ملخص: إن القدرة على تشكيل سعادتنا تكمن في النهاية في قراراتنا وأفعالنا الواعية، فالسعادة تنبع من الالتزام بإعادة تدريب أنماط تفكيرنا، وتعزيز الامتنان، والنمو الشخصي. تعرّف في هذا المقال إلى ممارسات أخرى ينصح بها الخبراء لتنمية مفهوم السعادة قرار.
محتويات المقال
بينما يسعى الجميع إلى تحقيق السعادة، ويرى فيها حجر الزاوية لتأسيس حياة حقيقية وذات معنىً، يتوه الناس أغلبهم عن معناها الحقيقي، ويستمرّون في التفكير فيها بوصفها تحدّياً صعب المنال؛ غير أن البعض الآخر يعتقد أنها سهلة المنال إن علمنا كيف نختار ونقرّر على نحو صحيح.
في كتاب: "اختيار السعادة: القرارات التي تختارها، ستحدّد الحياة التي ستتمتّع بها" (Choosing Happiness: The Decisions You Choose, Will Determine the Life You'll Have)، يبدو أن ثمّة تفاعلاً عميقاً بين قراراتنا الشخصية ومدى تحقُّق السعادة؛ إذ ترتبط الأخيرة ارتباطاً وثيقاً بالاختيارات التي نتخذّها، وبخاصة عندما نختار بوعي المسارات التي تقودنا إلى حياة مليئة بالرضا والفرح.
ما هي السعادة؟ وهل يمكن أن نختار أن نكون سعداء؟
تختلف السعادة عن المتعة العابرة، وهي ليست حالة متأصّلة أو ثابتة؛ لكنها حالة عاطفية أكثر ديمومة. فالمتعة المرتبطة بالتجارب الحسية الفورية مثل اللمس أو الطعام أو المديح، تكون عابرةً ولحظية. في المقابل، نشعر باستقرار أكبر خلال شعور السعادة الذي يدوم إلى ما بعد اللحظات العابرة.
وتشمل أهم العوامل التي تعزّز شعور السعادة لدى الناس معظمهم: الاستقرار المالي، والصحة البدنية، والعمل المُرضي، والعواطف الإيجابية، والروابط الاجتماعية القوية، والقيم الأخلاقية، والروابط الأسرية، والسلامة الأساسية والمساواة الاجتماعية.
إذ ينطوي تحقيق السعادة على تنمية هذه الجوانب وتعزيزها، ولا يستلزم ذلك امتلاك كل منها في المجمل؛ بل إن وجود عنصر واحد في أثناء السعي وراء الآخرين بنشاط يمكن أن يمهّد الطريق إلى حالة من الرفاهية، ويسهم في معادلة السعادة الشاملة.
ويوضّح استشاري الصحة النفسية، وليد هندي، إن السعادة مفهوم نسبيّ يختلف من شخصٍ لآخر< ولكن وجودها لا يعني خلوّ حياتنا من الصعوبات. ويؤكّد إنها حالة من التوافق النفسي والرضا وراحة البال التي يختبرها الأشخاص حين يشعرون بالامتنان لأوضاعهم الحالية، وذلك لا يعني عدم السعي إلى تحقيق الأحلام والطموحات باستخدام الوسائل المتاحة.
وإذ كنت تتساءل عما إذا كانت السعادة مسألة اختيار، فالجواب بالتأكيد هو "نعم"، فمن خلال الجهود المدروسة والمتضافرة، يمكن السعي وراء السعادة وتحقيقها؛ حيث إن زيادة الدخل أو إيجاد عمل هادف، وتعزيز الصحة البدنية من خلال ممارسة الرياضة والتغذية السليمة، وتعزيز العلاقات الهادفة، كلها تشكّل أجزاء من لغز السعادة المعقّد.
اقرأ أيضاً: إن أردت أن تصبح سعيداً فاستبدل بعادتك السيئة أخرى إيجابية
ما العلاقة بين السعادة واخياراتنا الشخصية؟
يتحدّث الكاتب ريكو إيتوارت (Rico Ituarte) في كتابه الذي نُشر في عام 2017 "اختيار السعادة" (Choosing Happiness)، عن التأثير العميق لخياراتنا في تشكيل حياة سعيدة ومُرضية؛ حيث يؤدّي اتخاذ القرارات التي تركّز على الترابط بين اختياراتنا وقيمنا ونمونا الشخصي إلى حياة هادفة بعيداً عن المفهوم البسيط للسعادة المطلقة.
فمن خلال تنمية المرونة للتغلّب على التحديّات، وتعزيز العلاقات الإيجابية، واحتضان التغيير واليقظة والوعي الذاتي، يُمكن للأفراد تبنّي نهجٍ شامل للسعادة والحياة الهادفة نابع من القرارات الواعية التي يتخذونها على نحو يوميّ.
وبينما قد تتدخل عوامل مثل الجينات والتنشئة في حالة أمزجتنا، فإن قُرابة 40% من السعادة يمكن التحّكم فيها وفق خبراء علم النفس الإيجابي. يؤكّد ذلك إمكانية اتخاذ قرارات واعية لتحقيقها؛ حيث تؤثّر طريقة تفاعلنا مع الأحداث الإيجابية والسلبية، ومدى قدرتنا على استعادة حالة التوازن في رفاهنا العام.
هل السعادة قرار لمَن يعاني الاكتئاب ومشكلات الصحة النفسية؟
إن فكرة السعادة قرار قد لا ينطبق على الجميع، فالأفراد الذين يعانون مشكلات في الصحة النفسية مثل الاكتئاب، لا يمكنهم ببساطة اتخاذ قرار واعٍ بأن يكونوا سعداء؛ حيث تعدّ تلك فكرة غير عملية وغير منصفة بحقّ معاناتهم.
فاضطراب الاكتئاب الشديد (Major depressive disorder) يعطّل التوازن الدقيق للمواد الكيميائية في الدماغ؛ ما يؤدّي إلى فترات طويلة من الحزن، وعدم القدرة على الشعور بالفرح خلال الأنشطة التي كانت تجلب المتعة سابقاً؛ ما يعوق الأداء اليومي للفرد، ويجعل حتّى إمكانية تخفيف الأعراض تحديّاً صعباً.
وعلى الرغم من وجود علاجات نفسية ودوائية لمواجهة الاكتئاب وإدارة أعراضه، يوصي المعالجون المصابين ببعض التعديلات في أنماط الحياة لدعم الخطة العلاجية، وهو أمر يصعب تطبيقه بالنسبة إلى العديد من الأشخاص الذين يعانون خللاً كيميائياً حيوياً.
لذلك؛ قد يزيد الإصرار على نشر الفكرة القائلة إن الرفاه الفردي اختيار شخصي، أو إن الإصابة بالاكتئاب وحالات القلق والاضطرابات المماثلة يشير إلى عدم كفاءة المصاب في الشعور بالسعادة، عن غير قصدٍ، وصمةَ العار التي تحيط بالمرض النفسي؛ ومن ثَمّ يُفاقم المحنة التي يعانيها هؤلاء الأفراد، فإن إخبار شخص يواجه صعوبات كبيرة إنه يمتلك السيطرة الكاملة على حالته العاطفية قد يزيد إحساسه بالفشل ويُفاقم أعراض اكتئابه!
7 ممارسات لكي تصبح سعيداً
"السعادة قرار" مفهوم شائع في علم النفس الإيجابي؛ لكن مجرّد معرفة أن السعادة اختيار قد لا يكفي. يتطلّب ذلك اتخاذ قراراتٍ واعية لاختبار السعادة كل يوم على نحوٍ مختلف؛ ومن ثَمّ تعزيزها في مختلف جوانب الحياة تدريجياً. وتمثّل الممارسات التالية أبرز توصيات وإرشادات الخبراء ومتخصصي علم النفس لكي تصبح سعيداً:
- لا تخف من اختيار السعادة: الخطوة الأولى الحاسمة هي الالتزام لتعزيز السعادة الفردية، فالسعادة تكون غالباً نتيجة جهود واعية ونيّة مسبقة لاختيار المواقف والسلوكيات التي تؤدّي إلى السعادة؛ إذ تحثّ فكرة إعطاء الأولوية للسعادة كهدفٍ أساسي على إعادة برمجة المعتقدات السلبية، وتعزيز النموّ الشخصي، وإدارة العواطف والعلاقات على نحو فعّال؛ ذلك يعني أنه بمجرّد اتخاذ قرار السعي وراء السعادة، يصبح تنفيذ الاستراتيجيات لتحقيق ذلك أمراً ضرورياً.
- اعمل على تنمية الامتنان: تتمثّل هذه الخطوة في ممارسة تمرين الامتنان اليومي الذي يستلزم سرد الأشياء التي تشعر بالامتنان من أجلها؛ حيث من شأن هذه الممارسة إبعادك عن مشاعر المرارة واليأس ما يؤدّي في النهاية إلى تعزيز الشعور بالسعادة.
- عزّز التسامح: يمكن أن تؤثّر مشاعر الضغينة في الصحة الجسدية والنفسية؛ لكن تعزيز التسامح يقلّل تأثيرات الأحداث السيئة ومشاعر المرارة والاستياء. أولاً، تذكّر الأذى الذي تعرّضت له، ثم أبدِ تعاطفاً مع الموقف والشخص. عبّر عن شعور التسامح من خلال تدوينه إما في خطاب موجّهٍ إلى الشخص الذي تسامحه وإما في دفتر يومياتك. وأخيراً، حاول التمسّك بالتسامح؛ أيّ لا تفكّر في غضبك ورغبتك في الانتقام، فالتفكير المستمر في الأذى الذي تعرّضت له يصبح اجتراراً للأفكار قد يسبّب لك الاكتئاب والقلق.
- واجه الأفكار والمشاعر السلبية: عندما توجّه الأفكار القويّة وغير الواعية سلوكياتنا، فإننا نمتلك القدرة على ممارسة السيطرة عليها، وإعادة تدريب أنماطنا الذهنية. يتضمّن هذا الالتزام جهداً مخصّصاً؛ حيث يمكن استخدام طرائق مختلفة مثل التأمل، والتنفّس الإيقاعي، واليوغا، وتقنيات الاسترخاء؛ وكلّها تساعد على مواجهة القلق وتعزّز الهدوء.
- تذكَّر أن المال لا يشتري السعادة: لا تسهم الثروة الإضافية في زيادة السعادة إلا على نحو ضئيل. ومع ذلك، يميل الناس إلى الاعتقاد الخاطئ بأنه عندما تفشل المكاسب المادية في رفع مستوى السعادة، فذلك يعني أنها لم تكن كافية في المقام الأول. لكن بغض النظر عن إنجازاتنا المادية، إن حالة السعادة الدائمة تظلّ بعيدة المنال.
- نَمِّ صداقاتك: إن تنمية صداقات قوية يمثل علاجاً قويّاً ضد التعاسة، وبخاصة في مجتمعنا المعاصر الذي يواجه أفراده في كثير من الأحيان تحديّاتٍ بسبب الروابط الاجتماعية الضعيفة؛ ما قد يسهم في مستويات انتشار الاكتئاب. الروابط الاجتماعية القوية تعزّز مشاعر الفرح وقد تطيل العمر أحياناً، وتقدّم أيضاً دعماً خلال الفترات الصعبة.
- انخرط في أنشطة هادفة: تذكَّر أن الأنشطة الترفيهية الشائعة قد تؤدي إلى انخفاض سعادتك؛ فمثلاً تولد مشاهدة التلفاز مستويات منخضة من السعادة. لذا؛ احرص على انتقاء الأنشطة التي تسعى من ورائها إلى جني المتعة.
اقرأ أيضاً: ما الذي يمكن تعلمه من طريقة تفكير المسنين لتزيد سعادتك؟
في النهاية، قد يختلف مفهوم السعادة عند كلّ واحد فينا؛ لكن يبقى جوهر المشاعر المرتبطة به متمثلاً في الرضا والابتهاج. غير أن استدامة هذه المشاعر التي يسعى الجميع إلى اختبارها لا يعتمد على ضربة حظ؛ بل على بذل الجهود بوعي واتخاذ قرارات هدفها الرئيس هو تعزيز السعادة الشخصية.