كيف يمكن أن يؤثر العمل مدة 4 أيام في الأسبوع في صحتك النفسية؟

5 دقيقة
العمل لمدة 4 أيام في الأسبوع
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: انتشر خلال الآونة الأخيرة الترويج لفكرة العمل بنظام الأربعة أيام أسبوعياً؛ حيث توصلت دراسة بحثية نشرتها جامعة كامبريدج عام 2022 إلى نتيجة مفادها أن العمل مدة 4 أيام في الأسبوع يقلل مستويات التوتر والإرهاق لدى الموظفين، والحقيقة أن هناك الكثير من المميزات لهذا النظام سوف نتعرف إليها من خلال هذا المقال.

هل شعرت يوماً أنك مشغول في أثناء عطلات الأسبوع أكثر من انشغالك في أيام العمل، خاصة إذا كان يجب عليك إنجاز الأعمال المنزلية والزيارات العائلية ورعاية الأطفال؟ هذه المسؤوليات كلها عليه إنجازها في 48 ساعة فقط! هل تتمنى لو كان لديك الوقت الكافي من أجل الاسترخاء والراحة والحصول على قسط كافٍ من النوم قبل أسبوع حافل آخر؟ هل تشعر بالإرهاق والتوتر بسبب ساعات عملك الطويلة؟ وهل يمكن لأسبوع عمل أقصر مدته 4 أيام أن يساعدنا جميعاً على الشعور بقدر أقل من التوتر؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

كيف يؤثر الإرهاق في العمل على الصحة النفسية؟

وفقاً لمؤشر اتجاهات العمل (Work Trend Index) لعام 2022 الصادر عن شركة مايكروسوفت (Microsoft)؛ فإن 48% من الموظفين و53% من المدراء في الولايات المتحدة يشعرون بالإرهاق في العمل؛ حيث وصلت عمليات البحث عبر محرك البحث جوجل عن أعراض الإرهاق إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق خلال عام 2022، وذلك حسبما ذكرته منصة هارفارد بزنس ريفيو (Harvard Business Review). والحقيقة أن الإرهاق هو أكثر من مجرد الشعور بالتعب في العمل؛ إنه رد فعل عاطفي وعقلي وجسدي للضغط المستمر. وعندما تتراكم متطلبات العمل باستمرار، فإن ذلك يؤثر سلباً في صحتك النفسية؛ حيث يؤدي الإرهاق في العمل إلى:

  1. القلق.
  2. الاكتئاب.
  3. اضطرابات النوم.
  4. فقدان الحافز.
  5. تدني احترام الذات.
  6. انخفاض القدرة على التركيز.
  7. صعوبة اتخاذ القرارات.
  8. الشعور باستنزاف الطاقة.
  9. انخفاض الإنتاجية.

من أين جاءت فكرة أسبوع العمل بنظام الأربعة أيام؟

على الرغم من الحماس الكبير الذي شهدته فكرة أسبوع العمل بنظام الأربعة أيام، فإن هذه الفكرة ليست حديثة العهد؛ فخلال عام 1928، توقع الاقتصادي الإنجليزي جون ماينارد كينز (John Maynard Keynes) أن يبلغ عدد ساعات العمل الأسبوعية 15 ساعة في غضون قرن من الزمان. وفي عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته، توقع رواد الأعمال مثل هنري فورد (Henry Ford) أن تقليل عدد ساعات العمل أسبوعياً من أكثر من 60 ساعة إلى 40 ساعة يمكن أن يؤدي في الواقع إلى زيادة الإنتاجية. وفي عام 1933، كاد الكونغرس أن يوافق على مشروع قانون يقضي بتخفيض ساعات العمل لتصبح 30 ساعة في الأسبوع لكنه فشل لمواجهته معارضة من بعض الأعضاء.

عادت الفكرة لتطفو على السطح مرة أخرى؛ حيث أجرى علماء الاجتماع في جامعة كامبريدج (The University of Cambridge) دراسة بحثية خلال عام 2022 حول أكبر تجربة في العالم لأسبوع عمل مدته 4 أيام، وارتكزت الدراسة على فكرة تخفيض ساعات العمل بنسبة 20% للموظفين كافة مدة 6 أشهر، دون تخفيض الأجور.

وقد توصلت هذه الدراسة إلى أن أسبوع العمل المكون من 4 أيام يقلل التوتر والإرهاق على نحو كبير، ويساعد على الاحتفاظ بالعاملين؛ حيث أبلغ نحو 71% من الموظفين عن مستويات أقل من الإرهاق، وأكد 39% منهم إنهم كانوا أقل توتراً، مقارنة ببدء التجربة، ووجد الباحثون انخفاضاً بنسبة 65% في الإجازات المرضية، وانخفاضاً بنسبة 57% في عدد الموظفين الذين يغادرون الشركات المشاركة في الدراسة، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وبالكاد تغيرت إيرادات الشركة خلال الفترة التجريبية، حتى أنها زادت بشكل طفيف بنسبة 1.4% في المتوسط. وفي نهاية التجربة، أكدت قُرابة 92% من الشركات المشاركة في الدراسة أنها تنوي الاستمرار في أسبوع العمل المكون من 4 أيام.

اقرأ أيضاً: دليلك الكامل للحفاظ على صحتك النفسية في العمل

ما فوائد العمل مدة 4 أيام أسبوعياً لصحتك النفسية؟

وفقاً لما ذكره مؤلفا كتاب “العمل الإضافي: لماذا نحتاج إلى أسبوع عمل أقصر” (Overtime: Why We Need A Shorter Working Week)، ويل سترونج (Will Stronge) وكايل لويس (Kyle Lewis)؛ فإن الانتقال إلى أسبوع العمل المكوّن من 4 أيام الذي يُطبَّق حالياً في المملكة المتحدة يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في مستويات التوتر الذي يعانيه الكثير من الموظفين داخل بيئة العمل. وهناك العديد من الفوائد النفسية الأخرى لهذا النظام؛ مثل:

  1. تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية: عندما تقضي 5 أيام من الأسبوع في العمل، قد تشعر وكأنك تعيش لتعمل، وليس العكس؛ ولهذا يمنحك أسبوع العمل الأقصر وقتاً إضافياً من أجل المشاركة في الأنشطة التي تستمتع بها؛ ومن ثم سوف تتحسن صحتك النفسية بالتبعية. وإحدى أهم المميزات في أسبوع العمل المكون من 4 أيام هي فرصة قضاء المزيد من الوقت الجيد مع أحبائك، ففي النهاية، البشر مخلوقات اجتماعية تحتاج إلى التفاعل مع الآخرين من أجل تعزيز الحالة المزاجية والشعور بالانتماء والسعادة، وفي هذا السياق، يوضح المختص النفسي سعود العمر إن تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية يحسن الإنتاجية ويمنع الاحتراق الوظيفي.
  2. تحسين جودة النوم: يعد النوم الكافي والجيد أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على الصحة النفسية، ويوم عمل أقل يعني وقتاً إضافياً للراحة والتعافي حتى تتمكن من استقبال أسبوع عمل جديد بكامل طاقتك. يُذكر إن الحصول على قسط كافٍ من النوم، يلعب دوراً حيوياً في دعم الوظائف المعرفية، والاستقرار العاطفي والمرونة النفسية، علاوة على أن النوم الكافي يعزز الانتباه والتفكير واتخاذ القرار والتعلم والذاكرة؛ ما يسمح لنا بالاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها على نحو أكثر فعالية؛ الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى العمل على نحو أكثر كفاءة وإنتاجية.
  3. تعزيز الصحة البدنية: مع أسبوع عمل مدته 4 أيام، يمكنك اختيار استغلال وقت فراغك الجديد لتحسين صحتك البدنية؛ حيث يرتبط الجسم والعقل ارتباطاً جوهرياً؛ لذا فإن العمل على صحتك الجسدية سيفيد صحتك النفسية في الوقت نفسه. على سبيل المثال؛ تؤدي ممارسة التمارين الرياضية إلى إطلاق هرمون الدوبامين ما يجعلك تشعر بالسعادة والإيجابية والنشاط.
  4. تحسين الرضا الوظيفي: إن تنفيذ فكرة أسبوع عمل مدته 4 أيام يمكن أن يجعل الموظفين يشعرون بأنهم أكثر ارتباطاً ليس فقط بالعمل؛ ولكن أيضاً ببعضهم بعضاً؛ حيث يساعد الشعور بالارتباط على تعزيز الإحساس بالانتماء ومن ثم تحسين الصحة النفسية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أولئك الذين يتمتعون بمستويات عالية من الرضا الوظيفي هم أقل عرضة إلى الإرهاق.
  5. انخفاض مستويات القلق والتوتر: لا أحد يحب الشعور بالإرهاق والتوتر، والضغط الذي يدفعنا إلى أن نكون منتجين دائماً يؤثر سلباً في صحتنا النفسية؛ ولهذا فإن تنفيذ فكرة أسبوع عمل مدته 4 أيام يمكن أن يؤدي إلى تخفيف هذا العبء؛ وذلك لأنه يمنح الموظفين مزيداً من الوقت للاسترخاء وإعادة شحن طاقتهم والاستمتاع بالأشياء التي يحبون ممارستها. وعندما ينخفض الإرهاق، سوف ترتفع المرونة النفسية على نحو كبير؛ ما يخلق بيئة عمل إيجابية وداعمة.
  6. تعزيز فكرة المساواة بين الجنسين: عادة ما تضطر النساء إلى ترك العمل من أجل رعاية الأطفال وإنجاز المهام والأعمال المنزلية. وخلال جائحة كوفيد-19، غادرت قُرابة 3 ملايين امرأة سوق العمل في الولايات المتحدة من جراء الوباء، والحقيقة أن فكرة العمل بنظام الأربعة أيام أسبوعياً يمكن أن تساعد النساء على تحقيق التوازن بين العمل ورعاية الأطفال، علاوة على أنها ستتيح مزيداً من المرونة للآباء والأمهات لقضاء يوم الإجازة الإضافي في أداء المهمات الضرورية والتعامل مع شؤون الأسرة الأخرى؛ ما يسمح لهم بأن يكونوا أكثر تركيزاً وإنتاجية في أثناء العمل.

وفيما يخص الشركات وأصحاب العمل، فإن نظام الأربعة أيام أسبوعياً سوف يؤدي إلى استقطاب المواهب المتميزة والاحتفاظ بها؛ وذلك لأن الشركات التي تعطي الأولوية لرفاهية موظفيه من خلال ممارسات مثل تقديم أسبوع عمل مدته 4 أيام، سوف تجتذب أفضل المواهب وتحافظ عليها. وفي سوق العمل التنافسية التي نشهدها اليوم، يبحث المحترفون عن المنظمات التي تقدر التوازن بين العمل والحياة وتضع الصحة النفسية في المقدمة. لذلك؛ من خلال توفير المرونة مثل أسبوع عمل مدته 4 أيام، يمكن للشركات اكتساب ميزة وإنشاء قوة عاملة مخلصة وملتزمة.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر العمل بنظام المناوبات على الصحة النفسية للعاملين؟

ما مخاوف العمل بنظام الأربعة أيام أسبوعياً؟

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يُخسَر ما يقدَّر بنحو تريليون دولار في أنحاء العالم كافة كل عام بسبب فقدان الإنتاجية المرتبط بالاكتئاب والقلق؛ وتأتي هذه الخسارة من استدعاء العمال للمرضى، أو كفاحهم لإكمال العمل، أو ارتكاب الأخطاء لأنهم متعبون للغاية أو مرهقون. والحقيقة أن الموظفين بشر وليسوا آلات، وفكرة المطالبة بـ 40 ساعة عمل أسبوعياً لا تعني بالضرورة أن الشركة تحصل على 40 ساعة عمل بل بالعكس؛ قد يزيد هذا الضغط مستويات التوتر لدى الموظفين؛ الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى خسارة إنتاجية كبرى! وعلى الرغم من فوائد العمل بنظام الأربعة أيام أسبوعياً، فإن هناك بعض المخاوف التي تحيط بالفكرة؛ مثل:

  1. ساعات أقل تعني وقتاً أقل لإنجاز مهام العمل: في حين أظهرت الدراسات أن أسبوع العمل مدته 4 أيام يمكن أن يعزز الإنتاجية ويقلل التوتر والإرهاق، فإنه يمثل أيضاً تحدياً، فمع قلة ساعات العمل في الأسبوع، قد يكون هناك وقت محدود لإنجاز المهام الضرورية كافة.
  2. زيادة القلق والتوتر: لا شك أن أسبوع العمل المكون من 4 أيام يوفر لك المزيد من وقت الفراغ خلال عطلات نهاية الأسبوع الطويلة؛ ولكن هناك جانباً سلبياً محتملاً يجب أخذه في الاعتبار: سيظل الموظفون مطالبين بإكمال مهام العمل القياسية التي تستغرق 8 ساعات ضمن جدول زمني مكثف مدته 4 أيام؛ ما يعني أنه يجب عليهم دمج 40 ساعة عمل في 32 ساعة!

error: المحتوى محمي !!