، افتراض أنك كسول يمنعك من حل الأسباب الكامنة وراء حالتك، وإليك أهم هذه الأسباب.

اقرأ أيضاً: هل يمكن للكسل أن يكون مفيداً؟

لماذا قد لا نرغب أحياناً بفعل شيء؟

البشر مدينون للكسل بحيواتهم في مرحلة ما من مراحل التاريخ على الأقل! كيف؟ حسناً، يقول الطبيب النفسي نييل بورتون (Neel Burton) إنه كان على أسلافنا من البشر الأوائل أن يحافظوا على طاقاتهم بقدر ما يستطيعون، بغية استخدامها للتنافس على الموارد الشحيحة ومحاربة الأعداء والحيوانات المفترسة أو الهروب منها، في حين أن بذل الجهد وصرف الطاقة على شيء آخر غير المنفعة القصيرة المدى قد يعرّض حيواتهم للخطر.

وعلى الرغم من أن الموت اليوم بسبب قتال الحيوانات المفترسة أو شح الموارد بات مستبعداً، فإن غريزتنا ما تزال تتجه نحو الحفاظ على الطاقة؛ ما يجعل معظمنا يتردد في بذل الجهد، وخصوصاً على مشروعات ذات العوائد المتأخرة وغير المؤكدة.

اقرأ أيضاً: ما أزال كسولاً.

ويضيف بورتون إنه قد يكون من المؤلم، في الحالات معظمها، بذل الجهد لتحقيق أهداف طويلة الأمد لا توفر إشباعاً فورياً، وبما أن الناس يفشلون غالباً عندما يتعلق الأمر بحساب العواقب الطويلة الأمد على صحتهم ومظاهرهم وحيواتهم، وكل شيء أصبح متوفراً حدّ التخمة، فتراهم ينغمسون في المتعات اللحظية أو الحالية ويتوانون عن التفكير في المستقبل. لكن هذا ليس كل شيء؛ إذ إن الكثيرين من الكُسالى ليسوا كذلك بطبيعتهم بل ربما نتيجة لأحد الأسباب التالية:

  • فقدان الحافز أو الدافع: مثل الشعور وكأن لا فائدة مما تقوم به؛ مثل الذهاب إلى وظيفة فقدت بريقها، أو الشعور بالضياع وفقدان القيم والأهداف.
  • ترديّ المزاج: الحزن أو الإحباط قد يصعّبان الاستمتاع بإنجاز المهام والأنشطة، حتى تلك الممتعة منها.
  • السعي نحو الكمال: قد يكون الهوس بالكمال هو ما يجعلك كسولاً، وهو أمر مثير للسخرية؛ لأن الناس غالباً ما يستخدمون النقد الذاتي لتعزيز أدائهم، في حين أن الكمالية تخلق خوفاً محبطاً من الفشل أو العيوب، فيصبح الكسل أفضل من الفشل!
  • كثرة الأعمال والواجبات أو صعوبتها: ما يصعِّب عليك تنفيذها جميعها، أو ربما لا تعرف من أين تبدأ أساساً لذلك تجد صعوبة في العمل أو التركيز.
  • الوحدة: نحن كائنات اجتماعية بحاجة إلى الشعور ببعض الانتماء والارتباط مع الآخرين، وعندما لا تُلبَّى هذه الحاجة، نشعر بالضيق والإحباط، ونخسر الحافز لفعل أي شيء.
  • الطاقة المنخفضة أو الإرهاق: نتيجة عدم الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم أو الشعور بالألم أو تناول بعض الأدوية ذات الآثار الجانبية السلبية التي تسبب قلة الحيل.
  • الخوف من النجاح: قد يبدو الأمر محيراً؛ لكن هناك أُناساً يخافون النجاح أو ليس لديهم ما يكفي من احترام الذات للشعور بالراحة نحو النجاح؛ ولذلك يكون الكسل إحدى الطرائق التي يلجؤون إليها لتفادي الأمر.
  • حالات صحية جسدية: ثمة عدة حالات صحية قد تسبب تغيرات في مستويات الطاقة وتعوق القدرة على إنجاز الأعمال؛ مثل اضطرابات الغدة الدرقية، ومتلازمة التعب المزمن، وانخفاض سكر الدم، وعوز الفيتامينات، وفقر الدم وغيرها.
  • حالات صحية نفسية: إذا وجدت أنك فقدت الاهتمام مؤخراً بما كنت تستمتع به عادة وليست لديك الطاقة أو القدرة على التركيز لإنجاز الأعمال، فينبغي أن تتحدث إلى الطبيب؛ إذ ثمة عدة حالات صحية نفسية تسبب أعراضاً تحاكي الكسل؛ مثل قلة الحافز، والتعب المزمن، والانسحاب الاجتماعي؛ ومنها الاكتئاب، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة، واضطرابات التوتر الحاد، والاضطراب العاطفي الموسمي.

اقرأ أيضاً: انشغالك الدائم ربما يدل على هروبك من مشاعرك المؤلمة، فكيف تواجهه؟

10 إرشادات لمواجهة رغبتك بعدم فعل شيء

أصبح واضحاً الآن أن ثمة عدة أسباب تجعلنا نرغب بعدم فعل أيّ شيء إطلاقاً، والكسل قد لا يكون وصفاً دقيقاً لهذه الحالات؛ بل ينبغي تحديد السبب الكامن وراء عدم رغبتنا بالقيام بما ينبغي لنا القيام به، وهذه الخطوة الأولى والأساسية للتغلب على الحالة، وإليك بعض النصائح لمساعدتك على التخلص من الكسل وزيادة إنتاجيتك:

لا تنعت نفسك بالكسول

من الشائع أن نستمر في تبنّي الآراء والأفكار السلبية التي تعلمناها عن أنفسنا عندما كنا صغاراً، سواء من الآباء أو الأشقاء أو الأقران أو أي شخص آخر، وقد لا ندرك في بعض الأحيان أننا ما زلنا نحتفظ بهذه الآراء. تذكّر أن الحديث السلبي عن الذات يعرقل جهودك لإنجاز الأعمال في كل جانب من جوانب حياتك، ويؤثر سلباً في الرفاهية العاطفية، ويقلل الثقة بالنفس، ويزيد لومها.

أنت لست كسولاً؛ أنت شخص تبنّى عادات كسولة. لذلك؛ غيِّر عاداتك، وأوقف صوتك الداخلي السلبي، ومارس الحديث الذاتي الإيجابي، الذي يمكن أن يُحسّن الحالة المزاجية ويعزز الإنتاجية ويزيد احترام الذات، فبدلاً من أن تقول: "أنا كسول، لا يمكنني القيام بهذا العمل"، قل: "سأبذل ما في وسعي لإنجازه".

اقرأ أيضاً: من التسويف إلى قضم الأظافر: كيف تتخلص من العادات السيئة؟

جدير بالذكر إن الحديث السلبي عن الذات هو جزء طبيعي من التجربة الإنسانية لكن ثمة طرائق لتعطيله؛ وأولها التعرف إلى الأفكار السلبية التي تواجهها، ثم البحث عن دليل يدحضها، والتدرب على حب الذات والتعاطف مع النفس والشعور بالامتنان لما أنت عليه وما صنعته لنفسك.

ابحث عن هدفك وحدد طموحك

الهدف ضروري لإضفاء المعنى على الحياة، وإذا لم تمتلك هدفاً، فقد تفتقر إلى الدافع لفعل أي شيء. وربما حدث في الماضي أن خذلتك التجارب، أو أن ظروف حياتك باتت معقدة أو صعبة؛ الأمر الذي جعلك تستصعب الحلم والتخطيط، ودفعك نحو إلى الكسل لأنه ملجأ آمن وهادئ.

في الواقع، تقول مستشارة علم النفس التنظيمي، هاجر القايدي إن الحل الحقيقي لمشكلة الكسل هو الطموح. لذلك؛ حاول العثور على ما يحفزك ويدفعك نحو الأمام، فتحديد القيم والمبادئ والأهداف قد يساعدك على المضي قدماً.

يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: "اختر عملاً تحبه، ولن تُضطر للعمل يوماً واحداً في حياتك!"؛ أي عندما تنخرط في عمل يتوافق مع اهتماماتك وشغفك، فلن تراه عملاً بالمعنى التقليدي للعمل، ولن تتفاداه أو تتكاسل في إنجازه؛ بل سيصبح جهدك المبذول محبباً ومُرضياً ولا يبدو مرهقاً.

اقرأ أيضاً: لماذا نعاني في الاهتمام بأنفسنا؟

ضع أهدافاً منطقية ومحددة

وضع أهداف كبيرة جداً وغير واقعية والإفراط في تحمّلها يؤدي إلى الاحتراق، وعلى الرغم من أن أعراض الاحتراق قد لا تُشخَّص سريرياً فعلاً، فإن المتخصصين النفسيين يمكنهم التعرف إليها، وقد تسبب الاحتراق الوظيفي أو الإرهاق أو الشعور بفقدان الاهتمام والحافز والرغبة بالهروب من كل شيء. لذلك؛ ضع أهدافاً أصغر ومنطقية تستطيع تحقيقها، وتجنَّب أن تحمِّل نفسك أعباء فوق قدرتك على التحمل، حتى لا تثقل كاهلك وتربكك على طول الطريق.

تخلَّ عن فكرة المثالية

الهوس بالكمال حالة تزداد في المجتمع ولها أثرها النفسي، فجميعنا اليوم نواجه بيئات أكثر تنافسية وتوقعات غير واقعية؛ ما يجعلنا ننتقد أنفسنا والآخرين بقسوة وعلى نحو مفرط، وقد يؤدي هذا إلى زيادة حالات الاكتئاب والقلق. وقد وُجد أن الهوس بالمثالية أو السعي نحو الكمال غالباً ما يرتبط بالتكيّف التجنبيّ؛ أي إننا نتجنب التعامل مع الضغوط من أساسها في محاولة للتأقلم.

اقرأ أيضاً: كيف نصنع من خوفنا قوة؟

ضع خطة عمل

خطط لكيفية إنجاز عمل ما تتكاسل في إنجازه عادة. قسِّم المهمة الكبيرة إلى أجزاء أصغر، وكن واقعياً ومحدداً بشأن مقدار الوقت والجهد والعوامل الأخرى اللازمة لتحقيق هذا الهدف. وقد يكون المفيد أيضاً عند تحديد هدفك أو التخطيط لكيفية إنجازه أن تفكر في نقاط قوتك، وأن تحاول تطبيقها على الجوانب المختلفة من المهمة، فالتركيز على نقاط القوة يزيد الإنتاجية والمشاعر الإيجابية والانخراط في العمل.

تجنّب المشتتات

ما أكثر مصادر التشتت التي يمكننا أن نلجأ إليها عندما لا نرغب بفعل شيء، سواء وسائل التواصل الاجتماعي أو التلفاز أو الحيوانات الأليفة أو حتى النملة التي تمشي على الحائط! لذلك؛ فكِّر في طريقة تجعل فيها الوصول الى عوامل التشتت هذه صعباً؛ مثل أن تعمل أو تدرس في مكان منعزل أو هادئ، أو أن تستخدم تطبيقات تعوقك عن فتح التطبيقات التي تتصفحها دون وعي عندما يتعين عليك القيام بعمل ما.

حاوِل جعل المهام أكثر إمتاعاً

نحن نميل طبعاً إلى تجنب الأعمال التي نجدها مملة أو سخيفة. ومع ذلك، يمكنك أن تجعل هذه المهام أكثر متعة بأن تستمع إلى الموسيقا أو البودكاست خلال إنجازها مثلاً.

تذكَّر إنجازاتك السابقة وكافِئ نفسك

قد يحفزك التفكير في العمل الجيد الذي قمت به سابقاً على الاستمرار. لذلك؛ فكّر في تدوين انجازاتك ومهاراتك ونقاط قوتك، سواء في العمل أو في المنزل؛ الأمر الذي قد يساعدك على تعزيز ثقتك بنفسك وإيجابياتك وتحفيزك على الاستمرار.

بالإضافة إلى ذلك، فكر في مكافأة نفسك. فعلى الرغم من أن إنجاز العمل في حد ذاته مكافأة، فإن المكافأة الخارجية قد تحفّز الكثير من الناس. لذلك؛ ركز على ما ستكسبه من إنجاز عمل ما؛ مثل الاقتراب من ترقية أو علاوة، أو كافئ نفسك على العمل الجيد الذي قمت به بقضاء يوم مع الأصدقاء، أو شراء هدية لنفسك أو أياً يكن.

اقرأ أيضاً: كيف تمنع الأفكار الجاهزة من التسلل إلى عقلك؟

مارِس الرعاية الذاتية

الاهتمام بصحتك الجسدية والنفسية قد يساعدك على مواجهة الكسل، فالأطعمة الغنية بالبروتين على سبيل المثال، تزيد طاقتك وتقلل احتمالية شعورك بالخمول والكسل؛ في حين أن الأطعمة الغنية بالسكر والدهون بطيئة الهضم وتستنزف طاقتك. لذلك؛ احرص على تناول الأطعمة الغنية بالبروتين، واتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، ومارس الرياضة بانتظام، وتأكد من حصولك على قسطٍ كافٍ ووافٍ من النوم ليلاً حتى تشعر بالانتعاش والاستعداد لمواجهة مهام اليوم التالي.

وأيضاً، فكّر في إدارة التوتر إذا كنت تعانيه لأن التوتر قد يستنزفك ويجعلك تشعر بالإرهاق العقلي والجسدي لدرجة تمنعك من القيام بأي شيء. لذلك؛ احرص على قضاء وقت جيد مع أحبائك، أو في الطبيعة، أو ممارسة التأمل، أو غيرها من استراتيجيات إدارة التوتر التي يمكن أن تساعدك على تحسين حالتك المزاجية وشحن طاقة وهمتك للعمل.

تصالَح مع نفسك

يقول الطبيب النفسي إرنستو دي لا روزا: "إذا كنت تعتقد أنك تعاني الكسل الحقيقي، فعليك أن تفكِّر فيما يعنيه هذا بالنسبة إليك، وفي الرسائل التي تلقّيتها حول الكسل. وقد تكون فكرة جيدة أن تذكِّر نفسك بأنك إنسان يحتاج إلى الراحة وإعادة شحن طاقته، وبدلاً من أن تصف نفسك بالكسل، فكِّر في الاعتناء بها".

أخيراً، دعونا نتحرر من قيود الإنتاجية المفرطة والتركيز المفرط على العمل؛ إذ ليس من المفروض أن تتمحور الحياة كلها حول العمل والإنتاجية؛ بل من الضروري إعطاء قيمة فعلية لوقت الفراغ الهادف الذي ينطوي على التأمل والتأمل الذاتي ليتمكّن الفرد من اكتشاف ذاته الحقيقية وإيجاد المعنى في حياته وتعزيز نموه الشخصي.