فكرة قدرة الزمن على تخفيف المعاناة راسخة في معتقداتنا الجماعية. وعادة ما تدفعنا إلى التشبث بالأمل في زوال الآلام النفسية سواء بعد حداد أو انفصال عاطفي أو صدمة.
هل هذا صحيح؟ وفقاً للتصريح الذي أدلى به الطبيب النفسي كريستوف أندريه (Christophe André) لمجلة ماري كلير (Marie Claire) الفرنسية، فإن الزمن له تأثير مهدئ، لكنه لا يشفي الجراح كلّها. وتكمن وراء هذا الاعتقاد الشائع أمور دقيقة يمكّننا العلم، ولا سيّما علم النفس من فهمها جيداً في وقتنا الحالي.
فوائد التأني وعبارات المواساة
بحسب أندريه، فإن التأني ينطوي على قوة وتأثير لا يقتصران على فكرة انتظار مرور الوقت. وفي كتابه "مواساة" (Consolations)، يصف الصبر بأنه "حكمة التأنّي" التي تساعدنا على تقبّل المِحن. تتطلب هذه القدرة على التحمّل وقتاً كي تسكن عواطفنا وتخفّ أحزاننا تدريجياً.
لكنه يذكّر أيضاً بأهمية عبارات المواساة التي نسمعها من الآخرين، أو نردّدها خلال هذه الأوقات الصعبة. عندما تسمع من الآخرين أن معاناتك ستنتهي، أو تردّد بنفسك عبارات المواساة، فإن هذا الأمر يؤثر فيك مثل البلسم. وبالنسبة للعديد من الناس، فإن هذه العبارات المواسية لها تأثير قوي مثل العناق.
اقرأ أيضاً: ما هي المجاعة الزمنية؟ وكيف تكسب المزيد من الوقت لتحقق سعادتك؟
الزمن يحقق شفاءً جزئياً
بعض الجراح النفسية، مثل التي يسببها الانفصال عن شريك الحياة أو بعض المشكلات العائلية، تفقد حدّتها بمرور الزمن. فهذه الآلام التي لا تؤثر كثيراً في نفسياتنا، تندثر في النهاية، ولا تترك سوى أثر خفي.
وتُظهر دراسات علم التخلّق (Epigenetics) أن تجاربنا الصعبة في الحياة تترك آثاراً دائمة في أحماضنا النووية، لكن الدماغ يطور بمرور الوقت آليات للتكيف معها. ومع ذلك، فإن الزمن وحده لا يكفي عندما يتعلق الأمر بصدمات أعمق تأثيراً.
الجراح التي تقاوم الزمن
إن الزمن ليس معجزة علاجية لبعض صور المعاناة النفسية، فالجراح النفسية الناجمة مثلاً عن التعرّض إلى سوء المعاملة خلال الطفولة أو الصدمات العنيفة أو العاطفية الشديدة قد تظل حيّة أحياناً طوال العمر. ويوضح الطبيب النفسي أن هذه الآلام هي "ندوب لا تنمحي"، ومن المستحيل إزالتها بالكامل.
قد تخفّ أحياناً، لكنها تظل راسخة في اللاوعي، وقابلة للظهور مجدداً في لحظات الضعف. هذه الندوب، التي تمس جذور هوياتنا الشخصية، تتطلب عادة علاجاً نفسياً لتخفيف حدّتها.
اقرأ أيضاً: ماذا لو استطعت إيقاف عجلة الزمن قليلاً؟
تعلّم كيف تندمج نفسياً في دورة الحياة
حتى لا يقتصر دورنا على الانتظار والتأني فقط، ينصحنا كريستوف أندريه بـ "تنشيط دورة الحياة في نفوسنا". تتطلب هذه العملية إعادة الارتباط بالأنشطة التي تمتّعنا، والأشخاص الذين نشعر معهم بالارتياح، مع مراعاة الإيقاع الشخصي في العودة إلى هذه الأنشطة.
فعملية التعافي تستدعي إعادة الارتباط بالذات ورغباتها واحتياجاتها. لذا؛ فإن تخصيص الوقت الكافي للإصغاء إليها وتقبّل عواطفها، والتفاعل معها بطريقة بنّاءة، يساعدنا على التعافي التدريجي.