إن أردت أن تصبح سعيداً فاستبدل بعاداتك السيئة أخرى إيجابية

الجميل والحسن والصالح
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: كيف تستبدل بالعادات السيئة العادات الإيجابية؟ سؤال يؤرق الكثير من الباحثين عن حياة جديدة ومختلفة أكثر متعة وسعادة. يتطلب منك هذا التغيير العميق التلاعب بقدرات دماغك وتوجيهها نحو الانتباه إلى ما هو مفيد، وهذا ما يقترحه عليك أسلوب التركيز على “الجميل والحسن والصالح”.

[su_quote]يكشف علم المخ والأعصاب وعلم النفس الإيجابي عن كيفية تأثير عاداتنا في راحتنا النفسية ومستوى شعورنا بالسعادة. ولتغيير الروتين الذي لا يكون دائماً مفيداً لصحتنا النفسية أو العضوية، توضح لنا الباحثة في علم النفس المعرفي إليزابيث غريمو التي ابتكرت أسلوب “الجميل والحسن والصالح”، كيفية ترسيخ العادات المفيدة. إليزابيث غريمو[/su_quote]

إذا حرصت عليه يومياً فإن أسلوب التركيز على “الجميل والحسن والصالح” (Beau Bien Bon) يقدم لك تغييراً حقيقياً للدماغ والجسم. العقل السليم في الجسم السليم“. الكثير منّا يعرف هذا المثل الشائع.

الذي يعود أصله إلى القرن الأول الميلادي. يحث قائل هذا المثل، الشاعر الروماني جوفينال (Juvénal)، الناس على عدم انتظار حدوث المعجزات، ومساعدة أنفسهم على تحمّل مسؤولية صحتهم النفسية والعضوية، وهذا ما أدعوكم إليه، فالنفس والجسم مترابطان.

وكذلك، تتميز الممارسات الطبية الصينية والهندية برؤية شاملة حول وظائف الجسم والنفس، وتقدم علاجاً متكاملاً مع الطب الغربي؛ لذا فإن الربط بين النفس والجسم أمر ضروري. وفي هذا الإطار، يُعدّ أسلوب “الجميل والحسن والصالح” نهجاً متكاملاً لأنه يدمج الجسم والدماغ والروح ويربط بينهم جميعاً، ويقدّم علاجاً لتجديد شباب الكائن البشري بأبعاده كلها، فيجعله أكثر رشاقة وأصالة وتركيزاً، ويعزّز آليات الوظائف الأساسية للجسم، ويقي الدماغ بفضل احتياطي معرفي أفضل. وكذلك، يوسع هذا الأسلوب أدوات انفتاح الإنسان على العالم حيث يشعر بالراحة النفسية والانسجام مع محيطه.

انسجم مع ذاتك

ارتباطك بالآخرين أمر لا غنى لك عنه؛ لكن الانسجام مع جسمك لا يقلّ أهمية أيضاً. فهل تمدد عضلاتك عندما تستيقظ؟ إذا لم تكن تفعل ذلك، فحاول. هذا التمدّد يعني اتصالك بكل عضو من أعضاء جسمك، وكل عضلة منه، والشعور به من قمة الرأس حتّى أخمص القدمين، وما أجمل هذا الشعور! ويؤكد الانتشار الواسع لممارسات اليوغا هذه الحاجة إلى الانسجام مع الذات. أيضاً، فإن النشاط البدني ضروري للراحة الجسدية والنفسية، فهو يسهم في الحفاظ على الترابط بين الجسم والنفس.

إن الإحساس بالذات ضروري جداً؛ لأن تسارع إيقاع الحياة الناتج من فرط الاتصال، يتعارض مع الوظيفة الطبيعية للدماغ الذي يحتاج إلى نوع من التريث لاستيعاب الأحاسيس والعواطف. لذا؛ فإن ممارسة نشاط يركز على أحاسيس الجسم تساعد على الانسجام مع النفس، والتناغم مع الجسم على نحو أفضل.

وتساعد الرياضة على الاندماج الاجتماعي؛ حيث يمارَس العديد من الرياضات جماعياً، ويتعلم الفرد أيضاً بفضلها التفوق على تحدياته وإخفاقاته؛ ما يعزز مرونته وقدرته على النهوض بعد الفشل.

ويتميز النشاط البدني بفوائد بيولوجية لا يمكن تجاهلها، فوفقاً لبعض الدراسات؛ تمكّن الممارسة المنتظمة للرياضة من تجنّب 25% من أمراض السرطان، وبخاصة تلك الناتجة من التدخين، ويمكنها كذلك أن تقلل احتمالات الانتكاسات في أمراض السرطان التي تصيب الثدي والقولون إلى النصف. وعموماً، يعزّز النشاط البدني الراحة النفسية بالنظر إلى أنه يسهم في تحسين الحالة المزاجية والجسدية والاجتماعية.

وللاستفادة من فوائده لا بد من تكثيف ممارسته؛ حيث يمكّن تخصيص 30 دقيقة للنشاط البدني المكثف والمريح، من تعديل الوظائف البيولوجية واستشعار فوائد ذلك بسرعة. ويجب أيضاً أن تكون ممارسة الرياضة منتظَمة (كل أسبوع) ومستمرة؛

لأن الممارسة المنتظمة تطوّر الجهاز التنفسي وتحافظ على الكتلة العضلية وصحة العظام على المدى البعيد، وتساعد على ضبط مستوى السكر في الدم والضغط الدموي، وتقي من السرطان ومخاطر الانتكاسات، وتساعد على مكافحة الأمراض المزمنة، وتزيد الراحة النفسية (من خلال إفراز هرمون الإندورفين)، وتقلل التوتر والقلق.

حافِظ على احتياطك المعرفي

الاحتياطي المعرفي هو قدرة الدماغ على الوقاية من الأضرار التي تصيبه (الشيخوخة والتوتر والصدمات والإصابات وغير ذلك). ويتجسد هذا الاحتياطي من خلال الدارات البديلة (الاتصالات العصبية) التي تظهر في الدماغ عندما يتعرض لإصابة ما؛ حيث يساعد مثلاً على تجنّب الضعف الناتج من الشيخوخة ويسهم في تحسين وظائف الدماغ، ويؤثر في مرونته، ويساعدنا على التكيّف لتجاوز الصدمات.

ويعتمد الاحتياطي المعرفي على عوامل وقائية هي النوم، أو التفاعل مع الضوء بمعنىً أعم، والنشاط الرياضي والتغذية الصحية والاحتكاك بالطبيعة، وهي ممارسات يجب الحرص عليها في حياتنا اليومية.

طوّر انتباهك

تخيّل أنك جالس على مقعدك تقرأ مقالاً أثار اهتمامك، وتلاحظ أيضاً عنوان مرجع يمكّنك من معرفة المزيد عن موضوع المقال. تسجل عنوان هذا المرجع في ذاكرتك ثم تقوم كي تدونه في مذكرة على مكتبك. يدخل ابنك في هذه اللحظة إلى الغرفة ويطرح عليك سؤالاً، فتنسى عنوان المرجع الذي سجّلته في ذاكرتك، وتصبح ملزماً بالعودة إلى قراءة الجريدة من أجل تذكّره.

ماذا حدث لك بالضبط؟ لقد تشتت انتباهك. لتسجيل هذا المرجع وظفت ذاكرتك القصيرة الأمد؛ تلك التي نسميها ذاكرة العمل والتي ترتبط مباشرة بمسألة الانتباه وتتميز بقدرتها المحدودة، ثم أزاح سؤال ابنك عنوان هذا المرجع من ذاكرتك من خلال ما يسمَّى “تحويل الانتباه”. يمكنك إذاً أن تستخدم هذا الأسلوب إرادياً من أجل توجيه أفكارك نحو عناصر أكثر إيجابية؛ ولذلك يتعين عليك أن تغير المشهد،

فالدماغ يتنبه عادة إلى الأشياء المستجدة، وإذ وضعته وسط بيئة جديدة أو منظر مختلف فستساعده على التفكير في شيء آخر. وعندما ستفعل ذلك، ستملأ الحيز المحدود من انتباهك بمحتوىً إيجابي سيطرد من ذهنك المحتوى السلبي الذي كان قبله. وفي طريق بحثك عن هذه البيئة الجديدة وتحفيز انتباهك، فإنك تتيح لدماغك بناء شبكة اتصالات بمحتوى أكثر إيجابية. ويعرف دماغك كيف يفعل ذلك بمجرد أن يظهر أمر جديد يثير اهتمامك، فأن تكون متنبها يعني أن تركز انتباهك كما يعني أيضاً إزاحة بعض الأشياء من البيئة المحيطة بك حتى تعالج موضوعات أخرى بفعالية أكبر.

لهذا؛ يحفزك أسلوب “الجميل والحسن والصالح” على إيقاظ حواسك وتركيز انتباهك على المهم، وهذه هي الطريقة التي ستساعدك مثلاً على الارتباط بالأشخاص المناسبين.

حدّد الوقت

أوقات التركيز على “الجميل والحسن والصالح” لحظات مضيئة في يومك. إذا أخذت الوقت الكافي لاستشعارها ستعزز ما يتصل بالأحداث الإيجابية في دماغك، وتخلق مسارات لممارسة عادات جديدة. وكذلك، فإن تخصيص الوقت للوعي بأسلوب “الجميل والحسن والصالح” في حياتك سيقودك إلى تسهيل تفاعلك مع هذه اللحظات، وجعلها شيئاً فشيئاً فناً حقيقياً من فنون الحياة اليومية،

وثمة طرائق مختلفة للوعي بهذه اللحظات:

  1. خذ الوقت الكافي: عدّ حتى 5؛ أي المدة الكافية التي تحتاج إليها لفتح أصابع القبضة الواحدة.
  2. أيقِظ حواسك: ما الذي يحدث في جسمك في هذه اللحظة؟
  3. حدد السياق: أين أنت؟ في أيّ موقف؟ مع مَن؟
  4. التقط صورة ذهنية للمكان الذي توجد فيه.
  5. ضع يدك على جزء من جسمك.
  6. انطق الكلمات التي تحضر في ذهنك.
  7. ما الموقف الآخر الذي تذكّرك به هذه اللحظة؟

هذه التقنيات تمكّن دماغك من تذكر هذه اللحظة واستحضارها جيداً، فكلّ سؤال يتضمن إشارة تذكيرية. ومع مرور الوقت، ستتمكن من تشكيل حزمة من مصادر الراحة النفسية.

استخدم قوة العادة

ما الذي نفعله بالدراجة؟ إننا نسوقها. عندما نكتسب هذه المهارة فإنها تظل مسجلة مدى الحياة في الدماغ وتتقنها أرجلنا، فالعادة لا تموت أبداً! وهذا ما يفسر أن أغلب الجهود التي نبذلها من أجل تغيير عادة معينة تذهب سدىً. ولا يتعلق ذلك بأجسامنا فقط؛ بل ثمة عادات ذهنية وفكرية يمكن أن تترسخ في سلوكاتنا على الدوام إذا لم نتخلص منها.

تتطلب محاولة تغيير عادة معينة جهوداً جبارة لتحقيق نتائج بسيطة، وأنا أفضل خلق عادات مفيدة لأن الدماغ لا يقبل الفراغ. حاول أن تتخلص من إحدى العادات وستلاحظ أن دماغك ينشغل بشيء آخر، أو يبحث عن استرجاع العادة السيئة إذا لم يجد بديلاً؛ لذا من الأفضل أن تعوّده على عادة جديدة وبناءة.

على سبيل المثال؛ إذا لم تكن تشرب ما يكفي من الماء، فلماذا لا تعوّد نفسك على شرب كأس ماء عند كل استراحة؟ أو في كل مرة تذهب فيها إلى الحمام؟ هذه العادة مثلاً ستزيد درجة ترطيب جسمك تلقائياً.  سيكون التعوّد على عادة جديدة أمراً مرهقاً في البداية لكنها ستترسخ بسرعة حتّى تصبح تلقائية،

ويمكنك بالطريقة نفسها أن ترسخ أسلوب التركيز على الجميل والحسن والصالح في حياتك، فالتعوّد مثلاً على قول “شكراً” بنية خالصة للتعبير عن الشكر فعلاً، سلوك سيحسن علاقاتك مع الآخرين. ولن يتطلب الأمر منك وقتاً طويلاً؛ لكنه يعطي لكلمة الشكر معنىً جديداً.

قد يبدو الاعتماد على العادات من أجل تطوير السلوك أمراً غير منطقي؛ لكنه وسيلة فعالة جداً في ذلك، فالمشي والأكل وغسل الأسنان والقيادة وغيرها من أفعال الحياة اليومية ترتكز على سلسلة من الحركات التي تشكل هذه العادات. ولتنفيذها بسهولة، يعمل دماغك أوتوماتيكياً على توظيف قدرات الانتباه لفسح المجال لأعمال أخرى.

لكن انتبه، فكما يمكنك أن ترسخ عادات مفيدة وإيجابية؛ قد تخلق أيضاً عادات أخرى غير مفيدة لصحتك أو متعتك مثل الأكل في أثناء مشاهدة التلفزيون أو تدخين سيجارة بعد الأكل أو الخوف من بعض الأشياء. وقد يتحول بعض هذه العادات إلى إدمان مثل تناول المخدرات أو الكحول أو الألعاب الإلكترونية أو القمار، إضافة إلى إدمان استخدام الهواتف المحمولة وتناول السكر وغيرها. ولنكن صُرحاء؛ إن الدماغ يطبق نظام العادات على كل ما يمكن أن يسهّل مهمته.

ما هي أدوات الذاكرة؟

في كتابه “دماغ السعادة” (le Cerveau du bonheur)، يقترح عالم المخ والأعصاب ريك هانسون (Rick Hanson) الربط بين التجارب السلبية والتجارب الإيجابية بطريقة تقتلع الأولى وتعوضها بالثانية.

أنا أتحفظ قليلاً على هذا الاقتراح في أسلوب الجميل والحسن والصالح؛ لأن إفساد جمال عنصر ما أو لحظة معينة بإدخال عادة سلبية في لحظة تركيز، أو تذكّر عيوب شخص معين في أثناء التفاعل الإيجابي معه، لا يبدو لي مساعداً على الرفع من مستوى الراحة النفسية.

وأفضّل بدلاً من ذلك أن أساعد على تطوير مستوىً عالٍ من الوعي بواقع اللحظة والانفصال عن الماضي، فالتركيز على الجميل والحسن والصالح يساعد على رفع مستوى الوعي باللحظة. وهذا ما أشجعكم عليه: أن تكونوا أكثر حضوراً في اللحظة مع تقبّل جمالها وظروفها العابرة.

وعندما تعاود الذكريات السيئة الظهور، قد يكون من المهم تأملها بالاعتماد على أسئلة أسلوب التركيز على الجميل والحسن والصالح: ما الذي يوقظ حواسي ويسعدني؟ ما الذي يحتاج إلى انتباهي؟ من يحتاج إلى إنسانيتي؟

المحتوى محمي !!