لمَ يتسم البعض بالخجل الشديد؟

الخجل
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: سواء من باب التحفظ أو الخجل، يزعم البعض أن راحته تكمن في العيش “متخفياً” عن أعين الآخرين، وترى المختصة النفسية صوفي شيفال أن الخجل لم يعد صفةً مرغوبةً اليوم، فما كان رمزاً للفضيلة بات يُنظر إليه بوصفه نوعاً من التخلف ولا سيما في ظل الشبكات الاجتماعية التي تشجع على التحرر والانفتاح، فهل يجب على الشخص الخجول الامتثال للمعايير الاجتماعية التي قد يفرضها البعض والتخلي عن خجله إذاً؟ الإجابة في المقال التالي.

سواء من باب التحفظ أو الخجل، يزعم البعض أن راحته تكمن في العيش “متخفياً” عن أعين الآخرين؛ لكن هل هؤلاء الأشخاص مرتاحون هكذا بالفعل؟ وما الذي يختفي وراء خجلهم هذا؟ وكيف يمكنهم أن يصبحوا أكثر انفتاحاً؟

تقول سمر ذات الـ 38 عاماً وهي صاحبة معرض بهيّة الطلعة: “أنا لا أحب الظهور كما تفعل شابات اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً؛ إذ لا أريد لأحد الاطلاع على خصوصيتي”.

كيف ينشأ الخجل؟

تقول المختصة النفسية صوفي شيفال (Sophie Cheval): “الخجل صفة مكتسبة، ففي مرحلة الطفولة المبكرة لا يشعر الطفل بالخجل، ثم في سن 7 أو 8 سنوات يدرك أن بإمكان الآخرين رؤيته ويتعرف إلى هذا الشعور فيبدأ بإغلاق باب الحمام على نفسه”.

لكن الخجل مفهوم شخصي جداً أيضاً، ويوضح الطبيب النفسي ومؤلف كتاب “سأتوقف عن محاربة جسدي” (J’arrête de lutter contre mon corps)، جان كريستوف سيزنيك (Jean-Christophe Seznec): “تختلف المسافة المادية التي تفصل بيننا وبين الآخرين عن المسافة النفسية، ففي حين أنني قد أشعر بعدم الارتياح عند ارتداء سروال قصير في الشارع فإن ذلك قد لا يمثل مشكلةً لك”.

الخجل أصبح صفة منفرة

ترى صوفي شيفال أن الخجل لم يعد صفةً مرغوبةً اليوم، فما كان رمزاً للفضيلة بات يُنظر إليه بوصفه نوعاً من التخلف ولا سيما في ظل الشبكات الاجتماعية التي تشجع على التحرر والانفتاح. ولذلك يشعر الشخص الشديد الخجل أنه فاشل اجتماعياً، خصوصاً أن البعض قد ينظر إلى خجله بوصفه حالة من الضعف؛ ومن ثم فإن تقييمه لذاته يضطرب حينما يرى أنه شخص “شديد الخجل” وفقاً لبعض المعايير الاجتماعية، وتؤدي هذه المعتقدات الخاطئة إلى شعوره بعدم الأمان لأن اختلافه عن المجموعة يُضعف شعوره بالانتماء إليها.

هل يعبر الخجل عن التناقض؟

توضح مختصة التحليل النفسي فيرجيني ميغليه التناقض الذي ينطوي عليه الخجل الشديد؛ إذ إن رغبة المرء في ألا يكون مرئياً هي في الحقيقية تعبير سلبي عن رغبته في أن يكون محط اهتمام الآخرين وحبهم وتقديرهم؛ ولكن لأنه يعاني جرحاً نفسياً قديماً يخل بتقديره لذاته فإنه يحاول جاهداً الاختباء عن الأعين.

وتوضح مختصة التحليل النفسي إن نظرة المرء إلى نفسه محكومة بظروفه الشخصية، بتجاربه الجسدية والنفسية التي تركت أثرها فيه، فإذا كانت هذه التجارب إيجابية سيرغب في الانفتاح على الآخرين. خلاف ذلك، فإنه لن يكون راضياً عن صورته الذاتية ومن ثم لن يتقبل إظهارها.

ربما يدل الخجل على الخوف من نظرات الآخرين

من خلال عدم الظهور أمام الآخرين، فإن المرء يحاول إخفاء مشاعره عنهم أيضاً. ويقول جان كريستوف سيزنيك: “يمكن أن يكون الخجل رد فعل دفاعياً”، إنه طريقة حماية قديمة جداً يأمرنا بها الدماغ العاطفي، فإضافة إلى خوفنا من نظرة الآخرين إلينا، قد نخاف من مشاعرنا في حد ذاتها؛ مثل الشعور بالخزي أو الانفعال، وغير ذلك.

إذ إننا نحترس من أيٍّ مما قد يُكشف عنا ومن ذلك مشاعرنا التي تكشف عما في داخلنا كله، وفي الحقيقة تخيفنا نظرة الآخرين السلبية إلينا أكثر من خوفنا من أن نكشف عن أنفسنا لهم.

كيف تتعامل مع خجلك الشديد؟

حدد سبب خجلك

تقترح المختصة النفسية صوفي شيفال أن تسأل نفسك: “ما سبب خجلي الزائد؟” إذا كان خجلك يرتبط بقيمك فهذا حسن ولا مشكلة في ذلك؛ لذا توقف عن انتقاد ذاتك، فأنت لست مطالباً بالامتثال لأي معايير يفرضها الآخرون. ومن ناحية أخرى، إذا وجدت أن خجلك أو تحفظك الزائد يفرض عليك قيوداً تمنعك من عيش حياتك على نحو سليم فيمكنك الاستعانة بالعلاج النفسي لاكتشاف المشكلة الكامنة خلف خجلك والعمل على حلها.

امنح نفسك التقدير الذي تستحقه

يقول الطبيب النفسي جان كريستوف سيزنك: “نولي أهمية كبيرة لنظرة الآخرين إلينا عادة بغية الحصول على التقدير الذي لم نعرف كيف نمنحه لأنفسنا؛ لكن هذا غير مجدٍ لأن كل إنسان هو الوحيد القادر على منح نفسه هذا التقدير ومن ثم الشعور بالأمان الداخلي.

ويرى سيزنك أن ذلك يتطلب منك العمل على مستويَين؛ الأول هو تعزيز الروابط الاجتماعية لأنها تمنحك الشعور بالتقدير والاطمئنان، والثاني هو الاهتمام بنفسك من خلال ممارسة الرياضة والاسترخاء والعناية بالجسم وغير ذلك.

استمتع بوقتك

تنصحك مختصة التحليل النفسي فيرجيني ميغليه بالاستمتاع بوقتك، ومن بين أمور أخرى، يتضمن ذلك ممارسة أنشطة تحبها مثل القراءة، وتؤكد إنه من الضروري أن تتعلم فعل ما يروقك أنت لا ما يروق الآخرين، ولتحديد النشاط الذي يُشعرك بالبهجة حاول الإصغاء إلى مشاعرك بوعي تام؛ مثلاً كيف تشعر حينما تطبخ أو تقرأ؟

تجربة شخصية

تقول لمى ذات الـ 46 عاماً وهي عالمة اجتماع: “نشأتُ في عائلة تتسم بالتحفظ ولذلك فقد كنت بدوري إنسانة خجولة واعتدتُ أن أتجنب الظهور أمام الآخرين فلم أكن راضية عن ذاتي أو مظهري، إلى أن أصبت بالإكزيما (التهاب الجلد التأتّبي) منذ 10 سنوات، فكان هذا المرض طريقة جسدي للتعبير عما كنت أخفيه في أعماقي الذي كان يجب أن يظهر بطريقة أو بأخرى. لاحقاً لذلك، لجأت إلى العلاج النفسي وقد ساعدني على استعادة الثقة بنفسي والآخرين تدريجياً، وبعد أن تآلفت مع ذاتي صرت راضيةً كل الرضا عن مظهري أيضاً”.

المحتوى محمي !!