ملخص: اكسر دائرة النرجسية وتعرّف إلى أسباب الشخصية النرجسية لدى الآباء وسُبُل التعامل معها.
محتويات المقال
مثل أي طفل عادي؛ من المتوقع أنك تلقيت الحب والدعم والتشجيع من والديك اللذين يضعان بمحبتهما الأساس للشعور بالأمان والثقة في الآخرين، ومع ذلك فإنك تشعر بمشكلة ما، فعلى الرغم من أنك تلقيت كل شيء من والديك من الناحية المادية؛ لكن لديك شعوراً عميقاً بأن العلاقة معهما كانت دائماً غريبة إلى حد ما.
وعلى نطاق أوسع، تختلف علاقتك بهما عما تعرفه من الأصدقاء وأولياء أمورهم. ولسوء الحظ، فهذا هو واقع الأطفال الذين يكبرون مع والدين نرجسيين. يمثل الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية النرجسية تحدياً كبيراً لبيئتهم الاجتماعية، ويصعب على البالغين التعامل معهم، فما بالك بالأطفال الصغار!
لا يستطيع الوالدان النرجسيان منح طفلهما الاهتمام والأمان الضروريَّين للنمو الصحي. وبدلاً من ذلك، فإنهم يتعرضون للإفراط في الرفض والتجاهل والقمع. فكيف تساعد طفلاً يتعرض للتأثير المدمّر لوالدين نرجسيين؟
ما هي النرجسية؟
عادةً ما يترافق مصطلح النرجسي بنظرة عامة عن شخص مغرور ومعتدٍّ بنفسه. هذا صحيح إلى حد ما، ومن وجه نظر نفسية وأكثر دقة، يُغرم النرجسي بصورة مثالية عن نفسه لأنها تسمح له بتجنب مشاعر عدم الأمان المتأصلة فيه؛ لكن دعم هذه الصورة المضخمة وأوهام العظمة لديه يتطلب سلوكات غير متوازنة.
النرجسية هي اضطراب طيفي؛ أي أننا جميعاً لدينا بعضٌ من النرجسية فينا، وتتجلى أحياناً في التوق إلى الإطراء. ولكن عندما تصبح هذه السمات واضحة وأساسية، فإنها تتحول إلى حالة مرضية تتسبب بالتعاسة وخيبة الأمل عندما لا يتلقى النرجسيون الثناء أو الخدمات الخاصة التي يعتقدون أنهم يستحقونها، وتُعرف بـ "اضطراب الشخصية النرجسية" (NPD).
فاضطراب الشخصية النرجسية (NPD) هو أحد اضطرابات الشخصية المعترَف بها في الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، وليس مجرد نوع من الشخصية أو اختياراً شخصياً. يكون للناس المصابين به رأي مبالغ فيه عن أنفسهم، وحاجة ماسّة إلى إعجاب الآخرين واهتمامهم. وبشكل عام، يتّسم النرجسي بعلامات وسلوكات مميزة؛ أهمها:
- إحساس متضخم بأهمية الذات.
- عدم التعاطف مع الآخرين.
- الحاجة العميقة إلى الاهتمام أو الإعجاب المستمر.
من المفارقات أنه يمكن للنرجسي أن يكون هشاً للغاية، ويعتمد على الصورة الخارجية، أو خداع الذات. وتظهر طريقة التفكير والتصرف هذه في كل مجال من مجالات حياة النرجسي؛ من العمل والصداقات إلى العلاقات الأسرية والحب.
اقرأ أيضاً: ما الذي يفعله الضغط النفسي للأهل في شخصيات أطفالهم
أسباب النرجسية
لم يتمكن الباحثون من تحديد السبب الدقيق لاضطراب الشخصية النرجسية؛ إلا أنه ثمة بعض الأسباب المحتمَلة؛ ومنها:
- صدمات الطفولة مثل الاعتداء الجسدي والجنسي واللفظي.
- التاريخ الوراثي.
- فرط الحساسية للأنسجة والضوضاء والضوء في الطفولة.
- الشخصية والمزاج.
مَن هم الآباء النرجسيون؟
سواء كان أحد الوالدين أو كليهما، فإن الوالد النرجسي هو الذي غالباً ما يتجاهل احتياجات أطفاله واهتماماتهم؛ وذلك نتيجةً لاعتقاده بأهمية احتياجاته ومشاعره الخاصة. كما يفرط الآباء النرجسيون في قمع الأطفال ونقدهم، أو حتى تعنيفهم جسدياً.
لماذا قد يصبح الوالدان نرجسيَّين؟
وفقاً لاستشاري الطب النفسي واضطرابات المزاج، الدكتور محمد اليوسف؛ قد يصبح الوالدان نرجسيَّين بتأثير أحد الأسباب التالية:
- استنساخ الطريقة التي اتّبعها الأجداد في التربية (ذلك ما وجدنا عليه آباءنا)!
- حماية الأطفال من التجارب المؤلمة التي مر بها الآباء في طفولتهم، فيضطر لممارسة الحماية أكثر من اللازم.
- اعتقاد بعض الآباء النرجسيين أن طفاه امتداد طبيعي له، أو شاشة عرض لأحلامه التي لم تتحقق!
- القلق حول قيمته الذاتية بوصفه أباً؛ لذا فهو لا يسمح لطفله بالانفصال عنه، ويتسبب له، بوعي أو من غير وعي، بالشعور بالذنب.
- الرفض للعلاقات والمشاعر العميقة كأسلوب دفاعي ضد الصدمات، فهم غالباً ما يميلون إلى عدم التحدث عن طفولتهم.
- الغيرة من الطفل باعتباره جزءاً منهم قد اضطروا لفقده؛ لذا يتوق الوالد النرجسي إلى قمع الطفل، وحجب الحب والقبول عنه، والإساءة اللفظية وحتى الجسدية إليه.
- الأب غير الناضج، فهو ببساطة ليس ناضجاً بما يكفي لرعاية "عقل منفصل" عن عقله الخاص.
بالنتيجة؛ يمارس الآباء النرجسيون مختلَف أنواع الضغط على أبنائهم لتطوير ذواتهم بناءً على متطلبات الوالد النرجسي، فيعاني الأطفال من طفولة صعبة؛ حيث يتعرضون للفشل على الرغم من محاولاتهم المستمرة للارتقاء إلى مستوى التوقعات المتغيرة لوالديهم.
وقد يعتقد بعض الأطفال أن حب والديهم مشروط؛ ما قد يسبب نقصاً في احترام الذات والقلق والاكتئاب والعلاقات غير الصحية التي تتبعهم حتى مرحلة البلوغ.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين عقاب الطفل وتأديبه وأيهما الأصلح؟ الإجابة من طبيب نفسي
كيف يربي الآباء النرجسيون أولادهم؟ علامات الأب النرجسي
وفقاً للدراسة المنشورة في المجلة الأوروبية لدراسات التعليم (European Journal of Education Studies)؛ يمكن تمييز الآباء النرجسيين من خلال بعض السلوكات:
- الشعور المبالغ بالعظمة؛ إذ يعتقدون أن آراءهم وأفكارهم أفضل من غيرهم بمن فيهم أبناءَهم!
- عدم التعاطف، فهم لا يبدون أي اهتمام بمشاعر أطفالهم والتأثيرات السلبية لسلوكاتهم ونقدهم النرجسي، وفي المقابل يتوقعون الاهتمام والتعاطف من الآخرين.
- التكبر، فهم يعتقدون بتفوقهم ويحرصون على الإشارة إليه دائماً.
- الازدراء والنقد السلبي لخيارات الآخرين وتصرفاتهم، بمن فيهم أطفالهم، فلا شيء يفعله الأطفال جيد بما فيه الكفاية بالنسبة إليهم.
- الحسد الشديد، والشعور بالغيرة من الآخرين، حتى أطفالهم.
- عدم النضج العاطفي، فإذا ما تعرضوا للنقد أو أي نوع من التهديد لصورتهم وكيانهم، فإنهم يفقدون السيطرة ويتملكهم الغضب والشعور بالعار، ويقومون برمي الاتهامات على الآخرين.
- جذب الانتباه بالتفاخر بإنجازاتهم، فقد يصور الآباء النرجسيون أنفسهم بوصفهم آباء مضحين ومهتمين بأطفالهم فقط لجذب الانتباه.
- عدم التسامح مع اختلاف الطفل بالقيم والآراء والاحتياجات.
- الشكوى في كثير من الأحيان من أن طفلهم والآخرين هم المشكلة بدلاً من تحمل المسؤولية.
اقرأ أيضاً: 3 خطوات للتخلُّص من الشعور بأنك أم سيئة!
آثار الآباء النرجسيين في الأطفال
يؤثر تعرض الطفل خلال سنواته التكوينية الأولى لنرجسية الوالدين أو أحدهما، في نموه العاطفي والاجتماعي والنفسي؛ ما قد يؤثر فيه على المدى الطويلة. على سبيل المثال؛ يتسم أطفال الآباء النرجسيين ببعض الصفات التالية:
- تدني احترام الذات: يشعر الطفل الواقع تحت تأثير الأبوة النرجسية بعدم الكفاءة، وإن كان ذلك الشعور غير واعٍ، وله تأثيره في حياته اليومية.
- الموافقة والمصادقة على كل شيء: فقد تدفعه نرجسية الأبوين إلى الموافقة والثناء على نحوٍ دائم. وحتى عندما يكبر، يستمر في قمع الناقد بداخله.
- الخجل المزمن: قد يلجأ الأبوان النرجسيان إلى السخرية أو إهانة الطفل؛ ما قد يتسبب بشعوره المزمن بالخجل.
- إرضاء الناس: يقضي الطفل طفولته في ظل الأب النرجسي محاولاً إرضاءه، فلا يمتلك رغباته وأحلامه وأفكاره الخاصة؛ وهو ما قد يظهر لاحقاً في علاقاته مع الآخرين فيحاول إرضاءهم دائماً.
- صعوبة التعبير عن المشاعر أو تنظيمها: وذلك نتيجة سنوات من القمع والتحكم.
- صعوبة تكوين علاقات صحية: نتيجة ضعف تقديرهم لأنفسهم.
- التردد وصعوبة اتخاذ القرارات في مرحلة النضج: لأنه لم يُسمح لهم في طفولتهم التعبير عن آرائهم.
- تراجع الحالة الصحية: قد يؤدي الإجهاد المستمر الناجم عن سوء المعاملة إلى بعض المشكلات الصحية الجسدية والنفسية مثل الاكتئاب والقلق وتعاطي المخدرات.
اقرأ أيضاً: 5 روابط تحمي الأسر من التفكك
دورة النرجسية
هل الوالدان النرجسيان ضحية والدَين نرجسيَّين أيضاً؟ بعبارة أخرى؛ هل ثمة خطر أن تتولد في الطفل صفات نرجسية نتيجة التعرض للإساءة النرجسية من قبل أحد الوالدين؟ وفقاً للمعالجة والاختصاصية لينا ديرالي (Lena Derhally)؛ فإنه غالباً ما تتطور لدى الأطفال الذين يقعون ضحية ممارسات نرجسية من قبل الوالدين، سمات نرجسية وآليات دفاعية تسبب حلقة بين الأجيال!
ومع ذلك، أشارت الدراسة السابقة إلى أن العديد من أطفال الآباء النرجسيين يحاولون عدم تعريض أطفالهم للمشاعر السلبية ذاتها من خلال تجنُّب تكرار سلوكات آبائهم.
كيف نتعامل مع الآباء النرجسيين؟
بعد كل شيء، إنهما والداك، فكيف لك أن تتعامل مع والدين مصابين باضطراب الشخصية النرجسية؟ قد تساعدك هذه الطرائق في الحفاظ على علاقتك مع والديك مع حماية صحتك النفسية في الوقت ذاته؛ وإليك أهمها:
- اعلم بداية أنك لا تستطيع تغييرهما ما لم يفعلا ذلك بنفسيهما.
- لا تحاول شرح الاضطراب لهما، فهما غير مدركَين له ولا يستطيعان التعاطف معك.
- استمع إلى أفكارك واتبع حدسك.
- قيّد علاقتك، ولا تعزل نفسك مع والدين نرجسيين أو تجتمع معهما في المناسبات الخاصة، وقد يساعدك وجود أشخاص "عازلين" على قضاء الوقت معهما بسلاسة.
- تعرَّف إلى مرضهما لتجنب الأفعال أو الكلمات المؤذية بالنسبة إليهما.
- ركز على الجزء الناجح من علاقتك بهما بحيث تستطيع تحقيق تواصل مفيد معهما. على سبيل المثال؛ يمكنك إرسال الهدايا المفضلة لهما.
- تجنب الاصطدام معهما أو محاولة تحديد من على صواب أو خطأ.
- تجنب التركيز في الحديث معهما عما يثير نرجسيتهما، وركز على راحتهما.
- اطلب منهما الدور الذي تريدهما أن يمارساه في حياتك أو حياة أحد أفراد عائلتك مباشرةً.
- تحدث إلى مجموعة دعم خاصة للمساعدة على تبني سلوك الدعم الذاتي، والتأقلم والتغلب على الأوقات الصعبة.
- كن مستعداَ لإنهاء العلاقة مع الوالدين النرجسيين إذا شعرت أنها تؤثر في صحتك العقلية، أو إيقافها مؤقتاً ريثما تحصل أنت أو هما على المساعدة المختصة.
اقرأ أيضاً: 7 نصائح ذهبية للآباء والأمهات مفرطي الحساسية
ختاماً، من المهم أن تأخذ بعين الاعتبار أنه إذا كان والدك يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية، فإنه على الرغم من أنه محبط ومربك، فهذا ليس اختياره! لذا؛ قد تساعدك محاولة الحصول على دعم مهني لك وله.