الغضب عاطفة طبيعية تتراوح شدتها بين الانزعاج البسيط والانفعال الشديد، وهو أيضاً استجابة تكيفية ضرورية لمواجهة التهديدات المحتملة والدفاع عن النفس، ما يجعله عاملاً مهماً للبقاء على قيد الحياة. لكن هل سبق أن شعرت بالغضب دون سبب واضح، ثم لاحظت أن والدك كان يتصرف بالطريقة نفسها؟ ربما جعلك ذلك تبحث عن احتمالية أن يكون الغضب سمة موروثة عبر الجينات، وسنقدم لك في مقالنا الإجابة الوافية.
محتويات المقال
هل يمكن أن يكون الغضب وراثياً؟
ثمة علاقة معقدة بين الجينات والتنظيم العاطفي الذي يعد الغضب جزءاً أساسياً منه، ويمكن القول إن الجينات تؤدي دوراً مهماً في الشعور بالغضب؛ حيث أكدت دراسة بحثية نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب (National Library of Medicine) أن هناك 18 اختلافاً جينياً محدداً مرتبطاً بالغضب، علاوة على ذلك، فإن نحو 50% من مشاعر الغضب ترجع إلى الجينات.
ويمكن القول إن الغضب مرتبط بمناطق معينة من الدماغ مثل اللوزة الدماغية التي تساعد على معالجة المشاعر مثل الخوف والغضب، ولهذا فإن الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي للغضب يعانون ضعفاً في أداء منطقة اللوزة الدماغية.
ويطلق الدماغ عند الشعور بالغضب مجموعة من النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، هذه النواقل تحفّز الجهاز العصبي الودي، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وتسارع ضربات القلب، وزيادة معدل التنفس، وترتبط هذه النواقل بمستقبلات محددة تؤثر في استجابات الجسم الهرمونية، وتؤدي الجينات دوراً رئيسياً في تحديد كيفية عمل هذه المستقبلات واستجابة الفرد للغضب.
اقرأ أيضاً: ما هي أفضل طرق التنفيس عن الغضب؟
الجينات مقابل التنشئة الاجتماعية: من المسؤول عن توريث الغضب؟
ليست كل مشكلات الغضب وراثية، وفي حين يُعتقد أن نحو نصف السلوك الغاضب موروث، فإن البيئة التي تعيش فيها وعوامل أخرى تؤثر أيضاً في إحساسك بالغضب، وحين تدرك أن الأمر لايقتصر فقط على الجينات والوراثة ستتمكن من إيجاد استراتيجيات أفضل للتعامل مع غضبك.
ويمكن القول إن كلاً من الجينات الوراثية والتنشئة الاجتماعية مسؤول بطريقة معينة عن ترسيخ صفة الغضب بداخلك؛ فمن ناحيةٍ، تحدد تركيبتك الجينية مدى استعدادك لصفات وسلوكيات معينة، وعلى الجانب الآخر فإن التنشئة الاجتماعية والبيئة تُشكّلان التجارب الحياتية التي تبرز وترسّخ تلك الصفات والسلوكيات. على سبيل المثال، في حالة الغضب، تتفاعل الجينات مع التنشئة الاجتماعية وتؤثر في تطور غضبك، فإذا كان لديك استعداد وراثي للغضب فإن الطريقة التي نشأت بها والتجارب التي مررت بها ستحدد نمو صفة الغضب أو ضمورها لديك.
وفي بعض الأوقات قد يكون الغضب سلوكاً مكتسباً وذلك من خلال طريقتين هما:
النمذجة
من خلال النمذجة، يلاحظ الطفل سلوكاً على أحد الوالدين ثم يكرره، ومن ثم يصبح انعكاساً لأبويه لذا، إذا لاحظ الغضب أو العنف في حياته اليومية معهم، سينخرط بسهولة في السلوكيات الغاضبة.
التعزيز
يُقصد بالتعزيز حصولك على المكافأة في أثناء الانخراط بالسلوك الغاضب خلال فترة الطفولة، ما يشجعك على الاستمرار في التصرف بغضب، على سبيل المثال، إذا أدى الاندفاع في الغضب إلى حصولك على ما تريده عندما كنت طفلاً، فغالباً ستتعامل بغضب حين تصبح شخصاً بالغاً لأنك تعلمت في بيئة التنشئة أن الغضب يجعلك تحصل على ما تريد.
ما هي الأسباب الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى إثارة غضبك؟
يمكن لأسباب عديدة أن تؤثر في مستويات غضبك بالإضافة إلى العوامل الوراثية، والعوامل البيئية، منها على سبيل المثال:
1. الإصابة ببعض اضطرابات الصحة النفسية
يرتبط الغضب ارتباطاً وثيقاً ببعض اضطرابات الصحة النفسية. على سبيل المثال، إذا كنت مصاباً باضطراب ثنائي القطب ستعاني تقلبات مزاجية شديدة تتأرجح خلالها بين قمة السعادة وقمة الغضب، فمن المعروف أن مريض ثنائي القطب يواجه صعوبة كبرى في إدارة مشاعره، وعلى الجانب الآخر، فإن الاكتئاب يعمّق حالة اليأس والتوتر ما يجعل السيطرة على مشاعر الغضب أمراً صعباً.
لا يقتصر الأمر فقط على اضطراب ثنائي القطب والاكتئاب، فهناك بعض حالات الصحة النفسية الأخرى التي ترتبط بالغضب، منها على سبيل المثال، اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، والاضطراب الانفجاري المتقطع الذي ينطوي على الكثير من نوبات الغضب.
2. الضغط النفسي والتوتر
يمكن أن تؤدي مواقف الضغط النفسي والتوتر إلى الغضب والسلوك العدواني، وقد يأتي التوتر من ضغوط مرتبطة بالعمل أو متطلبات المدرسة أو مشكلات شخصية، أو مشكلات مالية، ويمكن أن يؤثر الضغط النفسي في كيفية معالجة الدماغ للعواطف، ما قد يجعلك أكثر عرضة لنوبات الغضب.
اقرأ أيضاً: ما هو سبب الرغبة في تكسير الأشياء عند الغضب؟
3. الحرمان من النوم
يؤكد أستاذ علم النفس في جامعة ولاية آيوا (Iowa State University)، زلاتان كريزان (Zlatan Krizan)، أن الحرمان من النوم يمكن أن يؤدي إلى تفاقم مشاعر الغضب علاوة على زيادة المشاعر السلبية مثل الحزن والتوتر، ويمكن القول إن الحرمان من النوم يسبب انخفاض تدفق الدم إلى اللوزة الدماغية، وقد ذكرنا مسبقاً أن اللوزة الدماغية هي المسؤولة عن معالجة المشاعر مثل الغضب، لذلك، إذا كنت تريد أن تعمل اللوزة الدماغية لديك على نحو جيد، وتبقي مشاعر الغضب تحت السيطرة، احصل على قسط كافٍ من النوم.
4. الإصابة بالأمراض المزمنة
من المحتمل أن تؤدي مواجهة بعض المشكلات الصحية إلى تفاقم مشاعر الغضب، وذلك مثل حالات الألم المزمن أو الاضطرابات العصبية أو اختلال التوازن الهرموني، على سبيل المثال، قد يجعلك اضطراب الغدة الدرقية أكثر انفعالاً وغضباً.
5. تجارب الحياة الصعبة
أحياناً يمكن أن تؤدي الصدمات أو التجارب السلبية الماضية إلى الغضب المزمن والسلوك العنيف، على سبيل المثال، إذا تعرضت للإساءة أو المعاملة غير العادلة من الوالدين، فقد تواجه صعوبة في السيطرة على مشاعر الغضب نتيجة للألم العاطفي غير المعالج، وقد تؤثر هذه التجارب الماضية في كيفية استجابتك للتوتر في المستقبل.
6 إرشادات تساعدك على تقليل حدة غضبك
يوضح أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة ديوك (Duke University School of Medicine)، ريدفورد ويليامز (Redford Williams)، أن الغضب المستمر يرفع ضغط الدم ويؤدي إلى زيادة إفراز هرمون الكورتيزول، ومع مرور الوقت قد يدمّر غضبك جهازك المناعي، وحتى تقلل حدة الغضب حاول اتباع الإرشادات التالية:
1. تعرّف إلى محفزاتك
إذا اعتدت على فقدان أعصابك والشعور بالغضب في أثناء مواجهة بعض المواقف، حاول تحديد الأشياء التي تثير غضبك، ثم تجنبّها. على سبيل المثال، بالأمس غضبت بشدة من طفلي الصغير بسبب شعوري بالإرهاق الشديد، ولهذا أحاول قدر الإمكان تنظيم يومي على نحو مختلف حتى أتجنب الشعور بالضغط النفسي والإرهاق.
2. اكتشف مشاعرك الحقيقية
هل سبق لك أن دخلت في جدال مع أحد أصدقائك حول شيء تافه ثم شعرت بغضب شديد لا يتناسب مع حجم الموقف؟ الحقيقة هي أن الغضب قد يكون بمثابة حماية لمشاعر أخرى أكثر صعوبة. على سبيل المثال، إذا لم تتعلم في صغرك التعامل مع مشاعر خيبة الأمل، فقد ينشأ الغضب ليحميك من إحساس الحزن العميق أو عدم الأمان، لذلك حين تهدأ حاول أن تكتشف مشاعرك الحقيقة التي تختبئ خلف الإحساس بالغضب.
وفي هذا السياق، يشرح الطبيب النفسي، محمد الغامدي، أن الغضب شعور ثانوي يخفي مشاعر أخرى مزعجة أو مؤلمة مثل الخوف أو التوتر أو الحزن. لذلك، فإن من يعاني نوبات غضب يحتاج إلى فهم المشاعر الأولية التي تحركها ويتعامل معها.
3. أعد صياغة أفكارك
غالباً ما تتغذى مشاعر الغضب على الأفكار المشوهة أو المبالغ فيها، لذلك قبل أن تغضب تحدَّ هذه الأفكار من خلال التشكيك في صحتها، واسأل نفسك: هل هناك تفسير بديل للموقف؟ هل تفترض الأسوأ؟ يمكن أن تساعدك إعادة صياغة أفكارك على رؤية الموقف من منظور أكثر عقلانية وتوازناً، ما يقلل شدة غضبك.
4. مارس تقنيات الاسترخاء
عندما يتفاقم غضبك، استخدم مهارات الاسترخاء. على سبيل المثال، مارس تمارين التنفس العميق أو التأمل، أو تخيل مشهداً أو مكاناً مريحاً مثل الشاطئ، ويمكنك أيضاً الاستماع إلى الموسيقى، أو الكتابة في مذكرات، علاوة على ذلك، كرر كلمات تهدئك مثل "خذ الأمر ببساطة" أو"هذه المشاعر سوف تمر".
اقرأ أيضاً: كيف يمكن التحكم في الغضب على نحو أفضل؟
5. حاول أن تكون واقعياً
دعوني أخبركم سراً صغيراً، دائماً ما أرغب في أن تكون حياتي مثالية، ويكون بيتي مرتباً، وعملي يسير على أكمل وجه، وأطفالي سعداء، وإذا حدث اختلال في تلك المطالب، أشعر بالانهيار والتوتر، ثم يأتي دور الغضب، ولهذا لا تفعل مثلي أبداً، فكر دوماً في الحلول الممكنة التي يمكنك اللجوء إليها، وافهم أن بعض الأشياء خارجة عن نطاق سيطرتك، ومن ثم حاول أن تكون واقعياً بشأن ما يمكنك وما لا يمكنك تغييره، وذكّر نفسك بأن الغضب لن يصلح أي شيء وقد يزيد الأمر سوءاً.
6. اطلب المساعدة المهنية
إذا كان غضبك خارجاً عن السيطرة أو يؤثر تأثيراً كبيراً في حياتك اليومية، فكر في طلب المساعدة من الطبيب النفسي الذي يمكن أن يوفر لك العلاج عبر استراتيجيات مواجهة مصممة خصيصاً لاحتياجاتك، فضلاً عن مساعدتك على معرفة جذور غضبك وأسبابه، وإمدادك بطرائق تسهم في تهدئته.