كيف يكشف الذكاء الاصطناعي الأشخاص الكاذبين ويحميك منهم؟

7 دقائق
الذكاء الاصطناعي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

نواجه في الحياة اليومية مواقف نشك فيها بصدق الآخرين، سواء في العمل أو العلاقات الشخصية أو حتى على الإنترنت. لكن ماذا لو كانت هناك تقنيات يمكنها اكتشاف الكذب بدقة تفوق قدرة البشر؟ دراسة حديثة أجرتها جامعة الشارقة ونشرتها في يوليو/تموز 2025 حاولت الإجابة عن هذا السؤال، مستعرضة أحدث أدوات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال.

استعرضت الدراسة عدداً كبيراً من الأبحاث التي نشرت خلال العقد الأخير، وركزت على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، خصوصاً الشبكات العصبية، في تحليل سلوكيات الأفراد واكتشاف علامات الكذب من الصوت، أو ملامح الوجه، أو النصوص المكتوبة. اللافت أن هذه التقنيات تفوقت في كثير من الحالات على الوسائل التقليدية مثل أجهزة كشف الكذب أو التقييم البشري العادي.

لكن الباحثين نبهوا أيضاً إلى أن هذه الأدوات قد لا تكون دقيقة في السياقات جميعها، فالثقافة واللغة والجنس كلها عوامل تؤثر في كيفية تعبير الأشخاص عن أنفسهم، وبالتالي قد تؤثر في دقة الخوارزميات. كما أشاروا إلى أن استخدام هذه التكنولوجيا يجب أن يكون مصحوباً بوعي أخلاقي ومسؤولية، لأن الاعتماد الكامل على تقنيات قد لا تكون محايدة ربما يؤدي إلى ظلم أو تشويه في التقدير.

ما هي التقنيات التي توصلت إليها الدراسة لكشف المخادعين؟

اعتمد الباحثون في تحليلهم على مراجعة 98 دراسة منشورة بين عامي 2012 و2023، جمعت بين مصادر نصية وصوتية ومرئية، وتضمنت مقابلات وفيديوهات قصيرة وبيانات فيزيولوجية (مثل ضربات القلب واتساع حدقة العين). ومن بين هذه الدراسات، برز عدد من التقنيات والاتجاهات الحديثة في كشف الكذب:

  • الشبكات العصبية التلافيفية: نوع متقدم من تقنيات الذكاء الاصطناعي جرى تدريبها على ملاحظة تفاصيل صغيرة جداً في تعابير الوجه، مثل حركة الحاجبين أو اتساع العينين عند التوتر.

هذه الإشارات غالباً ما تكون دقيقة لدرجة يصعب على الإنسان ملاحظتها. لكن بفضل قدرة هذه الشبكات على تحليل الصور بسرعة ودقة، أصبحت قادرة على رصد مؤشرات الكذب على نحو تتفوق فيه على العين البشرية في كثير من الحالات.

  • نماذج النصوص المعتمدة على الذكاء الاصطناعي: تعتمد هذه النماذج على تحليل الطريقة التي يتحدث أو يكتب بها الشخص، من حيث اختياره للكلمات، واستخدامه للضمائر (مثل "أنا" أو "هم")، أو تعبيراته العاطفية.

هذه التفاصيل الدقيقة قد تكشف علامات غير مباشرة على الكذب، مثل التردد أو المبالغة أو التناقض بين الجمل. يشبه الأمر الاستماع بانتباه شديد لما يقوله الشخص، ليس فقط من حيث المعنى، بل من طريقة التعبير نفسها.

  • التحليل متعدد الوسائط: يعني تحليل سلوك الشخص من عدة زوايا في وقت واحد، مثل نبرة صوته، وتعبيرات وجهه، والكلمات التي يستخدمها. يشبه الأمر مراقبة مشهد كامل بدلاً من النظر من نافذة ضيقة؛ فكل وسيلة، سواء كانت صوتاً أم صورة أم نصاً، تقدم جزءاً من الحقيقة، وعندما تدمج معاً، تمنح النظام قدرة أعلى على اكتشاف الكذب بدقة وواقعية أكبر من الاعتماد على مصدر واحد فقط.
  • نماذج تعلم عميق هجينة: تعتمد هذه النماذج على دمج أكثر من تقنية ذكاء اصطناعي في الوقت نفسه، مثل الجمع بين خوارزميات تفهم الصور (كالشبكات العصبية) وأخرى تفهم اللغة (مثل النماذج اللغوية الحديثة). هذا الدمج يشبه فريق عمل يتكون من متخصصين في مجالات مختلفة يعملون معاً لحل قضية معقدة.

النتيجة: قدرة أفضل على تحليل مواقف واقعية صعبة، مثل مقاطع فيديو من المحاكم أو مقابلات العمل، حيث تكون الإشارات التي تدل على الكذب متداخلة وغير واضحة.

على الرغم من دقة بعض النماذج (وصلت إلى أكثر من 90% في بعض التجارب)، فإن معظمها لا يراعي تأثير الخلفية الثقافية أو الجندرية، ما قد يقلل فعاليتها في المجتمعات المتنوعة، وهذا يعني أن هذه التقنيات واعدة، لكنها ما تزال في مرحلة تحتاج فيها إلى تطوير من حيث العدالة والشفافية، خصوصاً عند استخدامها في مجالات حساسة مثل العدالة أو التوظيف أو الطب النفسي.

اقرأ أيضاً: ما هي الذكريات الكاذبة؟ وكيف تتعامل معها؟

5 خطوات فعالة ستساعدك على اكتشاف الأكاذيب

كشف الكذب ليس مجرد حدس، بل مهارة يمكن صقلها بملاحظة التفاصيل الصغيرة التي تفلت من سيطرة الكاذب. إليك خمس خطوات عملية تساعدك على اكتشاف الخداع بطريقة ذكية ومدروسة:

1. أربكه بتغيير مسار السرد

اطلب من الشخص سرد القصة من النهاية إلى البداية على نحو مفاجئ، ففي هذه الحالة سيعاني الكاذب ضغطاً ذهنياً إضافياً، ما يسهل اكتشاف التناقضات والتردد.

2. ارصد الاتصال بين لسانه وجسده

قد تبدو كلمات الكاذب مصوغة بطريقة جيدة ليوصل عبرها ثقته بما يقول، لكن جسده غالباً ما يفضح توتره، ومن ذلك قيامه بحركات تدل على القلق أو عدم الراحة، ورصد الفرق بين حالة جسده وكلماته سيجعلك تكتشف كذبه.

3. حلل ما يقول

يميل الكاذب لاستخدام لغة غامضة، ودائماً ما يتهرب من التفاصيل، ويظهر تردداً واضحاً. لذا فالاستماع لكلامه بدقة مع ربط خيوطه بعضها ببعض قد يكشف خداعه حتى لو نجح في الحفاظ على نبرة صوته وحركات جسده.

4. أعط الفرصة لحدسك

غالباً ما يلتقط العقل اللاواعي إشارات خفية تفوق ما نلاحظه على نحو واع. إذا شعرت شعوراً داخلياً بأن هناك شيئاً "غير صحيح"، فربما يكون لديك حدس مبني على مؤشرات كنت غير مدرك لها.

5. اجمع كل الأدلة لتصل إلى الاستنتاج النهائي

لا تعتمد على نبرة صوت واحدة أو حركة جسد معينة، إنما اعمل على حصر الأدلة جميعها على اختلاف أنواعها، واستخدمها لتكوين صورة شبه متكاملة تعكس إن كان الطرف الآخر صادقاً أم كاذباً.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: الكذب يدمر تقدير الذات، فما الحلول الفعالة للإقلاع عنه؟

المحتوى محمي