كيف تعرف إن كنت شخصاً خجولا أم مصاباً باضطراب القلق الاجتماعي؟

5 دقيقة
الخجل
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يتسم البعض بالخجل الذي يُعد صفة شخصية؛ بينما يعاني آخرون اضطرابَ القلق الاجتماعي، وقد يقع البعض في خطأ الخلط بينهما بسبب تشابههما في العلامات والأعراض؛ لكن الجمعية الأميركية لعلم النفس وضحت أن الفرد الخجول يميل إلى الشعور بالحرج والتوتر والتحفظ في المواقف الاجتماعية أو مع الغرباء، إلى جانب ظهور أعراض جسدية مثل احمرار الوجه، أو التعرّق؛ ما يجعل حياة الخجول أكثر تعقيداً. في المقابل، يتضمن القلق الاجتماعي شعوراً أكثر استدامة بالخجل والتوتر والقلق في المواقف الاجتماعية إلى الحد الذي يؤثر في جودة الحياة؛ حيث إن السمة الأساسية لاضطراب القلق الاجتماعي هي أنه يسبب ضعفاً وتأخراً في وظيفة الفرد وحياته المهنية. ويمكن علاج الخجل باتباع نصائح مثل التخطيط الجيد للمواقف، وتجنب الحوار السلبي مع الذات، والتعرّف إلى الآخرين؛ بينما يحتاج اضطراب القلق إلى الخضوع إلى علاج نفسي؛ مثل العلاج المعرفي السلوكي والعلاج بالقبول والالتزام إلى جانب العلاج الدوائي.

تخيل أنك تحضر حفلة حيث الكثير من الأشخاص الذين لا تعرفهم، وبينما يختلط أصدقاؤك مع الآخرين دون عناء، تجد نفسك متردداً وقلقاً، وتشعر أنك غير منتمٍ إلى هذا المكان. بالنسبة إلى البعض، هذا مجرد خجل وانزعاج عابر في المواقف الاجتماعية. أما بالنسبة إلى آخرين، يمكن أن يكون الخجل إشارة إلى اضطراب القلق الاجتماعي؛ وهو حالة يمكن أن تشلّ حياتك، وتقوّض علاقاتك. لكن هل أنت مصاب باضطراب القلق الاجتماعي أم مجرد شخص خجول؟ وكيف تميز بين الحالتين؟ تجنباً لمزيد من المغالطات، إليك الإجابة بالتفصيل في هذا المقال.

ما هو الفرق بين الخجل والقلق الاجتماعي؟

وفقاً للجمعية الأميركية لعلم النفس (American Psychological Association)؛ يميل الفرد الخجول نحو الشعور بالحرج والتوتر والتحفظ في المواقف الاجتماعية أو مع الغرباء. قد يعاني الشخص الخجول أعراضاً جسدية مثل احمرار الوجنتين أو الوجه، أو التعرّق، أو اضطراب المعدة. وبصفة عامة، لا يعد الخجل اضطراباً؛ بل هو سمة شخصية يمكن التحكم بها، وحتى التخلّص منها.

في المقابل، يعد القلق الاجتماعي من أنواع اضطراب القلق، وهو حالة نفسية تؤثر في جودة الحياة. وتتضمن أعراضه:

  • الخوف من حكم الآخرين.
  • الخوف من إذلال النفس أو الظهور على نحو محرج أمام الآخرين.
  • الخجل من من التفاعل مع الغرباء أو التحدث إليهم.
  • تجنّب المواقف التي يكون الشخص فيها مركز الاهتمام.
  • التركيز على الذات عبر تحديد عيوبها وأخطائها باستمرار.
  • الشعور بالخجل إلى جانب التوتر والقلق في المواقف الاجتماعية إلى الحد الذي يؤثر في نوعية الحياة؛ بما فيها المهام اليومية والعلاقات الاجتماعية.
  • معاناة أعراض جسدية في المواقف الاجتماعية؛ مثل الاحمرار والتعرق وارتعاش الصوت.

مع ذلك، يتشابه الخجل واضطراب القلق الاجتماعي في بعض الأعراض؛ مثل الشعور بعدم الارتياح وعدم الأمان في المواقف الاجتماعية، فضلاً عن بعض الأعراض الجسدية؛ مثل تسارع نبضات القلب والتعرّق والاحمرار والتحدث بهدوء والحفاظ على وضعية الجسم الصلب. لكن قد تختلف درجتا الخوف والقلق وشدتاهما بينهما؛ إذ بينما تصيب مشاعر الاضطراب والتوتر الأشخاص الخجولين قبل الدخول في المواقف الاجتماعية مباشرة، فإنها تبدأ قبل أسبوع أو شهر في حالة القلق الاجتماعي؛ بل حتى أن النوم قد يجافيهم بسبب سيطرة القلق والتوتر عليهم.

اقرأ أيضاً: ما الأسباب العلمية والنفسية لاحمرار الوجه عند الغضب أو الخجل؟

تعرف إلى أسباب الخجل والقلق الاجتماعي

يولد بعض الأشخاص بميل إلى الخجل. ومع ذلك، يتأثر الميل إلى الخجل بعوامل بيئية واجتماعية مثل أنماط الأبوة؛ حيث يمكن للوالدَين المستبدَّين أو المفرطَين في الحماية أن يسهما في خجل الطفل. بالإضافة إلى ذلك، يؤثر كل من المدرسة والحي والثقافة السائدة في المجتمع، في تكوين شخصية الطفل، وتسهم الروابط التي يكوّنها الطفل ضمن هذه الشبكات في تطويره ونموه. على سبيل المثال؛ قد يتبنى الأطفال الذين لديهم آباءُ خجولون سلوكياتهم، يمكن أن تؤدي تجارب مثل التنمر أو ضغط الأقران أو البيئات شديدة الانتقاد إلى الخجل.

اقرأ أيضاً: لمَ يتسم البعض بالخجل الشديد؟

من ناحية أخرى، يعدّ اضطراب القلق الاجتماعي حالة أكثر شدة واستمراراّ، وينطوي على أسباب أكثر تعقيداً؛ وقد تشمل:

  • العوامل الوراثية: الأفراد الذين لديهم تاريخ عائلي من اضطرابات القلق هم أكثر عرضة إلى الإصابة باضطراب القلق الاجتماعي.
  • العوامل البيئية: يمكن أن يكون الاضطراب مكتسباً بسبب تجارب اجتماعية مؤلمة أو سلبية في أثناء الطفولة؛ مثل التنمر أو الرفض، أو سلوك الآباء القلق وحرصهم الشديد في المواقف الاجتماعية.
  • بنية الدماغ: تؤدي اللوزة الدماغية دوراً في الاستجابة للخوف؛ لذا قد يسبب النشاط المفرط للوزة استجابة عالية للخوف؛ ما يسبب زيادة القلق في المواقف الاجتماعية.

كيف يؤثر الخجل واضطراب القلق الاجتماعي في حياة الفرد؟

قد يجعل الخجل حياة الفرد أكثر تعقيداً، بينما قد يوقف الرهاب الاجتماعي تطور المصاب به. إليك هذا المثال الذي طرحه الطبيب النفسي رودولف هوهن ساريك (Rudolf Hoehn-Saric) للتوضيح: "إذا كنت خجولاً، فقد تشعر بعدم الارتياح في مواقف مثل الذهاب إلى حفلة لا تعرف فيها أحداً ولكنك تفعل ذلك. تدفع نفسك، وتذهب إلى الحفلة، وبعد فترة تسترخي وتتحدث إلى الناس. أما الشخص الذي يعاني اضطراب القلق الاجتماعي، يتوقع أن يُصاب بقلق شديد إذا ذهب إلى الحفلة نفسها، إلى درجة أنه قد يُصاب برد فعل جسدي؛ مثل الغثيان والتعرّق وتسارع ضربات القلب والدوار، فيتجنب ذلك قدر الإمكان". لكن بينما يمكن للأشخاص الخجولين غالباً إيجاد طرائق للتعامل مع طبيعتهم الأكثر تحفظاً وتكتماً، فإن الأطفال المصابين باضطراب القلق الاجتماعي، قد يعتادون على المخاوف الاجتماعية وسلوكيات التجنب.

ويوضح رئيس قسم الطب النفسي والطب السلوكي في كلية الطب بجامعة إلينوي (University of Illinois)، الطبيب النفسي سي أتاز سعيد (Sy Atezaz Saeed)، إن السمة الأساسية لاضطراب القلق الاجتماعي أنه يسبب ضعفاً وتأخراً في وظيفة الفرد. على سبيل المثال؛ قد يفقد الطالب المصاب باضطراب القلق الاجتماع درجات أو يفشل في الحصول على تقدير ممتاز؛ لأنه لم يتمكن من تقديم مشروعه أو عرضه أمام زملائه في الفصل الدراسي. أو ربما يضطر إلى رفض عرض وظيفي بالترقية؛ لأن المنصب الجديد يتطلب منه إدارة الاجتماعات وأن يكون مركز الاهتمام فيها؛ ما يصيبه بالذعر والقلق المصحوب بأعراض جسدية، ويعرّض حياته المهنية إلى الخطر. بعبارة أخرى، غالباً ما يضطر المصاب إلى العمل في وظيفة أقل بكثير من قدراته وكفائته لأنه يخشى تبعيات الترقية.

اقرأ أيضاً: هل يهدد القلق الاجتماعي حياة طفلك الاجتماعية وتحصيله الدراسي؟ إليك الحل!

هل يمكن أن يتحول الخجل إلى قلق اجتماعي؟

بينما يعد الخجل سمة شخصية وليس حالة صحية، فإنه قد يتحوّل إلى اضطراب قلق اجتماعي عندما يتسبب الخجل في تجنّب الفرد المواقف الاجتماعية التي تتضمن تفاعلاً واحتكاكاً مع الآخرين، أو القلق بشأن خجله؛ ما يؤدي إلى تطوير أنماط تفكير سلبية مثل النقد السلبي المتواصل للذات، والشعور بالدونية أو عدم الكفاءة. وبمرور الوقت، تؤدي أنماط التفكير هذه إلى ظهور اضطراب القلق الاجتماعي.

اقرأ أيضاً: القلق الاجتماعي عند المراهقين: الأسباب وطرق العلاج

من النصائح إلى العلاج: كيف تتعامل مع الخجل واضطراب القلق الاجتماعي؟

تختلف طريقة التخلص من كل من الخجل واضطراب القلق الاجتماعي؛ إذ يمكن للشخص الخجول أن يجد طريقة لإدارة خجله والتغلب عليه؛ بينما يحتاج اضطراب القلق الاجتماعي إلى علاج تحت إشراف مختصين. وإليك طرائق التغلّب على كل منهما:

4 نصائح للتغلّب على الخجل

الخجل في حد ذاته ليس سمة سيئة من الضروري التخلص منها؛ لكن عندما يصبح تأثيره في الحياة اليومية معوقاً، يكون التخلّص منه مهماً. وفقاً للمختّص النفسي، راشد السهل؛ يمكن التخلّص من الخجل باتباع النصائح التالية:

  1. تكلم بصوت قوي وواثق.
  2. حضّر مسبقاً للموقف، واجمع معلومات كافية عنه.
  3. تدرّب على الحوار أو الموقف مع شخص قريب منك.
  4. تبنَّ أفكار مثل: "أنا لن أتنازل عن حقي" أو "أنا لست أقلّ من غيري" أو "أنا لدي القدرة على تغيير نفسي".

اقرأ أيضاً: 3 طرق تساعدك على الخروج من المواقف المحرجة

ما هي طرائق علاج اضطراب القلق الاجتماعي؟

يمكن علاج  اضطراب القلق الاجتماعي بالدمج بين نمطين علاجيين؛ وهما:

  • العلاج النفسي؛ ويتضمن:
    • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): هو نوع من العلاج النفسي يساعدك المختص من خلاله على تحديد أسباب سلوكياتك ومخاوفك وأنماط تفكيرك التي تسبب القلق الاجتماعي، وإيجاد طرائق للتغلّب عليها لتنخرط في الأنشطة أو المواقف التي تتجنبها.
    • العلاج بالقبول والالتزام (ACT): يعتمد على استراتيجيات للتعامل مع المخاوف والأفكار السلبية مثل ممارسة اليقظة الذهنية وتحديد الأهداف للتخفيف من شدة الانزعاج والقلق.
  • العلاج الدوائي: يمكن للمختص النفسي أن يصف بعض الأدوية لعلاج اضطراب القلق الاجتماعي؛ مثل:
    • مضادات الاكتئاب: ومنها مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) ومثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين (SNRIs). لكن قد تستغرق عدة أسابيع حتى تبدأ نتائج استخدامها بالظهور.
    • حاصرات بيتا: للسيطرة على الأعراض الجسدية التي تظهر في المواقف الاجتماعية؛ مثل الرعشة وتسارع معدل ضربات القلب والتعرّق.
    • أدوية مضادة للقلق ذات تأثير فوري: مثل البنزوديازيبينات.