إن معظم الأشقاء الأكبر سناً يتكيفون بسرعة مع وجود أخ أو أخت جديدة؛ لكن حتى في العلاقات الأخوية الجيدة، فهناك تنافس بين الإخوة، والغيرة بين الأطفال واردة دائماً، وكذلك استياء بين بعضهم البعض، وهذه الأمور طبيعية بين الإخوة وخاصةً بعد ميلاد أخ جديد كما يخبرنا كتاب "سيكولوجية العلاقات الأخوية" (Psychology Of Siblings’ Relations).
الغيرة بين الأطفال
في الولايات المتحدة الأميركية، تؤثر السلوكيات العدوانية والعنيفة التي قد يعود ارتباطها بمشاعر وعواطف الغيرة بين الإخوة، على ظهور العنف في نحو 70% من المنازل. بالإضافة إلى ما سبق؛ يقضي الأشقاء وقتاً طويلاً مع إخوتهم وأخواتهم يتجاوز بكثير وقتهم مع والِديهم؛ ما يعزز من انتشار مشاعر الغيرة في الكثير من العائلات. على النقيض، فبحسب دراسة عنوانها "تصورات نظرية حول علاقة الإخوة "(Theoretical Perspectives on Sibling Relationships)؛ تُلاحظ في الأوساط العلمية عموماً قلة الأبحاث العلمية التي تتناول التفاعلات الاجتماعية والنفسية بين الإخوة؛ ومنها مشاعر الغيرة التي تؤثر في الأطفال وقد تستمر إلى الأبد. ويمكن أيضاً نشوء تغيرات طبيعية في بيئة العائلة على هيئة "غيرة الأخوة" (Sibling Jealousy) أو "منافسة الأخوة" (Sibling Rivalry)، نظير تنافس الأطفال على اهتمام الوالِدين وحبهم وعطفهم.
وفي نفس السياق؛ يرى سيغموند فرويد أن هذا التغيّر الطارئ على الأطفال، سواءً الكبار أو الصغار، يُعتبر من أكثر التغييرات المقلقة في حياة الأطفال المبِكرة. ويتفق الكثير من الدراسات على بداية ظهور مشاعر وعواطف الغيرة في عمر مبكر؛ إلا أن الاختلاف بين العلماء يتمحور حول العمر الذي تظهر فيه تلك المشاعر والعواطف، فيرجّح بعض العلماء فكرة أن الغيرة تظهر في عمر 5 إلى 6 أشهر، بينما يرى الآخرين أن ظهور مشاعر وعواطف الغيرة لا يتضح إلا بعد عمر 18 شهراً حينما يكون الطفل قادراً على تمييز وإدراك نفسه بالمقارنة مع الآخرين من حوله.
أثر الغيرة بين الأطفال على الإخوة وسلوكياتهم
مما لا شك فيه؛ يتأثر الأبناء بالغيرة نتيجة عدد من العوامل التي قد تساهم في تحفيز تلك المشاعر والعواطف السلبية. ويتجه العلماء لدراسة الغيرة في علاقات الإخوة ببعضهم البعض، ومن ثَمّ علاقاتهم بوالِديهم من خلال ما يُسمونه "المثلث الاجتماعي" (Social Triangle). وتُعبِّر عقدة الغيرة (Jealousy Complex) عن مجموعة نمطية من الاستجابات العاطفية والمعرفية والسلوكية التي تيتجها الطفل (أو الشخص) الغيور في المثلث الاجتماعي الذي يضم -على سبيل المثال- أحد الوالِدين وأطفالهم. وتختلف العوامل المؤثرة على هذا المثلث نتيجة عوامل عدة؛ منها العمر، والتفضيل الوالِدي الذي يُترجم على هيئة سلوكيات وأحاديث تميّز طفلاً عن الآخر، والاضطرابات الاجتماعية والسلوكية لدى الطفل نفسه. فعلى سبيل المثال؛ تتمايز سلوكيات وتعبيرات كل طفل التي تحفزها مشاعر وعواطف الغيرة بحسب مكانه ومكانته في المثلث الاجتماعي، فتختلف التصرفات بطبيعة الحال عندما يكون الطفل الغيور هو الأكبر سناً عن تصرفاته عندما يكون هو الأصغر، وقد يُعزى ذلك للاختلافات في النمو الإدراكي الذي يَصحبه بلوغ عمري ومعرفي.
كيف تظهر الغيرة بين الأشقاء؟
كما وضحنا في السابق، فإن الغيرة بين الأبناء أمر طبيعي، وقد يستمر حتى بعد سن المراهقة. وتظهر مشاعر الغيرة بعد -على سبيل المثال- تغيّر بيئة الطفل الأول بولادة أخ أو أخت؛ بحيث يُلاحظ الطفل حاجة الأخ الأصغر أو الأخت الصغرى لمستويات أعلى من الاهتمام والحب والعطف، نتيجة اعتماده الكامل على الأم والأب في تلك المرحلة العمرية. وفي الغالب يعبر الطفل الذي يشعر بالغيرة بسلوكيات سلبية؛ مثل محاولة جذب الانتباه عمداً، أو الإصرار على حمله، أو تعمّد اختلاق المشاكل، أو رفض ما يُطلب منه فعله، أو محاكاة تصرفات الرضيع، أو ظهور طباع سلبية مثل مصه لإبهامه أو تبليله لسرواله، أو رغبته في ارتداء الحفاضات أو حتى الشرب من علبة حليب أخيه أو أخته الأصغر سناً. أيضاً قد تظهر الغيرة على هيئة سلوكيات سلبية أخرى؛ كمحاولة ضرب الطفل الأصغر سناً، أو الانعزال عن محيطه بالهدوء وعدم الرغبة في فعل أي شيء مع الوالِدين، أو حتى الانزعاج والخوف من مساعدة الوالِدين.
كيف أعالج الغيرة بين أطفالي الصغار
خلال فترة الحمل
يجب على الوالِدين أو مقدمي الرعاية للأطفال التعامل مع الغيرة قبل أن تظهر؛ بحيث يحرصون على جاهزية أطفالهم نفسياً، ومن ذلك:
- أخبر طفلك عن أن الكثير من العائلات لديها أكثر من طفل واحد، حتى يتقبل فكرة أنه من الممكن أن يكون لديه إخوة وأخوات جدد.
- أخبر الطفل قصصاً عن شكل المولود الجديد واحتياجاته؛ مثل النوم الكثير، والبكاء معظم الأحيان، وعدم قدرته على اللعب والتحرك. وهنا على سبيل المثال؛ قد تستفيد من زيارة أقاربك الذين لديهم مواليد جدد؛ بحيث يرى طفلك ويسمع بشكل واقعي عن وجود مولود جديد في العائلة، أو حتى عرض صوره عندما كان مولوداً ومشاركته قصصاً عن تلك المرحلة.
- أجب عن أسئلة طفلك التي تدور حول مكان وجود أخيه أو أخته وكيف جاء، ودعه يشعر ويستمع إلى بطن الأم.
- أشرك طفلك واجعله يساعد في تجهيز غرفة المولود الجديد.
- قم بإجراء تغييرات على روتين طفلك قبل ثلاثة أشهر على الأقل من وصول المولود الجديد، من دون إخباره أن هذه التغييرات بسبب أخيه أو أخته؛ مثل أن تنقله إلى غرفته أو سريره الجديد.
قبل الولادة بأيام قليلة
- أخبر طفلك عن حاجة الأم للذهاب إلى المستشفى لإنجاب الطفل، وشاركه معلومات عامة عن مكان وجود المستشفى.
- أخبر طفلك عمّن سوف يعتني به عندما تكون الأم في المستشفى، وتأكد من معرفته لمقدم الرعاية.
- دع طفلك يعرف أنه قد يتعين عليك الذهاب إلى المستشفى عندما يكون ليس بالجوار أو نائماً، أو أيقظه ليقول وداعاً، أو ارحل مع ترك ملاحظة يمكن له قراءتها.
أثناء وجود الأم في المستشفى
- اطلب من مقدم الرعاية إحضار طفلك لزيارة أمه والمولود الجديد -إن أمكن- أو ساعده ليتصل بأمه عبر الاتصال المرئي أو الهاتفي.
- امنح طفلك مزيداً من الاهتمام قبل أن يلتقي بالمولود الجديد.
- احمل صورة لطفلك معك حتى يتمكن من رؤيتك وأنت تفكر فيه.
بمجرد وصول الأم والمولود الجديد إلى المنزل
- امنح طفلك المزيد من الاهتمام بينما يقوم شخص آخر برعاية المولود الجديد، وحافظ على روتينه قدر الإمكان.
- اسمح لطفلك بلمس المولود الجديد والنظر إليه وحمله عندما يكون جاهزاً لذلك، ولا تجبره على فعل ذلك.
- دع طفلك يساعدك في رعاية أخيه أو أخته؛ كأن يحضر لك الحفاضات والملابس والألعاب، ولا تجبره على ذلك، مع مدحه ومدح أثر فعله.
- لا تترك طفلك والمولود الجديد بمفردهما؛ حيث قد يؤذي الطفل الأكبر سناً المولود الجديد عن طريق الخطأ.
- حاول قضاء بعض الوقت مع طفلك عندما يكون المولود الجديد نائماً.
في حال حدوث مشاكل بين الأبناء بسبب الغيرة
- كن مستعداً لتفهّم سلوكيات طفلك وتجنّب عقابه، خاصةً إذا عاد لفعل سلوكيات سلبية قد تجاوزها في السابق؛ مثل الفشل في استخدام المرحاض أو النوم في سريره طوال الليل، واحرص على مدحه عندما يُظهر سلوكيات إيجابية.
- تعرّف أكثر على مشاعر طفلك، فإذا قال أنه لا يحب الطفل، فعليك موافقته أنه ليس من الممتع دائماً إنجاب مولود جديد، ثم تحدث عن حبك أنت (كمقدم الرعاية) لأخيه أو أخته؛ ولكن حتى أنت تجد صعوبة في بعض الأحيان؛ بحيث لا تجعل طفلك يشعر بالذنب لما يشعر به.
- كن متسقاً في ردودك ونهجك الانضباطي؛ بحيث تستمر في استخدام نفس القواعد التي كانت تحكم المنزل قبل مجيء المولود الجديد.
- تجاهل سلوك طفلك الطفولي، خاصةً إذا بدأ في محاكاة المولود الجديد بأشياء مثل تقليد صوته أو طلب استخدام الرضاعة الزجاجية، وفي المقابل عزّز سلوكه الإيجابي بالمدح عندما يتوقف عن السلوك الطفولي.
في الختام؛ ينبغي ألا تنسى أن بعض التفاعلات بين الإخوة طبيعية، وما هي إلا إشارة لتكيّفهم مع بعضهم البعض، وتدلّ على نموهم العقلي والنفسي والسلوكي. كما يجب على الوالِدين أو مقدمي الرعاية العمل على عدم إهمال مهامهم الوالِدية التي تتمثل في الحرص على العدل في الاهتمام والحب والعطف، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال المساواة التامة. وأخيراً؛ يجب الحرص على عدم جعل التباين في توفير الاحتياجات العاطفية واضحاً جلياً للأطفال حتى لا يحفّز ذلك مشاعر وعواطف الغيرة لديهم.